الحمد لله على كل ما يوليه ربنا ويسديه،وما يتفضل به علينا ويعطيه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،صلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه،وعلى آله وأصحابه وتابعيه وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ..
القارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم,وصحبه الكرام رضي الله عنهم،يجد فيها بلسماً شافياً وقدوةً حسنة،لمن يرجو الله واليوم الآخر،رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه,بذلوا للدين أرواحهم وأموالهم وأعمارهم,مهاجرون أجلاء,هجروا البلاد والرحم,وفرُّوا بدينهم لله ورسوله, وأنصارٌ كرماء، تبوّؤُوا الدار والإيمان,يُحبونَ من هاجرَ إليهم,ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا, ويُؤثرون على أنفسهم, ولو كان بهم خصاصة..واليوم نأخذ نموذجاً منهم هو من سادة الأنصار،شابٌ صالح,قائدٌ همُام,تسابقت الملائكة للصلاة عليه,واهتزّ لموته عرشُ الرحمن,ولمَّا يَبْلغ الأربعين،سيد الأوس سعد بن معاذ، رضي الله عنه وأرضاه، أسلم قبل هجرة النَّبي صلى الله عليه وسلم بعام تقريباً، ذكر بن إسحاق..أن أسعد بن زرارة رضي الله عنه وهو ممن أسلم في بيعة العقبة الأولى خرج بمصعب بن عمير رضي الله عنه يريد به دعوة بني عبد الأشهل..فدخل حائطاً من حوائطهم فجلسا فيه،واجتمع إليهم رجال ممن أسلم يتدارسون شيئاً من القرآن..فأقبل عليهم سعد بن معاذ مُغضباً،يلوح الشرُ في وجهه،فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير.. أي مصعب جاءك والله سيدَ قومه،إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان..فلما وقف عليهما قال لأسعد بن زرارة..يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمتَ هذا مني،أتغشانا في دارنا بما نكره..فقال له مصعب..أو تقعدَ فتسمع؟فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته،وإن كرهته كفننا عنك ما تكره..قال سعد.. أنصفت،ثم ركز حربته وجلس،فعرض عليه مصعب الإسلام وقرأ عليه القرآن قال..فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقة وجهه وتسهله،ثم قال لهما..كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في هذا الدين؟قال..تغتسل وتتطهر وتطهر ثوبيك،ثم تشهد شهادة الحق،ثم تصلي ركعتين.فلما أسلم وقف على قومه, فقال.. يا بني عبد الأشهل, كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا.. سيدنا وأيمننا نقيبة، فقال.. فإن كلامكم عليَّ حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فما بقي رجل ولا امرأة في دار بني عبد الأشهل إلا وأسلموا،فكان من أكثر الصحابة بركة على قومه رضي الله عنه.
هل تعملون كم كان عمره حين أسلم ثلاثون سنة..ملكَ قلوبَ قومه بخلقه،فأحبوه, ولما أحبوه أطاعوه،أحبوه لأنه كان قوياً من غير عنف، ورحيماً من غير ضعف، استجابوا له؛ لأنهم عرفوا صدقه معهم، وحبّه للخير لهم،وعَوْنه للمحتاج منهم وما أجمل الداعي إلى الله حين اهتم يقتفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, وصحبه الكرام في دعوتهم؛ فهي نبراس وأسوة .
لقد كان سعدٌ رضي الله عنه قوياً ذا عزة ومنعة في الجاهلية، وزادَه الإسلامُ عزَّةً ومنعة، في البخاري "أن سعداً ذهب إلى مكة معتمراً، فنزل على أميةَ بن خلف وكان أمية ينزل على سعد إذا مرّ بالمدينة لتجارته بالشام فقال له..انتظر حتى إذا انتصف النهار,وغفل الناس طفتَ..فبينما سعدٌ يطوف إذ أتاه أبو جهل،فقال..من الذي يطوف آمناً؟فقال..أنا سعد.فقال أتطوف آمناً،وقد آويتم محمداً وأصحابه؟قال نعم،فتلاحيا.فقال أمية..لا ترفع صوتك على أبي الحكم؛ فإنه سيد أهل الوادي.فقال له..والله لو منعتني لقطعت عليك متجرك بالشام..فردّد عليه أمية مقولته.فغضب سعد, وقال..دعنا منك, فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك..فقال أمية..إياي؟قال.. نعم.فقال..والله ما يكذب محمد، فقتله الله تعالى في بدر"
ولقد كانت لسعدٍ في الإسلام مواقف عظيمة وخالدة,فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم عندما أراد الخروج لبدر استشار الناس, فتحدث أبو بكر,والمقداد بن عمرو من المهاجرين, فأحسنوا ودعا لهم صلى الله عليه وسلم ثم قال.." أشيروا عليَّ أيها النَّاس وإنَّما يريد الأنصار وذلك أنَّهم كانوا أكثر النَّاس،وحين بايعوه بالعقبة، قالوا.. يا رسول الله، إنَّا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا، نمنعك ممَّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله يتخوَّف ألَّا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلَّا ممَّن دَهَمه بالمدينة من عدوِّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم، فلمَّا قال صلى الله عليه وسلم ذلك، قال له سعد بن معاذ.. والله لكأنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال.. أجل. قال.. لقد آمنَّا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السَّمع والطَّاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله. فوالذي بعثك بالحقِّ، إن استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك، ما يتخلَّف منَّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غدًا، إنَّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللِّقاء، ولعلَّ الله يريك منَّا ما تقرُّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله. فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشَّطه ذلك، ثمَّ قال.. سيروا على بركة الله وأبشروا، فإنَّ الله قد وعدني إحدى الطَّائفتين، والله لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم) رواه الطبراني فنعم المستشير, ونعم المستشار..
عباد الله, لقد شهد سعدٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهدَ كُلَّها، ورُميَ يومَ الخندق في أكحله بسهم،فنزف منه شهراً,وعاده النبي صلى الله عليه وسلم,ثم مات شهيداً في السنة الخامسة..وكما هو معروف, فإن غزوة الخندق قامت فيها قريش وغطفان بمعاونة يهود بني قريظة, التي خانت العهد..بمحاصرة المسلمين في المدينة، فلما هزم الله تعالى الأحزاب، دعا سعد بن معاذ ربه أن لا يميته, حتى تقرَّ عينُه من بني قريظة، الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله تعالى، فتوقف جرحه عن النزيف، فما قطرت منه قطرة، فأقر الله عينه, وحكَّمهُ رسول الله فيهم,واستجاب الله لسعدٍ دعاءه, فانفتقَ عرقه, ومات رضي الله عنه..فجمع الله له بين الصحبة والشهادة,والموت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشرفِ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه. ولما نقضَت بنو قريضة العهد، وغدروا في غزوة الأحزاب حكَّم فيهم رسول الله سعدَ بنَ معاذ، وقد كان حليفاً لهم وصديقاً في الجاهلية، قبل قدوم رسول الله المدينة، ففرحوا بذلك، وظنوا أن سعدًا سوف يعاملهم بالحسنى، ويحكم فيهم بالسهل اليسير، وأنَّى لمؤمنٍ آمنَ بالله، وصَدَّق برسوله, أن يكون كذلك؟!فلما أقبل سعدٌ على رسول الله, جعلوا يقولون له..يا أبا عمرو،أحسن في مواليك؛فإن رسول الله إنما ولاّك عليهم لتحسن فيهم،فلما أكثروا عليه, قال رضي الله عنه وأرضاه..لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم قال..عليكم عهدُ الله وميثاقه, أن الحكمَ فيهم لِمَا حكمت؟! قالوا.. نعم،قال.. وعلى مَن ها هنا يعنى رسولَ الله،وهو معرض عنه إجلالاً له، فقال.."نعم"،فقال سعدٌ رضي الله عنه وأرضاه.. فإني أحكم فيهم بأن تُقتلَ الرجال,وتُقسمَ الأموال, وتُسبى الذراري والنساء، فُسرَّ عن رسول الله ثم قال.. "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات"ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى سوقِ المدينة، فخندق فيها خنادق،ثم أُرسلوا إليه عشرة عشرة, تُضرَبُ أعناقُهم وأتى بعدوّ الله حُيي بن أخطب,وعليه حلّة قد شقّها من كل ناحية قدر أنملة؛ لئلا يُسلبهَا ويستفيدَ منها أحداً، حِقداً منه وطمعاً وكُرهاً..فأتي به مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما أبصرَ رسولَ الله قال.. أما والله ما لُمت نفسي قطُّ في عداوتِك، ولكنه من يَخذُلِ الله يُخذل، ثم جلس فضرِبت عنقه(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) في الصحيحين أنه أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ثوبٌ حرير فتعجب الصحابة من لينهِ ونعومةِ مَلْمَسِه، فقالَ صلى الله عليه وسلم.."أتعجبون من لينِ هذه؟ والذي نفسي بيده لمناديل سعد بالجنة، خير من هذا".وروى النسائي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال.."هذا الذي تحرَّك لموته العرش،وفُتِحت له أبواب السماء،وشهده سبعون ألف من الملائكة، لقد ضُمَّ ضمة, ثم فرج عنه".قال الذهبي- رحمه الله-.."وليس هذا الضغط من عذاب القبر في شيء،بل هو من رَوَعَات المؤمن,كنزع روحه، وكألمه من بكاء حميمه،وكروعته من هجوم ملكي الامتحان عليه، وكروعته يوم الموقف, وساعة ورود جهنم، كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم ولا خوف؟ نسأل الله العافية والسعادة ،وأن يحشرنا في زمرة سعد ".بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..أما بعد..
وبعد عباد الله، إن سعدَ بن معاذ رضي الله عنه، عاش في الإسلام قرابة ستة أعوام، ومع ذلك اهتز عرشُ الرحمن لموته،لمكانته عند الله تعالى،تلك المكانة التي اكتسبها بإيمانه وإخلاصه, وعمله الصالح في ستة أعوام فقط،وليس ذلك بغريب فقد ورد عن بكر عن عبد الله المزني(أن أبا بكر وهو الذي وزن الأمة بإيمانه لم يسبق بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بإيمان وقرَ في صدره يقصد الإيمان)وإن منا معشر المسلمين, من عاش أضعاف أضعاف هذه المدة لايغضب لوقوع المنكرات مع كثرة خطاياه وإسرافه على نفسه ,واعتدائه على الناس وأعراضهم وأكل حقوقهم والتجاوز على الغير وشتان مابين المقامين ولذلك بعضهم كما في القرآن إذا قدم إلى ربه (يقول يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..نسأل الله أن يهدينا جميعاً ويسخرنا لخدمة ديننا ورفعته..وأن يجعلنا من السابقين ويُعاملنا بعفوه..
السلام على سعد بن معاذ، سلام الله عليه يوم ولد, وسلام الله عليه يوم مات. وسلام الله عليه يوم يبعث حيا..ويابن آدم عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مُفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به البر لا يبلى والذنب لا يُنسى والديان لا يموت نسأل الله أن يرحمنا برحمته ويعفو عن زللنا بمغفرته إنه جواد كريم..
القارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم,وصحبه الكرام رضي الله عنهم،يجد فيها بلسماً شافياً وقدوةً حسنة،لمن يرجو الله واليوم الآخر،رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه,بذلوا للدين أرواحهم وأموالهم وأعمارهم,مهاجرون أجلاء,هجروا البلاد والرحم,وفرُّوا بدينهم لله ورسوله, وأنصارٌ كرماء، تبوّؤُوا الدار والإيمان,يُحبونَ من هاجرَ إليهم,ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا, ويُؤثرون على أنفسهم, ولو كان بهم خصاصة..واليوم نأخذ نموذجاً منهم هو من سادة الأنصار،شابٌ صالح,قائدٌ همُام,تسابقت الملائكة للصلاة عليه,واهتزّ لموته عرشُ الرحمن,ولمَّا يَبْلغ الأربعين،سيد الأوس سعد بن معاذ، رضي الله عنه وأرضاه، أسلم قبل هجرة النَّبي صلى الله عليه وسلم بعام تقريباً، ذكر بن إسحاق..أن أسعد بن زرارة رضي الله عنه وهو ممن أسلم في بيعة العقبة الأولى خرج بمصعب بن عمير رضي الله عنه يريد به دعوة بني عبد الأشهل..فدخل حائطاً من حوائطهم فجلسا فيه،واجتمع إليهم رجال ممن أسلم يتدارسون شيئاً من القرآن..فأقبل عليهم سعد بن معاذ مُغضباً،يلوح الشرُ في وجهه،فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير.. أي مصعب جاءك والله سيدَ قومه،إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان..فلما وقف عليهما قال لأسعد بن زرارة..يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمتَ هذا مني،أتغشانا في دارنا بما نكره..فقال له مصعب..أو تقعدَ فتسمع؟فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته،وإن كرهته كفننا عنك ما تكره..قال سعد.. أنصفت،ثم ركز حربته وجلس،فعرض عليه مصعب الإسلام وقرأ عليه القرآن قال..فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقة وجهه وتسهله،ثم قال لهما..كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في هذا الدين؟قال..تغتسل وتتطهر وتطهر ثوبيك،ثم تشهد شهادة الحق،ثم تصلي ركعتين.فلما أسلم وقف على قومه, فقال.. يا بني عبد الأشهل, كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا.. سيدنا وأيمننا نقيبة، فقال.. فإن كلامكم عليَّ حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فما بقي رجل ولا امرأة في دار بني عبد الأشهل إلا وأسلموا،فكان من أكثر الصحابة بركة على قومه رضي الله عنه.
هل تعملون كم كان عمره حين أسلم ثلاثون سنة..ملكَ قلوبَ قومه بخلقه،فأحبوه, ولما أحبوه أطاعوه،أحبوه لأنه كان قوياً من غير عنف، ورحيماً من غير ضعف، استجابوا له؛ لأنهم عرفوا صدقه معهم، وحبّه للخير لهم،وعَوْنه للمحتاج منهم وما أجمل الداعي إلى الله حين اهتم يقتفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, وصحبه الكرام في دعوتهم؛ فهي نبراس وأسوة .
لقد كان سعدٌ رضي الله عنه قوياً ذا عزة ومنعة في الجاهلية، وزادَه الإسلامُ عزَّةً ومنعة، في البخاري "أن سعداً ذهب إلى مكة معتمراً، فنزل على أميةَ بن خلف وكان أمية ينزل على سعد إذا مرّ بالمدينة لتجارته بالشام فقال له..انتظر حتى إذا انتصف النهار,وغفل الناس طفتَ..فبينما سعدٌ يطوف إذ أتاه أبو جهل،فقال..من الذي يطوف آمناً؟فقال..أنا سعد.فقال أتطوف آمناً،وقد آويتم محمداً وأصحابه؟قال نعم،فتلاحيا.فقال أمية..لا ترفع صوتك على أبي الحكم؛ فإنه سيد أهل الوادي.فقال له..والله لو منعتني لقطعت عليك متجرك بالشام..فردّد عليه أمية مقولته.فغضب سعد, وقال..دعنا منك, فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك..فقال أمية..إياي؟قال.. نعم.فقال..والله ما يكذب محمد، فقتله الله تعالى في بدر"
ولقد كانت لسعدٍ في الإسلام مواقف عظيمة وخالدة,فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم عندما أراد الخروج لبدر استشار الناس, فتحدث أبو بكر,والمقداد بن عمرو من المهاجرين, فأحسنوا ودعا لهم صلى الله عليه وسلم ثم قال.." أشيروا عليَّ أيها النَّاس وإنَّما يريد الأنصار وذلك أنَّهم كانوا أكثر النَّاس،وحين بايعوه بالعقبة، قالوا.. يا رسول الله، إنَّا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا، نمنعك ممَّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله يتخوَّف ألَّا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلَّا ممَّن دَهَمه بالمدينة من عدوِّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم، فلمَّا قال صلى الله عليه وسلم ذلك، قال له سعد بن معاذ.. والله لكأنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال.. أجل. قال.. لقد آمنَّا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السَّمع والطَّاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله. فوالذي بعثك بالحقِّ، إن استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك، ما يتخلَّف منَّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غدًا، إنَّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللِّقاء، ولعلَّ الله يريك منَّا ما تقرُّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله. فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشَّطه ذلك، ثمَّ قال.. سيروا على بركة الله وأبشروا، فإنَّ الله قد وعدني إحدى الطَّائفتين، والله لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم) رواه الطبراني فنعم المستشير, ونعم المستشار..
عباد الله, لقد شهد سعدٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهدَ كُلَّها، ورُميَ يومَ الخندق في أكحله بسهم،فنزف منه شهراً,وعاده النبي صلى الله عليه وسلم,ثم مات شهيداً في السنة الخامسة..وكما هو معروف, فإن غزوة الخندق قامت فيها قريش وغطفان بمعاونة يهود بني قريظة, التي خانت العهد..بمحاصرة المسلمين في المدينة، فلما هزم الله تعالى الأحزاب، دعا سعد بن معاذ ربه أن لا يميته, حتى تقرَّ عينُه من بني قريظة، الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله تعالى، فتوقف جرحه عن النزيف، فما قطرت منه قطرة، فأقر الله عينه, وحكَّمهُ رسول الله فيهم,واستجاب الله لسعدٍ دعاءه, فانفتقَ عرقه, ومات رضي الله عنه..فجمع الله له بين الصحبة والشهادة,والموت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشرفِ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه. ولما نقضَت بنو قريضة العهد، وغدروا في غزوة الأحزاب حكَّم فيهم رسول الله سعدَ بنَ معاذ، وقد كان حليفاً لهم وصديقاً في الجاهلية، قبل قدوم رسول الله المدينة، ففرحوا بذلك، وظنوا أن سعدًا سوف يعاملهم بالحسنى، ويحكم فيهم بالسهل اليسير، وأنَّى لمؤمنٍ آمنَ بالله، وصَدَّق برسوله, أن يكون كذلك؟!فلما أقبل سعدٌ على رسول الله, جعلوا يقولون له..يا أبا عمرو،أحسن في مواليك؛فإن رسول الله إنما ولاّك عليهم لتحسن فيهم،فلما أكثروا عليه, قال رضي الله عنه وأرضاه..لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم قال..عليكم عهدُ الله وميثاقه, أن الحكمَ فيهم لِمَا حكمت؟! قالوا.. نعم،قال.. وعلى مَن ها هنا يعنى رسولَ الله،وهو معرض عنه إجلالاً له، فقال.."نعم"،فقال سعدٌ رضي الله عنه وأرضاه.. فإني أحكم فيهم بأن تُقتلَ الرجال,وتُقسمَ الأموال, وتُسبى الذراري والنساء، فُسرَّ عن رسول الله ثم قال.. "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات"ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى سوقِ المدينة، فخندق فيها خنادق،ثم أُرسلوا إليه عشرة عشرة, تُضرَبُ أعناقُهم وأتى بعدوّ الله حُيي بن أخطب,وعليه حلّة قد شقّها من كل ناحية قدر أنملة؛ لئلا يُسلبهَا ويستفيدَ منها أحداً، حِقداً منه وطمعاً وكُرهاً..فأتي به مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما أبصرَ رسولَ الله قال.. أما والله ما لُمت نفسي قطُّ في عداوتِك، ولكنه من يَخذُلِ الله يُخذل، ثم جلس فضرِبت عنقه(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) في الصحيحين أنه أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ثوبٌ حرير فتعجب الصحابة من لينهِ ونعومةِ مَلْمَسِه، فقالَ صلى الله عليه وسلم.."أتعجبون من لينِ هذه؟ والذي نفسي بيده لمناديل سعد بالجنة، خير من هذا".وروى النسائي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال.."هذا الذي تحرَّك لموته العرش،وفُتِحت له أبواب السماء،وشهده سبعون ألف من الملائكة، لقد ضُمَّ ضمة, ثم فرج عنه".قال الذهبي- رحمه الله-.."وليس هذا الضغط من عذاب القبر في شيء،بل هو من رَوَعَات المؤمن,كنزع روحه، وكألمه من بكاء حميمه،وكروعته من هجوم ملكي الامتحان عليه، وكروعته يوم الموقف, وساعة ورود جهنم، كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم ولا خوف؟ نسأل الله العافية والسعادة ،وأن يحشرنا في زمرة سعد ".بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..أما بعد..
وبعد عباد الله، إن سعدَ بن معاذ رضي الله عنه، عاش في الإسلام قرابة ستة أعوام، ومع ذلك اهتز عرشُ الرحمن لموته،لمكانته عند الله تعالى،تلك المكانة التي اكتسبها بإيمانه وإخلاصه, وعمله الصالح في ستة أعوام فقط،وليس ذلك بغريب فقد ورد عن بكر عن عبد الله المزني(أن أبا بكر وهو الذي وزن الأمة بإيمانه لم يسبق بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بإيمان وقرَ في صدره يقصد الإيمان)وإن منا معشر المسلمين, من عاش أضعاف أضعاف هذه المدة لايغضب لوقوع المنكرات مع كثرة خطاياه وإسرافه على نفسه ,واعتدائه على الناس وأعراضهم وأكل حقوقهم والتجاوز على الغير وشتان مابين المقامين ولذلك بعضهم كما في القرآن إذا قدم إلى ربه (يقول يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..نسأل الله أن يهدينا جميعاً ويسخرنا لخدمة ديننا ورفعته..وأن يجعلنا من السابقين ويُعاملنا بعفوه..
السلام على سعد بن معاذ، سلام الله عليه يوم ولد, وسلام الله عليه يوم مات. وسلام الله عليه يوم يبعث حيا..ويابن آدم عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مُفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به البر لا يبلى والذنب لا يُنسى والديان لا يموت نسأل الله أن يرحمنا برحمته ويعفو عن زللنا بمغفرته إنه جواد كريم..