الحمد للهِ الواحِدُ المعبودُ،وَأَشهدُ أَلا إِلهَ إِلا الله وَ حدّهُ لا شَريكَ لَهُ عَمَّ بِحَكمَتِهِ الوُجُود،وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَداً عَبدُهُ وَرَسُوله صَاحِبُ المقامِ المحمُودِ،صَلى الله وَسَلَم عَليهِ وَعَلى آلهِ وَأَصحَابِهِ الرُّكَعِ السُجُودِ،وَالتَابِعينَ وَ مَن تَبِعَهُم بِإِحسانٍ إِلى اليومِ الموعُودِ أَمَا بَعد.. فاتقوا الله عباد الله..
الحديثُ عَن السِيرِ عبرةٌ للبشر وشواهدُ التاريخ ماثلةٌ للعيان واليوم نحن مع سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم..(لَقد كَانَ فِيمَن كَان قَبلَكُم مِن الأُمَمِ نَاسٌ مُحدَّثٌونُ يُكلَّمون مِن غَيرِ أَن يَكُونُوا أَنبياءَ،فَإِنْ يَكٌ فِي أُمَتي أَحدٌ فَإِنَّهُ عُمر)رَوَاهُ البُخَارّي..وسِيرةُ عُمَرٍ رضي الله عنه يُغني عَن التعَلِّيقِ عَليهَا سَردُهَا ففيها عِبرةُ لِمَن أَرَادَ العَدلَ وَ الخَيرَ لأُمَتِهِ..قَالَ صلى الله عليه وسلم..(أَبُو بَكرٍ وَعُمَرْ مِن هَذا الدِّينِ كَمَنزِلَةِ السَمعِ وَالبَصَرِ مِن الرأَسِ)وَقَالَ عليه الصلاة والسلام..(اِقتَدُوا بِالذيْنِ مِن بَعدي..أَبِي بَكرٍ وَعُمَر)وعُمَرُ بن الخطَابِ دعا صلى الله عليه وسلم أَنَ يُعِزَّ اَللهُ بِهِ الإسلام فاستجاب اَللهُ دُعَاءَهُ يَقُولُ اِبن مَسعُودٍ..(كَانَ إِسلامُهُ فتحاً وهجرته نَصرًا،وَكانت إِمارَتُهُ رحمة وما كُنَّا نُصلِّي عِندَ الكَعبَةِ حَتى أَسلَمَ عُمَر) فَارُوقٌ بَينَ الحقِ وَالبَاطِل..قال صلى الله عليه وسلم لِعُمَرٍ..(وَالذي نَفسي بيده مالقيك اَلشيطَانُ قَطْ سَالِكًا فَجَاً إِلا سَلَكَ فَجًا غَيره)متفق عليه..ورَأَى عليه الصلاة والسلام مَنزِلَهُ فِي الجنَّةِ وَ وَصَفَهُ بِالدينِ وَالعِلمِ وَ بَشَّرهُ بِالجنَّةِ.
فمن يُباري أبا حفصٍ وسـيرتَه أو من يحاولُ للفـاروقِ تشبيهًـا
برع بِالخِلافَةِ وَ السِيَاسَةِ ساعياً للإصلاح والتجديد فهو أَولُ مَن سُمِّيَ بِأَمِيرِ المؤُمِنينَ وَهُوَ أَولُ مَن وضع التَارِيخ الهجري بدأه من الهجرة النبويِّة،وهذا التاريخ الهجري ينبغي أن نعتزَّ به ونُحافظَ عليه فهو هُويتُنا(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) فاستبدالُه لأتفه الأسباب وبلا حاجة جنايةٌ..وعمرُ بن الخطاب أَوَلُ مَن جَمَعَ القُرآن فِي المصحف وأَوَّلُ مَن جَمَعَ النَّاسَ لقِيامِ شَهرِ رَمَضَان..وَهُوَ أَولُ مَن ضَربَ فِي الخمرِ ثمانين، وأول مَن عَسَّ فِي عَمَلهِ بِالمدينةِ،فَتَحَ الفتوح بالعراق وأذربيجان وَفَارِسَ وَالشَامِ وَمِصرَ،هُوَ أَولُ مَن وَضَعَ الخراجَ عَلى الأَرضِ وَالجِزيَّةِ عَلى جَمَاجِمِ أَهلِّ الذِّمَةِ،وَأَوَلُ مَن مَصّر الأَمصَارَ..الكُوفَةَ وَالبَصرة وَالموصِل،وَأَنزَلَهَا العرب واستقضى القُضَاةَ فيها و جعلها مدناً..وَأَوَلُ مَن دَوَّنَ الدواوين وكتب لِلنَّاسِ عَلى قَبَائِلِهِم،وَهُوَ مَن أَخرجَ اليَهُودَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ وَ فَتَحَ بَيتَ المقدِسِ،وَوَسَّعَ مَسجِدَ رَسُولِ اَللهِ صلى الله عليه وسلم وَفَرَشَهُ بِالحصَى تَولى عُمَرُ الخِلافَةَ بعد الصِديقِ رضي الله عنهما، فَقَوِيَ سُلطَانُ الإِسلامِ،وَاِنتَشَرَ حَتى قِيلَ..إِنَّ الفُتُوحَاتِ بَلغت فِي عَهَدِهِ أَلفاً وَسِتًا وَثَلاثِينَ مَدينَةٍ مَعَ سوادها بني فِيهَا أَربَعَةَ آلافِ مَسجد،وكان رضي الله عنه مع سعة خلافته مُهتمّاً برعيته قائمًا فيهم خير قيام.مُحقِّقاً مبدأَ الولاءِ للمؤمنينَ والبراءة من الكافرين وعدم الاستعانةِ بالمشركين ويحثُّ ولاته على ذلك..وكان يستمع للناصحين..يخطب في الناس فيُقرِّرُ أمراً فتعترض عليه امرأة فيأخذ برأيها ويعارضه سلمان الفارسي في أمرٍ صواب فيستجيبَ له..ويقول لمن نصحه..اتق الله واعدل!!لا خير فيكم إن لم تقولوها،ولا خير فينا إن لم نسمعها..وسار في الناس سيرةً عُمريَّة ما سمع الناس بمثلها.كان عمر يأخذ الدنيا في يوم، ويسلمها للفقراء بالغد. يُقبلُ الليل وتهدأُ العيون وينام الناس فيأخذُ عمرُ دُرَّته ويجوبُ بها سِكَكَ المدينةِ علَّه يجدُ ضعيفاً يساعدُه أو فقيراً يمنحه..أو مُجرمًا يؤدِّبُه.وفي يومٍ شديدِ الحر،يراه الأحنف يطلي بعيراً من إبلِ الصدقةِ عن الجرَب فقال لم يا أمير المؤمنين؟!فقال لأن فيه حقُّ اليتيمِ والأرملةِ والمسكينِ،وَمَن ولي أَمر المسلمينَ يَجِبُ عَليهِ لهم النصيحةُ وأداءُ الأمانة.
كان راتبُه مقابلَ الخلافةَ درهمين باليَوم له ولعياله مَرِضَ مرةً فَذُكر له العسل علاجاً،وكان في بيتِ المال عسلاً فخطبَ بالناس وقال.. إن أذنتم لي فيها أخذتُها، وإلا فهي علىّ حرام، فأذِنُوا له..
ويدخلُ عامُ الرمادةِ، فيقضي على الأخضر واليابس، ويموتُ الناسُ جُوعًا، فيحلفُ عمر أن لا يأكل حتى يرفعُ اللهُ الضائقةَ! وضرب لنفسِهِ خَيمةً مع المسلمين ليباشرَ بنفسهِ توزيعَ الطعَامِ عَليهم قَالَ أَسلم..كُنا نقول..لو لم يرفع الله سبحانهَ وتعالى الضائقةَ عامَ الرمادةِ لظننَّا أن عمرَ يَموتُ همًا بأمرها..
اشتكى رجلٌ من مصر ابنَ عمرو بن العاص بعد أن ضربَه لأنَّهُ سبقه قائلاً له..خذها وأنا ابنُ الأكرمين فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن استدعى عمرواً وابنه وقال للرجل.. خُذِ الدرّةَ فاضرب ابنَ الأكرمين، فلما انتهى قال.. خذِ الدَّرةَ واضربْ بها عمروًا، فوالله ما ضربَك إِلا بفضل سلطانهِ،فقال الرجل.. يا أميرَ المؤمنين،قد استوفيتُ حقِّي وضربتُ من ضربني، ثم قال لعمرو، متى استعبدتُم الناسَ وقد ولدتْهُم أمهاتُهم أَحرارًا؟!مؤكدًا رضي الله عنه على إعطاءِ الناسِ حُقوقهم بالعدل وَإِقَامَةِ حدودِ اللهِ فيهم ويكتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري..أما بعد، فإن أسعدَ الرعاةِ من سَعِدَت به رعيتُه،وَإن أشقاهم عندَ الله من شقيت به رعِّيتهُ،وإياكَ أن ترتعَ فيرتعُ عمّالُكُ..ويكتبُ إلى عتبةَ بن فرقد والي أذربيجان، فقال له.. إن ما تأخذَهُ من بيتِ مالِ المسلمين ليسَ من كدِّ أبيك ولا من كدِّ أُمك..فأشبعِ المسلمين في رحالهِم مما تشبعُ منه في رْحلِك، وإياكَ والتنعَّمَ وزيَّ أهلِ الشركِ ولباسِ الحريرِ..وكان إِذا أَرادَ مَنعَ النَاسِ عَن شيء جمعَ أهله وأقاربَه وقال لهم.. إني نهيتُ الناسَ عن كذا وكذا ولا أجدُ أحدًا منكم فعلَ ما نهيتُ عنه إلا أضعفتُ عليه العقوبة.
يخرج مرةً إلى السوقِ فيرى إبلاً سمانًا فيسألُ عنها فيقولون.. إبلُ عبدِ الله بن عُمر،فيسأله عنها فقال..إنها إبلٌ هزيلة اشتريتُها بمالي وبعثتُ بها إلى الحِمى لأرعاها، فقال له عمر..ويقول الناس حين يروْنها..ارعوا إبلَ ابنِ أمير المؤمنين واسقوها، وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك..يا عبد الله خذ رأس مالك الذي دفعته فيها، واجعل الربحَ في بيت مال المسلمين.هذا عدلُ عمر!!يأتيه الهرمزان مستشار كسرى لابسًا زينته إلى المدينة فيسألُ.. أينَ قصرُ الخليفة؟ قالوا.. ليس له قصر،فذهبوا فأروه بيتًا من طين للخليفة فطرقَ بابَه فيخرجُ ولده فسأله عنه فقال.. التمسوه في المسجد أو في ضاحية من ضواحي المدينة، فذهبوا إلى المسجد فلم يجدوه، ثمَّ وجدوه نائمًا تحت شجرة، وقدْ وضعَ درَّته بجانبه، وعليه ثوبه المرقع وقد توسَّد ذراعه فتعجَّبَ وقال.. حكمْتَ فعدَلتَ فأمِنْتَ فنِمتَ..وكان رضي الله عنه من إحساسه بالمسؤوليةِ في خلافته يقول..و الله لو عثرت بغلةٌ في العراق لسألني الله عنها لمَ لمْ أسوِّ لها الطريق.خرج ذاتَ ليلةٍ إلى الحَرّة، ومعه مولاه أسلم،فإذا نار،فقال إن هؤلاءِ ركباً قَصُرَ بهم الليل والبرد،فلما وصلَ إذْ بامرأةٍ معها صبيان، يتضاغون من الجوع، قد نَصَبت لهم قدرَ ماءٍ على النار تُسكتُهم به ليناموا،فطلبَ الإذنَ ثم سألَ عنها و عن الصبيةِ فقالت..يتضاغون من الجوع، قال فأيُّ شيء في هذا القدر؟ قالت..ماءٌ أُسكتُهم به،أوهمهُم أني أصنعُ طعاماً لينامُوا،والله بيننَا وبينَ عمر وهي لا تعرفُه،فقال.. يرّحَمُكِ الله وما يُدري عمرَ بكم،قالت..أيتولَّى أمْرنا ويغفلُ عنَّا،فبكى عمر رضي الله عنه،ورجعَ مُهْرولاً مهموماً ،فأتى بعِدْلٍ من دقيقٍ وجراب من شحم،وقال لأسلم.. احملْهُ على ظهري، قال..أنا أحملُه عنك يا أمير المؤمنين،فقال.. ثكلَتك أُمُّك أنت تحملُ عني وزري يومَ القيامةِ فَحمله حتى أَتى المرأةَ، فجعل يُصلح الطعامَ لها،وجعل ينفخُ تحتَ القدرِ والدخانُ يتخلَّل من لحيتهِ وهو يغرفُ لهم، حتى نَضِجَ الطعام، فأنزلَ القدَر وأفرغَ منه في صحفةٍ لها، فأكل الصبيةُ حتى شبعوا، فقالت المرأة..جزاك الله خيراً أنت أولى بهذا الأمر من عُمر،فقال لها..قولي خيرا..فما ذهب حتى شبِعوا فَنامُوا..ويصحبُ عبدَالرحمن بنَ عوف ذاتَ ليلةٍ في المدينةِ فيسمعونَ صَوتَ بُكاءِ صَبيٍّ وصراخَه فيسرعُ نحوَه فإذا هو بجوارِ والدته فقال لها..اتق الله وأحسني إلى صبيِّك ثم تركهم واستمرَّ الطفلُ يبكي،فرجعَ لها وقال..ويحك إنك لأمَّ سوءٍ ما لصبيِّك فقالت..-وهي لا تعرفه -يا عبدَ الله قد أضجرني فإني أحملُه على الفطام فيأبى،فسألها عمر ولم تحمليه على الفطام؟!قالت..لأن عمر لايفرضُ العطاءَ إلا للفطيم وعمُره بضعةَ أشهر فقال..ويَحكِ لاتعجليه يقولُ عبدُ الرحمن..فَصلَّى بنا الفجر يومئذ وما يستبينُ الناسُ قراءتَه من غلبةِ البكاء ،فلما سلَّم قال..(يا بؤساً لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين؟! ثم أمر منادياً يُنادي في المدينة(لا تُعجِلوا صِبيانَكم على الفِطام فإنا نفرض من بيت المال لكل مولود)ثم كتب بذلك إلى الأمصار..
أيها الأحبة ..هذه نبذة يسيرة عن سيرة الفاروق عمر المُجدِّدُ بالخلافة العارفُ بمسؤليَّتها..نسأل الله أن يرزقنا العدل والإنصاف في جميع أمورنا ويجنبنا الظلم والعدوان،و ينصر المستضعفين والمظلومين في البلدان،ويديم علينا وعلى المسلمين ،نعمة الأمن والإيمان، ويبعد عنا الفتن و الطغيان ..أقول قولي ....
الخطبة الثانية .الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده أما بعد فاتقوا الله عباد الله
أيها المسلمون.. مع هذه السيرة العظيمة فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، قُتل شهيداً آخرَ شهر ذي الحجة من السنة الثالثة و العشرين من الهجرة،خرج لصلاة الصبح،ليَؤمَّ الناسَ فما أن كبَّر طعنه غلامٌ مجوسي يقال له أبو لؤلؤة ، فتناول عمر رضي الله عنه يد عبد الرحمن بن عوف،فقدمه في الصلاة و توفي رضي الله عنه بعد ثلاثة أيام ،هذا عمر الذي أكمل فتح بلاد الفرس فتوارث الرافضة بغضه بل يضعون لأبي لؤلؤة المجوسي مقاماً يعظِّمُونه فيه لأنه قتله. نسأل الله أن يهديهم و يكفينا شرهم..رضي الله عن عمر وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا، لقد كان من خيرة الصحابة، الذين قال الله تعالى فيهم.. (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم))..اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين واجمعنا بهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..ووفق ولاةَ أمور المسلمين ،و ارزقهم العدل و النصح و الإصلاح..واجمع كلمتنا على الحق والدين يارب العالمين و صلى الله و سلم.......
الحديثُ عَن السِيرِ عبرةٌ للبشر وشواهدُ التاريخ ماثلةٌ للعيان واليوم نحن مع سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم..(لَقد كَانَ فِيمَن كَان قَبلَكُم مِن الأُمَمِ نَاسٌ مُحدَّثٌونُ يُكلَّمون مِن غَيرِ أَن يَكُونُوا أَنبياءَ،فَإِنْ يَكٌ فِي أُمَتي أَحدٌ فَإِنَّهُ عُمر)رَوَاهُ البُخَارّي..وسِيرةُ عُمَرٍ رضي الله عنه يُغني عَن التعَلِّيقِ عَليهَا سَردُهَا ففيها عِبرةُ لِمَن أَرَادَ العَدلَ وَ الخَيرَ لأُمَتِهِ..قَالَ صلى الله عليه وسلم..(أَبُو بَكرٍ وَعُمَرْ مِن هَذا الدِّينِ كَمَنزِلَةِ السَمعِ وَالبَصَرِ مِن الرأَسِ)وَقَالَ عليه الصلاة والسلام..(اِقتَدُوا بِالذيْنِ مِن بَعدي..أَبِي بَكرٍ وَعُمَر)وعُمَرُ بن الخطَابِ دعا صلى الله عليه وسلم أَنَ يُعِزَّ اَللهُ بِهِ الإسلام فاستجاب اَللهُ دُعَاءَهُ يَقُولُ اِبن مَسعُودٍ..(كَانَ إِسلامُهُ فتحاً وهجرته نَصرًا،وَكانت إِمارَتُهُ رحمة وما كُنَّا نُصلِّي عِندَ الكَعبَةِ حَتى أَسلَمَ عُمَر) فَارُوقٌ بَينَ الحقِ وَالبَاطِل..قال صلى الله عليه وسلم لِعُمَرٍ..(وَالذي نَفسي بيده مالقيك اَلشيطَانُ قَطْ سَالِكًا فَجَاً إِلا سَلَكَ فَجًا غَيره)متفق عليه..ورَأَى عليه الصلاة والسلام مَنزِلَهُ فِي الجنَّةِ وَ وَصَفَهُ بِالدينِ وَالعِلمِ وَ بَشَّرهُ بِالجنَّةِ.
فمن يُباري أبا حفصٍ وسـيرتَه أو من يحاولُ للفـاروقِ تشبيهًـا
برع بِالخِلافَةِ وَ السِيَاسَةِ ساعياً للإصلاح والتجديد فهو أَولُ مَن سُمِّيَ بِأَمِيرِ المؤُمِنينَ وَهُوَ أَولُ مَن وضع التَارِيخ الهجري بدأه من الهجرة النبويِّة،وهذا التاريخ الهجري ينبغي أن نعتزَّ به ونُحافظَ عليه فهو هُويتُنا(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) فاستبدالُه لأتفه الأسباب وبلا حاجة جنايةٌ..وعمرُ بن الخطاب أَوَلُ مَن جَمَعَ القُرآن فِي المصحف وأَوَّلُ مَن جَمَعَ النَّاسَ لقِيامِ شَهرِ رَمَضَان..وَهُوَ أَولُ مَن ضَربَ فِي الخمرِ ثمانين، وأول مَن عَسَّ فِي عَمَلهِ بِالمدينةِ،فَتَحَ الفتوح بالعراق وأذربيجان وَفَارِسَ وَالشَامِ وَمِصرَ،هُوَ أَولُ مَن وَضَعَ الخراجَ عَلى الأَرضِ وَالجِزيَّةِ عَلى جَمَاجِمِ أَهلِّ الذِّمَةِ،وَأَوَلُ مَن مَصّر الأَمصَارَ..الكُوفَةَ وَالبَصرة وَالموصِل،وَأَنزَلَهَا العرب واستقضى القُضَاةَ فيها و جعلها مدناً..وَأَوَلُ مَن دَوَّنَ الدواوين وكتب لِلنَّاسِ عَلى قَبَائِلِهِم،وَهُوَ مَن أَخرجَ اليَهُودَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ وَ فَتَحَ بَيتَ المقدِسِ،وَوَسَّعَ مَسجِدَ رَسُولِ اَللهِ صلى الله عليه وسلم وَفَرَشَهُ بِالحصَى تَولى عُمَرُ الخِلافَةَ بعد الصِديقِ رضي الله عنهما، فَقَوِيَ سُلطَانُ الإِسلامِ،وَاِنتَشَرَ حَتى قِيلَ..إِنَّ الفُتُوحَاتِ بَلغت فِي عَهَدِهِ أَلفاً وَسِتًا وَثَلاثِينَ مَدينَةٍ مَعَ سوادها بني فِيهَا أَربَعَةَ آلافِ مَسجد،وكان رضي الله عنه مع سعة خلافته مُهتمّاً برعيته قائمًا فيهم خير قيام.مُحقِّقاً مبدأَ الولاءِ للمؤمنينَ والبراءة من الكافرين وعدم الاستعانةِ بالمشركين ويحثُّ ولاته على ذلك..وكان يستمع للناصحين..يخطب في الناس فيُقرِّرُ أمراً فتعترض عليه امرأة فيأخذ برأيها ويعارضه سلمان الفارسي في أمرٍ صواب فيستجيبَ له..ويقول لمن نصحه..اتق الله واعدل!!لا خير فيكم إن لم تقولوها،ولا خير فينا إن لم نسمعها..وسار في الناس سيرةً عُمريَّة ما سمع الناس بمثلها.كان عمر يأخذ الدنيا في يوم، ويسلمها للفقراء بالغد. يُقبلُ الليل وتهدأُ العيون وينام الناس فيأخذُ عمرُ دُرَّته ويجوبُ بها سِكَكَ المدينةِ علَّه يجدُ ضعيفاً يساعدُه أو فقيراً يمنحه..أو مُجرمًا يؤدِّبُه.وفي يومٍ شديدِ الحر،يراه الأحنف يطلي بعيراً من إبلِ الصدقةِ عن الجرَب فقال لم يا أمير المؤمنين؟!فقال لأن فيه حقُّ اليتيمِ والأرملةِ والمسكينِ،وَمَن ولي أَمر المسلمينَ يَجِبُ عَليهِ لهم النصيحةُ وأداءُ الأمانة.
كان راتبُه مقابلَ الخلافةَ درهمين باليَوم له ولعياله مَرِضَ مرةً فَذُكر له العسل علاجاً،وكان في بيتِ المال عسلاً فخطبَ بالناس وقال.. إن أذنتم لي فيها أخذتُها، وإلا فهي علىّ حرام، فأذِنُوا له..
ويدخلُ عامُ الرمادةِ، فيقضي على الأخضر واليابس، ويموتُ الناسُ جُوعًا، فيحلفُ عمر أن لا يأكل حتى يرفعُ اللهُ الضائقةَ! وضرب لنفسِهِ خَيمةً مع المسلمين ليباشرَ بنفسهِ توزيعَ الطعَامِ عَليهم قَالَ أَسلم..كُنا نقول..لو لم يرفع الله سبحانهَ وتعالى الضائقةَ عامَ الرمادةِ لظننَّا أن عمرَ يَموتُ همًا بأمرها..
اشتكى رجلٌ من مصر ابنَ عمرو بن العاص بعد أن ضربَه لأنَّهُ سبقه قائلاً له..خذها وأنا ابنُ الأكرمين فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن استدعى عمرواً وابنه وقال للرجل.. خُذِ الدرّةَ فاضرب ابنَ الأكرمين، فلما انتهى قال.. خذِ الدَّرةَ واضربْ بها عمروًا، فوالله ما ضربَك إِلا بفضل سلطانهِ،فقال الرجل.. يا أميرَ المؤمنين،قد استوفيتُ حقِّي وضربتُ من ضربني، ثم قال لعمرو، متى استعبدتُم الناسَ وقد ولدتْهُم أمهاتُهم أَحرارًا؟!مؤكدًا رضي الله عنه على إعطاءِ الناسِ حُقوقهم بالعدل وَإِقَامَةِ حدودِ اللهِ فيهم ويكتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري..أما بعد، فإن أسعدَ الرعاةِ من سَعِدَت به رعيتُه،وَإن أشقاهم عندَ الله من شقيت به رعِّيتهُ،وإياكَ أن ترتعَ فيرتعُ عمّالُكُ..ويكتبُ إلى عتبةَ بن فرقد والي أذربيجان، فقال له.. إن ما تأخذَهُ من بيتِ مالِ المسلمين ليسَ من كدِّ أبيك ولا من كدِّ أُمك..فأشبعِ المسلمين في رحالهِم مما تشبعُ منه في رْحلِك، وإياكَ والتنعَّمَ وزيَّ أهلِ الشركِ ولباسِ الحريرِ..وكان إِذا أَرادَ مَنعَ النَاسِ عَن شيء جمعَ أهله وأقاربَه وقال لهم.. إني نهيتُ الناسَ عن كذا وكذا ولا أجدُ أحدًا منكم فعلَ ما نهيتُ عنه إلا أضعفتُ عليه العقوبة.
يخرج مرةً إلى السوقِ فيرى إبلاً سمانًا فيسألُ عنها فيقولون.. إبلُ عبدِ الله بن عُمر،فيسأله عنها فقال..إنها إبلٌ هزيلة اشتريتُها بمالي وبعثتُ بها إلى الحِمى لأرعاها، فقال له عمر..ويقول الناس حين يروْنها..ارعوا إبلَ ابنِ أمير المؤمنين واسقوها، وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك..يا عبد الله خذ رأس مالك الذي دفعته فيها، واجعل الربحَ في بيت مال المسلمين.هذا عدلُ عمر!!يأتيه الهرمزان مستشار كسرى لابسًا زينته إلى المدينة فيسألُ.. أينَ قصرُ الخليفة؟ قالوا.. ليس له قصر،فذهبوا فأروه بيتًا من طين للخليفة فطرقَ بابَه فيخرجُ ولده فسأله عنه فقال.. التمسوه في المسجد أو في ضاحية من ضواحي المدينة، فذهبوا إلى المسجد فلم يجدوه، ثمَّ وجدوه نائمًا تحت شجرة، وقدْ وضعَ درَّته بجانبه، وعليه ثوبه المرقع وقد توسَّد ذراعه فتعجَّبَ وقال.. حكمْتَ فعدَلتَ فأمِنْتَ فنِمتَ..وكان رضي الله عنه من إحساسه بالمسؤوليةِ في خلافته يقول..و الله لو عثرت بغلةٌ في العراق لسألني الله عنها لمَ لمْ أسوِّ لها الطريق.خرج ذاتَ ليلةٍ إلى الحَرّة، ومعه مولاه أسلم،فإذا نار،فقال إن هؤلاءِ ركباً قَصُرَ بهم الليل والبرد،فلما وصلَ إذْ بامرأةٍ معها صبيان، يتضاغون من الجوع، قد نَصَبت لهم قدرَ ماءٍ على النار تُسكتُهم به ليناموا،فطلبَ الإذنَ ثم سألَ عنها و عن الصبيةِ فقالت..يتضاغون من الجوع، قال فأيُّ شيء في هذا القدر؟ قالت..ماءٌ أُسكتُهم به،أوهمهُم أني أصنعُ طعاماً لينامُوا،والله بيننَا وبينَ عمر وهي لا تعرفُه،فقال.. يرّحَمُكِ الله وما يُدري عمرَ بكم،قالت..أيتولَّى أمْرنا ويغفلُ عنَّا،فبكى عمر رضي الله عنه،ورجعَ مُهْرولاً مهموماً ،فأتى بعِدْلٍ من دقيقٍ وجراب من شحم،وقال لأسلم.. احملْهُ على ظهري، قال..أنا أحملُه عنك يا أمير المؤمنين،فقال.. ثكلَتك أُمُّك أنت تحملُ عني وزري يومَ القيامةِ فَحمله حتى أَتى المرأةَ، فجعل يُصلح الطعامَ لها،وجعل ينفخُ تحتَ القدرِ والدخانُ يتخلَّل من لحيتهِ وهو يغرفُ لهم، حتى نَضِجَ الطعام، فأنزلَ القدَر وأفرغَ منه في صحفةٍ لها، فأكل الصبيةُ حتى شبعوا، فقالت المرأة..جزاك الله خيراً أنت أولى بهذا الأمر من عُمر،فقال لها..قولي خيرا..فما ذهب حتى شبِعوا فَنامُوا..ويصحبُ عبدَالرحمن بنَ عوف ذاتَ ليلةٍ في المدينةِ فيسمعونَ صَوتَ بُكاءِ صَبيٍّ وصراخَه فيسرعُ نحوَه فإذا هو بجوارِ والدته فقال لها..اتق الله وأحسني إلى صبيِّك ثم تركهم واستمرَّ الطفلُ يبكي،فرجعَ لها وقال..ويحك إنك لأمَّ سوءٍ ما لصبيِّك فقالت..-وهي لا تعرفه -يا عبدَ الله قد أضجرني فإني أحملُه على الفطام فيأبى،فسألها عمر ولم تحمليه على الفطام؟!قالت..لأن عمر لايفرضُ العطاءَ إلا للفطيم وعمُره بضعةَ أشهر فقال..ويَحكِ لاتعجليه يقولُ عبدُ الرحمن..فَصلَّى بنا الفجر يومئذ وما يستبينُ الناسُ قراءتَه من غلبةِ البكاء ،فلما سلَّم قال..(يا بؤساً لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين؟! ثم أمر منادياً يُنادي في المدينة(لا تُعجِلوا صِبيانَكم على الفِطام فإنا نفرض من بيت المال لكل مولود)ثم كتب بذلك إلى الأمصار..
أيها الأحبة ..هذه نبذة يسيرة عن سيرة الفاروق عمر المُجدِّدُ بالخلافة العارفُ بمسؤليَّتها..نسأل الله أن يرزقنا العدل والإنصاف في جميع أمورنا ويجنبنا الظلم والعدوان،و ينصر المستضعفين والمظلومين في البلدان،ويديم علينا وعلى المسلمين ،نعمة الأمن والإيمان، ويبعد عنا الفتن و الطغيان ..أقول قولي ....
الخطبة الثانية .الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده أما بعد فاتقوا الله عباد الله
أيها المسلمون.. مع هذه السيرة العظيمة فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، قُتل شهيداً آخرَ شهر ذي الحجة من السنة الثالثة و العشرين من الهجرة،خرج لصلاة الصبح،ليَؤمَّ الناسَ فما أن كبَّر طعنه غلامٌ مجوسي يقال له أبو لؤلؤة ، فتناول عمر رضي الله عنه يد عبد الرحمن بن عوف،فقدمه في الصلاة و توفي رضي الله عنه بعد ثلاثة أيام ،هذا عمر الذي أكمل فتح بلاد الفرس فتوارث الرافضة بغضه بل يضعون لأبي لؤلؤة المجوسي مقاماً يعظِّمُونه فيه لأنه قتله. نسأل الله أن يهديهم و يكفينا شرهم..رضي الله عن عمر وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا، لقد كان من خيرة الصحابة، الذين قال الله تعالى فيهم.. (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم))..اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين واجمعنا بهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..ووفق ولاةَ أمور المسلمين ،و ارزقهم العدل و النصح و الإصلاح..واجمع كلمتنا على الحق والدين يارب العالمين و صلى الله و سلم.......