الحمد لله شمل الأنام بواسع رحمته،وصرف العالم ببالغ حكمته،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته،وأن محمداً عبده ورسوله أصدق الناس في عدالته،صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً كثيراً أما بعد..فاتقوا الله معاشر المسلمين واعلموا أن الله هو(عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً*إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ)ويقول الله(قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن في ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)ويقول..صلى الله عليه وسلم..(خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل..((إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بأي أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ))رواه الترمذي
الرؤى والأحلام لها كبير اهتمام فكم أقضّت الرؤيا عظيما من مضجع،وكم بشَّرت أفراداً بمستقبلهم،وكم شغلت شعباً كبيراً برمته،ورؤيا يوسف عليه السلام واضحة،ورؤيا ملك مصر ليست بخافية..لها اهتمام في واقع الناس قبل الإسلام وبعده،وبعض الفلاسفة وضُلّال علماء النفس..ينكرونها ويعتبرونها مجرد خلجات نفسية تعترض النائم..أما الكتاب والسنة فيُبيّن أن الرؤيا المنامية الصالحة حقٌ من عند الله،منها مبشِّرة ومنها منذرة،قال صلى الله عليه وسلم..(ذهبت النبوة وبقيت المبشرات)،قيل..وما المبشرات؟قال(الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له)رواه البخاري وهذه الرؤيا قال عنها صلى الله عليه وسلم(إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب،وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا،ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)متفق عليه..لكن بعضَ النفوسِ مُؤخَّراً يتعلّقُ بالرؤى والمنامات تعلُّقًا خالفوا فيه هديَ السلف،ثم توسَّعوا فيها،وبالحديث عنها والاعتماد عليها،وأصبحت همّاً بالمجالس والمنتديات وانتشر المعبرون للرؤى في ظاهرة غير معروفة تاريخياً وكثر السؤال عن الرؤى والاحتكام إليها وكأننا أمة لا تحسن إلا أن تنام وتعيش بالأحلام!!وأصبح كلٌ يُعبّر الرؤى خطاءً أو لا يعرف التعامل معها،والهدي النبوي لها،كي لا يتجاوزه المرءُ فيطغى،ولا يتجاهله فيعيى بإتعاب نفسه بمعرفة تأويلها،فكيف بالتعلُّق بها والاعتماد عليها، وبناء الحياة عليها بعضهم يرى الرؤيا فتضطربَ حواسُّه وترتعدُ فرائصُه وتُحبَسُ أنفاسه،ثم يسعى باحثاً عن مُعبّرٍ لها ربما لا يعرف حاله،ليُظهَر له أشرٌّ هي أم خير ولو التزمنا الهديَ النبوي لكان أفضل روى مسلم أن أبا سلمة قال..كنت أرى الرؤيا أخاف منها وأمرض حتى لقيتُ أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال..سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(الرؤيا من الله،والحلم من الشيطان، فإذا حَلُمَ أَحدُكم حُلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوّذ بالله من شرها،فإنها لن تضرّه)وفي رواية عند مسلم أيضاً قال أبو سلمة..إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من جبل،فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث، فما أباليها))..فما كل ما يراه النائم يُعدُّ رؤيا تحتاج لتفسير؛فهي ثلاثة أنواع،كما قال صلى الله عليه وسلم..((الرؤيا ثلاث..منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة))رواه ابن ماجه..قال البغوي رحمه الله.. "فيه بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً ويجوز تعبيره،إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل،وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها"..قال رجلٌ يا رسول الله،رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره!!فقال صلى الله عليه وسلم له(لا تُحدّث الناس بتلعّب الشيطان بك في منامك)رواه مسلم
الأصلُ في الرؤيا لا تُذكرُ لأحدٍ أصلا،وإنما يَذكُرُ الله ويتحوّل من جنبه الذي كان عليه. واقرأ آية الكرسي قبل منامك،وهناك رؤى من الشيطان،ونوع ثاني من الرؤى ما يُحدِّثُ به المرء نفسَه في يقظته،كمن يكون مشغولا بسفر أو تجارة وغيره،فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته،وهذه من أضغاث أحلام لا تعبير لها..وهناك رؤيا صادقة صالحة التي تكون من الله، وهي بشارة أو نذارة،وقد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنَه في المنام،أو تكون خافيةً برموز تحتاج فيها إلى من يعبرُّها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام.وهذا نوعٌ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقصَّ إلا على عالم أو ناصح، فقال(لا تُقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح)رواه الترمذي..وما عدا ذلك من رؤى تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة في حلال أو حرام أو فعل عبادة أو تحديد ليلة القدر مثلاً كما أُرِيَها النبي صلى الله عليه وسلم ثم أُنسيَها أو رؤى ينبني عليها آثارٌ متعدية تتعلق بحقوق الناس وحرماتهم وإساءة الظنون بهم من خلال عين أو سحر أو الحكم على عدالتهم ونواياهم من خلالها فإن ذلك كلَّه أضغاثُ وأحلامٍ وظنون لا يجوز الاعتماد عليها ذكر الشاطبي رحمه الله في الاعتصام أن الخليفة المهدي أراد قتل شُريك بن عبد الله القاضي فقال له شريك..ولِم يا أمير المؤمنين ـ ودمي حرام عليك؟! قال.. لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك وأنت تكلمني من قفاك، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها فقال.. هذا رجل يطأ بساطَك وهو يُسِرّ خلافَك، فقال شريك.. يا أمير المؤمنين، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تُسفَك بالأحلام، فنكَّس المهدي رأسه و تراجع ونقل الذهبي رحمه الله عن المروزي قال.. أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وكان رجلاً صالحاً فقال..إن أمي رأت لك مناما هو كذا وكذا، وذكرت الجنة،فقال..يا أخي،إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء، وقال..الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه .
عباد الله..اشتغالُ الناس بالرؤى وتقديسها وصرف الأوقات في تذاكرها،وكثرة السؤال عنها خاصةً النساء خطأ،وأما الكذبُ في الرؤى فإثم عظيم..قال صلى الله عليه وسلم(من تحلّم بحُلُمٍ لم يَرَه كُلّف –أي يوم القيامة – أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل)رواه البخاري وهو كذب على الله ألا فاتقوا الله والتزموا عباد الله بسنة رسول الله و اقتدوا بها في الصحو و المنام ومن باب الإنصاف والمصارحة والنصح أن لا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على الناس فحسب،بل لا بد من تنبيه مَن يعبُرِّون الرؤى،فلا بد أن يكونوا عالمين بها مدركين المصالحَ والمفاسد منها..وألا يبرز نفسه لها وهو غير أهل فتعبيرُ الرؤى قرين الفتيا وقد قال المَلِكُ(يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)يقول ابن القيم رحمه الله.. المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلعُ عليه غيرُهم،فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره"..ثم إنَّ عليهم عدم التسرّع في التعبير أو الجزم بتشخيصٍ أو مرضٍ أو عينٍ وسحر وأن يعلموا خطورةَ ذلك وتعلَّقَ السائلين والسائلات بهم وما يتبعه من افتتان وإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم،سُئلَ الإمامُ مالك..أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال..أبالنبوة يُلعب؟!وكان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول.. اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يَضرُّكَ ما رأيت في النوم، وكان يقول.. إنما أجيبُ بالظن، والظنُّ يُخطئ ويصيب.فإذا كان هذا هو قولُ إمامِ المُعبِّرِين،فما الظن بمن جاء بعده،إننا لنسمع بالمعبِّر يُسأل عن ألف رؤيا في الهاتف والقنوات ولا تسمعه مرةً يقول..لا أدري،أو هذه أضغاث أحلام،أو ذلك حديث نفس،إلا من رحم ربك..أو يحادثون النساء في كل وقت وهذه فتنة والأشدُ تعبيرُ الرؤى من خلال شاشاتٍ يراها ملايين الناس،أو حشودٍ تسمع تعبير الرؤى فتقيس على غير رويّة أو هدى سأل ابن سيرين رجلان كل منهما رأى أنه يؤذِّن،فعبرها للصالح منهما بالحج لقوله تعالى..((وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ))وعبرها للآخر بأنه يسرق لقوله تعالى..((ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ))والشاطبي رحمه الله يقول في مثل هذه الحالة.."فمتى تتعين الصالحة حتى يُحكم بها وتترك غير الصالحة؟!"وتعبير الرؤى بشكلٍ عام تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول..هذا تكهّن أو تخمين أو عرافة،ونحن قد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم،في البخاري عن علي رضي الله عنه..(حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله؟!)وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال..(ما أنت محدث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)فالرؤيا فتوى،كان السلف يتدافعونها ما استطاعوا..ولا بد من الانتباه لما يُشاهدُ ويُسمعُ من تعبير الرؤيا العامّة!! لفتاة مثلاً بأن نكاحها فاشل أو لامرأة بأن زوجها يخونها أو تزوج عليها فالأولى تترقب الفشل والزوجة تنشغل بالشك بزوجها فما بالكم بمن تسمع تفسير الرؤيا فتقيسه على نفسها دون الرجوع للمعبّر!!وأما ما يحتج به بعض الناس من أنه صلى الله عليه وسلم يسألُ أصحابه بعد الفجر فيقول..((من رأى منكم رؤيا؟))فالجواب أن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم،وتعبيره حق لا يشوبه شائبة،وتعبيره بحضور صحابة،ولم يثبت عن أحد منهم كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم من التابعين أنه كان يفعل مثله عليه الصلاة والسلام خاصة أبو بكر رضي الله عنه،الذي شهد له صلى الله عليه وسلم بأنه معبّر للرؤى لم ينقل جلوسه..ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين،اللهم أرنا في منامنا ما يسرنا وفي يقظتنا ما ينفعنا وزدنا بطاعتك قرباً إليك و عملاً يرضيك عنا..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد..فاتقوا الله عباد الله.
عباد الله..رمضان يحلُّ قريباً بالساحات(وحق على المسلم أن يعرف ويستغل شرف الزمان والمكان)فاستعدوا واجتهدوا فهو أفضل الشهور ذنبٌ مغفور ومضاعفة أجور وعتق من النار، كثيرون يستعدون لرمضان بأكل وشرب وسهر وتسوق أو مع الأسف لمشاهدة مسلسلات تجمعهم على لهو ولغو واستهزاءٍ بالمحرمات مما يُضيّع أجرَ رمضان فأكرموا هذا الوافد العظيم وجاهدوا النفوس بالطاعات،ابذلوا الفضل من أموالكم في البر والصلات،وأداء الزكاة،جددوا العهد مع ربكم،وشدّوا العزم على الاستقامة،فكم من مؤمل بلوغ رمضان أصبح رهين القبور،فطوبى لمن أجاب وأصاب وويلٌ لمن طُرد عن الباب..ومن كانت له عادة ذميمة فرمضان فرصة للتخلص منها كهجر الصدقة والقرآن وقطع الأرحام والجيران..
اللهم بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه واقبلنا فيه،وتقبله منا،اللهم زدنا ولا تنقصنا،وأعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا،وآثرنا ولا تؤثر علينا،وأرضنا وأرضى عنا،واجعلنا مجتمعين غير متفرقين،مغفوراً لنا إن كنا مذنبين،وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها،وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة،وكفر عنا سيئاتنا،وأجزل حسناتنا،وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم..
الرؤى والأحلام لها كبير اهتمام فكم أقضّت الرؤيا عظيما من مضجع،وكم بشَّرت أفراداً بمستقبلهم،وكم شغلت شعباً كبيراً برمته،ورؤيا يوسف عليه السلام واضحة،ورؤيا ملك مصر ليست بخافية..لها اهتمام في واقع الناس قبل الإسلام وبعده،وبعض الفلاسفة وضُلّال علماء النفس..ينكرونها ويعتبرونها مجرد خلجات نفسية تعترض النائم..أما الكتاب والسنة فيُبيّن أن الرؤيا المنامية الصالحة حقٌ من عند الله،منها مبشِّرة ومنها منذرة،قال صلى الله عليه وسلم..(ذهبت النبوة وبقيت المبشرات)،قيل..وما المبشرات؟قال(الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له)رواه البخاري وهذه الرؤيا قال عنها صلى الله عليه وسلم(إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب،وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا،ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)متفق عليه..لكن بعضَ النفوسِ مُؤخَّراً يتعلّقُ بالرؤى والمنامات تعلُّقًا خالفوا فيه هديَ السلف،ثم توسَّعوا فيها،وبالحديث عنها والاعتماد عليها،وأصبحت همّاً بالمجالس والمنتديات وانتشر المعبرون للرؤى في ظاهرة غير معروفة تاريخياً وكثر السؤال عن الرؤى والاحتكام إليها وكأننا أمة لا تحسن إلا أن تنام وتعيش بالأحلام!!وأصبح كلٌ يُعبّر الرؤى خطاءً أو لا يعرف التعامل معها،والهدي النبوي لها،كي لا يتجاوزه المرءُ فيطغى،ولا يتجاهله فيعيى بإتعاب نفسه بمعرفة تأويلها،فكيف بالتعلُّق بها والاعتماد عليها، وبناء الحياة عليها بعضهم يرى الرؤيا فتضطربَ حواسُّه وترتعدُ فرائصُه وتُحبَسُ أنفاسه،ثم يسعى باحثاً عن مُعبّرٍ لها ربما لا يعرف حاله،ليُظهَر له أشرٌّ هي أم خير ولو التزمنا الهديَ النبوي لكان أفضل روى مسلم أن أبا سلمة قال..كنت أرى الرؤيا أخاف منها وأمرض حتى لقيتُ أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال..سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(الرؤيا من الله،والحلم من الشيطان، فإذا حَلُمَ أَحدُكم حُلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوّذ بالله من شرها،فإنها لن تضرّه)وفي رواية عند مسلم أيضاً قال أبو سلمة..إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من جبل،فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث، فما أباليها))..فما كل ما يراه النائم يُعدُّ رؤيا تحتاج لتفسير؛فهي ثلاثة أنواع،كما قال صلى الله عليه وسلم..((الرؤيا ثلاث..منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة))رواه ابن ماجه..قال البغوي رحمه الله.. "فيه بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً ويجوز تعبيره،إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل،وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها"..قال رجلٌ يا رسول الله،رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره!!فقال صلى الله عليه وسلم له(لا تُحدّث الناس بتلعّب الشيطان بك في منامك)رواه مسلم
الأصلُ في الرؤيا لا تُذكرُ لأحدٍ أصلا،وإنما يَذكُرُ الله ويتحوّل من جنبه الذي كان عليه. واقرأ آية الكرسي قبل منامك،وهناك رؤى من الشيطان،ونوع ثاني من الرؤى ما يُحدِّثُ به المرء نفسَه في يقظته،كمن يكون مشغولا بسفر أو تجارة وغيره،فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته،وهذه من أضغاث أحلام لا تعبير لها..وهناك رؤيا صادقة صالحة التي تكون من الله، وهي بشارة أو نذارة،وقد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنَه في المنام،أو تكون خافيةً برموز تحتاج فيها إلى من يعبرُّها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام.وهذا نوعٌ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقصَّ إلا على عالم أو ناصح، فقال(لا تُقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح)رواه الترمذي..وما عدا ذلك من رؤى تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة في حلال أو حرام أو فعل عبادة أو تحديد ليلة القدر مثلاً كما أُرِيَها النبي صلى الله عليه وسلم ثم أُنسيَها أو رؤى ينبني عليها آثارٌ متعدية تتعلق بحقوق الناس وحرماتهم وإساءة الظنون بهم من خلال عين أو سحر أو الحكم على عدالتهم ونواياهم من خلالها فإن ذلك كلَّه أضغاثُ وأحلامٍ وظنون لا يجوز الاعتماد عليها ذكر الشاطبي رحمه الله في الاعتصام أن الخليفة المهدي أراد قتل شُريك بن عبد الله القاضي فقال له شريك..ولِم يا أمير المؤمنين ـ ودمي حرام عليك؟! قال.. لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك وأنت تكلمني من قفاك، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها فقال.. هذا رجل يطأ بساطَك وهو يُسِرّ خلافَك، فقال شريك.. يا أمير المؤمنين، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تُسفَك بالأحلام، فنكَّس المهدي رأسه و تراجع ونقل الذهبي رحمه الله عن المروزي قال.. أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وكان رجلاً صالحاً فقال..إن أمي رأت لك مناما هو كذا وكذا، وذكرت الجنة،فقال..يا أخي،إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء، وقال..الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه .
عباد الله..اشتغالُ الناس بالرؤى وتقديسها وصرف الأوقات في تذاكرها،وكثرة السؤال عنها خاصةً النساء خطأ،وأما الكذبُ في الرؤى فإثم عظيم..قال صلى الله عليه وسلم(من تحلّم بحُلُمٍ لم يَرَه كُلّف –أي يوم القيامة – أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل)رواه البخاري وهو كذب على الله ألا فاتقوا الله والتزموا عباد الله بسنة رسول الله و اقتدوا بها في الصحو و المنام ومن باب الإنصاف والمصارحة والنصح أن لا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على الناس فحسب،بل لا بد من تنبيه مَن يعبُرِّون الرؤى،فلا بد أن يكونوا عالمين بها مدركين المصالحَ والمفاسد منها..وألا يبرز نفسه لها وهو غير أهل فتعبيرُ الرؤى قرين الفتيا وقد قال المَلِكُ(يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)يقول ابن القيم رحمه الله.. المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلعُ عليه غيرُهم،فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره"..ثم إنَّ عليهم عدم التسرّع في التعبير أو الجزم بتشخيصٍ أو مرضٍ أو عينٍ وسحر وأن يعلموا خطورةَ ذلك وتعلَّقَ السائلين والسائلات بهم وما يتبعه من افتتان وإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم،سُئلَ الإمامُ مالك..أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال..أبالنبوة يُلعب؟!وكان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول.. اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يَضرُّكَ ما رأيت في النوم، وكان يقول.. إنما أجيبُ بالظن، والظنُّ يُخطئ ويصيب.فإذا كان هذا هو قولُ إمامِ المُعبِّرِين،فما الظن بمن جاء بعده،إننا لنسمع بالمعبِّر يُسأل عن ألف رؤيا في الهاتف والقنوات ولا تسمعه مرةً يقول..لا أدري،أو هذه أضغاث أحلام،أو ذلك حديث نفس،إلا من رحم ربك..أو يحادثون النساء في كل وقت وهذه فتنة والأشدُ تعبيرُ الرؤى من خلال شاشاتٍ يراها ملايين الناس،أو حشودٍ تسمع تعبير الرؤى فتقيس على غير رويّة أو هدى سأل ابن سيرين رجلان كل منهما رأى أنه يؤذِّن،فعبرها للصالح منهما بالحج لقوله تعالى..((وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ))وعبرها للآخر بأنه يسرق لقوله تعالى..((ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ))والشاطبي رحمه الله يقول في مثل هذه الحالة.."فمتى تتعين الصالحة حتى يُحكم بها وتترك غير الصالحة؟!"وتعبير الرؤى بشكلٍ عام تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول..هذا تكهّن أو تخمين أو عرافة،ونحن قد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم،في البخاري عن علي رضي الله عنه..(حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله؟!)وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال..(ما أنت محدث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)فالرؤيا فتوى،كان السلف يتدافعونها ما استطاعوا..ولا بد من الانتباه لما يُشاهدُ ويُسمعُ من تعبير الرؤيا العامّة!! لفتاة مثلاً بأن نكاحها فاشل أو لامرأة بأن زوجها يخونها أو تزوج عليها فالأولى تترقب الفشل والزوجة تنشغل بالشك بزوجها فما بالكم بمن تسمع تفسير الرؤيا فتقيسه على نفسها دون الرجوع للمعبّر!!وأما ما يحتج به بعض الناس من أنه صلى الله عليه وسلم يسألُ أصحابه بعد الفجر فيقول..((من رأى منكم رؤيا؟))فالجواب أن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم،وتعبيره حق لا يشوبه شائبة،وتعبيره بحضور صحابة،ولم يثبت عن أحد منهم كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم من التابعين أنه كان يفعل مثله عليه الصلاة والسلام خاصة أبو بكر رضي الله عنه،الذي شهد له صلى الله عليه وسلم بأنه معبّر للرؤى لم ينقل جلوسه..ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين،اللهم أرنا في منامنا ما يسرنا وفي يقظتنا ما ينفعنا وزدنا بطاعتك قرباً إليك و عملاً يرضيك عنا..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد..فاتقوا الله عباد الله.
عباد الله..رمضان يحلُّ قريباً بالساحات(وحق على المسلم أن يعرف ويستغل شرف الزمان والمكان)فاستعدوا واجتهدوا فهو أفضل الشهور ذنبٌ مغفور ومضاعفة أجور وعتق من النار، كثيرون يستعدون لرمضان بأكل وشرب وسهر وتسوق أو مع الأسف لمشاهدة مسلسلات تجمعهم على لهو ولغو واستهزاءٍ بالمحرمات مما يُضيّع أجرَ رمضان فأكرموا هذا الوافد العظيم وجاهدوا النفوس بالطاعات،ابذلوا الفضل من أموالكم في البر والصلات،وأداء الزكاة،جددوا العهد مع ربكم،وشدّوا العزم على الاستقامة،فكم من مؤمل بلوغ رمضان أصبح رهين القبور،فطوبى لمن أجاب وأصاب وويلٌ لمن طُرد عن الباب..ومن كانت له عادة ذميمة فرمضان فرصة للتخلص منها كهجر الصدقة والقرآن وقطع الأرحام والجيران..
اللهم بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه واقبلنا فيه،وتقبله منا،اللهم زدنا ولا تنقصنا،وأعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا،وآثرنا ولا تؤثر علينا،وأرضنا وأرضى عنا،واجعلنا مجتمعين غير متفرقين،مغفوراً لنا إن كنا مذنبين،وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها،وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة،وكفر عنا سيئاتنا،وأجزل حسناتنا،وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم..