الحمد لله نهى عن الفساد في الأرض ولا يُصلح عمل المفسدين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ المتقين،وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه إمام المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..أما بعد عباد الله فاتقوا الله عباد الله..
هناك آفاتٌ يتعدّى ضررُها أصحابَها للناس أجمعين..إذا وقعت واستقرَّت كانت سببَ بلاءٍ..تحَدّثَ عنها القرآنُ والسنة فقوم شعيب أفسدوا الأرض بعد إصلاحها ولا يوفون الناس وينقصون المكيالَ والميزان. وفرعونُ ذو الأوتاد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد..وقومُ عيسى فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون.. وجاهليةُ العرب تخلفٌ وجهلٌ وضلالٌ فلما جاء الإسلام أصلح ذلك..والدولُ المتقدمةُ والأُممُ المتحضّرةُ تقاومُ الفسادَ وتسعى للإصلاحِ..لأن محاربةَ الفساد تُحقّقُ النجاحَ والاستقرارَ والنماء وتلك مهمة الرسل الكرام..فالتساهلُ بظواهر الفساد أو تولية مُفسدين وتركُ المصلحين سببٌ لدمار الأمم وانهيار الدول..والقرآنُ حذّرَ عملَ المفسدين والفسادِ بأنواعِه لأنه سببٌ لنقمة الله وعقوبته(وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ*قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ*فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ)وظهورُ الفسادِ عقوبة ودعوةٌ للتوبة(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)ومحاربتُه سببٌ للنجاة(فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)ومقاومةِ الفساد تتمُّ مع اجتماعِ الكلمةِ ونبذِ الفُرقةِ وشمولُها لكلِّ الفساد والمفسدين..لينجح بذلك العمل وتبرأُ الذمِّةُ ويصلحُ المجتمع والدولةُ..خاصةً في مثل بلادِ الحرمين حيث قبلةُ المسلمين والأسوة والقدوة وهو تحقيقٌ لقولِ الله(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)
الفسادُ إخوتي معنى كبير يشملُ مخالفةَ الدين واستغلالَ النفوذ وخيانةَ أمانةِ الله ورسوله وولاةِ الأمر والمسلمين؛والتعدي على المال العام واستغلالِ السلطة في المنافع الشخصية..فكم من مشاريعَ تعطّلت. وأموالَ ضاعت؛وأُهدرت؛وأرواحَ فُقدت بسبب إهمالٍ وفسادٍ ومحسوبياتٍ طغت فأثَّرت،وأماتت فأتلفت،كم تنادى المخلصون ونبّهوا على الفسادِ وأثرهِ وعلى أهمية أمانةٍ أُضيعت فضاعَ الناس معها فخيانتُها والمحسوبيات سببُ كلِّ فسادٍ وبليةٍ،والأمانةُ إذا ضُيّعت سيضيع الناس معها وخيانتُها سببٌ للفساد خاصةً أمانة الدين(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)ووصفَ المؤمنين(لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)ومن حُرمَ الأمانة حُرم كمَالَ الإيمان,ومن تلبَّسَ بالخيانة فبئسَ والله البطانة وفيه نفاق(فآية المنافق ثلاث..إذا حدث كذب،وإذا وعد أخلف،وإذا أؤتمن خان)رواه البخاري ومَن كَمُلَ إيمانه كَمُلَت أمانته،وإذا ضاعت الأمانة فسدَ كلُّ شيءٍ وهلكت أموالُ المسلمين وأعراضُهم بالباطل..وأعظمُ خيانةٍ خيانةُ الله ورسوله وتفريقُ كلمة مجتمعة!!(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)آيةٌ نزلت في صحابيٍّ ولاَّه صلى الله عليه وسلم أمراً فقصّرَ فيه فجاء الوعيدُ لكل منَ وُكلَت إليهم مسؤولياتٌ فخانوها وغشُّوا الراعي والرعيّة لأنه ذنبٌ عظيم!!ومقاومةُ الفساد أمانة وهو يُنظِّمُ شؤونَ الحياةِ كلِّها عقيدةً وعبادةً وأدباً ومعاملةً وسياسةً وخلقاً وبها تسعدُ الأمم،وأُمَّتُنا أصدقُ الشعوب وا0لأمم في حمل الأمانةِ والوفاء فهي خيرُ أُمةٍ أُخرجت للناس..استدان ابن عمر بن الخطاب من أبي موسى الأشعري والي الكوفة أموالاً من خزينة الدولة ليُتاجر بها على أن يردها كاملةً، ولما تاجر وربح بلغَ ذلك عمر فقال له..إنك حين اشتريت أنقص لك البائعون في الثمن،ولما بعتَ زاد لك المشترون في الثمن لأنك ابن أمير المؤمنين،فللمسلمين نصيبٌ فيما ربحت، فقاسمَه نصف الربح، واسترد منه القرض وعنَّفَه على ما فعل،وعاقبَ الوالي أنَّه أسرفَ من أموال الدولة)وهذه أمانةُ حاكمٍ يسهرُ على مال الأمة فلا يُحابي بها صديقاً ولا قريباً؛الأمانةُ شعورُ المرءِ بمسؤوليته في كل أمرٍ يُوكل إليه..ومن الخطأ قصرُ فهمُها أنها لحفظِ الودائعِ فقط،فحقيقتُها في دين الله أضخم وأجل فهي فريضةٌ يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها حتى بالسفر(استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك)وإذا خطب صلى الله عليه وسلم قال..(لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)رواه أحمد والأمانةُ وضعُ الشيء في موضعه فالمنصبُ للإنسان المستحق أفضل والوظيفةُ للكفءِ لها وليس لقريبٍ أو صديق قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه يا رسول الله، ألا تستعملْني؟ قال.. فضرب يده على منكبه،وقال..(يا أبا ذر إنك ضعيف،وإنها أمانة،وإنها يوم القيامة خزي وندامة،إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)رواه مسلم..قد يكونُ الرجلُ خلوقاً متديناً لكنه ليس أهلاً للمنصب..فيوسفُ الصديق عليه السلام لما رشَّحَ نفسَه لم يذكر نبوّتَه وتقواه،بل طلبها بحفظه وعلمه (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)وذلك يقتضي اختيارُ أحسنِ الناس للأعمال فإذا تركناه لِهوىً أو رشوة أو قرابة،فتلك خيانةٌ وفسادٌ..ومحاربة الفساد الإداري بالتعطيل والروتين كالفساد المالي!! وهي رسالةٌ للموظفين بأن يتقوا الله بسرعة انجاز الأعمال وعدم تعطيلها لهوىً أو انتقام..
إخوتي..إن أمَّةً لا أمانة فيها تعبثُ فيها الشفاعات بالمصالح ومنَ الأمانةِ أداءُ المرءِ واجبَه كاملاً للعمل المنوط به والإخلاص فيه وإجادتِه أما إهمالهِ..واستهانتُه به فساد..فبعضُهم يستغلُّ منصبَه للظلم أو للإثراء..أو موظفٌ صغيرٌ بلا مؤهلاتٍ يصلُ بالفساد لأعلى الرتب والأموال عياذاً بالله؟!بعث صلى الله عليه وسلم صحابياً لجلب الزكاة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي إلي،فخطب عليه الصلاة والسلام[نستعمل الرجل منكم فيأتي ويقول..هذا لكم،وهذا أهدي إلي،فهلّا جلس في بيت أبيه وأمه ليُهدىَ له أم لا؟ٍ]رواه البخاري إن من وُلّيَ على شيءٍ خاصٍ أو عامٍ فهو أمين عليه يجب أن يُؤدِّي الأمانةَ فيه،فالقاضي أمين،والأميرُ أمين،ورؤساءُ الدوائر وموظفوها أمناء،أوكلَ إليهم وليُّ الأمر منصباً ليُحسنوا فيما وُلُّوا عليه وأما استغلالُ منصبهِ أو ثروتهِ لجرِّ منفعةٍ إلى شخصه أو قرابته فساد!!والتشبّعُ من المال العامِّ جريمةً قال صلى الله عليه وسلم (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)رواه أبو داود أما منْ يلتزم حدود الله في وظيفته،ويأنفُ من خيانةِ أمانتها ويُحسن بها للمواطن،فهو عند الله مجاهد لنصرة دينه مخلص لوطنه يدعون الناس له دوماً بالخير قال صلى الله عليه وسلم..(العامل إذا اسْتُعْمِل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته) رواه الطبراني ونحن ولله الحمد نفخر في دوائرنا بموظفين جادّين كبار وصغار لا يستغلون منصبهم ويرفضون كسباً مشبوهاً وما أكثرهم..كسبوا ثناء الدنيا والفوز في الآخرة بإذن الله..
إنَّ الأمانةَ إخوتي حمايةُ الدين والقيم ونبذُ ما يُفسدُ الأُمةَ ويُسبّبُ عقوباتٍ ماحقةٍ ومصائب مهلكة..قال صلى الله عليه وسلم(نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن،فعلموا من القرآن والسنة وآخر الزمن تُرفعُ الأمانةُ حتى ينامُ الرجلُ النومةَ فتنقبضُ الأمانةَ من قلبه فيظلُّ أثرُها مثلَ الوكت،ثم ينامُ الرجلُ النومةَ فتنقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها كالْمَجْلِ،أي أقل ثم يُصبح الناسُ يتبايعون لا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة،حتى يُقال.. إن في بني فلان رجلاً أميناً،وحتى يقال للرجل..ما أجلده!ما أظرفه!ما أعقله!وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان"رواه مسلم وجاء رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ.. مَتَى السَّاعَةُ؟قَالَ.. (فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ.. كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ.. إِذَا وسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) هذا أثرُ الأمانة العظيم وخطر فقدها الجسيم عياذاً بالله فيا بئساً للإنسان بحملها(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)اللهم ارزقنا الأمانة و جنبنا الخيانة واهدنا للرشاد واكفنا شر الفساد ..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
الأمانةُ إخوتي حفظُ حقوقِ المجالس والبيوت فلا تُفشى أسرارها فكم تقطَّعتْ القرابات وتعطلّت المصالح من ذلك ومن الأمانة عدم اتهام الناس بدون برهان ..والأمانة يتصفُ بها البرُّ والفاجر وتؤدَّى للمؤمن والكافر ولو اعتدى عليك..قال ميمون بن مهران(ثلاثة يؤديْن إلى البرّ والفاجر..الأمانة والعهد وصلة الرحم..وهي ضمانُ العدل وحقوقِ الناس ومصالحهم ومعاشهم ومعادهم وعدمُ العبثِ بمصالحهم أو بهدم منجزاتِ الوطن أو إثارة الفتن والتطرف أوالتعدِّي على الأراضي و الحقوق وانتهاك النظام كائناً من كان فهذه خيانةٌ تستلزمُ المحاسبةَ..والمؤسف أن معاييرَ الأمانة الآن قلّت وتقلّبت وتغيّرت حتى بات كثيرٌ من الناس يستغربُها..فصار الاعتداءُ على المالِ العامِ والنيلِ منه ذكاءً وبطولة..وأصبحت الرشوةُ سائدةً ومسوّغةً وتغيّر مُسمّاها هديَّةً وعمولة..وأصبحَ إهمالُ الدوامِ أو الانشغالِ عن معاملات الناس وعدم الإنجاز يُمارس بسهولة،والكذبُ وأكلُ مال الناس وسوء الأخلاق ومخالفة النظام رجولة..ثم ندّعي بعد كل ذلك أن الأمانةَ موجودة..كنا نستغربُ الرشوة ونتَّهمُ بها غيَرنا فإذا بها أمرٌ عادي يمارسه البعض عياذاً بالله رغم لعن الله الراشي والمرتشي وكل ذلك إضاعةٌ للأمانة فنحن إذاً نحتاج لمقاومةِ الفساد والإبلاغ عنه وللتعاون جميعاً لتحقيق مبدأ الأمانة فالأمانةُ إخوتي فضيلةٌ ضخمةٌ ثقيلةٌ تحملها الإنسان ويحتاج من يعينه عليها ولو بالقوة..اللهم إنا نسألك أن تصلح قلوبنا و تزكي أعمالنا وترزقَنا الصدقَ و الأمانةَ والسداد و تُطَّهرنا من الكذبِ والفساد والخيانةِ ..
هناك آفاتٌ يتعدّى ضررُها أصحابَها للناس أجمعين..إذا وقعت واستقرَّت كانت سببَ بلاءٍ..تحَدّثَ عنها القرآنُ والسنة فقوم شعيب أفسدوا الأرض بعد إصلاحها ولا يوفون الناس وينقصون المكيالَ والميزان. وفرعونُ ذو الأوتاد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد..وقومُ عيسى فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون.. وجاهليةُ العرب تخلفٌ وجهلٌ وضلالٌ فلما جاء الإسلام أصلح ذلك..والدولُ المتقدمةُ والأُممُ المتحضّرةُ تقاومُ الفسادَ وتسعى للإصلاحِ..لأن محاربةَ الفساد تُحقّقُ النجاحَ والاستقرارَ والنماء وتلك مهمة الرسل الكرام..فالتساهلُ بظواهر الفساد أو تولية مُفسدين وتركُ المصلحين سببٌ لدمار الأمم وانهيار الدول..والقرآنُ حذّرَ عملَ المفسدين والفسادِ بأنواعِه لأنه سببٌ لنقمة الله وعقوبته(وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ*قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ*فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ)وظهورُ الفسادِ عقوبة ودعوةٌ للتوبة(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)ومحاربتُه سببٌ للنجاة(فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)ومقاومةِ الفساد تتمُّ مع اجتماعِ الكلمةِ ونبذِ الفُرقةِ وشمولُها لكلِّ الفساد والمفسدين..لينجح بذلك العمل وتبرأُ الذمِّةُ ويصلحُ المجتمع والدولةُ..خاصةً في مثل بلادِ الحرمين حيث قبلةُ المسلمين والأسوة والقدوة وهو تحقيقٌ لقولِ الله(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)
الفسادُ إخوتي معنى كبير يشملُ مخالفةَ الدين واستغلالَ النفوذ وخيانةَ أمانةِ الله ورسوله وولاةِ الأمر والمسلمين؛والتعدي على المال العام واستغلالِ السلطة في المنافع الشخصية..فكم من مشاريعَ تعطّلت. وأموالَ ضاعت؛وأُهدرت؛وأرواحَ فُقدت بسبب إهمالٍ وفسادٍ ومحسوبياتٍ طغت فأثَّرت،وأماتت فأتلفت،كم تنادى المخلصون ونبّهوا على الفسادِ وأثرهِ وعلى أهمية أمانةٍ أُضيعت فضاعَ الناس معها فخيانتُها والمحسوبيات سببُ كلِّ فسادٍ وبليةٍ،والأمانةُ إذا ضُيّعت سيضيع الناس معها وخيانتُها سببٌ للفساد خاصةً أمانة الدين(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)ووصفَ المؤمنين(لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)ومن حُرمَ الأمانة حُرم كمَالَ الإيمان,ومن تلبَّسَ بالخيانة فبئسَ والله البطانة وفيه نفاق(فآية المنافق ثلاث..إذا حدث كذب،وإذا وعد أخلف،وإذا أؤتمن خان)رواه البخاري ومَن كَمُلَ إيمانه كَمُلَت أمانته،وإذا ضاعت الأمانة فسدَ كلُّ شيءٍ وهلكت أموالُ المسلمين وأعراضُهم بالباطل..وأعظمُ خيانةٍ خيانةُ الله ورسوله وتفريقُ كلمة مجتمعة!!(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)آيةٌ نزلت في صحابيٍّ ولاَّه صلى الله عليه وسلم أمراً فقصّرَ فيه فجاء الوعيدُ لكل منَ وُكلَت إليهم مسؤولياتٌ فخانوها وغشُّوا الراعي والرعيّة لأنه ذنبٌ عظيم!!ومقاومةُ الفساد أمانة وهو يُنظِّمُ شؤونَ الحياةِ كلِّها عقيدةً وعبادةً وأدباً ومعاملةً وسياسةً وخلقاً وبها تسعدُ الأمم،وأُمَّتُنا أصدقُ الشعوب وا0لأمم في حمل الأمانةِ والوفاء فهي خيرُ أُمةٍ أُخرجت للناس..استدان ابن عمر بن الخطاب من أبي موسى الأشعري والي الكوفة أموالاً من خزينة الدولة ليُتاجر بها على أن يردها كاملةً، ولما تاجر وربح بلغَ ذلك عمر فقال له..إنك حين اشتريت أنقص لك البائعون في الثمن،ولما بعتَ زاد لك المشترون في الثمن لأنك ابن أمير المؤمنين،فللمسلمين نصيبٌ فيما ربحت، فقاسمَه نصف الربح، واسترد منه القرض وعنَّفَه على ما فعل،وعاقبَ الوالي أنَّه أسرفَ من أموال الدولة)وهذه أمانةُ حاكمٍ يسهرُ على مال الأمة فلا يُحابي بها صديقاً ولا قريباً؛الأمانةُ شعورُ المرءِ بمسؤوليته في كل أمرٍ يُوكل إليه..ومن الخطأ قصرُ فهمُها أنها لحفظِ الودائعِ فقط،فحقيقتُها في دين الله أضخم وأجل فهي فريضةٌ يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها حتى بالسفر(استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك)وإذا خطب صلى الله عليه وسلم قال..(لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)رواه أحمد والأمانةُ وضعُ الشيء في موضعه فالمنصبُ للإنسان المستحق أفضل والوظيفةُ للكفءِ لها وليس لقريبٍ أو صديق قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه يا رسول الله، ألا تستعملْني؟ قال.. فضرب يده على منكبه،وقال..(يا أبا ذر إنك ضعيف،وإنها أمانة،وإنها يوم القيامة خزي وندامة،إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)رواه مسلم..قد يكونُ الرجلُ خلوقاً متديناً لكنه ليس أهلاً للمنصب..فيوسفُ الصديق عليه السلام لما رشَّحَ نفسَه لم يذكر نبوّتَه وتقواه،بل طلبها بحفظه وعلمه (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)وذلك يقتضي اختيارُ أحسنِ الناس للأعمال فإذا تركناه لِهوىً أو رشوة أو قرابة،فتلك خيانةٌ وفسادٌ..ومحاربة الفساد الإداري بالتعطيل والروتين كالفساد المالي!! وهي رسالةٌ للموظفين بأن يتقوا الله بسرعة انجاز الأعمال وعدم تعطيلها لهوىً أو انتقام..
إخوتي..إن أمَّةً لا أمانة فيها تعبثُ فيها الشفاعات بالمصالح ومنَ الأمانةِ أداءُ المرءِ واجبَه كاملاً للعمل المنوط به والإخلاص فيه وإجادتِه أما إهمالهِ..واستهانتُه به فساد..فبعضُهم يستغلُّ منصبَه للظلم أو للإثراء..أو موظفٌ صغيرٌ بلا مؤهلاتٍ يصلُ بالفساد لأعلى الرتب والأموال عياذاً بالله؟!بعث صلى الله عليه وسلم صحابياً لجلب الزكاة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي إلي،فخطب عليه الصلاة والسلام[نستعمل الرجل منكم فيأتي ويقول..هذا لكم،وهذا أهدي إلي،فهلّا جلس في بيت أبيه وأمه ليُهدىَ له أم لا؟ٍ]رواه البخاري إن من وُلّيَ على شيءٍ خاصٍ أو عامٍ فهو أمين عليه يجب أن يُؤدِّي الأمانةَ فيه،فالقاضي أمين،والأميرُ أمين،ورؤساءُ الدوائر وموظفوها أمناء،أوكلَ إليهم وليُّ الأمر منصباً ليُحسنوا فيما وُلُّوا عليه وأما استغلالُ منصبهِ أو ثروتهِ لجرِّ منفعةٍ إلى شخصه أو قرابته فساد!!والتشبّعُ من المال العامِّ جريمةً قال صلى الله عليه وسلم (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)رواه أبو داود أما منْ يلتزم حدود الله في وظيفته،ويأنفُ من خيانةِ أمانتها ويُحسن بها للمواطن،فهو عند الله مجاهد لنصرة دينه مخلص لوطنه يدعون الناس له دوماً بالخير قال صلى الله عليه وسلم..(العامل إذا اسْتُعْمِل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته) رواه الطبراني ونحن ولله الحمد نفخر في دوائرنا بموظفين جادّين كبار وصغار لا يستغلون منصبهم ويرفضون كسباً مشبوهاً وما أكثرهم..كسبوا ثناء الدنيا والفوز في الآخرة بإذن الله..
إنَّ الأمانةَ إخوتي حمايةُ الدين والقيم ونبذُ ما يُفسدُ الأُمةَ ويُسبّبُ عقوباتٍ ماحقةٍ ومصائب مهلكة..قال صلى الله عليه وسلم(نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن،فعلموا من القرآن والسنة وآخر الزمن تُرفعُ الأمانةُ حتى ينامُ الرجلُ النومةَ فتنقبضُ الأمانةَ من قلبه فيظلُّ أثرُها مثلَ الوكت،ثم ينامُ الرجلُ النومةَ فتنقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها كالْمَجْلِ،أي أقل ثم يُصبح الناسُ يتبايعون لا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة،حتى يُقال.. إن في بني فلان رجلاً أميناً،وحتى يقال للرجل..ما أجلده!ما أظرفه!ما أعقله!وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان"رواه مسلم وجاء رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ.. مَتَى السَّاعَةُ؟قَالَ.. (فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ.. كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ.. إِذَا وسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) هذا أثرُ الأمانة العظيم وخطر فقدها الجسيم عياذاً بالله فيا بئساً للإنسان بحملها(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)اللهم ارزقنا الأمانة و جنبنا الخيانة واهدنا للرشاد واكفنا شر الفساد ..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
الأمانةُ إخوتي حفظُ حقوقِ المجالس والبيوت فلا تُفشى أسرارها فكم تقطَّعتْ القرابات وتعطلّت المصالح من ذلك ومن الأمانة عدم اتهام الناس بدون برهان ..والأمانة يتصفُ بها البرُّ والفاجر وتؤدَّى للمؤمن والكافر ولو اعتدى عليك..قال ميمون بن مهران(ثلاثة يؤديْن إلى البرّ والفاجر..الأمانة والعهد وصلة الرحم..وهي ضمانُ العدل وحقوقِ الناس ومصالحهم ومعاشهم ومعادهم وعدمُ العبثِ بمصالحهم أو بهدم منجزاتِ الوطن أو إثارة الفتن والتطرف أوالتعدِّي على الأراضي و الحقوق وانتهاك النظام كائناً من كان فهذه خيانةٌ تستلزمُ المحاسبةَ..والمؤسف أن معاييرَ الأمانة الآن قلّت وتقلّبت وتغيّرت حتى بات كثيرٌ من الناس يستغربُها..فصار الاعتداءُ على المالِ العامِ والنيلِ منه ذكاءً وبطولة..وأصبحت الرشوةُ سائدةً ومسوّغةً وتغيّر مُسمّاها هديَّةً وعمولة..وأصبحَ إهمالُ الدوامِ أو الانشغالِ عن معاملات الناس وعدم الإنجاز يُمارس بسهولة،والكذبُ وأكلُ مال الناس وسوء الأخلاق ومخالفة النظام رجولة..ثم ندّعي بعد كل ذلك أن الأمانةَ موجودة..كنا نستغربُ الرشوة ونتَّهمُ بها غيَرنا فإذا بها أمرٌ عادي يمارسه البعض عياذاً بالله رغم لعن الله الراشي والمرتشي وكل ذلك إضاعةٌ للأمانة فنحن إذاً نحتاج لمقاومةِ الفساد والإبلاغ عنه وللتعاون جميعاً لتحقيق مبدأ الأمانة فالأمانةُ إخوتي فضيلةٌ ضخمةٌ ثقيلةٌ تحملها الإنسان ويحتاج من يعينه عليها ولو بالقوة..اللهم إنا نسألك أن تصلح قلوبنا و تزكي أعمالنا وترزقَنا الصدقَ و الأمانةَ والسداد و تُطَّهرنا من الكذبِ والفساد والخيانةِ ..