• ×

10:50 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

الْوَعْي الْمُجْتَمَعِي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله شرَّفنا بالوحيِّ والوعيِّ أكملَ تشريف،وأعزَّنا بالدِّين الحنيف،وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له،وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه،ما تَبِعَهُ إلا الفَطِنُ الثقيفُ،والواعي الحصيف، صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..

الإنسان ُالواعي دوماً ناجحٌ موفق..لديه من الحكمة والأناة والتأمُّل ما يتَّقي السوءَ قبل وقوعِه يوفقّه ربه ويُعينه ويحميه..وحُسن التصرّف دوماً مرجعهُ لوعي الإنسان بما ينفعه في دنياه وآخرته وما يضرُّه فيتجنَّبُه..فالوعي يتجلّى في سلامة الإدراك ودقَّته والنأْيِ بهما،فما كلُّ من يُبصِرُ وعَى ما أبصر، وما كلُّ من يسمَعُ وعَى ما سَمِع؛ قال الله( لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)ولذلك أول آيات الوحي بالقرآن نزولاً(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)فالقراءة دليلٌ للوعي(هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)والوعي أعلى من السمع والبصر،ولهذا قال صلى الله عليه وسلم(نضَّر اللهُ امرءًا سمِع مقالتي فوعاها) رواه الترمذي وغيرُه..ونحن كلنا نحتاج إلى الوعي ولهذا جعل صلى الله عليه وسلم فكاك أسرى بدر لمن يجيد الكتابة أن يُعلمَّ عشرةً من أبناء الصحابة القراءة والكتابة وأمر بعضَ أصحابه بتعلّم بعض اللغات المهمة..ونحن كًلنا نحتاج للوعي في زمنٍ كثُر فيه الغشُّ،والخداع وشاعَ بين عمومه التدليسُ والتلبيسُ في كافَّة جوانب الحياة: دينيَّةً كانت أو دُنيويَّة..ولهذا دعوة الأنبياء والمرسلين والوعّاظ والمصلحين والكتاب والمثقفين كلها لنشر الوعي بين الناس..ولذلك الشيطان يفرح بموت العلماء أكثر من غيرهم لأنهم يُوّعون الناس..

الوعيُ - عباد الله - سلاحٌ منيعٌ يحميكَ بعد الله - سبحانه - من أن تكون ضحيَّةَ كذبٍ وتشويّه للمعلومة أو غفلةٍ، أو أن تُجرَّ إلى مغِبَّةٍ لا تحمدُها لنفسِك بسبب عدم وعيك،أو أن تتكرّر أخطاءَك كثيراً بسبب عدم علمك.والمؤمنُ الواعِي محميٌّ بإذن الله عن مثلِ تلك العثَرات؛قال صلى الله عليه وسلم(لا يُلدغُ المؤمنُ من جُحرٍ واحدٍ مرتين( متفق عليه والوعي أهم وأعمق من المعرفة يُدرُك بالعلم والقرآن والمطالعة وبصحبة ذوي العقول الراجحة..قيل لابن عباس:كيف أدركت هذا العلم والفهم فقال(بلسانٍ سؤول وقلبٍ عقول وفؤادٍ غير ملول)وقال صلى الله عليه وسلم (ليُبلغ الشاهدُ الغائب،فرُبَّ حاملُ علمٍ لمن هو أوعى منه)متفق عليه..والوعي يكون عن الخير وعن الشر يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه(كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشرِّ مخافة أن يدركني)أخرجه مسلم..الوعي إخوتي يكون للإنسان بدينه أولاً كيف يُقيم عباداته على الوجه الصحيح ليُرضيَ ربَّه ويتَّبِعَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم..ثم الوعي أيضاً بقيمته التي يُعامل بها الناس ويتعامل معهم بأخلاق رصينة!!الوعي الصحي لنفسِه ومجتمعِه كيف يحافظ عليها الوعي النظامي أيضاً الذي يسوسُ الناس في مُدنهم وشوارعِهم وكذلك الوعي البيئي في نظافتهمُ ومتنزهاتهم وسائر أنواع الوعي التي ينبغي للإنسان الاهتمام بها..بالوعيِ يُعرفُ المرءُ متى يُصدِّق الشيءَ ومتى يُكذِّبُه. وبالوعيِ يعرفُ المرءُ متى يكونُ الكلامُ حسناً،ومتى يكونُ الصمتُ خيرًا له. بالوعيِ يُدرِكُ من يستعينُ به ومن يستغِلُّه.وبالوعيِ - عباد الله - يتصوَّر القضايا ويجمعُ شتاتَها؛ ليكون حكمُه على الشيء فرعًا عن تصوًّر حقيقته، فلا يعجَل بالحُكم لمن فُقِئَت إحدى عينيه حتى يسمعَ من الآخر؛ إذ قد تكون فُقِئَت عيناه كِلتاهما..الوعي بحماية الأرض وإعمارها والشجر وغرسها مرَّ أحدهم على أبي الدرداء رضي الله عنه وهو شيخ كبير فإذا به يغرس شجرة جوز تحتاج لسنين لتثمر فلامه في ذلك التعب فقال أبو الدرداء وما عليَّ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري ..هذا غير فائدة اخضرار الأرض وإثمارها.. الوعي الحق عندما يستشعر الإنسان أنه جزء من كل، وأن العمل اليسير الذي يقدمه حتى ولو كان إماطة عود عن الطريق يشكل إنجازًا كبيرًا،أثره يمتد مسافات بعيدة..الوعي شعورك بقيمتك في صلاح المجتمع ونماءه مهما كانت قدراتك وإمكانياتك..الوعي باستقرار الأمن الفكري للناس والمجتمع ليكونوا حصناً وحمايةً للبلاد..

أما المصيبة إخوتي بقلّة الوعي فهي سببٌ للجهلِ والتخلّف وعدم المبالاة وإن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه لا لمن يُبصره وكم من حضارات تهدّمت وبلدان ضاعت وأسرٌ شتت وقُدرات تاهت بسبب قلة الوعي..

ومِنَ البليةِ عزلُ مَنْ لا يرعوي *** عَنْ غيِّه وخطابُ مَنْ لا يَفهمُ

وما الداءُ إلَّا أَنْ تُعَلِّم جاهِلًا *** ويزَعْم جَهْلًا أنَّه مِنكَ أَعْلَمُ

الوعيُ - عباد الله - ليس إعمالاً لسوء الظنِّ، ولا تكلُّفًا لما وراء الحقيقة، وليس هو رجمًا بالغيب، ولكنَّه كياسةً وفِطنة ناشئتان عن سَبْر الأمور ومعرفة أحوال الناس، واطِّلاعٍ وافرٍ عن الأحداث، بالنظر الدقيق الذي لا يُغالِطُه بهرجةٌ ولا إغراء. وهو في حقيقته حاجة للحماية والدفاع وقلته أو عدمه سببٌ للوقوع بالمكر والخِداع ورحِم الله الفاروق رضي الله عنه حيث قال:لستُ بخِبٍّ والخِبُّ لا يخدَعُني

إذا قلَّ وعيُ المرء يومًا فإنما





يتِيهُ عن الحقِّ الصريحِ ويغفُلُ


ومن كان ذا وعيٍ سويٍّ فقد يرَى





بذلك حقًّا ليس بالوعي يُجهَلُ



فاحرِصْ أيها المسلم أن تكون لبِنةً واعيةً من لبِنات المُجتمع؛ لكي تُحسِن المسيرَ، وتُتقِنَ العمل والتعامُل في رفعة دينك والنهوض بنفسك ووطنك ومجتمعك من سيء إلى حسن،ومن حسن إلى أحسن.وإياك والعُزلةَ المقيتة عن أمور المُسلمين؛ فإنها تحجُبُك عما هو خيرٌ لك في دينِك ومعاشِك، واحذر مما يؤثر على وعيك من محطمات ومقيضات وتعرَّف على أحوال الناس وأيامهم..ففيها العبرة والعظة وانظروا كيف كنا في كثير من أمورنا ينقصها الوعي وكيف أصبحت اليوم مع الوعي بحمد الله كالنظافة والبيئة والصحة والاستزراع التي ننافس بها اليوم العالم ..فكيف إذن بتوحيد يجمعنا على طاعة الله تميّزنا به وبدين واحد نجتمع عليه..مهم أن نحافظ عليه وهو يُتهدَّد بتصرفاتٍ لا مسؤولة..

جائحة كورونا بينت أنها مع الوعي المجتمعي بعد توفيق الله وحمايته يمكن أن تكون آثارها أقل من غيرنا ممن أثرت عليهم..نسأل الله أن يكفينا شرّها وكلُّ الآفات والمنكرات والمخالفات هي واقعة لا محالة لكنها مع الوعي المُجتمَعي من دين الله وقيم المجتمع فهي هباءٌ بإذن الله وإن ظهرت واشتهرت..فاتقوا الله عباد الله وانشروا الوعي بينكم ولأولادكم وأسركم..فهو وازعٌ عظيم ينفي كثيراً من الشرور بإذن الله..أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أن الأمة بمجموعها لا تكونُ واعيةً إلا بوعيِ أفرادها، فهم فكرُها النابِض، وبصيرتُها الراقية بها إلى معالِي الأمور؛ فإن الأمةَ إذا وعَت فقد أدركَت ما لها وما عليها بين الأُمم الأخرى، فتستثمِرُ مُكتسباتِها الدينية والسياسية والاقتصادية لتثبيت هويَّتها والاعتزاز بها، والاستِعداد الدائِم لسدِّ الثَّغَرات داخِلَها وخارِجَها لئلا تُؤتَى من قِبَلها.

فبقدرِ وعيِ أمَّتنا يُمكنُ إجادةُ التعامُل مع الأحداث والأزَمات بعين المُدرِك لتحديد الأولويات وحُسن التعامُل معها بإدراك حقائِقِها، مُتجاوزةً المُؤثِّرات النفسية والاجتماعية والسياسية، مُنطلِقةً من مبدأ الإنصاف والعدل وإنزال الأمور منازِلها، كي لا تُمتهَن ولا تُزدَرَى من قِبَل خُصومها وأعدائِها فتسقُط من علوٍّ.وإنما قوةُ الأمة الدينية والسياسية والاقتصادية مُنطلِقةً في وعيِها في استِثمار طاقاتها البشرية، وتهيِئَتها لتكون خيرَ من يخدمُ دينَها ومُجتمعَها، مُحاطةً بسِياج وعيٍّ عظيم يحميها من الأزمات وكي لا تُؤتَى من مأمنِها فتُدفَعُ حينئذٍ إلى ما لا تُريد، أو أن يستهينَ بها خصمُها وحاسِدُها..فالأمةُ الواعيةُ لا تُخدَع ولا ينبَغي لها أن تُخدَع ما دامَت قائمةً بأهمِّ مُقوِّمات وعيِها،وهي: دينُها،وعدلُها،وأخلاقُها، وعلمُها. فما جعل الله أمةَ الإسلام وسطًا بين الأُمم إلا بمثلِ ذلكم( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا )اللهم آمِنَّا في أوطاننا،وأصلِح أئمَّتنا..اللهم انصر جنودنا....واكفنا شرَّ هؤلاء الحوثيين وردَّ كيدهم في نحورهم ولا تسدّد رميهم..





 0  0  379

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.