• ×

07:57 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

تَفَاءلُوا بِالخَيْرِ .

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله جعل الدلالة على الخير أفضل القربات،وأشهد أن لا إله إلا الله أمر عباده بالفأل في كل الأوقات وأشهد أن محمداً رسول الله تميّزَ بأحسن الصفات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الممات وسلم تسليماً أما بعد..فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الحياة بُنيت على كدرٍ والبعضُ يريدُها صفْواً خاليةً من المعاناة والصعوبات والفتن والمشكلات..والإسلامُ أَمرنا بالتفاؤل لأنه سببٌ لحصول الخير بإذن الله (تفاءلوا بالخير تجدوه)ومن أعظم التفاؤل النظرةُ الإيجابية لكلِّ ما يُصلحُ المجتمعَ ويُوجهه للخير ويبعد عنه الشر وضدُّ ذلك الشؤمُ والتشاؤم الذي يكون بنظرةٍ سلبيةٍ سوداء تجعلُ أمام ناظرِها كلَّ شيءٍ حسن..لا يرى إلا السوءَ فقط ويُهمل الحسن..يُكثر من النقد بلا وجهِ حقٍّ..وتستثيره الفتن فهؤلاء معاولُ هدمٍ لا بناء..يُفرّقون المجتمع ويُقوّضون المنجزات حتى بحياتهم الخاصة لا يستمتعون بها بنظرتهم هذه!!يتخذون من الأحداث والمُلمَّاتِ العظيمة والمصائب الأليمة تبريراً لقعودهم وسبباً لتشاؤمهم هذا إما بأنفسهم بما يصيبهم من حوادث وأمراض في أنفسهم وأولادهم وأموالهم أو بالمصائب عامّة!!يفقدون التعامل الشرعي لها ثم يزيدون مُصابَها وأثرَها عليهم بتشاؤمهم وسوء نظرتهم!!وهناك من اقتصر الدينَ كلَّه على التخويفِ والتهويل ويُهملُ نشرَ الرجاء والبُشرى برحمة الله من ضيق أفقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعجبه الفأل ويزدادُ تفاؤلاً ونظرةً إيجابية في أشدِّ المواقف أزمة..يأتونه صحابته بمكة يشكون ظلم الناس وعذابهم ويقولون يا رسول الله ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا؟!كان بوسعه أن يـتألّمَ معهم لكنه يبشرهم وهم يتألمون[لقد كان مَن قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين،ما يصده ذلك عن دينه،واللهِ ليتُمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون]رواه البخاري..يرجعُ من الطائف مَهموماً محزوناً مما لقى من الأذى فيقول له المَلَك يارسول الله:لئن شت لأطبقنَّ عليهم الأخشبين فيرفضُ الرؤوف الرحيم عليه الصلاة والسلام لعلَّ الله أن يخرج من أصلابهم من يَعبُدُ اللهَ لا يُشرك به شيئاً..وفي هجرتِه المحفوفة بالمخاطر يُبشرُّ سُراقةَ بسواريْ كسرى وهو مُلاحَق،وفي بَدْرٍ يبشرهم بالنصر وفي الخندق محاصرون فيخبرهم بفتح فارس والروم واليمن..إيجابيتُه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع صحابته وتربيتهم على حسن الظن ورؤية أحسن ما في الناس رغم أخطائهم فيُجلدُ رجلٌ في الخمر فيقول أحدهم قاتله الله ما أكثر ما يُجلد فيقول:ذاكراً فَضْلَه ومُعزِّزاً إيجابيّته[لاتعينوا الشيطان على أخيكم فو الله إنه يُحبُّ الله ورسوله]حتى مع غير المسلمين الذين لا يُحاربون يذكرُ أحسن صفاتهم فيثني على حاتم الطائي بالكرم ويجعلُه شفيعاً لابنته..ويمدحُ شِعرَ لبيد بن ربيعة قبل إسلامه ويذكرُ النجاشيَّ بخير ويُرسل أصحابَه له فهو مَلِكٌ لا يُظلَمُ عندَه أَحدٌ ويتمنَّى لو شارك بحلْفِ الفضول لأثرِه في الإصلاح..وأمثلةٌ نبويّة كثيرة تدعونا دوماً للعمل بتفاؤل والنظر بإيجابيةٍ للناس ولكل جوانب الحياة ومصاعبها ليَسهل علينا أثرُها ثمَّ نتخذُ منها مُنطلقاً للحلول..وعكسُ ذلك التشاؤم والنظر بسلبية فما يزيد الأفرادَ إلا وهناً والمجتمعات ضعفاً..وهو تعظيمٌ للمصاب..

أيها الإخوة..التفاؤل والنظرة الإيجابية ليست مُجاملةً مذمومةً لمن لا يستحق ولا مبالغةً في المديح أو ضعف فهذا كلّه ضررٌ ونفاق للأفراد والمجتمع والمسؤولين وغشٌ للأمة..التفاؤلُ بنبذِ الكسلِ والمللِ وقولِ الحق والعدْل والمشاركةِ بالعمل فيما يخدمُ الدينَ والناسَ والأوطان..والنقدِ بعقلٍ وإيجابيةٍ وحكمةٍ وموعظةٍ حسنةٍ للخطأ إذا استوعبتَه وعرفتَ عواقبَه وكانت النيَّةُ حسنةً وتُركت الظنونُ السيئة فيستحق الإصلاح والبناء والفلاح(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)..

كثيرٌ منا تَطْغَى عليه نظرةٌ سلبيةٌ جائرة وأحكامٌ سيئةٌ مسبقة تتحكّمُ بتصرفاتِه حتى خسرنا بعضنا بعضاً وتنازعنا وفشلنا فالبعض متشائمٌ في حياتِه وما يُصيبُه فينزوي ويَتعقَّد..وآخرون لا يُطيقون لأحدٍ نجاحاً يستحقُّه ويُقلِّلُون من شأنِه يغمطون الحسنات ويُكبِّرون الأخطاءَ والزَلاَّت..وليتهم انشغلوا ليُصلحوا ما لديهم من أخطاءَ وصفاتٍ ثم لا يدركُون مخاطر عاقبةَ سلبيتهم هذه وسوء نظرتهم بشيوع الخطأ وتعميمِه وضَعفِ الإصلاحِ وتقويمهِ[ومن قال هَلَكَ الناسُ فهو أهلَكُهم]بعضهم مع نظرته السوداوّية وتشاؤمه مما يحصل لا يعمل ولا يجتهد ولا يتركُ أحداً يعملُ أو يجتهدُ..يبثُّ اليأسَ والإحباطَ في مجالسهِ وطرحِه إن رأى خيراً عَظَمه وإن رأى شرَّاً أشهرَه..يحتقرُ أيَّ جُهدٍ ويستصغرُه فقط لأنه لم يُعجبُ مِزاجَه فالذَّمُّ أحبُّ إليه من المدح وتراه عنيفاً..يُبالغ في الذم بخيلاً في المدح بَحَقٍّ..لا يأبه بجهدٍ ولا إصلاح..أصبحَ عوناً لكل حاقد عدواً لكلِ ناصحٍ شَعُرَ أم لَمْ يَشْعُر لا يَغضبُ لمنكر يَجْهَلُ المعروفَ ولا يأْبَهُ لَه..هؤلاء بسلبيِّاتِهم وسوءِ ظنونِهم وتصرفاتِهم يَهدِمُون المجتمع وهم لا يشعرون..وانظروا لوسائلِ التواصلِ مؤخراً كيف أظهرت سلبيةً واضحةً وتشاؤماً ظاهراً ومُسارعةً في الفتنة فبعضُهم ينشر ما يُسيءُ للناس ويستهزئُ بهم بلا مبالاة يَعدُّهُ مِزاحاً ثم يُسارعُ آخرون في فتن الخلافات والعصبيات والانتقام والثآرات لمجرّد استشارتهم من أحد السفهاء ولولا الله ثم العقلاء لم ينتبهوا!!وطرحٌ آخر يُبالغ في الأخطاءِ ولا يُساهم في البناء..إتهامٌ للنيات وتأليبٌ على الأبرياء فَأيُّ سلبيِّةٍ أعظمُ من ذلك؟!وأيننا من إيجابيّةِ التفاؤل والظنِّ الحسن والتآلف والرحمةِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى ونشر التفاؤل لدى الناس بذكر محاسنهم وتجاوز سيئاتهم ما لم تضرّ وشكر الدوائر العاملة بجدٍّ لتشجيعهم والموظفين المخلصين ليُقتدى بهم حتى ولو كان ما يؤدّونه واجباً عليهم لكننا نشكر لهم إخلاصهم واجتهادهم وإذا أخطأوا بيَّنا خطأهم..

عباد الله..القرآنُ الكريمُ يعرضُ لنا نماذجَ إيجابيةٍ داعياً إليها مثنياً عليها فيقول الله(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)ثم يأتي بالحجج ليقنعهم بتوحيد ربِّ العالمين(وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ)ومريمَ ابنةَ عمران رغم صعوبة حملها ووضعها مدعوّةٌ للعمل بيدها(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) دعوة كاملة للإيجابية ونبذ اليأس والسلبية،ويقول عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمر مشجعاً[نعم العبد عبد الله لو كان يقوم الليل]ويُوكِّلُ المَهامَّ لصحابته كباراً وصغاراً ليستثمروا طاقاتهم الإيجابيّة،ويحثهم بقوله[المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير،احرص على ما ينفعك،واستعن بالله ولا تعجز،وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا،ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل،فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان]رواه مسلم واليوم نرى الإيجابيَّةَ من أُناسٍ ينظرون للحياة بتفاؤل رغم صعوباتها ليقدّموا الخيرَ للغير لا يأبهون بجهودِ مُفسدين ولا كلامَ مُحبطَين أو من يُصنفّون أو يتحزّبون..تراهم ناصرين للدين بناةً للأوطان بخطىً ثابتةٍ واثقةٍ وبرؤيةٍ عميقةٍ ثاقبة أولئك هم الإيجابيون (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)هذا فضل الله بالسعي للخير وبذل العمل والنظر للحياة بإيجابية مع الثقة بالله أولاً وأخيراً(وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى*وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى*ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى)وبذلُ الخير يكونُ حسب طاقتك وقدرتك ومواهبك..والأجر العظيمُ والنجاحُ الكبيرُ نفسياً ومعنوياً يكون في بذل الخير والمشاركة بكل عملٍ نافع فإن لم تستطع فكف آذاك عن الناس فتلك إيجابية ولا تنظر للحياة بسوداويّة واعلم أنَّ الناسَ متفاوتون(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

أيها الأحبة..السلبيَّةُ والإيجابيةُ في الإنسان تزدادُ حسبَ قوّةِ الإيمانِ بالله والتوكّلِ عليه وتتأثرُ بعوارض الحياةِ التي تحدث له في نفسِه ومجتمعِه وأمَّته وهنا يظهر للدين الأثر..فحادثةُ الإفك التي مرّت به صلى الله عليه وسلم وصحابته كانت اختباراً كبيراً لأخلاقهم جاءت بالقرآن وأعطت الأمة حينذاك وإلى اليوم دروساً عظيمة في النظرة السلبية والإيجابية لما يقع من أحداث ولمن نالَ من عرض النبي وخاض مع الخائضين فيه تأثراً بعمل المنافقين فتلقّوه هؤلاء بألسنتهم وقالوا ما ليس لهم به علم ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم..أما الإيجابيّون فقالوا(مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)فأحسنوا الظن وكفّوا ألسنتهم عن الطعن وانتظروا حتى انجلى الأمر ليظهر فضل الله العظيم وبراءته الكبرى لعائشة رضي الله عنها فكان ذلك درساً وعِظةً بأن ننظر بإيجابية ونحكم بحسنِ الظن ونستخرجُ من الناس أحسنَ ما فيهم حتى ولو كانوا على خطأ وتقصير..فإذا رأيت من أحدٍ خطأً فاغمرهُ في جانب حسناته واستره..وما تراه من إحسانٍ ومعروفٍ فأشهره..ولا تكن كالذباب لا يقع إلا على ما ساء وكُن كالنحل يقطف من كل زهرةٍ جميلةٍ رحيقاً هذه الإيجابيّة للمسلم الحق..اللهم اجعلنا ممن يُحسن الظن بعبادك ويحسن إليهم وجنبنا إساءة الظنون وما شان من الأخلاق يا أرحم الراحمين..

الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..وبعد..

الإيجابية بإقامة الدين والخُلق أولاً ثم بتقديمِ كُلِّ ما فيه نفعٌ للنَّاس والمجتمعات..ثانياً وهذا منطق التفاؤل بالحياة وإحسانُ الظنِّ بالخيرِ والنَّاس حمايةُ البيئة بالأرض إيجابية فقد وهبها الله للإنسان وجعلها ذَلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه..ومن هُنا تكونُ مسؤوليةُ عَمارةُ الأرض واجباً على ساكنيها بالعيش بها باعتدال وتجنُّبِ الفساد والإفساد فيها فالله خلقها في توازنٍ عجيب ومن الخطر العبث بهذا التوازن بالخلق والإيجاد للإنسان والحيوان والشجر والبنيان وبالحديث(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً،وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً،وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً) رواه مسلم.وأكبر دعوة للإيجابية التي لا تنتهي قوله عليه الصلاة والسلام وليحذر أولئك السلبيون ممن يُساهم بإفساد الأرض ديناً وخُلقاً وشجراً وبيئة فهم أول النادمون دنيا وآخرة..(إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)رواه أحمد..كل ذلك يدعونا للمساهمة بكل ما هو إيجابي ويدعو للتفاؤل فذلك عملٌ شرعيٌّ مأجور وجهدٌ وطنيٌّ مشكور وتجارة مع الله لن تبور..
أخي..كن إيجابياً في كل أمورك وانظر بتفاؤل لحياتك وأقبل على ربّك بالدنيا بعمل الخير الذي يسَّره الله لك أياً كان ولايمنعنّك التقصير من أداء الواجبات والإحسان للناس..اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها الا انت



 0  0  328

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.