• ×

09:07 مساءً , الأحد 20 جمادي الثاني 1446 / 22 ديسمبر 2024

الأستاذ خالد إبراهيم الواصل يكتب عن إستاذه عبدالرحمن المنير

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 رحمك الله استاذنا أبا عبدالله

في يوم الثلاثاء 1439/5/6هـ جاء نعي أستاذنا المربي القدير والأستاذ الأريب الأديب الكبير عبدالرحمن بن منير بن مساعد النفيعي رحمه الله رحمة واسعة معلم اللغة العربية في ثانوية عنيزة العامة وقد صلينا عليه بعد صلاة مغرب ذلك اليوم ودفناه في مقبرة الرحمة رحمه الله عندها تذكرت قول شوقي في رثائه لعلي بهجت :
أحقُّ أنهم دفنوا عليَّا
وحطُّوا في الثرى المرءَ الزكيّا؟
فما تركوا من الأَخلاق سَمْحاً
على وجه التراب، ولا رضيَّا؟
مضوا بالضاحك الماضي وألقوا
إلى الحُفَر الخَفيفَ السَّمْهَرِيَّا
فَمَنْ عَوْنُ اللغاتِ على مُلِمٍّ
أصاب فصيحها والأعجميَّا؟
حياة معلم طفئت وكانت
سراجاً يُعجب الساري وضيا
ومن تتراخى مدته فيكثر
من الأحباب لا يحصي النعيا
وميت ضجت الدنيا عليه
وآخر ما تحس له نعيا
وقول محمود غنيم:
عام وآخر مقبل ومودع​​
شيعت نعشاً واحتفلت بمولدِ
وإني إذ أكتب هذا إنما هي تباريح ومشاعر أبت إلا أن تخرج وفاءً لهذا لأستاذ القدير الذي له فضل كبير على أجيال كثيرة تخرجت تحت يديه ، مع يقيني من أن هناك الكثير من طلابه ومحبيه هم أولى مني بالكتابة عنه وعن تاريخ هذا العالم المتخفي – إن صح التعبير-كما قيل:
كم جاهلٍ في الثريا​​
وعالمٍ متخفي
كما يصدق عليه قول أبي الحسن التهامي:
ومن الرجال معالم ومجاهل​​
ومن النجوم غوامض ودراري
فهو من معالم الرجال ولوامع النجوم وله من اسمه المنير نصيب.
درسنا الأستاذ عبدالرحمن في ثانوية عنيزة وكان درسه بالنسبة لنا كطلاب حديقة غناء نتفيأ فيها ظلال الأدب والشعر والبلاغة ، والنحو ، والتاريخ ، والعلوم الشرعية ، نقطف فيها أزهاراً منوعة من كل فن ، فقد كان رحمه الله رجلاً موسوعياً له في كل فن نصيب ، وإن كان مجال اللغة والأدب هو الأغلب ، وقد كنا ننتظر درسه بشوق ولهفة ونسعد به كثيراً لما فيه من تنوع في الطرح مع عمق في المعلومة ، مضافاً إليه تعامل أبوي لطيف لا يخلو من دعابة ، فقد كان يتعامل معنا كأبناء له ، ولا أذكر خلال سنتين درسنا فيها أنه تكلم أو أغلظ القول لطالب على الرغم من وجود سلوكيات لدى البعض غير مناسبة ، وكان أكثر ما يجذبنا ويشدنا لدرسه ذلك الطرح المنوع من المعارف والمعلومات والتاريخ ، وكثيراً ما حدثنا عن تدريسه في المعهد العلمي في المدينة النبوية ، وكان فخوراً جداً بتلك الفترة من عمله حيث عاصر فيها كبار العلماء من أمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله والذي كان مبهوراً بسعة علمه في الشريعة واللغة والشعر والذي كان له أثر بالغ – فيما أظن – على مسيرة الأستاذ عبدالرحمن العلمية ، وقد كان يحضر دروسه بعد صلاة العصر في المسجد النبوي ، وكان مما ذكره لنا أنه كثيراً ما يرى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يحضر في حلقة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وكان هذا موضع إعجاب منه بتواضع الشيخ عبدالعزيز بن باز ، وقد ذكر أنه مرةً حضر درساً للشيخ محمد الشنقيطي بعد صلاة العصر ، وقد بدأ الشيخ يروي الأشعار التي قيلت في يوم بدر فأذن المغرب والشيخ لم ينته من روايتها!! ، وقد ذكر أنه درَّس بعض أبناء الشيخ الشنقيطي في المعهد العلمي ، وقد كانوا يناقشونه في بعض مسائل اللغة ، وأحياناً يحتجون عليه بقولهم : إن الشيخ (يقصدون والدهم) يرى هذا القول ، فيقول لا رأي لي بعد رأي الشيخ .
ومما يتميز به الأستاذ عبدالرحمن تواضعه الجم مع غزارة علمه فكثيراً ما يطرح آراء ويقول : لا تنقلون ذلك عني ، وكان شاعراً فحلاً لكنه كان ينكر ذلك تواضعاً منه ، حتى رأينا قصيدةً له في رثاء زميله في المدرسة الأستاذ/عبدالله السناني رحمه الله والذي توفي عام 1407هـ ، وله قصيدة عصماء من أجمل ما قيل في رثاء الشيخ ابن باز رحمه الله المتوفى عام 1420هـ ، وقصيدة أخرى في رثاء الشيخ محمد العثيمين رحمه الله المتوفى عام 1421هـ ، وكذلك اطلعت أخيراً على مرثية له في الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله المتوفى عام 1393هـ ، ولا شك أن له الكثير من القصائد التي لم تنشر ، وقد تكون متداولة بين بعض طلابه وخواصه .
ومما تميز به الأستاذ عبدالرحمن بأنه قارئ نهم في فنون متنوعه ولكنه مع ذلك فهو قارئ واع ٍ يقرأ قراءة المستفيد والناقد في آن واحد ، و كثيراً ما يستدرك على المؤلف أو الكتاب ويصحح بعض المعلومات أو يبدي رأيه حول بعض أفكار الكتاب والكاتب ، بل كان ينقد مقررات الوزارة في النحو والأدب والبلاغة ، والتاريخ نقداً بناءً مبنياً على شواهد ومراجع ، وكانت له طريقة فريدة في شرحه ، فبعد دخوله للفصل يسأل الطلاب عن أحوالهم وآخر الأخبار سواءً في المدرسة أو خارجها ، وعن المواضيع المطروحة في إذاعة المدرسة ويعلق عليها ، ثم إذا أراد البداية بشرح الدرس أنزل عقاله من على رأسه ووضعه على الطاولة وبدأ بشرح الدرس ، وتظهر عليه علامات الجد والصرامة أثناء الشرح ، وكنا ندرك ذلك فلا نحاول أن نقاطعه أثناء فترة الشرح ، ثم بعد أن ينتهي الشرح يعود فيضع عقاله فوق رأسه ، وتنفرج أساريره ، ونعود لسابق حالنا معه في الأنس به ، والأسئلة الثقافية المتنوعة ، هذا الأسلوب بالشرح والتعامل والإخلاص في العمل أثر كثيراً في طلابه ، لاسيما أنه كان يربي طلابه بالقدوة وليس بالكلام كما يقول الشاعر الشعبي:
ترا كثر الحكي ما يجعلك شيخ​​​

إفعل وتلقى عند ربعك شهادة.

وقد استمر تواصل بعضنا معه بعد التخرج وإن كان على فترات متباعدة لكننا لم ننقطع تماماً عنه ، وقد كان رحمه الله يفرح ويأنس بتلك الزيارات له سواءً في بيته أو في مزرعته .
ولدى كثير من طلابه ومحبيه وخواصه ومن زامله في التدريس الكثير من القصص والمواقف التي تبين نبل هذا المعلم وتواضعه وسعة علمه .
وأخيراً أدعو طلابه ومحبيه الذين وفوا معه حياً أن يواصلوا وفائهم له بعد وفاته ، وذلك بتبني مشروع وقف خيري يكون صدقة جارية له .
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به في مستقر رحمته في الفردوس الأعلى ، اللهم اغفر لأبي عبدالله ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ونور له فيه .

​​​​​​​​كتبه: خالد بن إبراهيم الواصل
​​​​​​​​الخميس 1439/5/8- عنيزة
 0  0  1948

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.