• ×

07:23 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

الصَّلَاة نُور .

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله فرض الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانا،وجعلها صلة بينهم وبينه ليزدادوا بذلك إيمانا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقنا ومولانا،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جُعلت قُرّةُ عينهِ في الصلاة فضلاً ورضوانا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما..أما بعد فاتقوا الله ...

قال صلى الله عليه وسلم"يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر،ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم..كيف تركتم عبادي؟فيقولون..تركناهم وهم يصلون،وأتيناهم وهم يصلون".متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام.."إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح ونجح وإن فَسُدَتْ فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوّعٍ فيُكملُ بها ما انتَقصَ من الفريضة"رواه الترمذي..

الصلاة فريضةٌ ونور وهي حياةٌ للإنسان..عظيمةٌ في الإسلام ولها أثر على الدين والخلق وسائر شؤون الحياة..وقد يوجدُ مُقصرٌ لا يعرف المسجد لتأديِتها،أومن لا يُؤدَّونها حقَّ الأداء بمعرفة شروطها وواجباتها وأركانها..وغير ذلك مما يُفقد معنى الصلاةِ وخشوعِها هي من أركان الإسلام وجعلها صلى الله عليه وسلم فَرْقاً بين الإسلام والكفر ومن تركها فقد حبط عمله عياذاً بالله..فريدةٌ بين الأديان ليست مرتبطة بموسم ولا موقوفة على زمان..في اليوم خمس مرات..فرضٌ على كل مسلم مكلَّف غني وفقير،صحيح ومريضٍ،ذكر وأنثى،مسافر ومقيم في الأمن والخوف لا يستثنى منها مسلم مكلف ما عدا حائض ونفساء..والصلاةُ قُرةُ عيونُ المؤمنين،ومُعراجُ المتقين،قرةُ عين سيدِ المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم..قال صلى الله عليه وسلم"لا دينَ لمن لا صلاةَ له" "ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة""وليس بين الرجل والكفر والشرك إلا ترك الصلاة""ومن ترك صلاة مكتوبة متعمداً برئت منه ذمة الله"صححه الألباني وكان الصحابة لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة..

تحذيرٌ للمتهاونين بتركها أو إخراجها عن وقتها أو بجمع الصلوات لآخرِ الليل والنومِ المُتعمّدِ عنها،وعدم معرفة أحكامها..ومن أرادَ أن يُحاسبَ نفسَه صادقاً فليتفقَّدْ صلاتَه التي تنهى عن الفحشاء والمنكر لأن من ضيَّعها فهو لما سواها أضيع،فهي آخرُ ما يفقدُ العبدُ من دينهِ فليسَ بعد ضياعِها والتفريطِ فيها إسلامٌ..هي أولُ ما يُسألُ عنه العبد يوم القيامة فإن قُبلت قُبل سائرُ العمل،وإن رُدّت رُدّ سائرَ العمل..وهي أولُ ما فُرضَ من الأحكام فُرضَت في أشرف مقام وأرفع مكان،ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام ثم رفعه الله إليه وقرّبه فأوحى إليه،ثم فرضَ عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.

كانت خمسين فرضاً في اليوم والليلة فأصبحت خمساً في الفعل وخمسين في الأجر نسأل الله من فضله..وهي آخر ما أوصى به النبيُّ أمتَه"الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم"ولم يُرخَّصْ في تركها لا في مرضٍ ولا خوف،ولا تسقط حتى في أشد المواقف في حالات الفزع والقتال(حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)الله أكبر رجالاً أو ركباناً،مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها تومئون إيماءً قدر الطاقة فالصلاة أمر الله بها جماعةً حتى في حال الخوف..أما المريض والمُضطر فليصلِّ قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه،وإذا عجز عن شروطها من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة صلى بلا طهارة وبلا ستر عورة وإلى غير قبلة، فالصلاة لا تسقط بحالٍ مع وجود العقل..

الصلاة إخوتي أكثر الفرائض ذكراً في القرآن،لا يقبل الله من تاركها صوماً ولا حجاً،ولا صدقةً،ولا جهاداً ولا أي عملٍ من الأعمال حتى يؤديها.هي فواتح الخير وخواتمه..يفتتح المسلم بالصلاة نهاره،ويختم بها يومه،يفتتحها بتكبير الله،ويختمها بالتسليم على عباد الله..وهي صفة للمؤمنين(قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ)ثم قال في آخر صفاتهم(وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ)وهي صلةٌ بين العبد وربه،لذةٌ ومناجاةٌ تتقاصر دونها جميع الملذات،نورٌ في الوجه والقلب،وصلاحٌ للبدن والروح،تطهر القلوب،وتُكفرُ السيئات،وتنهى عن الفحشاء والمنكر(ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَع ٱلصَّـٰبِرِينَ)جالبةٌ الرزق والبركة..(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ)نورٌ وهدايةٌ يحفظ بإذن الله عن الضلالة والغواية..ويجتمع للمصلي شرف المناجاة وشرف العبادة والمشي إليها(بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) الصلاة هي المَفْزَع إذا حزب الأمر،وهي المستراح(أرحنا بها يا بلال)

يتدبرُ المصلي في صلاته قرآنه،ويرفعُ إلى مولاه دعاءه،ويخشع لربه في مناجاته..مؤمنون مفلحون،في صلاتهم خاشعون،إذا قاموا إلى الصلاة أقبلوا على ربهم،وخفضوا أبصارهم، ونظروا في مواضع سجودهم،قد علموا أن اللهَ قِبلُ وجوههم،فهم إلى غير ربهم لا يلتفتون،وكل خير عنده،وكل أمر بيده، إذا أعطى لم يمنع عطاءه أحد،وإذا منع لم يعط بعده أحد..فاللهم إنا نسألك من فضلك وكريم عطائك وتقبل منا صلاتنا وتجعلنا من الخاشعين..

أين نحن عباد الله من حال أهل الفلاح حين يناديهم منادي الصلاة والفلاح؟!أين هؤلاء من مصلٍ لاهٍ لا يدري أخمساً صلى أم أربعاً؟تسلَّط عليه الشيطان،فأشغله بهمومه وصرف عنه تعلّقه بربه، يُحرّكُ لسانهُ بما لا يعي قلبه فهم عن صلاتهم ساهون،تحولت الصلاةُ عندَهم إلى عادة،لا يخشعون فيها ولا يفقهون حكمتَها ولا يتقنون أحكامَها وطريقتَها..وياحسرةً لمن ضَيَّع صلاته(مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ)يسمع منادي الصلاة والفلاح ثم يدبر ((فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ)..(وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ)واعلم أيُّها المقصّر بصلاته أنَّ التكاسلَ والتهاون وقلَّة الذكر صفاتُ المنافقين..(يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)قال صلى الله عليه وسلم"خمسُ صلواتٍ كتبَهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عندالله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة"رواه أحمد ومن المحافظة عليها أمرُ الأهل بها والأقربين وبخاصة الأولاد،والأخذ على يد المفرط منهم..(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا)حتى الصبي الذي لم يبلغ يؤمر بها"مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"والضرب هنا للتأديب والتعليم وليس للعنف عند التقصير..وكان سلفنا يؤتى بالرجل للمسجد يُهادَى بين الرجلين؟!قال ابن مسعود رضي الله عنه.."من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيثُ يُنادَى بهن"وقال صلى الله عليه وسلم.."من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله" "ومن صلى الفجر في جماعة فهو في عصمة الله حتى يمسي" رواه الترمذي وابن ماجه والإنسان إذا نام من الليل ضرب عليه الشيطان ثلاث عقد فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ثم إذا توضأ انحلت عقدة فإذا ما صلى الفجر في جماعة انحلت عقده كلها فأصبحَ نشيطَ النفس وإلا أصبحَ خبيثَ النفسِ كسلان..يقول صلى الله عليه وسلم(أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ،هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟قَالُوا..لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ،قَالَ..فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)أخرجه مسلم هذه الصلاة عباد الله التي عرفنا أهميتها وصلتها مع الله ولذلك فإن خير أعمالكم الصلاة،ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"وأحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها"ألا فاتقوا الله رحمكم الله وحافظوا على صلواتكم..((وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ)) نسأل الله أن يجعلنا من عباده المصلين الراكعين الساجدين..أقول ما تسمعون

الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..

عباد الله.. من الواجب على المسلم أن يعرف شروط الصلاة وواجباتها وأركانها ليحافظ عليها ومع الأسف تجد الكثير يجهلونها رغم أهميتها فلنعرفها كما جاءت عنه صلى الله عليه وسلم فشروط الصلاة تسعة..الإسلام والعقل والتمييز ورفع الحديث وإزالة النجاسة وستر العورة من السرة إلى الركبة ودخول الوقت واستقبال القبلة والنية..فمن صلى بغير وضوءٍ ناسياً أو انحرفَ كثيراً عن القبلة فيعيدها..وأركانها أربعة عشر..القيام مع القدرة في الفريضة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والرفع منه والسجود على الأعضاء السبعة وهي الوجه بما فيه الجبهة والأنف، واليدان والركبتان وأطراف القدمين والرفع من السجود والجلسة بين السجدتين والطمأنينة فيها والترتيب بين الأركان والتشهد الأخير والجلوس له والصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ثم التسليم وإذا لم يفعل أحد هذه الأركان وجب عليه إعادة الركعة ثم السجود للسهو وواجباتها ثمانية..جميع التكبيرات ما عدا الإحرام وقول سمع الله لمن حمده للإمام وقول ربنا ولك الحمد للمأموم وقول سبحان ربي العظيم في الركوع وقول سبحان ربي الأعلى في السجود وقول رب اغفرلي في الجلية بين السجدتين والتشهد الأول ولجلوس له..وهذه الواجبات إذا سقطت نسياناً فيسجد للسهو عنها..وأما سنن الصلاة كثيرة منها دعاءُ الاستفتاح ورفعُ اليدين وزيادة التسبيح والدعاء والجهر بالقراءة..ومبطلات الصلاة ثمانية..التكلم أثناءها عمداً..والضحك والأكل والشرب وانكشاف العورة والانحراف الكبير عن القبلة وكثرة الحركة والعبث وانتقاض الطهارة هذه عباد الله أحكام الصلاة الفقهية لابد للمسلم من معرفتها لضبط صلاته ونُذكّرُ هنا باتخاذ المظهر المناسب للصلاة فالبعض هداهم الله يأتون للصلاة بملابس لا تليق ولو كان في عمل أو مقابلة مسؤول لما فعل ذلك(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)كذلك السرعة في الصلاة مذمومة ومُخلّةٌ بها..الصلاةُ نورٌ عباد الله توفي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بها فلنحرص على أدائها بخشوعٍ وطمأنينة..والتوعية عنها والأمر بها دوماً وليحذر ممن يتساهلون مؤخراً بعد إقفال محلّاتهم وقت الصلاة ويدعو بعضُ المُخطئين لعدم الإقفال متجاهلين أهمية الصلاة وأنها أمرُ ربِّ العالمين وبركة في الرزق وليست سبب تعطيل هدانا الله وإياهم وتقبل الله صلواتنا وسائر عباداتنا ورفع الله قدْرَ هذه الشعيرة في قلوبنا وجميع المسلمين..

وصلى الله ..


 0  0  365

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.