الحمد لله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،وضَّح الدين وأبان الملَّة صلى عليه الله، وعلى آله الشرفاء السادة وأصحابه النبلاء،والتابعين لهم بإحسان ..أما بعد فاتقوا الله..
واعلموا أن اللهَ كتَبَ للإسلامِ خلوداً وبقاءً وحِفظاً ووِقاءً من التحريف والتبديل بأن جعله الله قائماً على أصولٍ ثابتةٍ وأركانَ مُتقَنة،ومُحكماتٍ مُشيّدة كَفَلَت له البقاء عزيزاً شامخاً ثابتاً، سالماً من التحريف رغم ما طاله من محاولاتِ تشويهٍ عبر تاريخهِ إلى عصورنا المتأخرة حيث الانفتاح العالمي في حالةٍ لم تحصلُ في تاريخِ البشرية قط مِمَّا فتحَ البابَ على مصراعيه لفتن شهواتٍ وشُبهاتٍ وتمكين لا يمكن النجاة منها إلا بعودةٍ صادقة لأصولِ دينها،وتمسّكٍ قويٍّ بمُحْكَمَاتِ الشريعة وكُليِّاتِ الإسلامِ الكُبرى التي حفظت الأمة من كل هجمات تعرضت لها عبر تاريخها..
الاعتصامُ بِمحكماتِ الشريعة وثوابتها أهمُّ اليومَ من ذِي قبل؛فالمسلمون بأمسِّ الحاجة إليها لتعلُّمها ودراستها ونشرها بين أفراد المجتمع،ويوم أن كانت مُحكماتُ الشريعة وأصولُها حاضرةً في أذهان المسلمين الأوائل سَلِمَتْ لهم عقائدُهم وأخلاقُهم وقيمُهم وعاشُوا في أمنٍ فكريٍّ وعَقَديٍّ ومُجْتَمَعِيٍّ حافَظُوا على حَوْزَةِ الدين ونقائِه وحيَويَتَّهِ من تحريفاتِ المبطلين،وتأويلاتِ المنحرفين وانتحالَ الغَالِين فلا زال الإسلامُ نقياً صافياً..ومُحْكَماتُ الشريعةِ وقواعدُ الدين ملاذٌ آمنٌ للأمة وسياجٌ منيع بعد توفيق الله وحفظه وهي مستمدةٌ من نصوصِ الوحيين، التي مَنْ تَمَسَّكَ بها فَلَن يَضِلَّ أبداً(كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)قال صلى الله عليه وآله وسلم(ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه)أخرجه أحمد وأبو داود مُحكماتٌ وأصولٌ شاملةٌ محفوظةٌ بحفظِ اللهِ لم تُنسخ ولم تبُدَّل ولا يقدرُ أحدٌ أبداً على إلغائها وتهميشها،وهي واضحةٌ بينةٌ بلا تأويلٍ أو تحريفٍ كفيلةٌ بدفعِ حُججِ أَهلِ الشُبهِ والزيغِ وتدفعُ باطلَهم وضلالَهم مهما حاولوا وتمكَّنوا وتُكسبُ غَالبَ المسلمين مناعةً وحصانةً ضدَّ الشبهات والشهوات فلا يغترُّون بها ولا ينساقون وراءها بل ينفرون من كلِّ تحريفٍ وتعطيلٍ وتشويهٍ لحقائقِ الإسلامِ وكُلِّيَاتِهِ العظيمة التي قد ينغلق فهم البعض عنها فيهملونها أو بسبب أهوائهم يعطّلونها والله أمرنا بها وأرشدنا إليها..
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)فمنهجُ الراسخين في العلم التمسُّكُ بالمُحْكَمِ والإيمانُ بالمُتشابِه والتسليمُ للنصوص الثابتة من الكتاب والسنة والحذرُ من اتباع ما تشابه منه فقال عليه الصلاة والسلام.. “إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ)متفقٌ عليه والخليفةُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى من رجلاً يَتَعَمَّدُ إثارةَ الشبهات والخلافات العلميّة ليُحدثَ الفتنةَ بين المسلمين استدعاه وقرَّرَه بفعلتهِ ثمَّ أَدَّبهُ ونفاهُ من المدينةِ وأَمر الناس أَلا يُجالسوهُ حتى يتوب لأنَّهُ يعلمُ رضي الله عنه أَثر هؤلاءِ المفسدينَ في التشويه على بعض العقول وكذلك الأخلاق والقيم كما هو التعامل مع من يُثيرُ القَلاقِل بالبلدان..
أَيُّها الأَحبة..إِنَّ مُحكماتِ الشريعةِ وثوابتَها كثيرةٌ متنوعة تشملُ كُلَّ جوانبِ الحياةِ،كوُجُوبِ عِبادةِ اللهِ وحدهُ لا شريكَ لَه،وتحريمِ الشركِ بِكُلِّ صُورِه،وأَن اللهَ واحدٌ في ذاتِه وربوبيتهِ وألوهيتهِ وأسمائِه وصفاتِه فليس كمثله شيءٌ وهو السميعُ البصير،وأنَ نصوصَ الوحيين حقٌّ مُقْدَسٌ لا تقبلُ المنازعةَ والردَّ أبداً وأنَّ الولاءَ للمؤمنينَ والبراءةَ عن الكافرين ووجوبَ جمع الكلمة والسمع والطاعة ونبذَ التنازع وغيرها من نصوص ينبغي فهمُها والعملُ بها كما فعلَ الصحابةُ رضوان الله عليهم..ليست المسألة بتجاوزِ مُنحرفٍ متشدِّد ولا بِتساهلِ فَاسقٍ مُتمرِّد..ومن المُحكمات قوله صلى الله عليه وآله وسلم..مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ،ولما سُئل عن الفِرقةِ النَاجيَّةِ قال..هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي"وهذا أصلٌ عظيمٌ يا مسلمونَ،في ردِّ كُلِّ البِدعِ والمُحدثات فما لم يكن في قوله وعمله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابتهِ الكرام فليس من دين الله في شيء..ورسول الله بَيَّنَ الحلالَ والحرامَ وتركَنا على المحجّةِ البيضاء لا يزيغُ عنها إلا الهالكون حتى الخلاف العلمي في المسائل الشرعية له ضوابطهُ وبحوثُه من تُقاةٍ وعُلماءَ وعَارفينَ وأُمناءَ على أصول الشرع وقواعده ونصوصه وليست كلأُ مباحاً لأهل الأهواء والمصالح للتحريف بها كيفما شاؤوا!!فمن أصول الدين حفظ الضرورات الخمس الدين والنفس والعقل والعرض والمال التي بها صلاح المجتمعات..وبمقابل ذلك جاءت الشريعةُ بتحريم القبائح الخمس التي دخل منها كل شر وبلاء وفساد على الأمة مذكورةٌ في قول الله(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)من ثوابت الشريعة العظيمة ما ورد من وصايا أواخر سورة الأنعام والمناهي العشر في سورة الإسراء والجمل العشر في سورة الشورى والحِكَمُ العشْرُ في سورة لقمان وأخلاقُ وآدابُ عامّة في سورة النور والأحزاب والحجرات وآياتٌ وأحاديثُ تأمرُ بالحجاب والستر والعفاف ندرأُ بها كثيراً من الفتنِ والشبهاتِ،ومن ثوابتِ الدين أن من دخلَ في الإسلام بيقينٍ فلا يخرجُ منه إلا بيقين فلا يجوزُ إِطلاقُ التكفير على مُسلم إلا بضوابطِه المُحكَمَةِ وليست أهواءً وتشدّداً والنصوصُ التي تَأْمرُ بطاعةِ ولاةِ الأَمر ترشدُ لمنا صحتهم في المعروف والصبر على جورهم وعدمِ منازعتهم الأمر وتحريم الخروج عليهم فذلك استقرارٌ للمجتمعات..وحمايةً من الفتنِ مع أمرٍ بالاجتماع والوحدة والألفة والمحبة والأخوة الإيمانية ولزوم جماعة المسلمين وعدم السعي في تفريقهم وتصنيفهم،وحذرٍ من التنازع والخلافِ المذموم من أجل مُحكماتِ الشريعة التي تدرأُ عن الأمة فتن أحزابٍ وجماعاتٍ وخصوماتٍ وتصنيفاتٍ مُحكماتُ للشريعة الإسلامية إخوتي أكثر من أن تُحصى فهي حُجةٌ على الناس(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)قال ابن مسعود -رضي الله عنه(إنها ستكون هنات وأمور مشتبهات فعليك بالتُؤَدَةِ،فَلأَنَ تكونَ تابعاً في الخير خيرٌ من أن تكونَ رأساً في الشر قال عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله سَنَّ رسولُ اللهِ وولاةُ الأمرِ من بعده سُنَنًا الأخذُ بها تصديقٌ لكتاب الله،واستكمالٌ لطاعة الله وقوةٌ على دين الله؛ فليسَ لأحدٍ تغييرُها ولا تبديلُها ولا النظرُ في شيءٍ خالفها، مَنْ عَمِلَ بها مُهتدٍ،ومن انتصرَ بها منصورٌ،ومن خالفَها اتبع غيرَ سبيل المؤمنين،وولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا)اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
مع تلاطمِ أمواجِ الفتنِ وكثرةِ الشُبهاتِ والشَهواتِ فالاجتماع على مُحكماتِ الشريعةِ والدعوةُ إليها وتربيةُ الصِغار قبلَ الكبارِ عليها،وحثُّ الناس على التَفَقُّهِ بها والاعتصام بها واجبٌ على الجميع فالأُمةُ يا عباد الله اليومَ تتعرّضُ لهجومٍ وعدوانٍ غيرَ مسبوقٍ على عقيدتها وفِكْرها ودولِها وثقافتها وهُوِيَّتِهَا،وهذه المحكماتُ والثوابتُ إذا رَسَخَت في القلوب والعقول ونشأت عليها الناشئة فإنها أعظمُ الأسباب التي تحفظُها من ضياع الهُوِيَّة وفِقْدَانِ التوجيه الصحيح والتخبُّط بين أهواء البشر ورغباتهم، وتحمي عقيدتَها وأصولَها في التلقِّي والاستدلال من عبث العابثين والمُفسدين..لحصولِ أمنٍ عقديٍّ وفكريٍّ ونفسيٍّ واجتماعيٍّ بين أفراد الأمة؛وتحقيقِ مقاصدِ البعثةِ النبوية وحِكَم التشريع وغاياته؛فالنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إِنَّما بعث بحنيفية سمحة،وشريعة مُحْكَمَة؛ليُتمِّمَ صالحَ الأخلاق ومكارمَ الآداب والمروءات، وإن هذا الدين يُسرَ ولن يشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فواجب الابتعادُ عن كل الوسائل والأساليب التي تخالف المُحْكَماتِ ولا تَصْلُح أن تكون أصلًا وكُلِّيَّةً تجتمع حولها الأمةُ،بل تثير العامةَ،وتُدْخِل اللبسَ والفتنةَ عليهم؛لأن من خصائص محكمات الشريعة أنها تَجْمَع الأمة وتقرِّب بين أفرادها،وتمنعُ من الفتنةِ والزيغِ والاختلافِ المذمومِ.
والتمسُّكُ بالمحكماتِ بتوفيق الله يُنشئ في النفوس تديناً صادقاً جاداً وولاءً وانتماءً وشخصية مسلمة تعتز بدينها وثوابتها فلا تغتروا بزُخرُفِ القول ولا بجدال منافق عليم اللسان ذي مصلحة مِمَّا كان يخشاه صلى الله عليه وآله وسلم على أمته(إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان)
أيها المسلمون..اعتصِموا بهذه المحكمات والثوابت فإنها حبل الله المتين،واجتَمِعُوا عليها وتدارسوها وعلموها أنفسَكم وأبناءَكم وأهليكم؛فإنها النجاة والعصمة والفلاح،وعليكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم التزموا بها واعملوا..وتواصوا عليها واحفظوا..واحذروا البدع والمحدثات مهما انتشرت وانتبهوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضِلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطَن،اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين،ونفِّس كربَ المكروبين،واقضِ الدَّيْن عن المَدينين، واشفِ برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين
واعلموا أن اللهَ كتَبَ للإسلامِ خلوداً وبقاءً وحِفظاً ووِقاءً من التحريف والتبديل بأن جعله الله قائماً على أصولٍ ثابتةٍ وأركانَ مُتقَنة،ومُحكماتٍ مُشيّدة كَفَلَت له البقاء عزيزاً شامخاً ثابتاً، سالماً من التحريف رغم ما طاله من محاولاتِ تشويهٍ عبر تاريخهِ إلى عصورنا المتأخرة حيث الانفتاح العالمي في حالةٍ لم تحصلُ في تاريخِ البشرية قط مِمَّا فتحَ البابَ على مصراعيه لفتن شهواتٍ وشُبهاتٍ وتمكين لا يمكن النجاة منها إلا بعودةٍ صادقة لأصولِ دينها،وتمسّكٍ قويٍّ بمُحْكَمَاتِ الشريعة وكُليِّاتِ الإسلامِ الكُبرى التي حفظت الأمة من كل هجمات تعرضت لها عبر تاريخها..
الاعتصامُ بِمحكماتِ الشريعة وثوابتها أهمُّ اليومَ من ذِي قبل؛فالمسلمون بأمسِّ الحاجة إليها لتعلُّمها ودراستها ونشرها بين أفراد المجتمع،ويوم أن كانت مُحكماتُ الشريعة وأصولُها حاضرةً في أذهان المسلمين الأوائل سَلِمَتْ لهم عقائدُهم وأخلاقُهم وقيمُهم وعاشُوا في أمنٍ فكريٍّ وعَقَديٍّ ومُجْتَمَعِيٍّ حافَظُوا على حَوْزَةِ الدين ونقائِه وحيَويَتَّهِ من تحريفاتِ المبطلين،وتأويلاتِ المنحرفين وانتحالَ الغَالِين فلا زال الإسلامُ نقياً صافياً..ومُحْكَماتُ الشريعةِ وقواعدُ الدين ملاذٌ آمنٌ للأمة وسياجٌ منيع بعد توفيق الله وحفظه وهي مستمدةٌ من نصوصِ الوحيين، التي مَنْ تَمَسَّكَ بها فَلَن يَضِلَّ أبداً(كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)قال صلى الله عليه وآله وسلم(ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه)أخرجه أحمد وأبو داود مُحكماتٌ وأصولٌ شاملةٌ محفوظةٌ بحفظِ اللهِ لم تُنسخ ولم تبُدَّل ولا يقدرُ أحدٌ أبداً على إلغائها وتهميشها،وهي واضحةٌ بينةٌ بلا تأويلٍ أو تحريفٍ كفيلةٌ بدفعِ حُججِ أَهلِ الشُبهِ والزيغِ وتدفعُ باطلَهم وضلالَهم مهما حاولوا وتمكَّنوا وتُكسبُ غَالبَ المسلمين مناعةً وحصانةً ضدَّ الشبهات والشهوات فلا يغترُّون بها ولا ينساقون وراءها بل ينفرون من كلِّ تحريفٍ وتعطيلٍ وتشويهٍ لحقائقِ الإسلامِ وكُلِّيَاتِهِ العظيمة التي قد ينغلق فهم البعض عنها فيهملونها أو بسبب أهوائهم يعطّلونها والله أمرنا بها وأرشدنا إليها..
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)فمنهجُ الراسخين في العلم التمسُّكُ بالمُحْكَمِ والإيمانُ بالمُتشابِه والتسليمُ للنصوص الثابتة من الكتاب والسنة والحذرُ من اتباع ما تشابه منه فقال عليه الصلاة والسلام.. “إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ)متفقٌ عليه والخليفةُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى من رجلاً يَتَعَمَّدُ إثارةَ الشبهات والخلافات العلميّة ليُحدثَ الفتنةَ بين المسلمين استدعاه وقرَّرَه بفعلتهِ ثمَّ أَدَّبهُ ونفاهُ من المدينةِ وأَمر الناس أَلا يُجالسوهُ حتى يتوب لأنَّهُ يعلمُ رضي الله عنه أَثر هؤلاءِ المفسدينَ في التشويه على بعض العقول وكذلك الأخلاق والقيم كما هو التعامل مع من يُثيرُ القَلاقِل بالبلدان..
أَيُّها الأَحبة..إِنَّ مُحكماتِ الشريعةِ وثوابتَها كثيرةٌ متنوعة تشملُ كُلَّ جوانبِ الحياةِ،كوُجُوبِ عِبادةِ اللهِ وحدهُ لا شريكَ لَه،وتحريمِ الشركِ بِكُلِّ صُورِه،وأَن اللهَ واحدٌ في ذاتِه وربوبيتهِ وألوهيتهِ وأسمائِه وصفاتِه فليس كمثله شيءٌ وهو السميعُ البصير،وأنَ نصوصَ الوحيين حقٌّ مُقْدَسٌ لا تقبلُ المنازعةَ والردَّ أبداً وأنَّ الولاءَ للمؤمنينَ والبراءةَ عن الكافرين ووجوبَ جمع الكلمة والسمع والطاعة ونبذَ التنازع وغيرها من نصوص ينبغي فهمُها والعملُ بها كما فعلَ الصحابةُ رضوان الله عليهم..ليست المسألة بتجاوزِ مُنحرفٍ متشدِّد ولا بِتساهلِ فَاسقٍ مُتمرِّد..ومن المُحكمات قوله صلى الله عليه وآله وسلم..مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ،ولما سُئل عن الفِرقةِ النَاجيَّةِ قال..هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي"وهذا أصلٌ عظيمٌ يا مسلمونَ،في ردِّ كُلِّ البِدعِ والمُحدثات فما لم يكن في قوله وعمله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابتهِ الكرام فليس من دين الله في شيء..ورسول الله بَيَّنَ الحلالَ والحرامَ وتركَنا على المحجّةِ البيضاء لا يزيغُ عنها إلا الهالكون حتى الخلاف العلمي في المسائل الشرعية له ضوابطهُ وبحوثُه من تُقاةٍ وعُلماءَ وعَارفينَ وأُمناءَ على أصول الشرع وقواعده ونصوصه وليست كلأُ مباحاً لأهل الأهواء والمصالح للتحريف بها كيفما شاؤوا!!فمن أصول الدين حفظ الضرورات الخمس الدين والنفس والعقل والعرض والمال التي بها صلاح المجتمعات..وبمقابل ذلك جاءت الشريعةُ بتحريم القبائح الخمس التي دخل منها كل شر وبلاء وفساد على الأمة مذكورةٌ في قول الله(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)من ثوابت الشريعة العظيمة ما ورد من وصايا أواخر سورة الأنعام والمناهي العشر في سورة الإسراء والجمل العشر في سورة الشورى والحِكَمُ العشْرُ في سورة لقمان وأخلاقُ وآدابُ عامّة في سورة النور والأحزاب والحجرات وآياتٌ وأحاديثُ تأمرُ بالحجاب والستر والعفاف ندرأُ بها كثيراً من الفتنِ والشبهاتِ،ومن ثوابتِ الدين أن من دخلَ في الإسلام بيقينٍ فلا يخرجُ منه إلا بيقين فلا يجوزُ إِطلاقُ التكفير على مُسلم إلا بضوابطِه المُحكَمَةِ وليست أهواءً وتشدّداً والنصوصُ التي تَأْمرُ بطاعةِ ولاةِ الأَمر ترشدُ لمنا صحتهم في المعروف والصبر على جورهم وعدمِ منازعتهم الأمر وتحريم الخروج عليهم فذلك استقرارٌ للمجتمعات..وحمايةً من الفتنِ مع أمرٍ بالاجتماع والوحدة والألفة والمحبة والأخوة الإيمانية ولزوم جماعة المسلمين وعدم السعي في تفريقهم وتصنيفهم،وحذرٍ من التنازع والخلافِ المذموم من أجل مُحكماتِ الشريعة التي تدرأُ عن الأمة فتن أحزابٍ وجماعاتٍ وخصوماتٍ وتصنيفاتٍ مُحكماتُ للشريعة الإسلامية إخوتي أكثر من أن تُحصى فهي حُجةٌ على الناس(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)قال ابن مسعود -رضي الله عنه(إنها ستكون هنات وأمور مشتبهات فعليك بالتُؤَدَةِ،فَلأَنَ تكونَ تابعاً في الخير خيرٌ من أن تكونَ رأساً في الشر قال عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله سَنَّ رسولُ اللهِ وولاةُ الأمرِ من بعده سُنَنًا الأخذُ بها تصديقٌ لكتاب الله،واستكمالٌ لطاعة الله وقوةٌ على دين الله؛ فليسَ لأحدٍ تغييرُها ولا تبديلُها ولا النظرُ في شيءٍ خالفها، مَنْ عَمِلَ بها مُهتدٍ،ومن انتصرَ بها منصورٌ،ومن خالفَها اتبع غيرَ سبيل المؤمنين،وولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا)اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
مع تلاطمِ أمواجِ الفتنِ وكثرةِ الشُبهاتِ والشَهواتِ فالاجتماع على مُحكماتِ الشريعةِ والدعوةُ إليها وتربيةُ الصِغار قبلَ الكبارِ عليها،وحثُّ الناس على التَفَقُّهِ بها والاعتصام بها واجبٌ على الجميع فالأُمةُ يا عباد الله اليومَ تتعرّضُ لهجومٍ وعدوانٍ غيرَ مسبوقٍ على عقيدتها وفِكْرها ودولِها وثقافتها وهُوِيَّتِهَا،وهذه المحكماتُ والثوابتُ إذا رَسَخَت في القلوب والعقول ونشأت عليها الناشئة فإنها أعظمُ الأسباب التي تحفظُها من ضياع الهُوِيَّة وفِقْدَانِ التوجيه الصحيح والتخبُّط بين أهواء البشر ورغباتهم، وتحمي عقيدتَها وأصولَها في التلقِّي والاستدلال من عبث العابثين والمُفسدين..لحصولِ أمنٍ عقديٍّ وفكريٍّ ونفسيٍّ واجتماعيٍّ بين أفراد الأمة؛وتحقيقِ مقاصدِ البعثةِ النبوية وحِكَم التشريع وغاياته؛فالنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إِنَّما بعث بحنيفية سمحة،وشريعة مُحْكَمَة؛ليُتمِّمَ صالحَ الأخلاق ومكارمَ الآداب والمروءات، وإن هذا الدين يُسرَ ولن يشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فواجب الابتعادُ عن كل الوسائل والأساليب التي تخالف المُحْكَماتِ ولا تَصْلُح أن تكون أصلًا وكُلِّيَّةً تجتمع حولها الأمةُ،بل تثير العامةَ،وتُدْخِل اللبسَ والفتنةَ عليهم؛لأن من خصائص محكمات الشريعة أنها تَجْمَع الأمة وتقرِّب بين أفرادها،وتمنعُ من الفتنةِ والزيغِ والاختلافِ المذمومِ.
والتمسُّكُ بالمحكماتِ بتوفيق الله يُنشئ في النفوس تديناً صادقاً جاداً وولاءً وانتماءً وشخصية مسلمة تعتز بدينها وثوابتها فلا تغتروا بزُخرُفِ القول ولا بجدال منافق عليم اللسان ذي مصلحة مِمَّا كان يخشاه صلى الله عليه وآله وسلم على أمته(إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان)
أيها المسلمون..اعتصِموا بهذه المحكمات والثوابت فإنها حبل الله المتين،واجتَمِعُوا عليها وتدارسوها وعلموها أنفسَكم وأبناءَكم وأهليكم؛فإنها النجاة والعصمة والفلاح،وعليكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم التزموا بها واعملوا..وتواصوا عليها واحفظوا..واحذروا البدع والمحدثات مهما انتشرت وانتبهوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضِلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطَن،اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين،ونفِّس كربَ المكروبين،واقضِ الدَّيْن عن المَدينين، واشفِ برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين