• ×

10:15 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

(الحياء) مع تخصيص الخطبة الثانية للحديث عن لقاح كورون

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله حَثَّ على أفضل الأخلاق،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شركاء له ولا أنداد،وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله،أشرفِ الخلق وخيرِ العباد،صلِّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الرشاد وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد..أما بعد فاتقوا الله أيُّها العباد..
الآدابُ والأخلاقُ عنوانُ صلاحِ الأُممِ والمجتمعاتِ،ودليلُ تمسّكِها بعقيدتها،ورمز التزامها بالمنهجِ السليمِ والصراطِ المستقيمِ،والإنسانُ لا يمنعه من سوء الأخلاق والمجاهرة بسوء التصرفات نظام فقط بل دينٌ يؤمن به وخوفٌ من اللهِ يردعُه وكذلك حياءُه وكان من أهداف رسالته صلى الله عليه وسلم(إنما بعثت لأتَممَ مكارم الأخلاق)
إنَّ سوءَ الأفعال والجرأةَ على القيمِ والأخلاق والتطاولَ على ثوابت الدين بالتصرفات وتهاونَ النساء بالحجاب راجعٌ لضعف الدين وتهميشه وإغفالٌ لتعاليمِ القرآن والسنة..والحياءُ بابُ الأخلاق ومعيارُها من الله ثم من النَّاس،مرَّ صلى الله عليه وسلم على رجلٍ يعظُ أخاه في الحياء،فقال(دعه؛فإنَّ الحياء من الإيمان)وقال صلى الله عليه وسلم(الحياءُ لا يأتي إلا بخير)وفي روايةٍ لمسلم(الحياءُ خيرٌ كله)وقال صلى الله عليه وسلم(الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبة،أفضلها لا إله إلا الله،وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياءُ شعبةٌ من الإيمان)وكان صلى الله عليه وسلم أشدَّ حَياءً من العذراء في خدرها،فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه كما بالحديث..والحياء يحملُ على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال ويمنعُ التقصيرَ في حق الله ذي الجلال..
هو امتناعُ النفس عن فعل ما يُعاب،وترك شيءٍ يُعقِبُه ذَمٌّ ولوم،قال الفضيلُ بن عياض رحمه الله.."من علاماتِ الشقوة القسوة في القلب،وجمود العين،وقلة الحياء،والرغبة في الدنيا،وطول الأمد"والحياءُ أصلُ الخيرِ والعقل،وتركهُ أصل كلِّ شرٍّ وجهل،وهو دليلُ كمالِ عقلِ صاحبه،ففيه الخير كله، ومتى فارقه الحياء قادته نفسه وشيطانه إلى الهلاك المحتوم، وأرداه موارد الفساد.
بالهيبة والحياء تُعمرُ القلوب، وتزكو النفوس، فإذا ذهبا لم يبق فيه خير،وإنَّ ما نشاهده مؤخراً من جرأةٍ على الثوابت وتهاونٍ بالحجاب واستهانةٍ بالقِوامة وتمرّدُ النساء على الوالدين والزوج وعدمُ مبالاةٍ بتصويرِ سيء التصرفات بدعوى اللهو والترفيه مردُّ ذلك لضعف الحياء مع الأسف..
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ولم تستحِ فاصنعْ ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ ويبقَى العودُ ما بقي اللِّحاءُ
من قويَ حياؤُه صانَ عِرْضَه،ودَفَنَ مساوئِه،ونَشَرَ محاسنَه،وكان ذكرهُ عند الناس محمودًا وعند الله مرفوعًا. ومن ذهبَ حياؤه ظهرت مساوئُهُ،ودُفِنَتْ محاسُنه،وكان عند الناس مُهانًا وعند الله ممقوتًا وتلك رسالةٌ لمن يُظهرون مساوئهم ويجاهرون بمعصيتهم عبر وسائل التواصل مؤخراً من رجالٍ ونساءٍ وحفلات لم يستحوا من الله ولا من الناس وأساؤا لدينهم ووطنهم وأُسرهم بالمجاهرة بتصرفاتٍ لاتليق..وعندما ترى الرجلَ يتحرَّجُ من فعل ما لا ينبغي ويكسو الخجلُ وجههَ إذا بدر ما لا يليق،فاعلم أنَّه مؤمنٌ حيُّ الضمير،أما إذا رأيته صفيقاً،بليدَ الشعور،مُعوجَّ السلوكِ. بدونِ حياءٍ يردعُه..ولا وازعٍ يمنعُه فهو ضعيف الإيمان في الحديث مرفوعاً وموقوفاً(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ،فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا،فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ،فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ،لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا،فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ،فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ،لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا)أخرجه ابن ماجه وغيره..ومَن ابتلي ببعض التصرفات فليستر على نفسه ولا يُجاهر بمعصيته وهذا من الحياء ودافعٌ للتوبة..والحياءُ والإيمانُ مُقترنان إذا نُزع أحدُهما تبعَهُ الآخر.يقول عمر رضي الله عنه (من استحيا اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وَقَى)وكما يستحيي المسلم من الخَلْق فلا يكشف لهم عورة ولا يُقصِّرُ بحقوقِهم ولا يُنكرُ معروفهم أوحقوقهم فإن عليه الحياءَ من الخالق سبحانه،فلا يُقصِّرُ في طاعته، ولا بشكرِ نعمتِه،لما يرى من قدرته عليه وعلمِه به،فاللهُ أحقُّ أن يُستحيى منه،ومن استحيى من الله حقَّ الحياء حفظَ الرأسَ وما وعى،والبطنَ وما حوى،وذكرَ الموتَ والبِلَى،وتركَ زينةَ الحياة الدنيا وشكرَ نعمةَ الله تعالى عليه،وأدركَ عظمتَه وعِلْمَه بخائنةِ الأعينِ وما تُخفِي الصدور،ثم يُحاسب نفسه على التقصير،فلا يراه الله حيث نهاه، ولا يفقدُه حيثُ أمرَه،وثمرة الحياءِ العِفِّةُ والوفاء،فمن اتصفَ بالحياءِ صارَ عفيفًا وفيِّاً بعيدًا عن كلِّ منقصة،قريبًا من كل فضيلة أما الجرأةُ على الثوابت ومخالفةُ الأخلاق والشيم فمن ضعف الدين والخُلقُ ويقودُ من سيئةٍ لأخرى حتى يفعلَ القبائحَ ويتهاونَ بالثوابت تدريجياً باستهتارٍ بالأنظمة وتهاونٍ بالحجاب حتى بتنا نرى مظاهر بمجتمعنا لا نعرفها قبلاً..قال صلى الله عليه وسلم(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى..إذا لم تستح فاصنع ما شئت)رواه البخاري،فمن ذهب حياؤه ذهبت مروءته،ومن ذهبت مروءته قَلَّ إحساسُه،فلم يدْرِ عيبَ الناس وانتقاصِهم له.
وَرُبَّ قَبيحَةٍ ما حالَ بَيني وَبَينَ رُكوبِها إِلّا الحَياءُ
وَكانَ هُوَ الَّذي أَلهى وَلكِن إِذا ذَهَبَ الحَياءُ فَلا دَواءُ
يومَ ضاعَ الحياء،استُبِيحَتِ المُحرمات،وجُوهر بالرذيلةِ وأُقصيتِ الفضيلةُ بدعوى حضارةٍ وتمدّن وتقليدٍ على غيرِ هدى!!ضَعُفَ أثرُ الصلوات وعُبثَ بأحكامِ الدين يوم قَلَّ الحياء من الله وابتعد الناس عنه؟! وقعوا في المعصية وجعلوا الله أهونَ الناظرين إليهم؟!تجدهم بجوار المسجد يلعبون ولا يصلون يُظهِرون نساءَهم مُتبرجات سافرات ولايُبالون..يجاهرون بمخالفةِ الأنظمة وعلى المالِ العامِّ يتطاولون وفسادٌ في الجرائم يقعون وللقوانين يتجاوزون وللبيئة يفسدون..وللناس يزعجون وللنعم يسرفون..أين الحياء من كبار سنٍ بلحاهم صاروا لايُبالون بنشر مقاطعهم التي لا تليق بهم؟!أين الحياء من موظَّفٍ يستهتر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ويتعامل مع المراجعين بصلف ورعونة ويُعطِّلُ معاملاتهم؟!تاجرٌ يخدعُ الناسَ ويَغشُّ في السلع ويكذبُ في المعاملة؟!كل هؤلاء فقدوا الحياء،والحياءُ يوجد حين يُطَالِعُ العبدُ نِعمَ الله عليه،فيعرفُ قدْرها ويشكرها..ومن الحياءِ طهارةُ اللسانِ من فُحشٍ ومَعيبِ لَفظ، والقصدُ في الحديث في المجالس،وأن يتحاشى الإنسانُ أن يُعرفَ بسوءٍ،أو تتلطَّخَ سمعتُه بما لا يليق،يبتعدُ عن مواردِ الشُبه ومواطنِ الإشاعات السيئة.ومن الحياء محافظةُ المرأة على كرامتِها وحشمتِها،ومراقبةِ ربها،ومعرفة فضل والديها وحفظِ حَقِّ زوجها،والبعدِ عن مسالك الريبة ومواطن الرذيلة،استُشْهِدَ لإحدى الصحابيات ولدٌ في بعض الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت تبحث عنه بين القتلى وهي منتقبة فقيل لها.. تبحثين عنه وأنت منتقبة متحجبة؟فأجابت..لأن أرزأَ ولدي فلن أرزأَ حيائي!!والعفافُ والحياءُ خيرٌ وأبقى)أخرجه أبو داوود..ومن الحياء إنزالُ الناسِ منازلهم ومعرفةُ كُلِّ ذي فضلٍ فضله..فالابنُ يوقِّرُ أباه،والتلميذُ يحترمُ المعلم،والصغير يتأدَّبُ مع الكبير..قال صلى الله عليه وسلم(الحياءُ من الإيمان،والإيمان في الجنة،والبذاءُ من الجفاء)رواه أحمد..فالتزموا الحياءَ والعفافَ،فهو باعثٌ لفعلِ الطاعاتِ وتركِ القبائحِ والمنكرات إذا كانَ الحياءُ محمودًا والوقاحةُ مذمومةً فإنه لا حياءَ في الدين،فإنه لايمنعُ من قول الحق أو طلب العلم أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..تقول عائشة رضي الله عنها.. يرحم اللهُ نساءَ الأنصار؛لم يمنعْهُنَّ الحياءُ أن يتعلَّمْنَ أمورَ دينهن..ولم يمنع الحياءُ أم سُلَيم الأنصارية رضي الله عنها أن تقول:يا رسول الله،إن الله لا يستحيي من الحق،فهل على المرأةِ غسلٌ إذا هي احتلمت؟فقال(نعم،إذا رأت الماء)فاتقوا الله رحمكم الله،واعلموا أن الحياء الممدوح يكفُّ صاحبهَ عن مساوئ الأخلاق،ويحملُه على فعلِ ما يُجمِّلُه ويزينهُ،أما الحياءُ الذي يمنع صاحبه من السعي فيما ينفعه دنيا وأخرى ويمنعه من أمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن مُنكرٍ والنصيحةِ بحكمة وموعظة حسنة فإنه حياء مذموم، وتخذيل من الشيطان (يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ ٱلْحَقّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـٰعاً فَٱسْـئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق وجنبنا مساوئها..واعف عن تقصيرنا وخطئنا أقول ما تسمعون.
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد...
الصحةُ تاجٌ على رؤوس الأصحّاء لا يراه إلا المرضى ونعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحّة والفراغ ، ومَن بات آمناً في سرْبِه مُعافَى في بدنه عنده قُوتُ يومه وليلته فقد حِيزت له الدنيا بجنبيها..
ونصوصٌ كثيرة تُبيِّنُ أهميّةَ نعمة الصحة وضرورة شكر واهبها سبحانه وتعالى ومَن عوفي فليحمد الله.. ولقد رأينا أهميّة أثرها لما ابتلي العالم بهذه الآفة كورونا كيف تعطّلت الدنيا بأسرها وعانى الناسُ منها ولا زالوا ولقد تباينت الدول في التعامل معها احتواءً للوباء واحترازاً منه حتى تغيّرت صورة العالم الذي نعرفه وكان بحمد لله أثرها علينا في بلادنا خفيفاً مقارنةً بغيرنا والجهود المُقدَّمةمعها كبيرة وتعامل الجهات المسؤولة وفقهم الله احترافياً خاصةً أبطال الصحة والأمن ثم جاء اللقاح لتعلن الجهات الصحيّة سلامته والحاجة إليه لمن يرغب من مواطن ومقيم وتقديمه بالمجان ولذلك من المهم أخذ المعلومات من مصادرها المعتمدة كوزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء وعدم نشر معلومات غير صحيحة أو إشاعات مُضللَة لأن هذه حياة الناس والدولة وولاة أمرها وفقهم الله عرفناهم حريصين منذ وجود الوباء على بذل المستطاع.. نسأل الله أن يبارك في هذه الجهود وأن يجزي العاملين فيها جزاءً حسنًا وأن يثيبهم ويأجرهم. كما نسأله جل وعلا السلامة من كلِّ داء وأن يرفع الغمة عنا وعن بلاد المسلمين..إنه سميع مجيب.. الاستغاثة

 0  0  189

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.