• ×

02:21 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

الإسلام وحماية البيئة وعدم الإفساد في الأرض

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله نهى عن الفساد في الأرض بعد إصلاحها..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان،وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله،أرشد الأمة إلى طريق السعادة ودخول الجنان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقبت الدهور والأزمان..أما بعد فاتقوا الله عباد الله ..
يقول الله تعالى(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ))و يقول سبحانه ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ))
إنها آياتٌ تبين عظيم صنع الله وروعته وعظمة الصانع سبحانه وتعالى،الذي خلق كل شيء جميل .. والإسلام عباد الله أمر بكلّ خير،ونهى عن كلّ شرّ،وأمر بسائر الآدابِ ومحاسنِ الأخلاق،ومن الأشياء التي أمر بها الدين القويم المحافظة على البيئة والاهتمام بها،وهذه المحافظة في مصلحة الفرد والمجتمع..فما هي البيئة ولماذا نحافظ عليها؟؟!
أيها الأحبة..نظرةُ الإسلام للإنسانِ والكونِ والحياةِ، تؤخذ من القرآن و السنة ، فالإنسان مستخلف في الأرض ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ))وهذه الخلافة في الأرض يترتب عليها مسؤولية جسيمة ..
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون.."فمفهوم الاستخلاف للإنسان هو خيرُ رابط بين الإنسانِ وبيئته. فخالق الإنسان والبيئة واحد وهو الله سبحانه((الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ))والكائن البشري غير منفصل عن البيئة؛ فهو عنصر مهم من عناصرها ..
أيها الإخوة :تمثل حماية البيئة الطبيعية والاجتماعية هدفاً من أهم أهداف الإسلام الحيوية، وتوضح مظهراً ن أبرز مظاهر عناية الإسلام بسلامة الإنسان وحماية الطبيعة، وحرصه على نظام الحياة وسعادة النوع البشري واستمرار وجوده على هذه الأرض، ذلك لأن سلامة النوع البشري وما تعايش معه من مخلوقات حية، يجب حمايتها من التلوث و التخريب ..وقد اتخذ الإسلام خطوات فريدة لحماية الصحة والبيئة وسلامة الحياة ..منها:التوعية والتثقيف والتربية على العناية بالصحة والطبيعة، وحماية الأحياءِ والحياةِ على هذه الأرض، مُنطلقاً من مبدأٍ عقدي هو أن ما صنعته يد الخالقِ سبحانه يتصف بالكمالِ والإتقانِ والصلاحِ، ولا شيءَ خُلقَ عَبثاً في هذا الوجود((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)) وإن تصرَّفَ الإنسانِ الأناني أو المنطلقِ من الجهلِ والعدوانيةِ يدفعهُ إلى تخريب لبيئة والإفساد((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ))وخاطب الإنسان مدافعاً عن البيئة وسلامة الحياة بقوله((وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)) أي بعد ن أصلحها الله ..
و من حمايةِ البيئةِ حثُ الإسلامِ على الطهارةِ و ذلكَ بتربيةِ الإنسانِ على الطهارةِ والنظافةِ والدعوةِ إلى تنظيف الجسدِ والثيابِ والأواني والأثاثِ يقول تعالى :
((وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)) ((وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ ))وبذلك جعل الطهارة وحماية البيئة من التلوث نعمة يجب الشكر عليها لله سبحانه و بها تتم النعم، ومنه نفهم أن نعمة الصحة والسعادة والمال و غيرها من النعم ناقصة من غير طهارةِ البيئةِ وحمايتها من التلوث والفساد ذلك لأنها تبقى مهددة بالتخريب والزوال.
ويتسامى الفكر الإسلامي و حضارته عندما يقرر أن الله خالق الوجود يحب _أي يريد للعباد _ الحياة الطبيعية والطاهرة التي لا تلويث فيها ولا قذارة، فيعبر الرسول الهادي صلوات الله و سلامه عليه عن هذا المنهج بقوله: "إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة".وكما يحث الإسلام على الطهارة، فإنه ينهى عن تلويث البيئة وإفسادها، جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من نهيه عن البصاق على الأرض لما له من مضارّ صحية ومردودات نفسية تخالف الذوق وتثير الاشمئزاز و هو ما يفعله بعض الناس اليوم ..
وكما ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البصاق، فإنّه ينهى عن التغوّط تحت الأشجار المثمرة، والتبوّل في المياه الراكدة والجارية وعلى الطرقات، حمايةً للبيئة وحفظاً للطهارة والصحة.
ونستطيع أن نُشخّص أهمية هذه الوصايا في حماية البيئة، إذا عرفنا خطر فضلات الإنسان على الصحة وتلوث البيئة، لاسيما المياه التي تساعد على نمو الجراثيم وانتشارها عن طريق الشرب والغسل، والخضروات التي تُسقى بها.
روي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتغوّط الرجل على شفير بئر ماء يُستعذبُ منها، أو نهر يُستعذب، وتحت شجرة فيها ثمرتها".
روى أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه:" نهى أن يبول أحد في الماء الراكد " و مما يضر بالبيئة ما يتساهل به بعض المزارعين بلا خوفٍ من الله بوضع المبيدات و الكيماويات في غير وقتها على الخضار و الفواكه التي تجلب للأسواق و تسبب الأمراض للناس و هذا ضرر بيئيٍ وخلقي.
ومن هنا ندرك اهتمام هذا التشريع بحماية الإنسان والحفاظ على صحته وحياته المدنية.
ولقد لخّص الفقهاء حماية الإنسان: (بجلب المصالح ودرء المفاسد و المضرة و المنفعة ..والمصلحة والمفسدة فلا ضرر ولا ضرار،وعند تطبيق هذه المبادئ الشرعية على ما ألزمت به الشريعة الإسلامية تدرك قيمة التشريع الإسلامي وحرصه على درء المفاسد و الأضرار الصحية التي أثبتتها البحوث والدراسات العلمية على الأرض و الإنسان ..
ولا يخفى أنّ مشكلة الإنسان لاسيما في المدن الكبرى، الآن هي مشكلة التخلص من فضلات الإنسان وأخطار التلوث بفضلات المصانع و المعامل و مجازر الحيوانات وفضلاتها لأنّها من أوسع مصادر التلويث بالجراثيم والأمراض الجرثومية المسببة للأمراض و هذا من جلب الفساد للأرض .
عباد الله ..إن تفاقم المشكلات البيئية في العالم أجمع وما ترتب عليها من مخاطر تُهدِّدُ كلَّ الكائنات على السواء و أصبح من الأمور التي تستوجب من الجميع المشاركة الفاعلة في مواجهة تلك المشكلات البيئية سواء أكانت مشكلات بيئية كتلوث الهواء و الماء ـ التلوث الإشعاعي و الضوضاء ـ و تلوث التربة و الغذاء) أم مشكلات معنوية كالتلوث الخلقي و الثقافي و السياسي و الاجتماعي و الفضائي و الانترنت و لا شك أن هذا أخطر على الدين و الإنسان!!..
تشير الإحصاءات إخوتي إلى أن العالم قد خسر في عام واحد فقط، حوالي ستة و ثلاثين نوعاً من الحيوانات الثديية و أربعةً و تسعين نوعاً من الطيور بالإضافة إلى تعرض ثلاثمائة و أحد عشر نوعاً آخر للخطر، أما الغابات فهي في تناقص مستمر بمعدل اثنين بالمائة سنويا نتيجة الاستنزاف وكذلك التربة فإنها تتناقص باستمرار بمعدل سبعة بالمائة نتيجة الإنهاك المستمر بالزراعة الكثيفة أو الري الكثيف، مما يؤدي إلى ملوحة التربة وتصحرها.
وكذلك هناك فقد كبير للغابات و الأشجار و تُعدُّ خمسة عشر بالمائة من أنهار العالم ملوثة و تحتاج بعض البحار في العالم إلى مئات السنين للتخلص من التلوث الذي أصابها ..و من العجب أن البلدان الكبرى المتطورة كما يزعمون في العالم التي تدعي المحافظة على البيئة هي أكثر الدول المسببة للتلوث بنسبٍ عالية كأمريكا و أوروبا و الصين و غيرها ..
كذلك تسود استخدامات المياه في العالم ممارسات خاطئة تؤدي إلى ندرة المياه ونضوبها، عدا عن الانخفاض الطبيعي الحاصل في منسوب المياه الجوفية في باطن الأرض خصوصاً في بلادنا الأمر الذي يُهددنا بخطر حقيقي.
إن هذه الحقائق والإحصاءات توضح مدى خطورة الوضع الذي وصلت إليه الأرض نتيجةَ سوء استخدام البيئة من قبل الإنسان بسبب الإفساد في الأرض بعد إصلاحها،وهي مظاهر تستلزم التدخل السريع للإنقاذ، ولا إنقاذ للبشرية إلا بالإسلام.
و جاءت الأديان السماوية كلها تدعو الإنسان إلى المحافظة على البيئة ، وتحرم عليه تلويثها وإفسادها ؛ لأن الله خلقها من أجله وسخرها لخدمته ومنفعته ((وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)) إلى قوله تعالى(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))إن الكون مسخر بأمر الله للإنسان فيجب عليه أن يحافظ على نظافته ونظامه الدقيق البديع الذي خلقه الله عليه.
عباد الله ..إن الإسلام يحرص ويحث على حماية البيئة فحمايتها تعد السبيل الأقوم للحفاظ على الإنسان، والخطوة الأولى في هذا السياق تمثلت في دعوة الإسلام إلى عدم الإسراف ومن ثم استنزاف الموارد الطبيعية وتبديدها((كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) ((وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ *الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ))وكذلك بقية العناصر الطبيعية من ماء وهواء أولاهما الإسلام عناية كبرى، وسر ذلك كونهما عنصرين أساسيين يتوقف عليهما وجود الإنسان والنبات والحيوان واستمرار حياتهم((وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ))وكذلك حث صلى الله عليه وسلم على حماية البيئة ومكوناتها، فكان يوصي الجيوش بأن لا تقتلن امرأة،ولا صغيرًا رضيعًا، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تحرقن نخلاً، ولا تقلعن شجرًا، لا تهدموا بيوتًا (رواه مسلم هذا في الحرب ومن باب أولى في السلم، حيث تزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة؛ و يقول صلى الله عليه وسلم"ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان له صدقة" رواه مسلم..تشجيعاً على الشجرة لا أن يكون سبباً في قطع الأشجارِ و الاحتطابِ الجائر على الغابات التي تمثل حمايةً للأرض والهواء والنبات..ينبغي أن يكون ذلك منه بصفة متواصلة"غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون" ولا يغيب عن أذهاننا قوله صلى الله عليه وسلم: "‏ إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِى يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا "‏إنه منتهى الأمل وتواصل العمل بدون كلل.ومرَّ صلى الله عليه وسلم بصحابي يتوضأ فقال: "ما هذا السرف؟" فقال: "أفي الوضوء إسراف؟" قال "نعم وإن كنت على نهر جارٍ" ( رواه ابن ماجه. ويقول أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه "لا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرًا إلا لمأكله " فاحرصوا عباد الله على حماية البيئة و الحفاظ على مقدرات الأرض التي ذللها الله لنا لنعيش فيها فهذا من تعاليم إسلامنا حافظوا على المنتزهات البرية و الطبيعية و على نظافتها فإن مما يؤسى له أن تراها في بلادنا و عدد من بلاد المسلمين ممتلئة بالقاذورات و سوء التنظيم و سوء الاستفادة منها و ديننا دين النظافة و الطهارة فالإسلام مدرسة وقرآننا منهج والسنة تعليم لهذا المنهج فهل تعلمنا الدرس و حافظنا على البيئة قبل فسادها بصنع أيدينا ((وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ*أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )) ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ))نسأل الله جلا و علا أن يهيئ لنا كل خير و يبعد عنا كل شر و يدلنا على الصواب و يبعد عنا الخطأ و الزلل ..و نسأله شكر نعمته و المحافظة عليها ..

الخطبة الثانية مختصرة ..




 0  0  1048

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.