• ×

10:15 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

البركة هي المغنم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين،و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين،و أشهد أن محمداً عبد الله ورسوله،المبعوث رحمة للعالمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..وسلم تسليماً إلى يوم الدين..أما بعد ..فاتقوا الله عباد الله ..

لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصان
فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيش إِنسانُ

هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُّها دوَل
مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ



كثرت الأموال وعظمت أرقامها واتصالات ومواصلات وبُهرنا باختراعاتها،ورغم كثرتها ففائدتُها على أصحابها وغيرهم ضئيلة ورغم سهولة المواصلات والاتصالات فثمرتُها في الصلة قليلةٌ وتنشأُ العداواتُ والاتهامات لأتفه الأسباب..في السوق جيبٌ عامرٌ بالنقود لا تكفي إلا لبضاعةٍ قليلة..تجدُ لدى الرجل عصبة من الأولاد فإذا به وحيداً فريداً لايخدمه ولايؤنسه أحد!!بينما أحوالُ الناسِ قديماً رغم قلة ذات يدهم وشظف عيشهم أكثرهم قانع بالقليل وراضي ويسعدهم الميسور ولا يؤرقُّ بينهم..والزمن الآن يتسارع فالأسبوعُ كيوم والشهر كأسبوع..والعمر يجري..والإنجازات تقلُّ!!وكلُّ ذلك سببه قلّةُ بركةٍ أثَّرت بأيامنا على حياتِنا فهل الخلل في زمن قضى أم في تعاملنا معه؟!
عباد الله..النعمُ مع كثرتها لا تحققُ سعادةً ولا طمأنينةً ولا تَحلُّ خِلافاً ولا تجلبُ أمناً حينما تُفْقَدُ البركة(فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأرْضِ)وكلُّ شيءٍ ليس للهِ فبركتُه مَنزوعَة،فالبركةُ كلُّها مِنه،وهوَ سبحانَه تبارَك في ذاتِه،ويباركُ فيمن شَاءَ من خلقِه(وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)وكلُّ ما نُسِب إليهِ فهوَ مبارَك،واسمه تعالى مباركٌ تُنال معَه البركة(تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلإِكْرَامِ)والله جلّ وعَلا برَحمته يأتي بالخيرَات،وبفضْلِه يُضاعِف البركات،وليسَت سَعةُ الرّزق والعَملِ بكثرته،ولا زيادةُ العمر بتعاقُبِ الشهور والأعوام،ولكن بالبركة فيه..فتجدُ صغير العمر يخدمُ الدين والمجتمع..وإنساناً بعمره الكبير عالةً على أهله ومجتمعه،والبركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته،ولا في كثيرٍ إلا نفَعَته،ولا غِنَى لأحدٍ عَن بركةِ الله،فالأنبياءُ والرّسلُ يطلبونها،يقول صلى الله عليه وسلم..(بَيْنَما أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا،فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ،فَجَعَلَ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ،فَنَادَاهُ رَبُّهُ..أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟قَالَ..بَلَى وَعِزَّتِكَ،وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ)رواه البخاري،والرّسُل والدّعاةُ مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودَعوتهم،قال عيسَى عليه السلام..(وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)(وقِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ)ودعا ربَّه(وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ)وألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله(وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيًّا مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ*وَبَـٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَـٰقَ)(رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ)فمن البركة أنَ كل نبيٍّ بعدَ إبراهيمَ من أهلِ بيتِه،ودعَا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ربَّه بالبركَة(وبارِك لي فيما أعطيتَ)..وتحيّة المسلمِين بينهم السّلامُ والرّحمة والبركة.والقرآنُ العظيمُ،كتابٌ مبارَك محكَم أنزله الله رحمة وشِفاءً وبيانًا وهُدى(وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـٰهُ)وسورَةُ البقرة أخذُها برَكَة،وتركُها حَسرة، ولا تستطيعُها البطَلَة)أي..السّحرة.رواه أحمد،وفي الحديث سَعةُ الرِّزقِ وبركةُ العمُر بصِلةِ الرحِم،والصدقُ في البيع والشِّراءِ سبب لبركة الكسب يقول عليه الصلاة و السلام..(البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرّقا،فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما،وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما)متفق عليه وبركة الأسرة منذ نشوئها بالدعاء..(بارَك الله لكما، وبارك عليك، وجمَع بينكما في خير)وأوفرُ الزَّوجاتِ بركةً أقلُّهن مؤنة والزوجَةُ المبارَكة هِي المطيعةُ لله القائمةُ بحقوق زوجها في غيرِ معصيةِ الله والولدُ النّاشئُ على طاعةِ ربِّه، المستمسِك بدينه مبارك..والسلام عند دخول المنزل سبب للبركة،يقول أنَس رضي الله عنه..قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم..(يا بنيّ،إذا دخلتَ على أهلِك فسلّم، تكُن بركةً عليكَ وعلى أهلِ بيتك)رواه الترمذي وبركةُ الإنسان بنفعِه للغير حيثما يحلّ وإذا قرُبَ العبد من ربّه بورِك له في وقتِه..سأل صلى الله عليه وسلم أصحابَه من منكم اليوم صائماً وتبع جنازة،وأطعم مسكيناً وعاد مريضاً فكان أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه فقال عليه الصلاة والسلام..(ما اجتَمَعت في امرِئ إلا دخل الجنة)رواه مسلم ومجالسُ الذّكر،تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها(فتقول الملائكة لربّها..فيهم فلانٌ ليسَ مِنهم،وإنما جاءَ لحاجةٍ،قال..همُ القومُ لا يشقَى بهم جليسُهم)متفق عليه..ويُبارك بالمال إذا كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه..ومَن قنِع بربحٍ حلال قليلٍ وتحرّى الصدقَ في معاملاتِه ظهرتِ البركة و السعادة في مالِه وفي أولادِه،والحرامُ سببٌ للشقاء والتعاسة..والمال يزيد بالبذل وتباركه الصدقة ولا تنقصه..لما أكثر حكيمُ بنُ حزام سؤالَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المال قال له..يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة،فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه،و من أخذه بإشراف نفس أي تطلع و طمع فيه لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل و لا يشبع و اليد العليا خير من اليد السفلى)فكان حكيم رضي الله عنه لا يسأل أحداً بعدها حتى توفي..رواه البخاري.. أما الطمع والتنازع فهو سبب لذهاب البركة..والطّعامُ المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك،وتجنّبتَ الأكلَ من وسطِ الصحن،وذكرتَ اسمَ الله عليه ثم لعقت أصابعك بعده رجاءَ البركة،وفي الحديث..(إنّكم لا تَدرون في أيِّها البركَة)رواه مسلم..والاجتماعُ على الطعام بركة،وفي التفرّق نزعٌ لها،قالوا..يا رسولَ الله،إنّا نأكُل ولا نشبع،قال..(فلعلّكم تفترِقون)،قالوا..نعَم،قال..(فاجتمِعوا على طعامِكم،واذكُروا اسم الله، يبارَك لكم فيه)رواه أبو داود..وماء زمزم مباركة وهناك بقعٌ مباركة وأزمنة،فليلةُ القدر مباركةٌ رفيعةُ الشأن عظيمةُ المكانةِ،(إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ)وأوّلُ النهارِ وفجره غنيمةٌ مباركة..وبيتُ الله الحرامِ مبارَك(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ)والمدينةُ مبارَكة،يقول صلى الله عليه وسلم..(اللهمّ بارِك لنا في مدِينتِنا،وبارِك لنا في صاعِنا ومُدِّنا،واجعَلْ بالمدينة ضِعفَي ما جَعلتَ بمكّة من البرَكة)وبارَك الله في الشامِ وفلسطين للعالمين(سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا)وقال..(ادخلوا مصر إنشاء الله آمنين)وأرض اليمن مباركة بدعائه صلى الله عليه وسلم(اللهم بارك لنا في يمننا)وماء المطر والزيتون وزيته مباركات(زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ)والبركة في نواصي الخيل..والنخلة مباركة قال صلى الله عليه وسلم..(إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم و هي النخلة)رواه مسلم وثمرتها مباركة وكذلك العسل إذاً فالبركة رزقٌ من الله،وليست بكثرة مالٍ ولا ولد فكم من شقيٍّ لايسعد يملكُ ملايين بركتها منزوعة،وكم من سعيدٍ لديه قليل بارك الله فيه يعيش عيشة الملوك ..حصَّلَ البركة بإيمانه وتقواه نسأل الله جلَّ و علا أن نكون منهم.

أيّها الأحبة..إذا أظهَر العِبادُ ذنوبًا تتابعَت عليهم العقوبات،وانتشارُ المعاصِي وفشوُّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبرَكات وغلاء الأسعار وضيق النفوس(وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقًا*لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا)سبب قلة البركات ونزعها تعلّقُ الناسِ بالمال والدنيا وغفلتُهم عن الأخرى حتى والوْا وعادوْا لأجل المال..وقضايا المحاكم شاهدة!!الربا مشتهرٌ والديون منتشرة لحاجة ولغير حاجة..قصورٌ وتقصير وفقدنا تدبير المصروفات وساءت ثقافةُ الاستهلاك بالمنازل والولائم ليصبح الإسراف شعار..مشكلتُنا أنّا نهتمُّ لما نخسُره وننفقُه ولانُراعي ما نكسُبه واللهُ يوّفرُه ثم نعتقد أن رزق الله الذي تكفّل به لنا يمنعه عنا مخلوقٌ أو يحبسُه..فغلاء السعر ورخصُه لا يُغيّرُ رزقاً قد كتبه الله لك وأنت في بطن أمك،ولو كان الرزقُ في الأرض لهلك الناس،ولكنه(في السماء رزقكم وما توعدون)نُصابُ بالغلاءِ والوباءِ ويجاهر البعض بالمنكرات بلا توبة واستغفار ثم ننتظرُ البركة؟!ولا نعلم أنَّ للمَعصيةِ وسوءِ التدبير والإسراف تأثيرٌ في محقِ بركةِ المالِ والعُمُر والعلم والعمَل،(وإنّ العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يُصيبه)والسعادةُ في القربِ منَ الله..وبالإكثارِ من الطاعات تحُلّ البركات،وبالرّجوع إليه تتفتّح لك أبوابُ الأرزاق.(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأوقاتنا وأموالنا وأولادنا ومتعنا بقواتنا واجعلها الوارث منا واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر..أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية الحمد لله و حده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده..أما بعد فاتقوا الله ..
واعلموا أنَّ محقَ البركةِ سببُ قلّةِ توفيقٍ وفسادٍ للقَلبِ،والنفعُ سببٌ للبركة،ولا تُرتَجَى البركة في المحرّمات ووجود المنكرات..ومَن أخذ المال بغير حقِّه أو بكثرة الحلف للسلعة مُحقتْ منه البركة والبخلُ سببٌ لمنع البركة ومنعُ الصدقة خشيةَ النفادِ تلفٌ للمال قال صلى الله عليه وسلم (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعطي منفقاً خلفاً ويقوم الآخر اللهم أعطي ممسكاً تلفاً)فكيف يبغي البركة من يقطع الأرحام؟!ويأكل الحرام من سرقة ورشوة وتلاعب بأموال الناس وعدم تأديةٍ للعمل بنصحٍ وإجادة..فابتعِد عن المحرّمات والشّبهات،يبارَك لك في الأخذ والعطاء ابحث عن البركة واعلم أن الأمل بالله عظيم في تحقيقها إذا عرفنا قدر النعم وآمنّا بأن الله هو الرازقُ ذو القوة المتين لكننا نخشى عليها والله حين نراها نُزعت في عددٍ من البلاد إما بالظلم أو الإسراف أو جزعهم وكثرة شكايتهم فاحمدوا الله على ما من به عليكم و اشكروا نعمه ظاهرة وباطنة فالبشكر تدوم النعم..اللهم أدم علينا نعمتك وبركاتك وارزقنا شكرها ونسألك يا ألله بركة في النعم وبركة في الأبدان والأولاد ..اللهم أنزل علينا بركات من السماء و الأرض واجعلنا من عبادك الشاكرين المعترفين بنعمك و فضلك يا أرحم الراحمين..
..

 0  0  195

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.