• ×

11:01 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

رمضان فرصة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله،يغفر الزلاّت،ويقيل العثرات،يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله المؤيَّد بالمعجزات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين،ومن تبعهم بالإحسان والمبرّات.. أما بعد فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أن شياطين الإنس والجان،يُحَسِّنُون القبيحَ ويُقبِّحون الحسن،يدعون للشهوات ويزينونها،ويسهِّلون المنكر وكأنه لا استغناء عنه ثم يقفلون أبواب الأمل للإنسان ويدخلُونَه دائرة اليأس من روح الله والقنوط من رحمته..فيأتيه من ربه ما يُذكِّرُه بالتوبة مرجعاً وملاذاً لتنقذه من اليأس والعذاب برحمة رب الأرباب الذي ليس بينك وبينه واسطة ولا باب..
فهو العليم الحكيم،الرؤوف الرحيم،الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فتح لعباده أبواب التوبة،ودلَّهم على الاستغفار وجعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات،وفي ابتلاءاتهم مُكفرات بل إنه سبحانه يبدِّل سيئاتهم حسنات وهذه التوبة وسعة رحمته(وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً* يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)
أيها الإخوة.. التوبةُ ملاذٌ بالله وندمٌ على ما فات وعدم إصرارٍ على الخطيئة، يحتمي بحِمَى الاستغفار،يُتبع السيئةَ الحسنةَ؛فيكفِّرُ الله عنه سيئاته،ويرفعُ من درجاته..هي تمحو الخطيئات مهما عظمت حتى الكفر والشرك(قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ)فقتلة الأنبياء ممن قالوا إن الله ثالث ثلاثة وقالوا إن الله هو المسيح بن مريم يناديهم المولى سبحانه قائلاً..(أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)فتح ربكم أبوابه لكل التائبين،يبسطُ يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل،يُخاطبكم..(يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم..ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيدٍ واحد فسألني كل واحدٍ مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، ويقول الله (قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ)(وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً))ومن ظن أن ذنباً لا يتسع لعفو الله فقد ظن بربه ظن السوء..فكم من عبد كان من إخوان الشياطين فمن الله عليه بتوبةٍ مَحت عنه ما سلف فصار صواماً قواماً قانتاً لله ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه؟
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان فيقول..(قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم )
فيا أيها المؤمن..رمضان فرصة..لديك ذنب فبادر بغسلهِ بماءِ التوبة والاستغفار؛فإنَّ الله يُحب التوابين ويحب المتطهرين في كل وقت..في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم..(إذا أذنب عبد فقال..رب إني عملت ذنباً فاغفر لي فقال الله..علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب،قد غفرت لعبدي،ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخريين حتى قال في الرابعة.. فليعمل ما شاء)يعني مادام على هذه الحال كلما أذنب ذنباً استغفر منه غير مُصرٍ على فعل المعصية وجاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول..واذنوباه مرتين أو ثلاثاً فقال له صلى الله عليه وسلم(قل اللهم مغفرتك أوسع لي من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي،ثم قال له..أعد فأعاد،ثم قال له..أعد فأعاد فقال.. قم فقد غفر الله لك).رواه الحاكم في صحيحه ويأتي رجلٌ فيقول..يا رسول الله..أحدنا يذنب،قال..(يكتب عليه)قال..ثم يستغفر منه قال (يغفر له ويتاب عليه)قال..فيعود فيذنب قال..(يكتب عليه).قال..ثم يستغفر منه ويتوب قال..(يغفر له ويثاب عليه.ولا يَملُّ الله حتى تَملُّوا) وسئل علي رضي الله عنه عن العبد يذنب؟قال..يستغفر الله ويتوب. قيل.. فإن عاد؟ قال.. يستغفر الله ويتوب قيل..قيل حتى متى؟ حتى يكون الشيطان هو المحسور
إِلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّي
وَما لي حيلَةٌ إِلا رَجائي ... وَعَفوُكَ إِن عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنّي
فكم من زلةٍ لي في البرايا..وأنت عليَّ ذو فضل ومنِّ
يَظُنُّ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي ... لَشَرُّ الناس إِن لَم تَعفُ عَنّي
قيل للحسن البصري رحمه الله..[ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال.. وَدَّ الشيطانُ لو ظفر منكم بهذا، فلا تمَلّوا من الاستغفار]..
وبعد التوبة والاستغفار تأتي الأعمال الصالحة من فرض وتطوع تُكفَّرُ بها السيئات، وترفع بها الدرجات..طهارة وصيام وصدقات وحج وجهاد وغيرها[من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله يقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة والصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تُغشَ الكبائر ومن توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وانصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام] رواه مسلم والعمل الصالح باب واسع لا يُحصر من طلب الرزق وإطعام الطعام، وحسن الخلق، والسماحة في التعامل، وطلب العلم، وقضاء الحوائج، وحضور مجالس الذكر، والرحمة بالبهائم، وإماطة الأذى كلها تزيد في توبة الإنسان وتكفير السيئات فأبشروا وأملوا وأحسنوا الظن بربكم..يضاف إلى ذلك يا عباد الله ما يصيب المسلم من البلايا في النفس والمال والولد، وما يعرض له من مصائب الحياة ونوائب الدهر، فهي كفارات للذنوب، ماحيات للخطايا، رافعات للدرجات يصاب الإنسان بالمرض والفناء حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئه..في الصحيحين..(ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله بها خطيئته ورفع درجته حتى الشوكة يشاكها)
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلــما قـرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
قال صلى الله عليه وسلم..(ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)
أيها المسلمون..وفي رمضان فرصة ففي كل ليلة يُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ،وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ..العبدُ إذا اتجه لربه بعزم صادق وتوبة نصوح موقنا برحمة ربه واجتهد في الصالحات دخلت الطمأنينةُ قلبَه وانفتحت أمامه أبواب الأمل،واستعاد الثقة بنفسه،واستقام على الطريقة، واستتر بستر الله(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ)فأين من يريد التوبة هذا بابها مفتوح وبكل وقتٍ دخولها مسموح..اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرّنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا تقبل الله منا الصيام والقيام وأعتق رقابنا من النار يا أرحم الراحمين..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد..فاتقوا الله عباد الله.
أيها الإخوة..ركنٌ من أركان الإسلام أوجبها الله على المسلم عن ماله فابذلوها لا تبخلوا بها أو تتكاسلوا ولتكن في مصارفها التي فرضها الله والأقربون أولى بالمعروف والناس يخرجونها في رمضان طلباً لمزيد الأجر ومن يجهل حال المحتاجين فالحمد لله أن الجمعيات الخيرية الرسمية المتنوعة تكفيك ذلك حيث تبحث حال الفقراء وتنظم الصرف لهم واحذر من دعم جهات لا تعرفها فإن هذا لا يُبرئ ذمتك




 0  0  326

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.