الحَمْدُ للهِ دَعَا للوَحْدَةِ وَالوِئَامِ، وَنَهَى عَنِ الشَّحْـنَاءِ وَالخِصَامِ،َوأشهد أن لا إله إلا الله جَعَلَ العَفْوَ وَالصَّـفْحَ صِفَةً لأَهْـلِ الإِيمَانِ،وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَانا للعَفْوِ فِي النِّزَاعَاتِ، وَحَذَّرَنا مِنَ الخُصُومَاتِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم تسليماً..فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن هذه الدنيا التي نعيشها ونتخاصم لأجلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة..وهي[معلونةٌ وملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه عالماً ومتعلماً] وهي(كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)فما بالنا إذن نتخاصمُ ونتعادَى لأجلها!أخ يقطع أخاه خمسة عشر عاماً بلا سلام ولا كلام..وآخر رأوه على شفير قبر أخيه يبكي لأنه كان مقاطعاً له وكأن البكاء سينفع!!أولاد مقاطعون لأمهم تماماً نعوذ بالله من الخذلان..صديقٌ خاص لعقود من الزمن لكلمة قيلت قاطعة منذ سنتين!!أهل وقربات يتخاصمون لسنواتٍ بلا مبالات لأجل توافه نعم لا يلتقون ولا يتزاورون ولا يتصافحون لأجل توافه!!يتقاطعون ويتدابرون ويتباغضون طويلاً!!بلا مصارحة ولا مصالحة رغم أن ديننا ينهى عن ذلك ويأمرنا بالصفح والعفو والغفران وعدم التباغض والتدابر والهجران حتى بدون خصومة هناك قطيعة وهجران والعلاقات إنما كلُّ شيء مبني على المصالح والمنافع بين الأقارب والجيران والأصدقاء ما هذا يا عباد الله؟!كل يشكو أقاربه؟هذا يشكو،وتلك تبكي وأخرى تشتكي أرحامٌ تقطعت وأواصرُ إخوة زالت وخصومات كثرت لأجل توافه فأيننا من الكتاب والسنة سُئل صلى الله عليه وسلم بم أرسلك الله قال:[بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوَّحدَ الله]رواه الحاكم وجاءت الشريعةُ الغراءُ ذامَّةً للخصومة،فاضَّةً للنزاع،آمرةً بالعفو والتسامح(خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)وأمرنا الله(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) وحذرنا الإسلام من التجاوز في الخصومة والنزاع فذلك فجورٌ بالخصومة فإذا خاصم فجر أي إذا اختلف مع أحدٍ وخاصمه يكذبُ ويزيدُ ويتهم ويخون ويتشمّت بمصابه عياذاً بالله!!يسبق لسانُه عقلَه وطيشُه حلمَه وظلمُه عدلَه،يتلذَّذُ بالتهَم والتطاول والخروج عن المقصود،حتى محاسنهم ينظر لها بعينِ عداوةٍ ولا يعدّها ذنوباً أكّالاً للأعراض همَّازًا مشاءً بنميم معتديًا أثيما،إن اختَلفتَ معه في شيءٍ حقير كشَف أسرارَك وهتَك أستارَك وأظهَر الماضي والحاضر،صديقٌ يكشفُ سِتر صاحبه وزَوجةٌ لم تُبقِ سرًّا لزوجِها ولم تذَر بسبَب خلافٍ تافه..وهم لو علموا جمال التسامح والعفو والستر على دينهم ونفوسهم لتقاتلوا من أجله(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
أحبتي..ليس عيباً الخلافُ فهو واقعٌ لا مناصَ منه في النفوس والعقول والأموالِ والأعراضِ والدين،لاختلاف العقول والأفهام..العجب أن بعضَ الناس ممن يقوم بالعبادات ويشهد الجنائز ويقدم الصدقات ويتحرّزُ من المحرمات يصعُب عليه التحفُّظُ من لسانه فيفري في الأعراض يبغي على خصمه مع أن(اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)..واليومَ نرى فيما يُكتب ويُشهر سبٌ وشتمٌ لا يُستثنى منه أحداً مع الأسف لا عالمٌ ولا ولي أَمرٍ أو مسؤولٌ أو مواطنٌ ومقيم وتطاولٌ لاتهام النوايا ونشر المستورِ،والتأليبِ عليهم فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ أبغضَ الرجال إلى الله الألدُّ الخصِم والألدُّ هو:الأعوجُ في الخصومة بكذِبه وزوره وميله عن الحق(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)مجادلون بالباطلِ مائلونَ عن الحقِّ في جدلٍ وخصومةٍ..ومَن أكثرَ المخاصمةَ وقع في الكذِب كثيرًا؛يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله"مَنْ جعلَ دينَهُ عُرضةً للخُصومات أسْرعَ التَّنقُّل" أي: لم يستقرَّ على منهَج معين ولا مبدأ واضح..وقال صلى الله عليه وسلم(مَنْ خَاصَمَ في باطِلٍ وهو يعلمُه لم يزلْ في سخَطِ اللهِ حتَّى ينْزِع) رواه أبو داوود والعاقل من يبتعد عن خصوماتٍ تافهةٍ لا تفيد دينه ولا دنياه وابتعدَ عن جِدالاتٍ عقيمة تورث الخصومة .
عباد الله..قدوتُنا عليه الصلاة والسلام تقول عنه عائشة رضي الله عنها[ما ضرب صلى الله عليه وسلم شيئاً قطُّ بيده ولا امرأةً ولا خادماً إلا أن يُجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقمُ من صاحبه إلا أن يُنتهكَ شيءٌ من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى]رواه مسلم..أبو بكر يُغضبُ عمر رضي الله عنهما فيذهبُ إليه ليصالحه فيرفضْ فيؤنِّبهُ صلى الله عليه وسلم على عدم مُصالَحتهِ للصدِّيق الذي لمَّا نِيلَ من عِرض ابنته عائشة في حادثة الإفك فمنعَ عن قريبهِ النفقةَ عقوبةً له لأنه نشرَ الإفك فنزلَ قولُ الله(أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)فقال بلى والله نحب أن يغفر لنا ربنا فعفا عنه وأرجع نفقته على من اتهم ابنته!!شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع الرّازي،الذي وقَع في ضلالاتٍ عقديّة ومنكراتٍ منهجيّة؛ فخصّه بكتابٍ بلَغ عشرةَ مجلّدات يرد على ضلالاته..ومع ذلك يقول عنه "ومن الناس من يسِيءُ الظنَّ بالرازي أنّه يتعمّدُ الكلامَ بالباطل،وليس كذلك،بل تكلَّم بحسَب مبلغِه من العلم والنظر والبحث في كلّ مقام بما يظهر له".الشيخ ابن سعدي رحمه الله وشي به بعضهم فاستدعي وخشوا الناس عليه لكنه عاد عزيزاً فلما رجع ذهب لزيارة مَن وشَى به ليبين لهم أنه لم يحمل في قلبه عليهم شيء رغم أنه لم يخطئ فلا إله إلا الله!يالها من نفوسٍ مُؤمِنَةٍ طاهرةٍ استَنَارَت بِنُورِ الصِّدقِ وَالتَّصدِيقِ،وَوَجَدَت مِن بَردِ اليَقِينِ بِالأَجرِ مَا أَطفَأَ لَهِيبَ انتقامها،كِرَامٌ بأخلاقهم،يَقْبَلُونَ العُذرَ وَيُقِيلُونَ العَثرَةَ،وَيَتَجَاوَزُونَ عَنِ الخَطَأِ وَيَدفِنُونَ الزَّلَّةَ،وَيَطوُون المَاضِيَ بتسامح فَيَا مَن يُرِيدُ أَن يُقِيلَ اللهُ عَثرَتَهُ وَيَتَجَاوَزَ عَن زَلَّتِهِ،أَقِلْ عَثَرَاتِ إِخوَانِكَ وَتَجَاوَزْ عَن زَلاَّتِهِم،وَاعلَمْ أَنَّهُ سُبحَانَهُ عفوٌ رَحِيمٌ يُحِبُّ الرُّحَمَاءَ؛فَلا تَكُنْ قَاسِيَ القَلبِ غَلِيظَ الطَّبعِ مُتَّبِعًا لِهَوَاكَ،واسأل الله أَن يَشرَحَ صَدرَكَ،وَاحذَرْ قَسوَةَ القَلبِ،رَبُّوا نُفُوسَكُم عَلَى العَفوِ وَالصَّفحِ،وَرَوِّضُوهَا عَلَى التَّسَامُحِ وَالرِّقَّةِ،وَعَوِّدُوهَا عَلَى الرَّحمَةِ وَالرَّأفَةِ،وَتَذَكَّرُوا أَنَّها صفةٌ لأَهلِ الجَنَّةِ،قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ”وَأَهلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ ذكر منهم[وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلبِ لِكُلِّ ذِي قُربى وَمُسلِمٍ]فما أعظمَ العدلَ والإنصافَ في الخصومة والاختلاف!وإذا اختلفت مع أحدٍ فصارحْهُ وناصحه وإذا لم يعجبك أسلوبه فلا تقاطعه أو تتكلّم فيه وقلّل مجالستَه أما العداوة والخصومة فليست من الدين ولا من الخلق..ولقد أحسن من قال:
وإنَّ خِيَارَ النَّاسِ مَنْ كانَ مُنْصِفًا صَدُوقًا لبِيْبًا صَانَهُ الدِّيْنُ فَانْزَجَرْ
وَإِنْ شِرَارَ النَّاسِ مَنْ كَـــانَ مَائِلًا عَن الحـقِّ إنَّ خَــاصَمْتهُ مرَّةً فَجَرْ
وإذا كانت العبادات الاثنين والخميس تؤجَّل بسببِ الخصومة والهجران يقول الله[انظرا هذين حتى يصطلحا]ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاث وخيرُهما الذي يبدأ بالسلامِ فما بالنا لا نعفو ولا نتصالح فدِينُنَا لَيسَ أَقوَالاً أَو شِعَارَاتٍ لاتُطبق،بل مَبَادِئُ نَتَمَسَّكُ بها قولاً وعملاً،لإِصلاحِ أَنفُسِنَا،وَمَنهَجٌ مُتَكَامِلٌ نُعَامِلُ بِهِ مَن حَولَنَا،في الحَدِيثِ:”إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم،وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم”رَوَاهُ مُسلِمٌ(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)اللَّهُمَّ أَصلِحْ قُلُوبَنَا،وَاغفِرْ ذُنُوبَنَا،وَاستُرْ عُيُوبَنَا،وَاغفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ،الأَحيَاءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ،إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ أقول قولي هذا ...
الخطبة الثانية ...الحمد لله وحده والصلاة .....
إن أكبر عائق للعفو والصفح لدى البعض اعتِقَادُهم أَنَّه ضَعْفٌ،وأن التنازل عجزٌ وذلك مِن خُلق الجَاهِلِيَّةِ فإذا ما أُسِيءَ إِلَيهِ ردَّ الصَّاعَ صَاعَينِ،وما علموا أنَّ الرِّفعَةَ والقوةَ لِمَن عَفَا وتصالح طلبًا لِمَا عِندَ اللهِ،وَتَرَكَ الانتِقَامَ لِوَجهِ اللهِ،يَشهَدُ لِهَذَا قوله عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ[وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا,وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ]رَوَاهُ مُسلِمٌ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ”لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
عباد الله.. الله جعلَ أفضلَ العبادات وأكثرَها أجراً السعيُ بالإصلاح(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ)أي عباداتهم(إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)فَلِمَ يَتهرَّبُ الكثير من إصلاحِ ذاتِ البين ولا يحسنون أداءها مع أنها بابُ أجرٍ عظيم لمن فعلها حتى ولو لم يتحقق لهم المطلوب..ونحتاج في مجتمعاتنا للجانٍ منظمةٍ للإصلاحِ بينَ النَّاسِ وللعفو عما بدر من أخطاء وتسهيل الصلح بينهم لعلَّ الله أن يكتب أجرهم ..والإصلاحُ يحتاج لقواعد مهمة أولها النية الصالحة (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) ومنها السرًّ والكتمان ومعرفة الحال جيداً والقوة والقبول من جميع الأطراف وعدم الدخول في التفاصيل المؤلمة والتغاضي والتسامح سببٌ للقبول والغفران اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين..ووحّد صفنا مع إخواننا المسلمين وجنبنا الخصومات والنزاعات ووفق ولاة أمورنا للصواب وانصر جنودنا واحم حدودنا..
أحبتي..ليس عيباً الخلافُ فهو واقعٌ لا مناصَ منه في النفوس والعقول والأموالِ والأعراضِ والدين،لاختلاف العقول والأفهام..العجب أن بعضَ الناس ممن يقوم بالعبادات ويشهد الجنائز ويقدم الصدقات ويتحرّزُ من المحرمات يصعُب عليه التحفُّظُ من لسانه فيفري في الأعراض يبغي على خصمه مع أن(اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)..واليومَ نرى فيما يُكتب ويُشهر سبٌ وشتمٌ لا يُستثنى منه أحداً مع الأسف لا عالمٌ ولا ولي أَمرٍ أو مسؤولٌ أو مواطنٌ ومقيم وتطاولٌ لاتهام النوايا ونشر المستورِ،والتأليبِ عليهم فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ أبغضَ الرجال إلى الله الألدُّ الخصِم والألدُّ هو:الأعوجُ في الخصومة بكذِبه وزوره وميله عن الحق(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)مجادلون بالباطلِ مائلونَ عن الحقِّ في جدلٍ وخصومةٍ..ومَن أكثرَ المخاصمةَ وقع في الكذِب كثيرًا؛يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله"مَنْ جعلَ دينَهُ عُرضةً للخُصومات أسْرعَ التَّنقُّل" أي: لم يستقرَّ على منهَج معين ولا مبدأ واضح..وقال صلى الله عليه وسلم(مَنْ خَاصَمَ في باطِلٍ وهو يعلمُه لم يزلْ في سخَطِ اللهِ حتَّى ينْزِع) رواه أبو داوود والعاقل من يبتعد عن خصوماتٍ تافهةٍ لا تفيد دينه ولا دنياه وابتعدَ عن جِدالاتٍ عقيمة تورث الخصومة .
عباد الله..قدوتُنا عليه الصلاة والسلام تقول عنه عائشة رضي الله عنها[ما ضرب صلى الله عليه وسلم شيئاً قطُّ بيده ولا امرأةً ولا خادماً إلا أن يُجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقمُ من صاحبه إلا أن يُنتهكَ شيءٌ من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى]رواه مسلم..أبو بكر يُغضبُ عمر رضي الله عنهما فيذهبُ إليه ليصالحه فيرفضْ فيؤنِّبهُ صلى الله عليه وسلم على عدم مُصالَحتهِ للصدِّيق الذي لمَّا نِيلَ من عِرض ابنته عائشة في حادثة الإفك فمنعَ عن قريبهِ النفقةَ عقوبةً له لأنه نشرَ الإفك فنزلَ قولُ الله(أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)فقال بلى والله نحب أن يغفر لنا ربنا فعفا عنه وأرجع نفقته على من اتهم ابنته!!شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع الرّازي،الذي وقَع في ضلالاتٍ عقديّة ومنكراتٍ منهجيّة؛ فخصّه بكتابٍ بلَغ عشرةَ مجلّدات يرد على ضلالاته..ومع ذلك يقول عنه "ومن الناس من يسِيءُ الظنَّ بالرازي أنّه يتعمّدُ الكلامَ بالباطل،وليس كذلك،بل تكلَّم بحسَب مبلغِه من العلم والنظر والبحث في كلّ مقام بما يظهر له".الشيخ ابن سعدي رحمه الله وشي به بعضهم فاستدعي وخشوا الناس عليه لكنه عاد عزيزاً فلما رجع ذهب لزيارة مَن وشَى به ليبين لهم أنه لم يحمل في قلبه عليهم شيء رغم أنه لم يخطئ فلا إله إلا الله!يالها من نفوسٍ مُؤمِنَةٍ طاهرةٍ استَنَارَت بِنُورِ الصِّدقِ وَالتَّصدِيقِ،وَوَجَدَت مِن بَردِ اليَقِينِ بِالأَجرِ مَا أَطفَأَ لَهِيبَ انتقامها،كِرَامٌ بأخلاقهم،يَقْبَلُونَ العُذرَ وَيُقِيلُونَ العَثرَةَ،وَيَتَجَاوَزُونَ عَنِ الخَطَأِ وَيَدفِنُونَ الزَّلَّةَ،وَيَطوُون المَاضِيَ بتسامح فَيَا مَن يُرِيدُ أَن يُقِيلَ اللهُ عَثرَتَهُ وَيَتَجَاوَزَ عَن زَلَّتِهِ،أَقِلْ عَثَرَاتِ إِخوَانِكَ وَتَجَاوَزْ عَن زَلاَّتِهِم،وَاعلَمْ أَنَّهُ سُبحَانَهُ عفوٌ رَحِيمٌ يُحِبُّ الرُّحَمَاءَ؛فَلا تَكُنْ قَاسِيَ القَلبِ غَلِيظَ الطَّبعِ مُتَّبِعًا لِهَوَاكَ،واسأل الله أَن يَشرَحَ صَدرَكَ،وَاحذَرْ قَسوَةَ القَلبِ،رَبُّوا نُفُوسَكُم عَلَى العَفوِ وَالصَّفحِ،وَرَوِّضُوهَا عَلَى التَّسَامُحِ وَالرِّقَّةِ،وَعَوِّدُوهَا عَلَى الرَّحمَةِ وَالرَّأفَةِ،وَتَذَكَّرُوا أَنَّها صفةٌ لأَهلِ الجَنَّةِ،قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ”وَأَهلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ ذكر منهم[وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلبِ لِكُلِّ ذِي قُربى وَمُسلِمٍ]فما أعظمَ العدلَ والإنصافَ في الخصومة والاختلاف!وإذا اختلفت مع أحدٍ فصارحْهُ وناصحه وإذا لم يعجبك أسلوبه فلا تقاطعه أو تتكلّم فيه وقلّل مجالستَه أما العداوة والخصومة فليست من الدين ولا من الخلق..ولقد أحسن من قال:
وإنَّ خِيَارَ النَّاسِ مَنْ كانَ مُنْصِفًا صَدُوقًا لبِيْبًا صَانَهُ الدِّيْنُ فَانْزَجَرْ
وَإِنْ شِرَارَ النَّاسِ مَنْ كَـــانَ مَائِلًا عَن الحـقِّ إنَّ خَــاصَمْتهُ مرَّةً فَجَرْ
وإذا كانت العبادات الاثنين والخميس تؤجَّل بسببِ الخصومة والهجران يقول الله[انظرا هذين حتى يصطلحا]ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاث وخيرُهما الذي يبدأ بالسلامِ فما بالنا لا نعفو ولا نتصالح فدِينُنَا لَيسَ أَقوَالاً أَو شِعَارَاتٍ لاتُطبق،بل مَبَادِئُ نَتَمَسَّكُ بها قولاً وعملاً،لإِصلاحِ أَنفُسِنَا،وَمَنهَجٌ مُتَكَامِلٌ نُعَامِلُ بِهِ مَن حَولَنَا،في الحَدِيثِ:”إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم،وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم”رَوَاهُ مُسلِمٌ(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)اللَّهُمَّ أَصلِحْ قُلُوبَنَا،وَاغفِرْ ذُنُوبَنَا،وَاستُرْ عُيُوبَنَا،وَاغفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ،الأَحيَاءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ،إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ أقول قولي هذا ...
الخطبة الثانية ...الحمد لله وحده والصلاة .....
إن أكبر عائق للعفو والصفح لدى البعض اعتِقَادُهم أَنَّه ضَعْفٌ،وأن التنازل عجزٌ وذلك مِن خُلق الجَاهِلِيَّةِ فإذا ما أُسِيءَ إِلَيهِ ردَّ الصَّاعَ صَاعَينِ،وما علموا أنَّ الرِّفعَةَ والقوةَ لِمَن عَفَا وتصالح طلبًا لِمَا عِندَ اللهِ،وَتَرَكَ الانتِقَامَ لِوَجهِ اللهِ،يَشهَدُ لِهَذَا قوله عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ[وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا,وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ]رَوَاهُ مُسلِمٌ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ”لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
عباد الله.. الله جعلَ أفضلَ العبادات وأكثرَها أجراً السعيُ بالإصلاح(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ)أي عباداتهم(إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)فَلِمَ يَتهرَّبُ الكثير من إصلاحِ ذاتِ البين ولا يحسنون أداءها مع أنها بابُ أجرٍ عظيم لمن فعلها حتى ولو لم يتحقق لهم المطلوب..ونحتاج في مجتمعاتنا للجانٍ منظمةٍ للإصلاحِ بينَ النَّاسِ وللعفو عما بدر من أخطاء وتسهيل الصلح بينهم لعلَّ الله أن يكتب أجرهم ..والإصلاحُ يحتاج لقواعد مهمة أولها النية الصالحة (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) ومنها السرًّ والكتمان ومعرفة الحال جيداً والقوة والقبول من جميع الأطراف وعدم الدخول في التفاصيل المؤلمة والتغاضي والتسامح سببٌ للقبول والغفران اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين..ووحّد صفنا مع إخواننا المسلمين وجنبنا الخصومات والنزاعات ووفق ولاة أمورنا للصواب وانصر جنودنا واحم حدودنا..