الحمد لله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور وأشهد ألا إله إلا الله ويُصرِّفُ الأعوامَ والدهور،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،الشافعُ المشَّفعُ يومَ النشور،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..فاتقوا الله عباد الله(وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
إلى الله نشكو قسوة قلوبِنا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندبُ
كم من قومٍ أَمَّلوُا طويلاً وعاشوا قصيراً؟!منظرُ جنائز رهيبٍ..ومشهدٌ مهيب..تقشعرُّ منه الأبدان،وترتَجِفُ له القلوب..فهل نعتبر؟!نحضرها وسَرْعَان ما يطْغَى على النفوسِ لهوُ الحياةِ فتسهى ثم تنسى،وتذهلُ ثم تغفل..سأل رجلٌ رسول الله فقال متى الساعة فقال ماذا أعددت لها؟ متفقٌ عليه.
اليومِ الآخر..حيث الخروجُ من الأجداثِ والقبور،والوقوفُ بين يدي الكبير المتعال للحسابِ والجزاءِ(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ)فماذا أعددْنا له؟!وما من شيء في دعوة الرسل عبر التاريخ استبعدهُ الكفارُ وأنكرْه الملاحدةُ واستهزَأَ به الزنادقةُ أشدُّ من إنكارِهم لليومِ الآخر أتدرون لماذا؟!لأنهم بزعمهم يمارسون ما يشتهون ويفسدون كما يريدون والله من ورائهم محيط(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)(وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ)هذا افتراؤهم وهذا عجبهم!!فيتولَّى القرآنُ الردَّ والبرهان،(وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً)اللهُ خلقَ آدمَ من عدم،وخَلَق حوَّاء من غيرِ أم،وخلقَ عيسى بكلمةٍ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه،وقالَ له:كن فيكون..مسكينٌ واللهِ من يتبع الهوى ويعطل العقل فينكر ذلك(بَلْ يُرِيدُ الأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ)فهل من العقل أن قومًا أحسنُوا وأصلحوا وأنفقوا وجاهدُوا ثم لا ينالون أجرَ ما قدَّموا؟!!((فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى))وهل من ظلم وطغى وتجبر وآذى أن يسلم من سوء العاقبة؟!ذلك يومٌ يُجازى فيه المحسنُ والمسيءُ،(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ*وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))فالحكمة تقتضي الجزاء على العمل..
ينكرون أو يستغربون عجائب يومِ القيامة لمخالفتِه قياسَ عقولهم وإدراكهم ثم يُصدّقون عجائبَ الدنيا وتقنيات العصر التي ما كانوا يتصورونها..وقد قيل للكفار والمنكرين(قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)المُصدِّقُون بيومِ الدينِ،والذين هم مِنْ عذاب ربهم مشفقون،فيحملهُم إيمانهم باليوم الآخر والتصديقِ بلقاءِ ربِّهم على الصبرِ،والبذلِ والإحسانِ(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)
عباد الله..يومٌ مشهود تعدَّدَتْ أسماؤُه لعظيمِ أهوالهِ وأعمالهِ فهوَ يومُ الحشرِ والنشور،ويومُ الفصلِ والقيامة،ويومُ الدينِ والحساب،ويوم ترجفُ الراجفة،تتبعهَا الرادفة،حينَ تحِقُّ الحاَّقةُ،وتقَع الواقعةُ والقارعةُ،وتجيءُ الصاخَّةُ والطامَّةُ،يومُ الآزفةِ إذ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين، ذلكَ يومُ الخروج،يومَ تُبْلَى السرائرُ،وتتكشَّفُ خبيئاتُ الضمائر(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ)فكلُّ إنسانٍ حسيبُ نفسِهِ ورقيبُ عملهِ(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)تشهدُ عليه صحائفُه،وتحكمُ عليه أعمالُه وتنطقُ عليه جوارحه(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)يومٌ يجمعُ اللهُ فيه الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ أجسامُهم عاريةٌ وأقدامُهم حافيةٌ وقلوبُهم وَجِلَةٌ خائِفَةً مُهطعين إلى الداعِ يقولُ الكافرون:هذا يومٌ عسر يارب استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال صلى الله عليه وسلم يقولُ الله:يَا آدَمُ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ،فَيَقُولُ:َلبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ،وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ،وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟قَالَ:فَيَقُولُ اللَّهُ:مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ،قَالَ:فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الْمَوْلُودُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قَالَ:الصحابة:وَأَيُّنَا الْوَاحِدُ؟فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"تِسْعَمِائَةً وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ "قَالَ النَّاسُ:اللَّهُ أَكْبَرُ،فرد عليهم"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ،وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"وأنتم يَوْمَئِذٍ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ))متفق عليه..
يومٌ توضعُ فيه الموازينُ لأعمالِ العبادِ من خيرٍ وشرٍ..تدنُو فيه الشمسُ مقدارَ ميلٍ فيُظلُّ الله من يشاءُ بظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه..الصراطُ أدقُّ من الشعرة..وأحدُّ من السيف ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:يا ربِّ سلِّم سلِّم فيكونُ أوَّلَ من يجوزُ عليه ثم أمته وحافَّتُه كلاليبُ تنزِعُ الناسَ فمخدوشٌ ناج ومكردسٌ في النار عياذاً بالله.. فاتقوا الله عباد الله،واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله،يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية،يوم ينفخُ في الصورِ فتأتون أفواجًا حُفَاةً عُراةً غرلاً،في موقف يُذيبُ هولهُ الأكباد،تذهلُ فيه كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت،وتضعُ كل ذاتِ حملٍ حملها،يجمعُ الله الأولينَ والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الداعي،ويُنفِذُهم البصرَ،يجمعُ الله فيه بين كلِّ عاملٍ وعملَه،وبين كل نبيٍّ وأمَّتهَ،ومظلوم ومظلمتَه(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)الأبصارُ شاخصةٌ،في يومٍ كخمسينَ ألفِ سنة،يفرُّ المرء من أخيه،وأمِّه وأبيه،وصاحبته وبنيه،لكلِّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه،أهوالٌ شداد،وأحوالٌ عظام.. يوم القيامة تُبدَّل الأرض غير الأرض والسموات،فالسماءُ فُرجت وكُشطت وانشقَّت،وفُتحت فكانت أبوابًا،والشمس كُوِّرَت وخَسَفَ القَمر وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ والنجومُ انكَدَرت،وطُمست أما الأرض فسُجِّرت البحار ودُكت الجبال ونُسفَت وسُيَّرت فكانت سرَابًا..قالت عائشةُ رضي الله عنها رسول الله(أينَ يكونُ الناسُ يومَ تُبدّلُ الأرض غيرَ الأرض والسموات؟قال:"على الصراط)وحينئذٍ يحشرُ المتقون إلى الرحمن وفدًا فنعم المُوفِدُ ونعم الوافدون،ويساقُ المجرمون إلى جهنَّم ظمأى عطشى،يتمثَّلُ لهم السرابُ كالماء وما هو إلا الحرُّ والسعير،والنارُ والزفير،عياذًا بالله من غضبه وأليم عقابه..فلنحاسب أنفسَنا قبل القيامة؟!(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُإِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُفَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)ربنا لا تؤاخذنا بذنوبنا وغفلتنا..اللهم اختم لنا بخاتمة الإيمان والصفح والغفران..واسترنا يوم العرض وآمنا يوم البعث النشور أقول ..
الخطبة الثانية .. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ..أما بعد
ألا فاتقوا الله رحمكم الله،فالساعةُ آتية لا ريبَ فيها لا تأتيكم إلا بغتة،ولا يُجلِّيها لوقتها إلا الله جل جلاله..وهو عسيرُ على الكافرين وعلى عظم أهواله يسيرٌ على المؤمنين وإنَّ العبد سينصلح حاله إذا تذكّر الآخرة والبعث والنشور والجزاء والعقاب فتذكَّرُ الساعة والبعث والنشور والإعداد له خيرُ واعظٍ قبل دخول القبور..اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادة لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم خَفِّفْ عنا أهوالَ القيامة وخفف حسابنا وثقل بالخير ميزاننا واجعلنا فيها من السعداء الناجين..وألحقنا ووالدينا وذرياتنا بالصالحين يارب العالمين..اللهم لا تجعلنا من أهل الفضائح والنكبات،وأهل البوار والخسارات برحمتك ربَّ الأرض والسموات..
إلى الله نشكو قسوة قلوبِنا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندبُ
كم من قومٍ أَمَّلوُا طويلاً وعاشوا قصيراً؟!منظرُ جنائز رهيبٍ..ومشهدٌ مهيب..تقشعرُّ منه الأبدان،وترتَجِفُ له القلوب..فهل نعتبر؟!نحضرها وسَرْعَان ما يطْغَى على النفوسِ لهوُ الحياةِ فتسهى ثم تنسى،وتذهلُ ثم تغفل..سأل رجلٌ رسول الله فقال متى الساعة فقال ماذا أعددت لها؟ متفقٌ عليه.
اليومِ الآخر..حيث الخروجُ من الأجداثِ والقبور،والوقوفُ بين يدي الكبير المتعال للحسابِ والجزاءِ(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ)فماذا أعددْنا له؟!وما من شيء في دعوة الرسل عبر التاريخ استبعدهُ الكفارُ وأنكرْه الملاحدةُ واستهزَأَ به الزنادقةُ أشدُّ من إنكارِهم لليومِ الآخر أتدرون لماذا؟!لأنهم بزعمهم يمارسون ما يشتهون ويفسدون كما يريدون والله من ورائهم محيط(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)(وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ)هذا افتراؤهم وهذا عجبهم!!فيتولَّى القرآنُ الردَّ والبرهان،(وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً)اللهُ خلقَ آدمَ من عدم،وخَلَق حوَّاء من غيرِ أم،وخلقَ عيسى بكلمةٍ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه،وقالَ له:كن فيكون..مسكينٌ واللهِ من يتبع الهوى ويعطل العقل فينكر ذلك(بَلْ يُرِيدُ الأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ)فهل من العقل أن قومًا أحسنُوا وأصلحوا وأنفقوا وجاهدُوا ثم لا ينالون أجرَ ما قدَّموا؟!!((فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى))وهل من ظلم وطغى وتجبر وآذى أن يسلم من سوء العاقبة؟!ذلك يومٌ يُجازى فيه المحسنُ والمسيءُ،(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ*وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))فالحكمة تقتضي الجزاء على العمل..
ينكرون أو يستغربون عجائب يومِ القيامة لمخالفتِه قياسَ عقولهم وإدراكهم ثم يُصدّقون عجائبَ الدنيا وتقنيات العصر التي ما كانوا يتصورونها..وقد قيل للكفار والمنكرين(قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)المُصدِّقُون بيومِ الدينِ،والذين هم مِنْ عذاب ربهم مشفقون،فيحملهُم إيمانهم باليوم الآخر والتصديقِ بلقاءِ ربِّهم على الصبرِ،والبذلِ والإحسانِ(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)
عباد الله..يومٌ مشهود تعدَّدَتْ أسماؤُه لعظيمِ أهوالهِ وأعمالهِ فهوَ يومُ الحشرِ والنشور،ويومُ الفصلِ والقيامة،ويومُ الدينِ والحساب،ويوم ترجفُ الراجفة،تتبعهَا الرادفة،حينَ تحِقُّ الحاَّقةُ،وتقَع الواقعةُ والقارعةُ،وتجيءُ الصاخَّةُ والطامَّةُ،يومُ الآزفةِ إذ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين، ذلكَ يومُ الخروج،يومَ تُبْلَى السرائرُ،وتتكشَّفُ خبيئاتُ الضمائر(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ)فكلُّ إنسانٍ حسيبُ نفسِهِ ورقيبُ عملهِ(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)تشهدُ عليه صحائفُه،وتحكمُ عليه أعمالُه وتنطقُ عليه جوارحه(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)يومٌ يجمعُ اللهُ فيه الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ أجسامُهم عاريةٌ وأقدامُهم حافيةٌ وقلوبُهم وَجِلَةٌ خائِفَةً مُهطعين إلى الداعِ يقولُ الكافرون:هذا يومٌ عسر يارب استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال صلى الله عليه وسلم يقولُ الله:يَا آدَمُ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ،فَيَقُولُ:َلبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ،وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ،وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟قَالَ:فَيَقُولُ اللَّهُ:مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ،قَالَ:فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الْمَوْلُودُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قَالَ:الصحابة:وَأَيُّنَا الْوَاحِدُ؟فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"تِسْعَمِائَةً وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ "قَالَ النَّاسُ:اللَّهُ أَكْبَرُ،فرد عليهم"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ،وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"وأنتم يَوْمَئِذٍ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ))متفق عليه..
يومٌ توضعُ فيه الموازينُ لأعمالِ العبادِ من خيرٍ وشرٍ..تدنُو فيه الشمسُ مقدارَ ميلٍ فيُظلُّ الله من يشاءُ بظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه..الصراطُ أدقُّ من الشعرة..وأحدُّ من السيف ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:يا ربِّ سلِّم سلِّم فيكونُ أوَّلَ من يجوزُ عليه ثم أمته وحافَّتُه كلاليبُ تنزِعُ الناسَ فمخدوشٌ ناج ومكردسٌ في النار عياذاً بالله.. فاتقوا الله عباد الله،واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله،يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية،يوم ينفخُ في الصورِ فتأتون أفواجًا حُفَاةً عُراةً غرلاً،في موقف يُذيبُ هولهُ الأكباد،تذهلُ فيه كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت،وتضعُ كل ذاتِ حملٍ حملها،يجمعُ الله الأولينَ والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الداعي،ويُنفِذُهم البصرَ،يجمعُ الله فيه بين كلِّ عاملٍ وعملَه،وبين كل نبيٍّ وأمَّتهَ،ومظلوم ومظلمتَه(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)الأبصارُ شاخصةٌ،في يومٍ كخمسينَ ألفِ سنة،يفرُّ المرء من أخيه،وأمِّه وأبيه،وصاحبته وبنيه،لكلِّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه،أهوالٌ شداد،وأحوالٌ عظام.. يوم القيامة تُبدَّل الأرض غير الأرض والسموات،فالسماءُ فُرجت وكُشطت وانشقَّت،وفُتحت فكانت أبوابًا،والشمس كُوِّرَت وخَسَفَ القَمر وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ والنجومُ انكَدَرت،وطُمست أما الأرض فسُجِّرت البحار ودُكت الجبال ونُسفَت وسُيَّرت فكانت سرَابًا..قالت عائشةُ رضي الله عنها رسول الله(أينَ يكونُ الناسُ يومَ تُبدّلُ الأرض غيرَ الأرض والسموات؟قال:"على الصراط)وحينئذٍ يحشرُ المتقون إلى الرحمن وفدًا فنعم المُوفِدُ ونعم الوافدون،ويساقُ المجرمون إلى جهنَّم ظمأى عطشى،يتمثَّلُ لهم السرابُ كالماء وما هو إلا الحرُّ والسعير،والنارُ والزفير،عياذًا بالله من غضبه وأليم عقابه..فلنحاسب أنفسَنا قبل القيامة؟!(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُإِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُفَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)ربنا لا تؤاخذنا بذنوبنا وغفلتنا..اللهم اختم لنا بخاتمة الإيمان والصفح والغفران..واسترنا يوم العرض وآمنا يوم البعث النشور أقول ..
الخطبة الثانية .. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ..أما بعد
ألا فاتقوا الله رحمكم الله،فالساعةُ آتية لا ريبَ فيها لا تأتيكم إلا بغتة،ولا يُجلِّيها لوقتها إلا الله جل جلاله..وهو عسيرُ على الكافرين وعلى عظم أهواله يسيرٌ على المؤمنين وإنَّ العبد سينصلح حاله إذا تذكّر الآخرة والبعث والنشور والجزاء والعقاب فتذكَّرُ الساعة والبعث والنشور والإعداد له خيرُ واعظٍ قبل دخول القبور..اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادة لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم خَفِّفْ عنا أهوالَ القيامة وخفف حسابنا وثقل بالخير ميزاننا واجعلنا فيها من السعداء الناجين..وألحقنا ووالدينا وذرياتنا بالصالحين يارب العالمين..اللهم لا تجعلنا من أهل الفضائح والنكبات،وأهل البوار والخسارات برحمتك ربَّ الأرض والسموات..