الحمد لله وحده،أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره،اتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتوقيره وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً أما بعد..فاتقوا الله عباد الله..
أيها المسلمون..كثيرون يَدَّعون محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم..ويحتفلون بمولده عليه الصلاة والسلام ويبتدعون على سنته بدون معرفة كيفية اتباعه ولكن هل عرفنا وعرفوا كلهم حقوقه عليه الصلاة والسلام التي تجب عليهم فلقد خصَّ الله رَسولَه صلى الله عليه وسلم بالمقامَاتِ العالِيَة،وأنالَه من الكمالات البشريّة أعلاها،مِن كمالِ الخِلقة وقوّة العقل واعتدال الطبع وشرفِ النسب والحسب،والكمالِ في الآداب والأخلاق،حتى قال عنه(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا
مِنها وَما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ
لَو لَم تُقِم دينًا لَقامَت وَحدَها
دينًا تُضيءُ بِنورِهِ الآناءُ
زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ
يُغرى بِهِنَّ وَيولَعُ الكُرَماءُ
خلقه الله لمنزلةٍ عظيمةٍ ومهمةٍ جسيمة،وهي الرسالةُ والبلاغ عن ربِّ العالمين،(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)إنَّه البشير النذير،والسراج المنير، لا يَضرُّه والله نيلٌ من سنتهِ أو استهزاء..فهو صلى الله عليه وسلم أعلى وأسمى من كل ذلك لكنها تذكرةٌ لنا لندافعَ عنه ونَتَّبعَ سنته وهذا أبلغُ الرد على من نالَ منه..
هناك حقوقٌ على هذهِ الأُمّة،يجبُ عليهم القيامُ بها،ومقصِدُها تحقيقُ العبادةِ لله ربِّ العالمين وحدَه لا شريك له..فجنابُه صلى الله عليه وسلم عظيم وهو ميثاقٌ أخذَه الله تعالى على الأنبياءِ أنفسَهم أن يؤمِنوا به وأن يتبعوه إن هم أدركوه(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ)ومن أعظم حقوقهِ الإيمانُ به وتصديقُه،ولا يمكِنُ أن يكونَ مُسلِمًا من لم يُقِرَّ بذلك جازمًا غيرَ متردِّدٍ ولا شاكّ(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا)وقال سبحانه..(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ)وقال صلى الله عليه وسلم(أُمِرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهَدوا أن لا إله إلاّ الله ويؤمِنوا بي وبما جِئتُ به)رواه مسلم وقال أيضاً(والّذي نفسي بيده،لا يسمعُ بي رجل من هذه الأمّة ولا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار)رواه مسلم وهذا هو الإتباعُ والقَبولُ والإيمانُ به والتصديقُ المقتضي للعَمَل.ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم طاعتُه،وهي من خصائِصِه،وليست لأحدٍ غيره(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)وقد قرَنَ الله تعالى طاعَةَ رسوله بطاعته سبحانه وكذلك محبَّته بإتباعه(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)ويقول(مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)وحقّه أيضاً،هو كمالُ الإتباع،وهو مقتَضَى شهادة أنّ محمّدًا رسول الله،طاعته فيما أمر،وتصديقُه فيما أخبر،واجتناب ما نهى عنه وزَجَر،وأن لاَ يُعبَد الله إلاَّ بما شَرَع،فما لم يشرَعْه صلى الله عليه وسلم مُبلِّغًا عن ربِّه فلا نتعبَّد اللهَ به،بل هو مردودٌ كما قال صلى الله عليه وسلم قال(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)وكلُ أمرٍ مُحدَثٍ في الدين بدعةً،وجعلهَا ضلالاً في النّار،كَما كان يكرّره في خطبَتِه(إنَّ خير الحديث كتاب الله،وخيرَ الهُدى هدى محمد،وشرّ الأمور محدثاتها،وكلَّ بدعةٍ ضلالة)رواه مسلم.ويقول تعالى(وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)وقال صلى الله عليه وسلم(عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين،تمسَّكوا بها،وعضُّوا عليها بالنواجذ،وإيّاكم ومحدثاتِ الأمور)رواه أبو داود.قال بعض السلف.."من أمَّر السنّةَ على نفسِه قولا وفِعلا نطق بالحكمةِ،ومن أمَّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة".
كما أنَّ أَتَباعَه صلى الله عليه وسلم هُم من يرِد عليه الحوضَ،وغيرُهم يُطردون،قال صلى الله عليه وسلم حين وصَف أمّته قال(فليُذَادَنّ رجالٌ عن حوضي كما يُذاد البعير الضال، فأناديهم..ألاَ هلمّ،فيقال..إنهم قد بدَّلوا بعدك،فأقول..سُحقًا سحقًا)رواه مسلم.
إنَّ إتِّباعَهُ صلى الله عليه وسلم يَقْتَضي وُجوبَ التزامِ شرعِه وهَديِه،(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ)وقد ضَلَّ من يتخَوَّضُونَ في دِينِ اللهِ وسُنَّةِ نبيهِ صلَّى الله عليه وسلم بالهوى والعَقل،ويكيِّفون الدينَ والشرعَ على المصالحِ المتوهَّمةِ ومُسايَرَة الغَالبِ وَلو كانَ باطِلاً أو ينفونَ سُنَّتهُ وحديثهُ الثابتَ عنه فاتِّباعُه باطِّراح الهوى وتربيةِ النفسِ على لُزومِ السُنَّةِ وإتباعِهَا والرُجوعِ إِلى الحقِّ وإخلاصِ النِّية والتجرُّد للهِ ربَّ العالمين..ومِن حُقوقهِ صَلَّى الله عليه وسلم محبّتُه،فذلك من الإيمان"وبالحديث(والذي نفسي بيده،لا يؤمنُ أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولدِه والناس أجمعين)وقال صلى الله عليه وسلم(ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان..أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما)ولَقد كان الصحابةُ رجالاً ونساءً رضي الله تعالى عنهم أشدَّ الناس حبًّا له،فعظَّموه ووقَّروه،وكان مِلءَ أسماعِهم وأبصارهم،وخالَطَ حبُّه شغافَ قلوبهم،فقدَّموه على أنفسهم وأهليهم،وفدَوه بأرواحهم،ومحبّتُهم له صلى الله عليه وسلم لم تكن محبّةَ عِشقٍ وهيام بلا اتباع أو مع ابتداع،بل هي محبّةُ مودّة وولاءٍ وإتباع وطاعةٍ،أثمرتِ إتباع السنّةِ والطاعَة وكمالَ الإيمان وتقديم أمر الله ورسولِه على شهوات النفسِ وحظوظها وإنَّك لتأسَفُ ممّن يدَّعي المحبّةِ ليبتَدِع في دين الله ما لم يكن منه فيصدَعُ السّنَن،وينشُرُ البدَعَ،ويُلبِّس على العَوامِّ باسمِ المحبّة،بل يُشرك بعضهم بالله بتقديس أولياءٍ وإعطاءِ الأَئمةِ فوقَ مكانتهِم أَو ينالونَ من صَحابته صلى الله عليه وسلم..
أيها المسلمون..من حُقوقِه صلى الله عليه وسلم تعظيمُه وتعظيم أمرِه وتوقِيره،وعدَمُ التقدُّم بين يديه أو عدم رفعُ الصوتِ فوقَ صوتهِ(لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)يقول أحد الصحابة ما مَلأتُ عَيني مِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَهابةً له وإِجلالاً واِحترامًا وحَياءً.ومع ذلك الحُبِ والإجلالِ فلم يُؤثَر أَبدًا عن أَحدٍ منهم أنَّهم أَعطوهُ شيئًا من خصائصِ الأُولوهيةِ،فلم يدعوه،لم يستغِيثوا أو يحلفوا به،لم ينسِبوا له عِلمَ الغيبِ ولا شَيئًا من خصائصِ الرَّبِّ سبحانه ولم يقيموا لا هم ولا التابعين بعدهم اِحتفالاً لمولده وهم يعظمونه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)فلا يجوز التقدُّم عليه بأيِّ صورةٍ،كسَبقِه بالكلام أو تقديم الآراء والأقوالِ على رأيه أو قوله،ومن حُقوقه عدمُ ذِكر اِسمه المجرّد(لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)،بل يُقال يا رسول الله،يحبِط العمل فما ظنُّك بالاستهزاءِ بسنَّته أو الاستخفافِ بشريعتهِ وتقديم الآراءِ على قوله عياذاً بالله؟! اللهم ارزقنا اتباع سُنَّةِنبيّكمُحمدٍ صلى الله عليه وسلم وشفاعته وأوردنا حوضه وارزقنا مرافقته في الفردوس الأعلى..إنك سميع مجيب ...أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية الحمد لله وحده.......
أَيُّها المسلمون..من حُقوقِهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ نُصرتُه والذَبُّ عَنهُ،وهَذا مِن المُسلَّمَاتِ،ومِمَّا أَجمعَ عليه المسلمون(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)بل توعَّد الله تعالى بالعذابِ الأليمِ مَن لَم ينصُرهُ صلَّى الله عليه وسلم،فقال..(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)فنصرُهُ صلى الله عليه وسلم واجبٌ في حياتِه وبعد مماتِه،ويشملُ نصرَ دينِهِ ونَشّرِ سُنَّته والدفاعِ عنه وعن سُنَّته،وقد أَجمعتِ الأُمةُ على أَنَّ مَن سَبَّهُ صلَّى الله عليه وسلم أَو عابَهُ أو حقّرهُ أو ذمَّهُ أو ذمَّ سُنّتَه ُبَأيِّ طَريقٍ فَأنَّه يُقتَل لِكُفرهِ بل اُختُلِفَ في توبتهِ عياذاً بالله،(قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)ومِن حقوقِه صلى الله عليه وسلم حِفظُه في قَرابَتِه وأزواجِه وأهلِ بيته الّذين أكرَمَهم الله تعالى وأذهَبَ عنهم الرجسَ وطهَّرهم تطهيرًا،وقد قال صلى الله عليه وسلم..(أنشدُكم اللهَ في أهلِ بَيتي)،وفي صحيح مسلم..(أذكِّركم الله في أهلِ بيتي)،وفي البخاريّ أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قال..(ارقُبُوا محمّدًا في أهل بيته)وحبُّ آل البيتِ مِن الإيمان،ومودَّتُهم قُربةٌ وطاعةٌ ولذلك نصلي على نبينا محمد وعلى آل محمد معه..
ومن حُقوقِهِ صلى الله عليه وسلم توقيرُ صحابته رضي الله عنهم ومحبّتُهم والثناءُ عليهم وقد مدحهم ربُّ العزة والجلال في كتابه في آياتٍ عديدة،ومحبتهم بالإمساك عن الخوضِ فيما شجر بينهم،والدفاع عمَّن ينالُ منهم قال صلى الله عليه وسلم قال..(لا تسبّوا أصحابي،فلو أنفق أحدكم مثلَ أحُدٍ ذهبًا ما بلَغ مُدّ أحدِهم ولا نَصيفَه)رواه مسلم،وروى الترمذي(اللهَ اللهَ في أصحابي،لا تتَّخذوهم غرضًا من بعدي،فمن أحبَّهم فبحبي أحبَّهم،ومن أبغضَهم فببُغضِي أبغضَهم،ومن آذاهُم فقد آذَاني) فإسقاط عدالتهم يعني إبطالَ الدّينِ والتشكيكَ في الكتابِ والسنّة وفي ثبوتهما؛ومِن حقوقه صلى الله عليه وسلم كثرة الصلاةُ والسلام عليه((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))إنها دعاء ورحمة وثناءٌ وتشريف،وهي واجِبَة في الجملة،ومستحبَّة ومرغَّب فيها في كلّ وقت،وعندَ ذكره صلى الله عليه وسلم اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيتَ على آل إبراهيم،وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على آل إبراهيم في العالمين،إنّك حميد مجيد قال صلى الله عليه وسلم..((إذا سمعتُم المؤذّنَ فقولوا مثلَ ما يقول،ثم صلّوا عليَّ؛فإنه من صلّى عليَّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا،ثمّ سلُوا الله لي الوسيلةَ،فإنها منزلةٌ في الجنّة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله،وأرجو أن أكونَ أنا هو،فمَن سأل الله ليَ الوسيلةَ حَلَّت له الشفاعة)). اللهم ارزقنا توقير نبيك صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، واتباع سنته، والذب عن جنابه الكريم.
اللهم ارزقنا شفاعته وأوردنا حوضه وأكرمنا بجيرته في جنات النعيم..
أيها المسلمون..كثيرون يَدَّعون محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم..ويحتفلون بمولده عليه الصلاة والسلام ويبتدعون على سنته بدون معرفة كيفية اتباعه ولكن هل عرفنا وعرفوا كلهم حقوقه عليه الصلاة والسلام التي تجب عليهم فلقد خصَّ الله رَسولَه صلى الله عليه وسلم بالمقامَاتِ العالِيَة،وأنالَه من الكمالات البشريّة أعلاها،مِن كمالِ الخِلقة وقوّة العقل واعتدال الطبع وشرفِ النسب والحسب،والكمالِ في الآداب والأخلاق،حتى قال عنه(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا
مِنها وَما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ
لَو لَم تُقِم دينًا لَقامَت وَحدَها
دينًا تُضيءُ بِنورِهِ الآناءُ
زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ
يُغرى بِهِنَّ وَيولَعُ الكُرَماءُ
خلقه الله لمنزلةٍ عظيمةٍ ومهمةٍ جسيمة،وهي الرسالةُ والبلاغ عن ربِّ العالمين،(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)إنَّه البشير النذير،والسراج المنير، لا يَضرُّه والله نيلٌ من سنتهِ أو استهزاء..فهو صلى الله عليه وسلم أعلى وأسمى من كل ذلك لكنها تذكرةٌ لنا لندافعَ عنه ونَتَّبعَ سنته وهذا أبلغُ الرد على من نالَ منه..
هناك حقوقٌ على هذهِ الأُمّة،يجبُ عليهم القيامُ بها،ومقصِدُها تحقيقُ العبادةِ لله ربِّ العالمين وحدَه لا شريك له..فجنابُه صلى الله عليه وسلم عظيم وهو ميثاقٌ أخذَه الله تعالى على الأنبياءِ أنفسَهم أن يؤمِنوا به وأن يتبعوه إن هم أدركوه(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ)ومن أعظم حقوقهِ الإيمانُ به وتصديقُه،ولا يمكِنُ أن يكونَ مُسلِمًا من لم يُقِرَّ بذلك جازمًا غيرَ متردِّدٍ ولا شاكّ(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا)وقال سبحانه..(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ)وقال صلى الله عليه وسلم(أُمِرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهَدوا أن لا إله إلاّ الله ويؤمِنوا بي وبما جِئتُ به)رواه مسلم وقال أيضاً(والّذي نفسي بيده،لا يسمعُ بي رجل من هذه الأمّة ولا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار)رواه مسلم وهذا هو الإتباعُ والقَبولُ والإيمانُ به والتصديقُ المقتضي للعَمَل.ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم طاعتُه،وهي من خصائِصِه،وليست لأحدٍ غيره(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)وقد قرَنَ الله تعالى طاعَةَ رسوله بطاعته سبحانه وكذلك محبَّته بإتباعه(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)ويقول(مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)وحقّه أيضاً،هو كمالُ الإتباع،وهو مقتَضَى شهادة أنّ محمّدًا رسول الله،طاعته فيما أمر،وتصديقُه فيما أخبر،واجتناب ما نهى عنه وزَجَر،وأن لاَ يُعبَد الله إلاَّ بما شَرَع،فما لم يشرَعْه صلى الله عليه وسلم مُبلِّغًا عن ربِّه فلا نتعبَّد اللهَ به،بل هو مردودٌ كما قال صلى الله عليه وسلم قال(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)وكلُ أمرٍ مُحدَثٍ في الدين بدعةً،وجعلهَا ضلالاً في النّار،كَما كان يكرّره في خطبَتِه(إنَّ خير الحديث كتاب الله،وخيرَ الهُدى هدى محمد،وشرّ الأمور محدثاتها،وكلَّ بدعةٍ ضلالة)رواه مسلم.ويقول تعالى(وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)وقال صلى الله عليه وسلم(عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين،تمسَّكوا بها،وعضُّوا عليها بالنواجذ،وإيّاكم ومحدثاتِ الأمور)رواه أبو داود.قال بعض السلف.."من أمَّر السنّةَ على نفسِه قولا وفِعلا نطق بالحكمةِ،ومن أمَّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة".
كما أنَّ أَتَباعَه صلى الله عليه وسلم هُم من يرِد عليه الحوضَ،وغيرُهم يُطردون،قال صلى الله عليه وسلم حين وصَف أمّته قال(فليُذَادَنّ رجالٌ عن حوضي كما يُذاد البعير الضال، فأناديهم..ألاَ هلمّ،فيقال..إنهم قد بدَّلوا بعدك،فأقول..سُحقًا سحقًا)رواه مسلم.
إنَّ إتِّباعَهُ صلى الله عليه وسلم يَقْتَضي وُجوبَ التزامِ شرعِه وهَديِه،(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ)وقد ضَلَّ من يتخَوَّضُونَ في دِينِ اللهِ وسُنَّةِ نبيهِ صلَّى الله عليه وسلم بالهوى والعَقل،ويكيِّفون الدينَ والشرعَ على المصالحِ المتوهَّمةِ ومُسايَرَة الغَالبِ وَلو كانَ باطِلاً أو ينفونَ سُنَّتهُ وحديثهُ الثابتَ عنه فاتِّباعُه باطِّراح الهوى وتربيةِ النفسِ على لُزومِ السُنَّةِ وإتباعِهَا والرُجوعِ إِلى الحقِّ وإخلاصِ النِّية والتجرُّد للهِ ربَّ العالمين..ومِن حُقوقهِ صَلَّى الله عليه وسلم محبّتُه،فذلك من الإيمان"وبالحديث(والذي نفسي بيده،لا يؤمنُ أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولدِه والناس أجمعين)وقال صلى الله عليه وسلم(ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان..أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما)ولَقد كان الصحابةُ رجالاً ونساءً رضي الله تعالى عنهم أشدَّ الناس حبًّا له،فعظَّموه ووقَّروه،وكان مِلءَ أسماعِهم وأبصارهم،وخالَطَ حبُّه شغافَ قلوبهم،فقدَّموه على أنفسهم وأهليهم،وفدَوه بأرواحهم،ومحبّتُهم له صلى الله عليه وسلم لم تكن محبّةَ عِشقٍ وهيام بلا اتباع أو مع ابتداع،بل هي محبّةُ مودّة وولاءٍ وإتباع وطاعةٍ،أثمرتِ إتباع السنّةِ والطاعَة وكمالَ الإيمان وتقديم أمر الله ورسولِه على شهوات النفسِ وحظوظها وإنَّك لتأسَفُ ممّن يدَّعي المحبّةِ ليبتَدِع في دين الله ما لم يكن منه فيصدَعُ السّنَن،وينشُرُ البدَعَ،ويُلبِّس على العَوامِّ باسمِ المحبّة،بل يُشرك بعضهم بالله بتقديس أولياءٍ وإعطاءِ الأَئمةِ فوقَ مكانتهِم أَو ينالونَ من صَحابته صلى الله عليه وسلم..
أيها المسلمون..من حُقوقِه صلى الله عليه وسلم تعظيمُه وتعظيم أمرِه وتوقِيره،وعدَمُ التقدُّم بين يديه أو عدم رفعُ الصوتِ فوقَ صوتهِ(لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)يقول أحد الصحابة ما مَلأتُ عَيني مِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَهابةً له وإِجلالاً واِحترامًا وحَياءً.ومع ذلك الحُبِ والإجلالِ فلم يُؤثَر أَبدًا عن أَحدٍ منهم أنَّهم أَعطوهُ شيئًا من خصائصِ الأُولوهيةِ،فلم يدعوه،لم يستغِيثوا أو يحلفوا به،لم ينسِبوا له عِلمَ الغيبِ ولا شَيئًا من خصائصِ الرَّبِّ سبحانه ولم يقيموا لا هم ولا التابعين بعدهم اِحتفالاً لمولده وهم يعظمونه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)فلا يجوز التقدُّم عليه بأيِّ صورةٍ،كسَبقِه بالكلام أو تقديم الآراء والأقوالِ على رأيه أو قوله،ومن حُقوقه عدمُ ذِكر اِسمه المجرّد(لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)،بل يُقال يا رسول الله،يحبِط العمل فما ظنُّك بالاستهزاءِ بسنَّته أو الاستخفافِ بشريعتهِ وتقديم الآراءِ على قوله عياذاً بالله؟! اللهم ارزقنا اتباع سُنَّةِنبيّكمُحمدٍ صلى الله عليه وسلم وشفاعته وأوردنا حوضه وارزقنا مرافقته في الفردوس الأعلى..إنك سميع مجيب ...أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية الحمد لله وحده.......
أَيُّها المسلمون..من حُقوقِهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ نُصرتُه والذَبُّ عَنهُ،وهَذا مِن المُسلَّمَاتِ،ومِمَّا أَجمعَ عليه المسلمون(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)بل توعَّد الله تعالى بالعذابِ الأليمِ مَن لَم ينصُرهُ صلَّى الله عليه وسلم،فقال..(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)فنصرُهُ صلى الله عليه وسلم واجبٌ في حياتِه وبعد مماتِه،ويشملُ نصرَ دينِهِ ونَشّرِ سُنَّته والدفاعِ عنه وعن سُنَّته،وقد أَجمعتِ الأُمةُ على أَنَّ مَن سَبَّهُ صلَّى الله عليه وسلم أَو عابَهُ أو حقّرهُ أو ذمَّهُ أو ذمَّ سُنّتَه ُبَأيِّ طَريقٍ فَأنَّه يُقتَل لِكُفرهِ بل اُختُلِفَ في توبتهِ عياذاً بالله،(قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)ومِن حقوقِه صلى الله عليه وسلم حِفظُه في قَرابَتِه وأزواجِه وأهلِ بيته الّذين أكرَمَهم الله تعالى وأذهَبَ عنهم الرجسَ وطهَّرهم تطهيرًا،وقد قال صلى الله عليه وسلم..(أنشدُكم اللهَ في أهلِ بَيتي)،وفي صحيح مسلم..(أذكِّركم الله في أهلِ بيتي)،وفي البخاريّ أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قال..(ارقُبُوا محمّدًا في أهل بيته)وحبُّ آل البيتِ مِن الإيمان،ومودَّتُهم قُربةٌ وطاعةٌ ولذلك نصلي على نبينا محمد وعلى آل محمد معه..
ومن حُقوقِهِ صلى الله عليه وسلم توقيرُ صحابته رضي الله عنهم ومحبّتُهم والثناءُ عليهم وقد مدحهم ربُّ العزة والجلال في كتابه في آياتٍ عديدة،ومحبتهم بالإمساك عن الخوضِ فيما شجر بينهم،والدفاع عمَّن ينالُ منهم قال صلى الله عليه وسلم قال..(لا تسبّوا أصحابي،فلو أنفق أحدكم مثلَ أحُدٍ ذهبًا ما بلَغ مُدّ أحدِهم ولا نَصيفَه)رواه مسلم،وروى الترمذي(اللهَ اللهَ في أصحابي،لا تتَّخذوهم غرضًا من بعدي،فمن أحبَّهم فبحبي أحبَّهم،ومن أبغضَهم فببُغضِي أبغضَهم،ومن آذاهُم فقد آذَاني) فإسقاط عدالتهم يعني إبطالَ الدّينِ والتشكيكَ في الكتابِ والسنّة وفي ثبوتهما؛ومِن حقوقه صلى الله عليه وسلم كثرة الصلاةُ والسلام عليه((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))إنها دعاء ورحمة وثناءٌ وتشريف،وهي واجِبَة في الجملة،ومستحبَّة ومرغَّب فيها في كلّ وقت،وعندَ ذكره صلى الله عليه وسلم اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيتَ على آل إبراهيم،وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على آل إبراهيم في العالمين،إنّك حميد مجيد قال صلى الله عليه وسلم..((إذا سمعتُم المؤذّنَ فقولوا مثلَ ما يقول،ثم صلّوا عليَّ؛فإنه من صلّى عليَّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا،ثمّ سلُوا الله لي الوسيلةَ،فإنها منزلةٌ في الجنّة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله،وأرجو أن أكونَ أنا هو،فمَن سأل الله ليَ الوسيلةَ حَلَّت له الشفاعة)). اللهم ارزقنا توقير نبيك صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، واتباع سنته، والذب عن جنابه الكريم.
اللهم ارزقنا شفاعته وأوردنا حوضه وأكرمنا بجيرته في جنات النعيم..