• ×

08:00 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

هَمٌّ بِاللَّيْلِ وَذُلٌّ بِالنَّهَارِ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله أعزنا بالإسلام،وشرَّفنا بالانتساب إلى ملةِ خير الأنام،وختم بنبينا الكريم موكب الرسل والأنبياء العظام،صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أن الله خلق البشر مختلفين بالرزق والحرمان والغنى والفقر لحكمٍ عظيمة (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)هناك حاجات عظيمة وفقرٌ يضيق به الناس فيقعون بالدِّيُون والقروض ثم يركبُهم همٌّ عظيم للدَّيْن..بل الوفاءُ للدين قلّ واستكثر البعض من الدِّيُون لحاجةٍ أو لغير حاجة..حتى الأغنياء تساهلوا بها لتُثقلَ كواهل الناس والدول والشركات،بل تُهدّدهم بالإفلاس بسببها..وبعضها يكون بممارسة الربا عياذاً بالله..مما يمحقُ البركة فأصبحت المدخولات والرواتب لاتكفي أصحابها بسبب التوسع بالديون واغراءاتها .. وهناك احصاءاتٌ مهولةٌ لحجم الديون بمجتمعنا فقد نشر أحد الباحثين (أن أزمة الديون الاستهلاكية في بلادنا تطال 80% من الناس)..وأن القروض الاستهلاكية والبطاقات نحو 337مليار ريال بعام واحد فقط عدا عن الديون العقاريّة أكثرها تمويلات شخصية وهي بازدياد سنوي قرابة 5% لعدم وجود توعية للمدينين بل هناك تلاعب بهم وإغراء خاصة بما يسمى تسهيلات وكفالات غرم وأداء..مما دعى المتخصصين للتحذير والدول لوضع الأنظمة والضوابط المهمة للدَّين والسداد..
المصيبة إخوتي أنَّ أكثرَ هذه الديون كما هو الإحصاء لترفٍ زائد أو لتجارةٍ أو لاستثمارٍ وسفرٍ وأثاث و كماليّات..ونحن لا ننكر أنَّ الدَّيْن قد يكون لحاجةٍ مؤقتةٍ للإنسانِ فيستدين لأجلها وما أكثر ظروف الناس المحرجة فالدَّيْن جائز والإقراض للمحتاج مستحب وفيه أجر عظيم وتفريج كربة للمستدين ولذلك فقد شرّع الإسلام الدَّيْنَ ووضعَ له الضوابط ورسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعُه مرهونةٌ على قبضات من شعير لكن أن تُصبح الديونُ منهجَ حياةٍ ولغير ضرورة ماسّة فهذه تدل على أزمةٍ تحتاج لتوعيةٍ وعلاج للغرمِ والأداء يفعلها الناس فزعةً أو تساهلاً ثم يتورّطُون بها ويُسجنونَ لأجلِها وكذلك مماطلةٌ وتحايلَ بأصحاب الدَّين بعدم سدادهم؛قال صلى الله عليه وسلم"مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه،ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".أي.. من أخذ الدَّين وفي نيته أن يسدد أعانه الله وفتح له أبواب الرزق،ومن أخذ وهو يريد أن يضيِّع أموال الناس وأن يُتْلِفَها أتلفَه الله سددوا ولو بالقليل؛فإن الله يجعل القليل بالبركة كثيرًا،إياكم والإسراف والتباهي من خلال الديون..وانتبهوا لإغراء التقسيط بنسبٍ زائفة تتراكم عليك فلا بد من ثقافةٍ للاستهلاك ولحسن الادخار في بيتك وعلى قدر دخلك(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) ووصيَّتي هنا للأولاد خاصةً البنات ارفقوا بوالديكم بالطلبات التي يمكن الصبر عنها..لا تُرهقوهم فوقَ طاقتهم فيقعون بالدّيون المُرهقة..وأنتم معاشر الأغنياء ارحموا الفقراء والضعفاء،وتفقَّدُوا المحتاجينَ والبؤساء،رجل يريد الدَّين وهو محتاجٌ حقاً فأعينوه بضوابط شرعية،رجلٌ يريد القرض الحسن وهو ثقةٌ للسداد فأعطوه،وإياكم وسوء الظن بالناس،وإن ذهبت أموالكم بالدنيا فلن تذهب عند الله،في الحديث(من أقرض مرتين كان كصدقتها مرة)رواه ابن ماجه والبيهقي وحسنه الألباني..يسّروا ولا تعسّروا،ولاتضيّقوا على المعسر بسرعةِ السداد لمن لا يستطيع وهو جاد بسداده فالله قال(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)والأجر بذلك عظيم..وانتبهوا من المتلاعبين والمرضى بكثرة الديون عافانا الله وإياهم..
عباد الله..الدَّيْن،هَمٌّ بالليل،وذل بالنهار،له آثار عظمى..حين يُشغلُ بالَ المَدين ويجعلهُ منْعزلاً عن المجتمع هارباً ومُضطراً للكذب ويسألُ الناس ..كان صلى الله عليه وسلم يدعو في الصَّلاة(اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم،فقال له قائلٌ..ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال..إنَّ الرَّجل إذا غَرِم،حدَّث فكذب،ووعد فأخلف)رواه البخاري أما آثارُ الديون على أسرته وقرابته فهي كثيرة وقد تؤدِّي بهم لضياعٍ وافتراق..بعضهم يستدين ليتشبّعَ بما لم يُعط..وكذلك أموال الزكاة والمساعدات لاتستوعب هذه الديون الكثيرة.وتْغفل عن حاجات مهمة أخرى للمجتمع والعجيب أن أغلب هذه الديون يمكن الاستغناء عنها والصبر لحين توفر المال وهناك من يتساهل بعدمِ سدادِ القروض التي تدفعها الدولة لمساعدة مواطنيها كبنوك التسليف وصندوق التنمية العقاري وغيرها وهذا خطأ وجناية على غيرك من المستفيدين ولا تبرأُ بها ذمَّتُك..
إخوتي..المَدينُ مَهمُومٌ مَغموم،ولو رآه الناس فرحًا مسرورًا،لذلك استعاذ صلى الله عليه وسلم من الدَّيْن وقَهرِ الرجال؛وهو يحجب الأجور العظيمة عن صاحبه قام صلى الله عليه وسلم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضلُ الأعمال،فقام رجلٌ فقال..يا رسول الله،أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله،أتكفَّرُ عني خطاياي؟فقال له رسول الله.."نعم،إن قُتلتَ في سبيل الله،وأنت صابر محتسب،مقبلٌ غيرُ مدبرٍ"،ثم قال رسول الله للصحابي.. كيف قلت؟ فأعاد الصحابي السؤال..أرأيت إن قُتلت في سبيل الله،أتكفر عني خطاياي؟فقال رسول الله.."نعم،وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّيْن!فإن جبريلَ سارَّني به آنفا"رواه مسلم.وقال صلى الله عليه وسلم(ذمَّة المؤمن مرهونةٌ بِديْنه حتى يُقضَى عنه)وأرادَ عليه الصلاة والسلام أن يُصلّيَ على جنازةِ ثم قال لهم.."أعليه دَيْنٌ؟" قلنا.. ديناران؛فانصرف رسول الله ولم يصل عليه يريدُ تعليمَ الناس.فمع أن الميت صحابي وهو عليه الصلاة والسلام الرؤف الرحيم،ومن أجل أن دَيْنه بلغ دينارين فقط،فقال أبو قتادة..هما عليّ يا رسول الله،فقال صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة.."حقَّ الغريم، وبرئَ منهما الميت"،قال.. نعم، فصلى ثم سأل أبا قتادة بعد ذلك بيوم فقال له.."ما فعل الديناران؟"فقال..إنما مات أمس! فعاد إليه أبو قتادة من الغد,فقال..قد قضيتهما, فقال عليه الصلاة والسلام.."الآن برَّدت على جلدته"وعن أبي هريرة أنه وكان يؤتى بالرجل المتوفى وعليه الدين،فيسأل رسول الله.."هل ترك لدينه قضاء؟"فإن قيل له إنه ترك مالاً يوفي به صلى عليه،وإلا قال.."صَلُّوا على صاحبكم"لاحظ هنا أن هؤلاء من أصحاب الديون المتوفين ملتزمون بالوفاء لدْينهم لا يماطلون بالدين فكيف بمن يماطل أو يجحدُ الحقوق؟ما بالكم بمن ينكرها؟عياذاً بالله.. ولذلك يجب على المسلم إذا استدان أن تكون له عزيمةٌ صادقة على الوفاء،ونيةٌ طيبة في القضاء،فلا يبيِّت نيةً،بالتلاعب،والله سيُعينُ الجادَّ على القضاء حتى ولو مات عنها لأنه وعد بالسدا.. أمّا المُتلاعبُ بالديون فإنه يُعرَّض نفسه وتجارته وأهله للتلف ونقص البركة فضلاً عن عذاب الآخرة قال صلّى الله عليه وسلّم..(أيُّما رجلٌ يدينُ دينًا وهو مجْمعٌ أن لا يوفيه صاحبَه لقيَ الله سارقًا)رواه ابن ماجة وحسنه الألباني وقال فيما صحَّحه الألباني (من حمل من أمَّتي دينًا ثمَّ جهد في قضائه ثمَّ مات قبل أن يقضيه؛ فأنا وليه) ولو أن أصحاب الديون عباد الله تعاملوا بهذا الحق والوفاء لما رأينا المشكلات تملأ الشرط والمحاكم لأجل الديون،ولرأينا الناس يقرضون أموالهم بدل تكدّسها بالبنوك لكنهم امتنعوا عن الإقراض لعدم الوفاء!فحدثت لهم أزمات وللمجتمع مشكلات..
عباد الله..من الأمور المهمة في الدين توثيقها(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)مهما كان قليلاً..(وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ)وإذا كانت على أحدنا ديونٌ أو حقوق فيجب عليه أن يثبتها حتى لا تضيع حقوق الناس؛قال-صلى الله عليه وسلم-.."ما حق امرئ مسلم له شيءٌ يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"رواه مسلم
معاشر المدينين..أنزلوا حوائجكم كلها بالله،واجعلوا كل فقركم إليه تعالى،وغناكم به،وتوكَّلُوا على مَن بيدِه خزائن السماوات والأرض،وأحسنوا الظن بالله.وإن ضاقت عليكم الدنيا فوسعوها باليقين بالله فكم من همومٍ وغمومٍ أحاطت بأصحابها فرّجها الله عنهم من حيث لا يحتسبون! جاء أحدهم إلى عَلِيٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه،يريدُ ديْناً فقَالَ له..أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم-لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟قَالَ.."قُلْ..اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ،وَأَغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ".وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته[اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم]ودخل مرةً على أحد أصحابه مهموماً من دينٍ عليه فعلمه كلماتٍ يقولها صباحاً ومساءً[اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال]
أيها الإخوة عجباً لمن يستدين لغير حاجة ماسة،ويتحمَّلَ الديون العظيمة،والأقساط ويرهن راتبه أو بيته لأجل دين أو كفالة ليغرق بالكماليات،ويسرف في المناسبات والملابس بل والجوالات والأثاث وغير ذلك! إما سيّارةٌ فارهة،أو سفرٌ للسياحة أو لمزيد أثاثٍ ومفاخرة،والبعض يغترُّ براتبه المستمر فيستدين ثم يضيُّق على نفسه وأهله معيشته وإن المسلم لو رضي بالقناعة ومستوى دخله لما احتاج إلى الدَّيْن لكنه ينظر لمن فوقه بالمادة والكماليات فيقلّده بإشغال ذمته أو من يستدين ليستثمر بالتجارات والأسهم وهي عرضة للخسارة..ومن المهم أن نهتم إخوتي دولةً ومساجد وجمعيات وإعلام بتوعية الناس أولاً عن خطورة التوسع بالديون التي أصبحت كارثة عظمى كلٌ يعاني منها اغتراراً بدعاياتٍ مضلّلة..فلا تتساهل أخي بالديون ولا تشغل ذمتك بالاستكثار من الديون فلا تدري متى يأتيك الأجل بغته وقد علمت حق الدين(لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) اللهم إنا نعوذ بك من المأثم والمغرم ومن الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل ومن غلبة الدَّيْن وقهر الرجال اللهم اقض الدين عن المدينين اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك واجعلنا أغنياء بك فقراء إليك يا أرحم الراحمين..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
ابتلى الله العالم بهذا الوباء كورونا الذي غيَّر وجه العالم وأثَّرَ على كُلِّ أنواع الحياة وبحمد الله رغم شدَّته خفَّت حِدَّتُه وكان موقف الناس معه بحمد الله إيجابيِّاً بالالتزام بالإجراءات الاحترازيِّة والتعاون مع الجهود الكبيرة للجهات المسؤولة مما جعلنا بحمد الله نتجاوز غالب تلك الأزمة لتعود حياتنا كما تعودناها تدريجيِّاً..ولا شك نحن جزء من العالم الذي يخشى الآن من عودةٍ أخرى لهذه الجائحة لا قدّر الله فالكلُّ لايريد الانتكاسة لما مضى من معاناة الوباء وآثاره وهنا يأتي الدور العظيم علينا جميعاً بالتوكُّل على الله أولاً وأخيراً فهو الحامي من الشرور ثم بفعل الأسباب والحرص عليها وذلك باستمرارنا بالتزام الإجراءات الاحترازيّة والوقائية للحدِّ بإذن الله من انتشار هذا الفايروس للتقليل من تأثيره بعون الله وحمايته..نسأل الله جل وعلا أن يكفينا الوباء والغلاء والبلاء وأن يشفيَ مرضانا ومرضى المسلمين ويوفق ولاة أمور المسلمين..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى...








 0  0  284

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.