الحمد لله عظيم الشأن والإحسان،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أولانا جزيل الفضل والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،سيد ولد عدنان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
قال صلى الله عليه وسلم..«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ..اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ،فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ،فإِذَا،فَتَتَبَّعَ المَاءَ،فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ،فَقَالَ لَهُ..يَا عَبْدَ اللهِ،ما اسمُكَ ؟قال..فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ،فقال له..يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي؟فَقَالَ..إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ،يقولُ..اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ،فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا، َقَالَ..أمَا إذ قلتَ هَذَا،فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً،وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَه رواه مسلم
عباد الله..جرت سنة الله تبارك وتعالى في البشر أن جعل بعضهم لبعضٍ سُخريّاً،سعادتهم بالتعاون والتواصل،واستقر بالتعاطف وفُشوِّ المودة. يرفق القويُّ بالضعيف، ويُحسن المكثر على المقلِّ. ولا يحصل الشقاء ويحيق البلاء حين يفشو في الناس التقاطع والتدابر،ويجحدون المعروف.
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
وحين ترى الصور للجائعين واللاجئين وطلبات الفقراء ثم حين لا يكترث القادرون،ولا الأغنياء فكيف يكون التراحم والتعاطف لأن الله برحمته حين أوجدَ المعروف خلق له أهلاً،فحبَّبه إليهم،وحبَّب إليهم إسداءه،وجَّههم إليه كما وجَّه الماء إلى الأرض الميتة فتحيا به ويحيا به أهلها،وإن الله إذا أراد بعبده خيراً جعل قضاء حوائج الناس على يديه،ومن كثرت نعم الله عليه كَثُرَ تَعلُّق الناسِ به،فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها،وإن قصَّر وملَّ وتبرَّم فقد عرَّضها للزوال وانصرفَ الناسُ عنه وفي مجتمعاتنا بحمد الله من يبذلُ الخيرَ بماله وجاهه ونفسه يبتغون الأجر قال صلى الله عليه وسلم..(إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع عباده يقرُّها فيهم ما بذلوها،فإذا منعوها نزعها منهم وحولها إلى غيرهم)أخرجه الطبراني..وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً..(ما من عبد أنعم الله عليه نعمةً وأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه فتبرَّم فقد عرَّض تلك النعمة للزوال)..وفي ديننا شرائع محكمةً،تربي النفوس على الخير، وترشد إلى بذل المساعدات وصنائع المعروف. قال صلى الله عليه وسلم..(من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة،ومن يسَّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)أخرجه مسلم،وفي الصحيحين أيضاً..(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه،ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،ومن فرَّج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة،ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)أخرجه البخاري وتفريج الكربة بإزالتها أعظم من تخفيفها،فمن فرج كربة أخيه فرج الله كربته،والتيسير على المعسر في الدنيا جزاؤه التيسير من عسر يوم القيامة،وفي صحيح مسلم..(من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)،(ومن أنظرَ مُعسراً أو وضعَ عنه أظلَّه الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه)،والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً،وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده،(وصنائع المعروف تقي مصارع السوء)..قال بعض الحكماء..أعظم المصائب أن تقدر على المعروف ثم لا تصنعه..والغبطة حقاً فيمن يسَّر الله له خدمة الناس والسعي في مصالحهم..
وأسعد الناس من بين الورى رجل
تقضي على يده للناس حاجات
واشكر صنيعة فضل الله إذ جعلت
إليك لا لك للناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
يقول عليٌّ رضي الله عنه..يا سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في الخير!عجبت لرجلٍ يجيئه أخوه لحاجته فلا يرى نفسه للخير أهلاً!فلو كنا لا نرجو جنةً ولا نخاف ناراً ولا ننتظر ثواباً ولا نخشى عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق..فإنها تدل على سُبُلِ النجاح؟فقام رجل فقال..يا أمير المؤمنين..أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قال.. نعم، وما هو خيرٌ منه.. لقد أُتيْنَا بسبايا طيٍّ..كان في الناس جاريةٌ حسناء تقدمت إليه صلى الله عليه وسلم وقالت..يا محمد،هلك الوالد،وغاب الوافد،فإن رأيت أن تُخلِّي عنِّي فلا تشمت بي أحياء العرب،فإني بنتُ سيدِ قومي،كان أبي يفك العاني،ويحمي الذِّمار،ويقري الضيف،ويشبع الجائع،ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام،ويفشي السلام،ولم يردَّ طالب حاجة قط،أنا بنت حاتم الطائي فقال صلى الله عليه وسلم..(يا جارية هذه صفة المؤمن خلُّوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق)وإن دروب الخير – أيها المسلمون – كثيرة وحوائج الناس متنوعة؛إطعام جائعٍ،وكسوة عارٍ..عيادة مريضٍ،وتعليم جاهل بناء مسجد..وإنظار معسر،وإعانة عاجز،وإسعاف منقطع،وذوي الإعاقة تطرد عن أخيك هماً، وتزيل عنه غماً..تكفل يتيماً،وتواسي أرملة..تكرم عزيز قومٍ ذلَّ،وتشكر على الإحسان،وتغفر الإساءة.. تسعى في شفاعة حسنة تفك بها أسيراً،وتحقن بها دماً،وتجرُّ بها معروفاً وإحساناً..وغير ذلك من أبواب الخير فابحث لنفسك عما تستطيع أداءه وتحسنه فكلٌ ميسرٌ لما خُلقه له..تكافلٌ في المنافع وتخفيف للمتاعب،وتأمينٌ عند المخاوف،وإصلاحٌ بين المتخاصمين،وهدايةٌ لابن السبيل وكلُّ ميُسَّر لما خلق له..فإن كنت لا تملك هذا ولا هذا فادفع بكلمةٍ طيبةٍ وإلا فكُفَّ أذاك عن الناس.
قال صلى الله عليه وسلم..(تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة)..فكل معروف صدقة،وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة،والصدقة تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، والمال إن لم تصنع به معروفاً أو تقضي به حاجة وتدِّخرُ لك به أجراً فهو لوارثٍ قد لا ييسره الله للصدقه عن مُوِّرثِه أو لحادثٍ أو آفةٍ وتقضي عليه واعلم أخي أن صنائع البر والإحسان تُستعبد بها القلوب.
والشحيحُ البخيل يعيشُ في الدنيا عيشةَ الفقراء ويحاسب بالقيامةِ حسابَ الأغنياء، فلا تكن أيُّها الغني القادر خازناً لغيرك بتخزين الأموال وعدم التبرع أبداً بل بعضهم بالزكاة عياذاً بالله ثم يأتي أولاده من بعده ليرثوه..فلا يقدموا عملاً له خيرياً ولا صدقة جارية.
أيها الإخوة..إن صفو العيش لا يدوم،ومتاعبُ الحياة وأرزاءُها ليست حكراً على قومٍ دون قوم،وإن حسابَ الآخرة لعسير،وخذلانُ المسلم شيءٌ عظيم..ألسنا نرى ما بالفقراء من تعب بالعيش؟! والمجاعات تحيطُ بالعالم التي أفقرتهم ثم كثير من الأغنياء المسلمين لا يحرك ساكناً..والمسلمون هانوا أفراداً وهانوا أمماً حين ضعفت فيهم أواصر الأخوة، ووهت فيهم حبال المودة وسارعوا للخلاف..سادت الأنانية والعصبيات وحُبُّ الذات حتى المساعدات..مع أنها لا تُكلّف بعضهم شيئًا نسأل الله جل وعلا أن نكون مفاتيح للخير صُنّاع للمعروف باذلين له بحسن نيَّة وقصد ..أقول قولي.
الخطبة الثانية ..الحمد لله والصلاة والسلام ....وبعد..
هناك بعض غلاظ الأكباد وقساة القلوب ينظرون للضعيف والمحتاج وكأنه قذى في العين..يُزلقونَه بأبصارِهم في نظراتِ اشمئزازٍ واحتقار.وبعضهم يضعُ العوائقَ الوهميّةَ أمامَ المتبرعين فتجدُه من حرمان الله لهِ مغلاقاً للخير الذي حرم منه أصلاً وهو الذي يتقلب بنعم الله هنا..ألا يعتبر هؤلاء بمن دار عليهم الزمان وعَدَت عليهم العوادي، واجتاحتهم صروف الليالي..فاستدار عزهم ذلاً،وغناهم فقراً،ونعيمهم جحيماً؟********وما أكثر الأمثلة لبلدان حولنا كيف تحولوا في فترة قصيرة من غنىً إلى فقر ومن عزة إلى ذل(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
فاتقوا الله رحمكم الله وأصلحوا ذات بينكم، ولتكن النفوس سخية، والأيدي بالخير ندية، واستمسكوا بعرى السماحة وسارعوا إلى سداد عوز المعوزين، ومن بذل اليوم قليلاً جناه غداً كثيراً.. تجارة مع الله رابحة، وقرض لله حسن مردود إليه أضعافاً مضاعفة.. إنفاق بالليل والنهار والسر والعلن(ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)اللهم احفظ على بلادنا وبلاد المسلمين أمنها وأمانها واستقرارها..وجنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين...
الاستغاثة
قال صلى الله عليه وسلم..«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ..اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ،فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ،فإِذَا،فَتَتَبَّعَ المَاءَ،فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ،فَقَالَ لَهُ..يَا عَبْدَ اللهِ،ما اسمُكَ ؟قال..فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ،فقال له..يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي؟فَقَالَ..إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ،يقولُ..اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ،فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا، َقَالَ..أمَا إذ قلتَ هَذَا،فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً،وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَه رواه مسلم
عباد الله..جرت سنة الله تبارك وتعالى في البشر أن جعل بعضهم لبعضٍ سُخريّاً،سعادتهم بالتعاون والتواصل،واستقر بالتعاطف وفُشوِّ المودة. يرفق القويُّ بالضعيف، ويُحسن المكثر على المقلِّ. ولا يحصل الشقاء ويحيق البلاء حين يفشو في الناس التقاطع والتدابر،ويجحدون المعروف.
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
وحين ترى الصور للجائعين واللاجئين وطلبات الفقراء ثم حين لا يكترث القادرون،ولا الأغنياء فكيف يكون التراحم والتعاطف لأن الله برحمته حين أوجدَ المعروف خلق له أهلاً،فحبَّبه إليهم،وحبَّب إليهم إسداءه،وجَّههم إليه كما وجَّه الماء إلى الأرض الميتة فتحيا به ويحيا به أهلها،وإن الله إذا أراد بعبده خيراً جعل قضاء حوائج الناس على يديه،ومن كثرت نعم الله عليه كَثُرَ تَعلُّق الناسِ به،فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها،وإن قصَّر وملَّ وتبرَّم فقد عرَّضها للزوال وانصرفَ الناسُ عنه وفي مجتمعاتنا بحمد الله من يبذلُ الخيرَ بماله وجاهه ونفسه يبتغون الأجر قال صلى الله عليه وسلم..(إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع عباده يقرُّها فيهم ما بذلوها،فإذا منعوها نزعها منهم وحولها إلى غيرهم)أخرجه الطبراني..وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً..(ما من عبد أنعم الله عليه نعمةً وأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه فتبرَّم فقد عرَّض تلك النعمة للزوال)..وفي ديننا شرائع محكمةً،تربي النفوس على الخير، وترشد إلى بذل المساعدات وصنائع المعروف. قال صلى الله عليه وسلم..(من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة،ومن يسَّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)أخرجه مسلم،وفي الصحيحين أيضاً..(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه،ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،ومن فرَّج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة،ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)أخرجه البخاري وتفريج الكربة بإزالتها أعظم من تخفيفها،فمن فرج كربة أخيه فرج الله كربته،والتيسير على المعسر في الدنيا جزاؤه التيسير من عسر يوم القيامة،وفي صحيح مسلم..(من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)،(ومن أنظرَ مُعسراً أو وضعَ عنه أظلَّه الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه)،والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً،وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده،(وصنائع المعروف تقي مصارع السوء)..قال بعض الحكماء..أعظم المصائب أن تقدر على المعروف ثم لا تصنعه..والغبطة حقاً فيمن يسَّر الله له خدمة الناس والسعي في مصالحهم..
وأسعد الناس من بين الورى رجل
تقضي على يده للناس حاجات
واشكر صنيعة فضل الله إذ جعلت
إليك لا لك للناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
يقول عليٌّ رضي الله عنه..يا سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في الخير!عجبت لرجلٍ يجيئه أخوه لحاجته فلا يرى نفسه للخير أهلاً!فلو كنا لا نرجو جنةً ولا نخاف ناراً ولا ننتظر ثواباً ولا نخشى عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق..فإنها تدل على سُبُلِ النجاح؟فقام رجل فقال..يا أمير المؤمنين..أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قال.. نعم، وما هو خيرٌ منه.. لقد أُتيْنَا بسبايا طيٍّ..كان في الناس جاريةٌ حسناء تقدمت إليه صلى الله عليه وسلم وقالت..يا محمد،هلك الوالد،وغاب الوافد،فإن رأيت أن تُخلِّي عنِّي فلا تشمت بي أحياء العرب،فإني بنتُ سيدِ قومي،كان أبي يفك العاني،ويحمي الذِّمار،ويقري الضيف،ويشبع الجائع،ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام،ويفشي السلام،ولم يردَّ طالب حاجة قط،أنا بنت حاتم الطائي فقال صلى الله عليه وسلم..(يا جارية هذه صفة المؤمن خلُّوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق)وإن دروب الخير – أيها المسلمون – كثيرة وحوائج الناس متنوعة؛إطعام جائعٍ،وكسوة عارٍ..عيادة مريضٍ،وتعليم جاهل بناء مسجد..وإنظار معسر،وإعانة عاجز،وإسعاف منقطع،وذوي الإعاقة تطرد عن أخيك هماً، وتزيل عنه غماً..تكفل يتيماً،وتواسي أرملة..تكرم عزيز قومٍ ذلَّ،وتشكر على الإحسان،وتغفر الإساءة.. تسعى في شفاعة حسنة تفك بها أسيراً،وتحقن بها دماً،وتجرُّ بها معروفاً وإحساناً..وغير ذلك من أبواب الخير فابحث لنفسك عما تستطيع أداءه وتحسنه فكلٌ ميسرٌ لما خُلقه له..تكافلٌ في المنافع وتخفيف للمتاعب،وتأمينٌ عند المخاوف،وإصلاحٌ بين المتخاصمين،وهدايةٌ لابن السبيل وكلُّ ميُسَّر لما خلق له..فإن كنت لا تملك هذا ولا هذا فادفع بكلمةٍ طيبةٍ وإلا فكُفَّ أذاك عن الناس.
قال صلى الله عليه وسلم..(تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة)..فكل معروف صدقة،وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة،والصدقة تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، والمال إن لم تصنع به معروفاً أو تقضي به حاجة وتدِّخرُ لك به أجراً فهو لوارثٍ قد لا ييسره الله للصدقه عن مُوِّرثِه أو لحادثٍ أو آفةٍ وتقضي عليه واعلم أخي أن صنائع البر والإحسان تُستعبد بها القلوب.
والشحيحُ البخيل يعيشُ في الدنيا عيشةَ الفقراء ويحاسب بالقيامةِ حسابَ الأغنياء، فلا تكن أيُّها الغني القادر خازناً لغيرك بتخزين الأموال وعدم التبرع أبداً بل بعضهم بالزكاة عياذاً بالله ثم يأتي أولاده من بعده ليرثوه..فلا يقدموا عملاً له خيرياً ولا صدقة جارية.
أيها الإخوة..إن صفو العيش لا يدوم،ومتاعبُ الحياة وأرزاءُها ليست حكراً على قومٍ دون قوم،وإن حسابَ الآخرة لعسير،وخذلانُ المسلم شيءٌ عظيم..ألسنا نرى ما بالفقراء من تعب بالعيش؟! والمجاعات تحيطُ بالعالم التي أفقرتهم ثم كثير من الأغنياء المسلمين لا يحرك ساكناً..والمسلمون هانوا أفراداً وهانوا أمماً حين ضعفت فيهم أواصر الأخوة، ووهت فيهم حبال المودة وسارعوا للخلاف..سادت الأنانية والعصبيات وحُبُّ الذات حتى المساعدات..مع أنها لا تُكلّف بعضهم شيئًا نسأل الله جل وعلا أن نكون مفاتيح للخير صُنّاع للمعروف باذلين له بحسن نيَّة وقصد ..أقول قولي.
الخطبة الثانية ..الحمد لله والصلاة والسلام ....وبعد..
هناك بعض غلاظ الأكباد وقساة القلوب ينظرون للضعيف والمحتاج وكأنه قذى في العين..يُزلقونَه بأبصارِهم في نظراتِ اشمئزازٍ واحتقار.وبعضهم يضعُ العوائقَ الوهميّةَ أمامَ المتبرعين فتجدُه من حرمان الله لهِ مغلاقاً للخير الذي حرم منه أصلاً وهو الذي يتقلب بنعم الله هنا..ألا يعتبر هؤلاء بمن دار عليهم الزمان وعَدَت عليهم العوادي، واجتاحتهم صروف الليالي..فاستدار عزهم ذلاً،وغناهم فقراً،ونعيمهم جحيماً؟********وما أكثر الأمثلة لبلدان حولنا كيف تحولوا في فترة قصيرة من غنىً إلى فقر ومن عزة إلى ذل(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
فاتقوا الله رحمكم الله وأصلحوا ذات بينكم، ولتكن النفوس سخية، والأيدي بالخير ندية، واستمسكوا بعرى السماحة وسارعوا إلى سداد عوز المعوزين، ومن بذل اليوم قليلاً جناه غداً كثيراً.. تجارة مع الله رابحة، وقرض لله حسن مردود إليه أضعافاً مضاعفة.. إنفاق بالليل والنهار والسر والعلن(ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)اللهم احفظ على بلادنا وبلاد المسلمين أمنها وأمانها واستقرارها..وجنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين...
الاستغاثة