الحمد لله جعل أمة الإسلام خير الأمم أجمعين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته المهديين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..أما بعد..فاتقوا الله عباد الله واعلموا أننا أحوج ما نكون في زماننا هذا؛للتربية على الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة والقدوة الحسنة وأعظمُ البشرِ اقتداءً رسول الله صلى الله عليه وسلم(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قدوةٌ في أقواله وأفعاله، وأخلاقه وسيرته ومع نسائه وآل بيته(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ)وقال سبحانه(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) والحديث اليوم عن فاطمة الزهراء بنت محمد رضي الله عنها التي كانت أشبه الناس بأبيها عليه الصلاة والسلام..تربت رضي الله عنها في بيت النبوة،وتعلمت من مشكاة الرسالة،ونهلت من علمه ومن زوجها علي رضي الله عنه فحازت أعلى المقامات، وتشرفت بأعظم الثناء سَيَّدَةُ نِسَاءِ الْجَنَّةِ،وَمِنْ سَيِّدَاتِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَكَامِلَةٌ مِنَ الْكَامِلَاتِ الْأَرْبَعِ ..
أَكْرِمْ بِفاطِمَةَ الْبَتُولِ وَبَعْلِهَا *** وَبِمَنْ هُمَا لِمُحَمَّدٍ سِبْطانِ
غُصْنانِ أَصْلُهُمَا بِرَوضَةِ أَحمَدٍ *** لِلَّه دَرُّ الأَصْلِ وَالغُصْنَانِ
تُقْبِلُ فَيَقُومُ خِيرَةُ خَلْقِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَسْتَقْبِلُهَا وَيَهُشُّ فِي وَجْهِهَا وَيَبُشَّ، وَيُقَبِّلُهَا، وَيُرَحِّبُ بِهَا، وَيُجْلِسُهَا مَكَانَهُ، وَيَقُولُ.. "مَرْحَبًا بِبُنَيَّتِي" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا..«فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» (رواهُ البخاريُّ). وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.. «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا»وَالْبَضْعَةُ قِطْعَةُ اللَّحْمِ،تَحَمَّلَتِ الْأَذَى مَعَ أَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فَصَبَرَتْ عَلَى الْبَلاءِ، وَتَحَمَّلَتِ الْمِحَنَ وَالْمَصَائِبِ، دافعت عَنْه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وضعوا سلا الجزور على ظهره فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، جَاءَتْ فَأَخَذَتْهُ مِنْ عَلَى ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ المَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ» (أخرجه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)وحِينَمَا أُصِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ، كَانَتْ فَاطِمَةُ،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِجَانِبِ أَبِيهَا، تَمْسَحُ عَنْهُ الدَّمَ، وَتُطَبِّبُ جُرْحَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ المَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
تعلَّمت العلمَ مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وروت الحديث في دواوين السُّنَّة، وتخلّقت بأخلاق النبوة، وتأدبت بآداب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم،وصار الناس إذا رأوها تذكروه النبي عليه الصلاة والسلام،حتى في مشيتها ما تخطئ مشيتُها مشيةَ أبيها صلى الله عليه وآله وسلم،تقول عائشة رضي الله عنها"ما رأيتُ أحدًا أشبه سمتًا وَدَلًّا وهديًا برسول الله؛ في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله"وكان إذا أقبل من سفر بدأ بالمسجد، ثم عرَّج على ابنته فاطمة في بيتها،وسلَّم عليها ودعا لها، ثم ذهب إلى أزواجه وأبقى اللهُ سببَه وَنَسَبه صلى الله عليه وآله وسلم فيها وفي ولديها؛ الحسن والحسين رضي الله عنهم كما ثبت عن الحاكم والبيهقي.."كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي".ومن كرامتها رضي الله عنها- ومنزلتها.. أنه نزل مَلَك من السماء لم ينزل قط لكي يبشره صلى الله عليه وآله وسلم أن فاطمة سيدة نساء الجنة، وأن الحسن والحسين سيدَا شباب أهل الجنة؛ ولذلك شهد لها صلى الله عليه وآله وسلم،كما في (مسند أحمد).."خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسيا امرأة فرعون".
كانت علاقتُها رضي الله عنها عَلَاقَةَ حُبٍّ وَوُدٍّ وَتَقْدِيرٍ، وَخَاصَّةً مَعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا التي نَقَلَتْ لِلْأُمَّةِ عَامَةَ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-ووصفها بِصَفَاتٍ حَمِيدَةً، تُبَيِّنُ قَدْرَهَا وَمَنْزِلَتَهَا؛وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا ذُكِرَتْ عِنْدَهَا فَاطِمَةُ قَالَتْ..(مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَلَدَهَا)،رَواهُ الحاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ، وقالت عنها مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ فَاطِمَةَ غَيْرَ أَبِيهَا قَالَتْ..وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، -أي.. بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةَ فيقول عائشة.. يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَلْهَا، فَإِنَّهَا لَا تَكْذِبُ»، صَحَّحَ إِسْنَادَهُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ، وَهَذَا مَدْحٌ لِفَاطِمَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَوَصْفٌ لَهَا بِالصِّدْقِ.ثم تقول رضي الله عنها إِنَّا كُنَّا أزواجَه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَمْشِي،لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ،فَلَمَّا قَامَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلْتُهَا.. عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ.. مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سرِّاً لرسول الله،فَلَمَّا تُوُفِّيَ،قُلْتُ لَهَا.. عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ.. أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي،قَالَتْ..سَارَّنِي أولاً«أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي،فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ»قَالَتْ..فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ،فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي قائلاً..«يَا فَاطِمَةُ،أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ»(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).ومما قاله صلى الله عليه وسلم«وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)وهي إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ فَاطِمَةَ عِنْدَهُ،قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ..خصَّ اِبْنَتَهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنَاتِهِ حِيْنَئِذٍ غَيْرُهَا..وَكَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِجَانِبِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَمَاتِهِ، تَتَأَلَّمُ لِمَا يُعَانِيهِ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ،وَيَعْتَصِرُ الأَلَمُ قَلْبَهَا،فقالت عند وفاته"وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا.. "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ"؛فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ..يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ؛ فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ؟!(رَوَاهُ البُخَارِيُّ)هي أَحَدُ أَعْمِدَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ قَالَتْ عَائِشَةُ،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا(خَرَجَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ.. (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أيها المسلمون..فاطمة رضي الله عنها رفعها الله فوق نساء العالمين،وجعلها قدوة عظيمة للنساء، في كل زمان ومكان،كانت عابدةً قانتةً صوامةً قوامةً قانعةً باليسير،صابرة على حياتها وشظف العيش وشدته،حريصة على طاعة أبيها -صلى الله عليه وآله وسلم-واتباع سنته، قائمة لزوجها بحقه وطاعته،لم يُحفظ عليها -رضي الله عنها- زلة أو خطأ، عظيمة الخوف والمراقبة لله، متدثرة بثوب الحياء والعفة والتصون،لم يُؤْثَر عنها كذب في الحديث،أو إخلاف لموعد أو تصرف مشين،وكانت -رضي الله تعالى عنها- طيبة المعشر كريمة المحتد، محببةً للناس كلهم،زواجها بعلي أعجوبة؛فهو زواج سيدة نساء الجنة، ابنة سيد الأنبياء -صلى الله عليه وآله وسلم-، وزوجها رابع الخلفاء الراشدين، ومن سادات الصحابة رضي الله عنهم كان عرسها سهلا ميسَّرًا متواضعاً مع كل هذا المجد والشرف، تزوجها علي رضي الله عنه بعد غزوة بدر، ولم يكن عنده مهر، فأشار عليه -صلى الله عليه وآله وسلم أن يُمْهِرَهَا قيمةَ درعِه الحُطَمِيَّةِ وكان بأربعمائة وثمانين درهما تقريبا، ثم أَوْلَمَ عليها وليمةً مباركةً على شاة واحدة، وأما جهاز بيتها وأثاثه.. فتقول أسماء بنت عميس رضي الله عنها"جهزتُ فاطمةَ إلى عليّ فما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف،ولقد أولمَ على فاطمة فما كانت وليمةٌ في ذلك الزمان أفضلَ من وليمته"، وقال جعفر بن محمد.."دخلتُ بيتَ عليّ فإذا إهابُ كبش على دكة،ووسادة فيها ليف، وقِربة، ومنخل، ومنشفة،وقدح" هذا هو زواج فاطمة، وهذا هو بيتها وأثاثه،ابنة سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم وبعد زواجها كانت فاطمة رضي الله عنها مثالاً لزوجةٍ راضية قانعهة محبة لزوجها حتى مع الخلاف لم تتجاوز أدبَها مع زوجها عليّ لم يكن ليظلمَها بل سَرْعَان ما يتراضيا لكرامتها عليه،ولما بينهما من الحب الذي تذوب مع كل الخلافات..وقد رزقها الله من عليّ الحسن والحسين، ومحسنا، وأم كلثوم، وزينب، وأم كلثوم هذه هي التي تزوجها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد ذلك، رغبة منه في مصاهرة أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-كانت فاطمة -رضي الله عنها- ترعى شئون أولادها وزوجها بنفسها، وتقوم بأعمال بيتها حتى أثَّر عمل البيت في يديها، وتعبت من ذلك ولاقت شدةً، فذهبت لأبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- تطلب منه خادمةً تعينُها على أعمال البيت فامتنع وقال.."والله لا أعطيك وأدع أهلَ الصُّفَّة" فقراء المدينة،فرجعت فاطمة رضي الله عنها لبيتها،وإذ برسول الله يأتيها فوجدها مع عليّ فلاطفهما، ثم أرشدهما إلى أن يُسَبِّحَا ويحمدا اللهَ ثلاثا وثلاثين، ويكبِّرَا أربعا وثلاثين عند النوم، فهو خير لهما من خادم، فرضيت فاطمة -رضي الله عنها- وأسلمت لله ولرسوله.
والمجدُ يُشْرِقُ من ثلاثِ مَطَالِعٍ *** فِي مَهْدِ فَاطِمَةَ فَمَا أَعْلَاهَا
هِيَ بِنْتُ مَنْ؟ هِيَ زَوْجُ مَنْ؟ هِيَ أُمُّ مَنْ؟ *** مَنْ ذَا يُدَانِي فِي الْفَخَارِ أَبَاهَا؟
هِيَ أُسْوَةٌ لِلْأُمَّهَاتِ وَقُدْوَةٌ *** يَتَرَسَّمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ خُطَاهَا
وبعد موته صلى الله عليه وآله وسلم وافاها الأجل برمضان، في السنة التي توفي فيها صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمرها يومَ توفيت تسعا وعشرين سنة تقريبا، وتولى غسلَها وتكفينَها وتجهيزَها زوجُها علي رضي الله عنه وأسماء بنت عميس وطلبت أن يُغطَّى كفنها بجريد النخل كي لا تتكشّف للرجال وهي ميتة!!..ودُفنت ليلاً في البقيع رضي الله عنها وعن زوجها وأولادها..
عباد الله..إن مما نستفيد من فعله صلى الله عليه وسلم مع أولاده وخاصة فاطمة رضي الله عنها حسن تعامله ولطيف رحمته وجميل عشرته مع البنات اللاتي هُنَّ نعمة من نعم الله فالله بدأ بهن(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً) الآية..وبعثته عليه الصلاة والسلام جاءت لقوم كان بعضهم(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)وتُظلم بالميراث فجاء الإسلام بتعاليمَ تُكرِّمُ المرأةَ أماً وزوجةً وبنتاً..ومن عال جاريتين حتى تبلغا كسب مرافقة النبي بالجنة فأين هذا كله ممن يقسو على البنات أو يؤذيهنَّ ويظلمهن عياذاً بالله..أين هذا ممن يترك لبناته الحبل على الغارب أمام تيارات مفسدة وضياع للأخلاق والحياء وتهاون بالحجاب فذلك إهمال للمسؤولية الملقاة علينا نسأل الله تعالى أن يصلح لنا أولادنا بنين وبنات وأن يقر أعين والديهم بهم صالحين مصلحين..أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية .. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..وبعد..
نعمة المياه ثروةٌ وحياة فالله يقول (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) فينبغي الحفاظ عليها وترشيد استلاكها وعدم الإسراف فيها وتربية الأولاد على ذلك فإذا كان الإسراف بالماء نبَّه عليه صلى الله عليه وسلم في الوضوء ولو كنت على نهرٍ جارٍ فكيف باستخداماتٍ أخرى نسرف بها والله لا يحب المسرفين ..
نسأل الله جل وعلا أن يديم علينا نعمه ظاهرةً وباطنة ويرزقنا شكرها والمحافظة عليها ومعرفة قدرها..
أَكْرِمْ بِفاطِمَةَ الْبَتُولِ وَبَعْلِهَا *** وَبِمَنْ هُمَا لِمُحَمَّدٍ سِبْطانِ
غُصْنانِ أَصْلُهُمَا بِرَوضَةِ أَحمَدٍ *** لِلَّه دَرُّ الأَصْلِ وَالغُصْنَانِ
تُقْبِلُ فَيَقُومُ خِيرَةُ خَلْقِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَسْتَقْبِلُهَا وَيَهُشُّ فِي وَجْهِهَا وَيَبُشَّ، وَيُقَبِّلُهَا، وَيُرَحِّبُ بِهَا، وَيُجْلِسُهَا مَكَانَهُ، وَيَقُولُ.. "مَرْحَبًا بِبُنَيَّتِي" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا..«فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» (رواهُ البخاريُّ). وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.. «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا»وَالْبَضْعَةُ قِطْعَةُ اللَّحْمِ،تَحَمَّلَتِ الْأَذَى مَعَ أَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فَصَبَرَتْ عَلَى الْبَلاءِ، وَتَحَمَّلَتِ الْمِحَنَ وَالْمَصَائِبِ، دافعت عَنْه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وضعوا سلا الجزور على ظهره فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، جَاءَتْ فَأَخَذَتْهُ مِنْ عَلَى ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ المَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ» (أخرجه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)وحِينَمَا أُصِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ، كَانَتْ فَاطِمَةُ،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِجَانِبِ أَبِيهَا، تَمْسَحُ عَنْهُ الدَّمَ، وَتُطَبِّبُ جُرْحَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ المَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
تعلَّمت العلمَ مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وروت الحديث في دواوين السُّنَّة، وتخلّقت بأخلاق النبوة، وتأدبت بآداب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم،وصار الناس إذا رأوها تذكروه النبي عليه الصلاة والسلام،حتى في مشيتها ما تخطئ مشيتُها مشيةَ أبيها صلى الله عليه وآله وسلم،تقول عائشة رضي الله عنها"ما رأيتُ أحدًا أشبه سمتًا وَدَلًّا وهديًا برسول الله؛ في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله"وكان إذا أقبل من سفر بدأ بالمسجد، ثم عرَّج على ابنته فاطمة في بيتها،وسلَّم عليها ودعا لها، ثم ذهب إلى أزواجه وأبقى اللهُ سببَه وَنَسَبه صلى الله عليه وآله وسلم فيها وفي ولديها؛ الحسن والحسين رضي الله عنهم كما ثبت عن الحاكم والبيهقي.."كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي".ومن كرامتها رضي الله عنها- ومنزلتها.. أنه نزل مَلَك من السماء لم ينزل قط لكي يبشره صلى الله عليه وآله وسلم أن فاطمة سيدة نساء الجنة، وأن الحسن والحسين سيدَا شباب أهل الجنة؛ ولذلك شهد لها صلى الله عليه وآله وسلم،كما في (مسند أحمد).."خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسيا امرأة فرعون".
كانت علاقتُها رضي الله عنها عَلَاقَةَ حُبٍّ وَوُدٍّ وَتَقْدِيرٍ، وَخَاصَّةً مَعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا التي نَقَلَتْ لِلْأُمَّةِ عَامَةَ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-ووصفها بِصَفَاتٍ حَمِيدَةً، تُبَيِّنُ قَدْرَهَا وَمَنْزِلَتَهَا؛وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا ذُكِرَتْ عِنْدَهَا فَاطِمَةُ قَالَتْ..(مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَلَدَهَا)،رَواهُ الحاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ، وقالت عنها مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ فَاطِمَةَ غَيْرَ أَبِيهَا قَالَتْ..وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، -أي.. بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةَ فيقول عائشة.. يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَلْهَا، فَإِنَّهَا لَا تَكْذِبُ»، صَحَّحَ إِسْنَادَهُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ، وَهَذَا مَدْحٌ لِفَاطِمَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَوَصْفٌ لَهَا بِالصِّدْقِ.ثم تقول رضي الله عنها إِنَّا كُنَّا أزواجَه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَمْشِي،لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ،فَلَمَّا قَامَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلْتُهَا.. عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ.. مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سرِّاً لرسول الله،فَلَمَّا تُوُفِّيَ،قُلْتُ لَهَا.. عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ.. أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي،قَالَتْ..سَارَّنِي أولاً«أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي،فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ»قَالَتْ..فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ،فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي قائلاً..«يَا فَاطِمَةُ،أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ»(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).ومما قاله صلى الله عليه وسلم«وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)وهي إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ فَاطِمَةَ عِنْدَهُ،قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ..خصَّ اِبْنَتَهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنَاتِهِ حِيْنَئِذٍ غَيْرُهَا..وَكَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِجَانِبِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَمَاتِهِ، تَتَأَلَّمُ لِمَا يُعَانِيهِ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ،وَيَعْتَصِرُ الأَلَمُ قَلْبَهَا،فقالت عند وفاته"وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا.. "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ"؛فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ..يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ؛ فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ؟!(رَوَاهُ البُخَارِيُّ)هي أَحَدُ أَعْمِدَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ قَالَتْ عَائِشَةُ،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا(خَرَجَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ.. (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أيها المسلمون..فاطمة رضي الله عنها رفعها الله فوق نساء العالمين،وجعلها قدوة عظيمة للنساء، في كل زمان ومكان،كانت عابدةً قانتةً صوامةً قوامةً قانعةً باليسير،صابرة على حياتها وشظف العيش وشدته،حريصة على طاعة أبيها -صلى الله عليه وآله وسلم-واتباع سنته، قائمة لزوجها بحقه وطاعته،لم يُحفظ عليها -رضي الله عنها- زلة أو خطأ، عظيمة الخوف والمراقبة لله، متدثرة بثوب الحياء والعفة والتصون،لم يُؤْثَر عنها كذب في الحديث،أو إخلاف لموعد أو تصرف مشين،وكانت -رضي الله تعالى عنها- طيبة المعشر كريمة المحتد، محببةً للناس كلهم،زواجها بعلي أعجوبة؛فهو زواج سيدة نساء الجنة، ابنة سيد الأنبياء -صلى الله عليه وآله وسلم-، وزوجها رابع الخلفاء الراشدين، ومن سادات الصحابة رضي الله عنهم كان عرسها سهلا ميسَّرًا متواضعاً مع كل هذا المجد والشرف، تزوجها علي رضي الله عنه بعد غزوة بدر، ولم يكن عنده مهر، فأشار عليه -صلى الله عليه وآله وسلم أن يُمْهِرَهَا قيمةَ درعِه الحُطَمِيَّةِ وكان بأربعمائة وثمانين درهما تقريبا، ثم أَوْلَمَ عليها وليمةً مباركةً على شاة واحدة، وأما جهاز بيتها وأثاثه.. فتقول أسماء بنت عميس رضي الله عنها"جهزتُ فاطمةَ إلى عليّ فما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف،ولقد أولمَ على فاطمة فما كانت وليمةٌ في ذلك الزمان أفضلَ من وليمته"، وقال جعفر بن محمد.."دخلتُ بيتَ عليّ فإذا إهابُ كبش على دكة،ووسادة فيها ليف، وقِربة، ومنخل، ومنشفة،وقدح" هذا هو زواج فاطمة، وهذا هو بيتها وأثاثه،ابنة سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم وبعد زواجها كانت فاطمة رضي الله عنها مثالاً لزوجةٍ راضية قانعهة محبة لزوجها حتى مع الخلاف لم تتجاوز أدبَها مع زوجها عليّ لم يكن ليظلمَها بل سَرْعَان ما يتراضيا لكرامتها عليه،ولما بينهما من الحب الذي تذوب مع كل الخلافات..وقد رزقها الله من عليّ الحسن والحسين، ومحسنا، وأم كلثوم، وزينب، وأم كلثوم هذه هي التي تزوجها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد ذلك، رغبة منه في مصاهرة أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-كانت فاطمة -رضي الله عنها- ترعى شئون أولادها وزوجها بنفسها، وتقوم بأعمال بيتها حتى أثَّر عمل البيت في يديها، وتعبت من ذلك ولاقت شدةً، فذهبت لأبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- تطلب منه خادمةً تعينُها على أعمال البيت فامتنع وقال.."والله لا أعطيك وأدع أهلَ الصُّفَّة" فقراء المدينة،فرجعت فاطمة رضي الله عنها لبيتها،وإذ برسول الله يأتيها فوجدها مع عليّ فلاطفهما، ثم أرشدهما إلى أن يُسَبِّحَا ويحمدا اللهَ ثلاثا وثلاثين، ويكبِّرَا أربعا وثلاثين عند النوم، فهو خير لهما من خادم، فرضيت فاطمة -رضي الله عنها- وأسلمت لله ولرسوله.
والمجدُ يُشْرِقُ من ثلاثِ مَطَالِعٍ *** فِي مَهْدِ فَاطِمَةَ فَمَا أَعْلَاهَا
هِيَ بِنْتُ مَنْ؟ هِيَ زَوْجُ مَنْ؟ هِيَ أُمُّ مَنْ؟ *** مَنْ ذَا يُدَانِي فِي الْفَخَارِ أَبَاهَا؟
هِيَ أُسْوَةٌ لِلْأُمَّهَاتِ وَقُدْوَةٌ *** يَتَرَسَّمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ خُطَاهَا
وبعد موته صلى الله عليه وآله وسلم وافاها الأجل برمضان، في السنة التي توفي فيها صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمرها يومَ توفيت تسعا وعشرين سنة تقريبا، وتولى غسلَها وتكفينَها وتجهيزَها زوجُها علي رضي الله عنه وأسماء بنت عميس وطلبت أن يُغطَّى كفنها بجريد النخل كي لا تتكشّف للرجال وهي ميتة!!..ودُفنت ليلاً في البقيع رضي الله عنها وعن زوجها وأولادها..
عباد الله..إن مما نستفيد من فعله صلى الله عليه وسلم مع أولاده وخاصة فاطمة رضي الله عنها حسن تعامله ولطيف رحمته وجميل عشرته مع البنات اللاتي هُنَّ نعمة من نعم الله فالله بدأ بهن(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً) الآية..وبعثته عليه الصلاة والسلام جاءت لقوم كان بعضهم(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)وتُظلم بالميراث فجاء الإسلام بتعاليمَ تُكرِّمُ المرأةَ أماً وزوجةً وبنتاً..ومن عال جاريتين حتى تبلغا كسب مرافقة النبي بالجنة فأين هذا كله ممن يقسو على البنات أو يؤذيهنَّ ويظلمهن عياذاً بالله..أين هذا ممن يترك لبناته الحبل على الغارب أمام تيارات مفسدة وضياع للأخلاق والحياء وتهاون بالحجاب فذلك إهمال للمسؤولية الملقاة علينا نسأل الله تعالى أن يصلح لنا أولادنا بنين وبنات وأن يقر أعين والديهم بهم صالحين مصلحين..أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية .. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..وبعد..
نعمة المياه ثروةٌ وحياة فالله يقول (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) فينبغي الحفاظ عليها وترشيد استلاكها وعدم الإسراف فيها وتربية الأولاد على ذلك فإذا كان الإسراف بالماء نبَّه عليه صلى الله عليه وسلم في الوضوء ولو كنت على نهرٍ جارٍ فكيف باستخداماتٍ أخرى نسرف بها والله لا يحب المسرفين ..
نسأل الله جل وعلا أن يديم علينا نعمه ظاهرةً وباطنة ويرزقنا شكرها والمحافظة عليها ومعرفة قدرها..