الحمد لله ذِي الفضلِ والإنعام،وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِك العلاّم،وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسولُه سيّدُ الأنام،اللهمَّ صلِّى وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبتِ الليالي والأيام. أما بعد..فاتقوا الله عباد الله..
الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر،لا إله إلا الله والله أكبر،الله أكبر ولله الحمد،هذا يَومُ النَّحرِ يَومُ الوِفَادَةِ والزيارة يومُ الحَجِّ الأَكَبرِ فِيهِ أَكثَرُ أَعمَالِ الحَجِّ،وَفِيهِ تقَرُّبُ سَائِرُ أَهلِ الأَمصَارِ إِلى اللهِ بِالصَّلاةِ وَالنَّحرِ والذكر.. يومٌ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ،قال عليه الصلاةُ والسلامُ..(يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ،وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ)أخرجه أحمد.بعض العلماء يراه أفضلَ الأيام لما اجتمع فيه مِنْ أعمال..
عباد الله..وُلد الطفل اسماعيل لإبراهيم عليه السلام بعد كبر،واجتاز مرحلة الطفولة،وأضحى غلامًا(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)لمرحلة الشباب،رأى إبراهيم مناماً عجيباً مُحيّراً وهو مؤمن برّبِه يعلمُ أَنَّه اِمتحانٌ إِلهيٌّ له؛رأى بالمنامِ أنَّ الله يأمرهُ بذبحِ اِبنهِ الوحيد الذي جاءَه بعد كِبَر،وهو يعلم أنَّ رُؤيَا الأَنبياءِ حَقٌ،وليسَ مِن وساوس الشياطين،سيّما وقد تكرَّرَتْ رؤياه هذهِ مرتين ليلتين تأكيداً..وكان بِإِمكانِه أن يذهبَ إِلى إِسماعيلَ عَليهِ السَلام وَهو نائمٌ فيذبحه تنفيذًا لأمر الله وينتهي الأمر،فذهب إليه فأخبره(يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)،لكنّه إسماعيل منذ صغره أخذ الصبرَ والثباتَ والإيمانَ من مدرسة والده العظيمة،رَحَّبَ بالأمر الإلهي والتوجيه الأبوي بصدرٍ واسع وطيبةِ نفسٍ،وبصراحةٍ واضحةٍ،ولم يطلب الدليل ولا إثباتاً قال(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)إِنَّهُ الابنُ البار،سَمعاً وطَاعةً،ولو على روحه وحياته،وانظروا ياشباب لحالنا في هذه الأيام،كم نسمع عن أولادٍ عاقين بآبائهم مؤذين لهم لا يستجيبون لهم بل يتجاوز بعضهم ليَضْرب أباه أو يسبُّه،ويتهددْ ويتوعد ويثور ويغضب ولا يُعجبه شيءٌ على الإطلاق في بيت والديه؟!وغير ذلك من عقوقٍ موجود ما كُنَا نَعرفهُ عِياذاً بالله..فكيف يا أولادنا ترجون الجَنَّة والنجاةَ من العقابِ وهكذا تعاملكم مع والديكم؟! إسماعيلُ عليه السلام يُنفِّذُ أَمرَ الربِّ والأبِّ ولو على رُوحه،وبعضُ أولاد اليوم يُخالفون تعاليم دينَهم ويعصون والديهم في أشياء صغيرة لا تَضرُّهم ولا تُشغلهم،وإنما هي برٌ خيرٌ وأجرٌ لهم لو فعلوُها تقول لولدك..صَلّ..قُم بواجبات دينك،فيُعاندُ بعضُهم،وينامُ ملئَ جفونه عن العبادة وكأن الصلاةَ شيءٌ غريب عنه!تقول له..ذاكر واجتهد،لتنجح وتعمل فيلوي لك عنقَه وينفعل وكأن المصلحة لك تحثُّه على العمل وجلب الرزق فيتكاسل..تحبُّ مرافقتَه فيتحاشَا ذلك بل يَمَلُّ ويستعيب!!تحميه من شرور فساد الأخلاق فيظنُّك تمنعه مُتْعَتَه!!.
كان إسماعيلُ عليه السلام يعلم أن رؤيا الأنبياء حق؛لذلك لم يتردَّد أو يتساءل ماذا فعل أو أجرم(قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)منتهى أدبٍ إيماني مع الله تعالى(فلَمَّا أَسْلَمَا وتله للجبين) الله أكبر!!تصوّروا ذلك استسلامٌ لله وخضوع وعبودية،وياله من موقفٍ عظيم!!الأبُ الصابرُ المُستسلمُ لله واقفٌ فوقَ ولده يَحمِلُ سِكِّينَه يَكاد يهوي بها على عنق ابنه الطائعِ البارِّ،لا يَصرِفُه عن ذلك شيء،من تَردّدٍ أو شكٍ أو تَأخُّر وضعْ نفسَك مكانه..ولم يبق إلا لحظة ويتم الذبح،وقبل أن يُمرِّرَ إبراهيم السكين على عنق إسماعيل ناداه الله(أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ) (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)وقد فعلت المطلوب(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ)فكان الجزاءُ(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)بأن قَدَّمَ الله لإبراهيم كبشًا عظيمًا كبيرًا وطُلبَ منه أن يذبحهُ فِداءً لإِسماعيل،فكانت تلك سُنَةً عَظِيمَةً كُلَّ عامٍ..
ونحنُ كلَّ عيد أضحى عَلى خُطَى أَبِينَا إبراهيم وإتباعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَدٍ صلَّى الله عليهم وسلم؛يَذبَحُ المسلمون ملايين الأُضحيات تيمُنًا بِذَلِكَ الذَبحِ الكريم،وإحياءً لِذَلِكَ العَملِ العَظِيمِ الذي قام به إبراهيم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ*وَتَرَكنَا عَلَيهِ فِي الآخِرِينَ)،أي..أبقينا الثناء الحسن الجميل على إبراهيم وإسماعيل وجعلناهما قدوةً للمؤمنين القادمين من الآخرين(سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)،نعم..إنَّ إِبراهيم عليه السلام رَمزٌ عَظِيمٌ للصبر والتَضحِيَةِ في تَاريخِ الدين والبَشَرِ أجمعين،فحياةُ هَذا النَّبِيِّ العَظِيمِ عليه السلام تَضْحِيَةٌ مُتَصِلَةٌ لنشر التوحيد والدعوة إليه مُنذُ كَانَ يُحَطِّمُ أصنام قومه،لِيُلقَى في نار هائلةٍ سَماهَا أَهلُهَا الجحيم(قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ)وضحّى بهجرة وطنه فِي سَبيلِ العَقِيدَةِ وَالدين(وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي)ثُمَّ ألقى بهَاجَرَ واسماعيل لِيُسْكِنَهُما(بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)عند دوحةٍ من الأرض وتركهم،تقول له هاجر آلله أمرك بهذا؟!قال نعم..فقالت المؤمنة..إذاً لايُضيُعُنا..ولما عطش ابنها اسماعيل سعت بين الصفا والمروة لاهثةً تبكي وتستغيث لعل من مُنجدٍ فإذا بالطفل يهمز بعقبه الأرض لتنبعَ زمزمُ عيناً معيناً صافياً للشاربين حتى يومنا هذا فيا ألله..ثم قامت مكة واستُوطِنَتَ وما كانَ ثَمَةَ بَيتٌ ولا سَكَنٌ ولا زَرعٌ ولا ماءٌ هناك..ثم يأتي إبراهيم بعد زمن لِيُعِيدَ هُوَ وابنه إسماعيل عليهما السلام بناءَ البيت العتيق وينادي بالناس بالآفاق للحج ليأتوا من كلِّ فجٍ عميقٍ إِلى يومنا هذا(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)فيُعيد آثارَ الحج لأرض الله ويطوّفوا بالبيت العتيق ليشهدوا منافع لهم وينبذوا الشرك ويقيموا التوحيد..الذي هو حقّ الله على العبيد..قصة عظيمة نتذكَرُها كلَّ عيد أضحى وحج لتُبَيِّن لنا أن الإيمان بالله ليس لغواً من القول وإنما توحيد واعتقاد من القلب وصدَّقتْه الجوارحُ بالعمل وصبرٌ وتسليمٌ ورضا..ولنعلمْ إخوتي أن رسالةَ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم كانت مُكمّلةً لرسالةِ إبراهيم وأنَّ الإسلام رضيه الله لنا ديناً وأكمله وحفظَه بآياتِ القرآنِ وجمّلَه ونحن نعتزُّ به ونوقِّرهُ ونحافظ عليه نسأل الله عز وجل أن يجمع شملنا بالدين ويصلح شأننا بالاقتداء بسيد الأنبياء والمرسلين ..
الله أكبر ..الله أكبر..الله أكبر..لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها الإخوة المؤمنون..لما كانت الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة التي نتذكر فيها توحيد الله ونعمه علينا وطاعة أبينا إبراهيم لربه،كان لا بد للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظم شأنها،وهي سنة مؤكدة ومشروعة على سبيل الاستحباب والاستجابة لله(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)وقوله تعالى..(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)والمنسك هو الذبح وإراقة الدم(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا)أي..قرباناً،فلم يزل ذبحُ المناسك وإراقةُ الدماء على اسم الله مشروعاً لكل المسلمين،ولقوله صلى الله عليه وسلم..(ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراق الدم،والأضحياتُ تأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظفارها،وإن الدم يقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض،فطيبوا بها أنفسًا)أخرجه الترمذي..ولهذه العبادة مقصدٌ أساسي بالتقرب لله تعالى بإراقة دمها تعظيماً وابتغاءً لمرضاته وتقواه(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)ولذلك هي شعيرةٌ عظيمة ينبغي الاهتمامُ بها وإقامتُها وعدمُ التساهلِ بتغييرها وتبديلها وتجُزئُ الشاة عن الواحد القادر وأهل بيته وعياله،وتجزئ البدنة،والبقرة عن سبعة وإن نوى بالأضحية أن يُدخل بها أهل بيته الأحياء منهم والأموات جاز ذلك،ويأكلُ المضحي من أضحيته وَيتصدق منها ويُطعم ويدخّر أيضاً،وإن دفعَها كُلَّهَا لأَحدٍ خاصةً مع الأوصياء فلا حرج في ذلك،ويجوز أن يُعطَى الكافر منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه كما أفتى بذلك العلماء ولا يجوز بيع شيء من لحم الأضحية أو شحمها أو جلدها..وهناك جمعيات مُخصصة تستقبل لحوم الأضاحي لتوزيعها وكذلك ما زاد منها كي لا يُرمى بل يُستفاد منه..
أيها الإخوة..عيدُنا اليوم وافقَ يومَ جمعة ومن شهد صلاة العيد فله إن شاءَ عدم حضور الجمعة ويُصليها ظهراً في البيوت وليس بالمساجد وحضوره لخطبة الجمعة وصلاتها بالجوامع فذلك أفضل..
اللهم تقبل من المضحين ضحاياهم وأعده علينا وعلى أمة الإسلام بالعزة والتمكين يارب العالمين..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
إخوتي نحن في عيد أضحى عظيم..وهو عيدُ فرحةٍ وتواصل وصلة..فأوجّه ندائي لكل أحد..انسوا تباعدكم وقطيعتكم فيما بينكم كأقارب وأصحاب وجيران تواصلوا واتركوا بينكم الهُجران..والله إن القلب ليأسى والعين لتدمع وأنت تسمع عمَّن يتقاطعون ويتدابرون لسنين فيما بينهم لأتفه الأسباب إما دنيا ومادة أو مواقف حادّة!!لا يتواصلون ولا يتزاورون وكلٌ يحمل بقلبه على الآخر فيما لا ينفع ولا يُفيد. ويظلون هكذا سنين يظنون أنهم مرتاحون بالقطيعة بينما هم متعبون آثمون فيأتي الموت ليُفرّقهم. اليوم القطيعة وصلت داخل البيت الواحد كما نسمع..فما هذا يا عباد الله وعلامَ ذلك؟على دنيا ومواقف وتصرفات؟! أين الأخوة الإيمانية والنيات الطيبة والظن الحسن تصالحوا قبل الفوات وتراضوا قبل الفراق ثم راعوا بعضكم بعضاً بالتصرفات..فهكذا تستمر الحياة وكما في الحديث (اَلْمُؤْمِنُ اَلَّذِي يُخَالِطُ اَلنَّاسَ, وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ اَلَّذِي لَا يُخَالِطُ اَلنَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ. ثم أنتنَّ أيتها النساء اقتدْنَ بأم إسماعيل وإيمانها وطاعتها وصبرها ثم بذلها للجهد في تربية ابنها ليكون باراً بوالديه مُحسناً للخلق وكذلك أمهات المؤمنين والصالحات من النساء..التزمن بتعاليم الإسلام والحجاب والستر والحياء ولا يَغْررْكُنّ تقلُّبَ من تنكّرْن لتعاليم دينهن وقواعد حجابهن وخُنَّ أوطانهن ممن يُسميْن نسوياتٍ أو رموز وسائل التواصل أصبحن يُجاهرن بما لا يليق أو يُضيّعنَ الوقت فيما لا يُفيد أو يُفسدنَ بناتنا بالتحرّرِ والتمرّدِ..ولتعلَمْن أخواتنا أن حُسن تبعُّلِ المرأة لزوجها واهتمامها بتربية أولادها أهمُّ بكثير من مظاهر مُدَّعاة مُشْهرة يُجاهَرُ بها بل التزامُها برعاية بيتها يعدلُ كثيراً من العبادات في الإسلام كما ورد بالحديث..
الله أكبر ..الله أكبر..الله أكبر..لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله..أكثروا من الدعاء اليوم لأنفسكم ولإخوانكم المسلمين المحتاجين والمستضعفين..أنتم تعيشون فرحة العيد وغيركم تحت القصف والحصار وفقدان الأمن فاحمدوا الله على نعمه واشكروه على فضله..اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا انك أنت التواب الرحيم ..وتقبل من الحجاج حجهم ،وذنبهم مغفورًا..اكفنا الغلاء والوباء والبلاء وأدم الأمن والإيمان..
الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا إله الا الله والله اكبر والله اكبر ولله الحمد وصل اللهم على سيدنا
الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر،لا إله إلا الله والله أكبر،الله أكبر ولله الحمد،هذا يَومُ النَّحرِ يَومُ الوِفَادَةِ والزيارة يومُ الحَجِّ الأَكَبرِ فِيهِ أَكثَرُ أَعمَالِ الحَجِّ،وَفِيهِ تقَرُّبُ سَائِرُ أَهلِ الأَمصَارِ إِلى اللهِ بِالصَّلاةِ وَالنَّحرِ والذكر.. يومٌ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ،قال عليه الصلاةُ والسلامُ..(يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ،وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ)أخرجه أحمد.بعض العلماء يراه أفضلَ الأيام لما اجتمع فيه مِنْ أعمال..
عباد الله..وُلد الطفل اسماعيل لإبراهيم عليه السلام بعد كبر،واجتاز مرحلة الطفولة،وأضحى غلامًا(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)لمرحلة الشباب،رأى إبراهيم مناماً عجيباً مُحيّراً وهو مؤمن برّبِه يعلمُ أَنَّه اِمتحانٌ إِلهيٌّ له؛رأى بالمنامِ أنَّ الله يأمرهُ بذبحِ اِبنهِ الوحيد الذي جاءَه بعد كِبَر،وهو يعلم أنَّ رُؤيَا الأَنبياءِ حَقٌ،وليسَ مِن وساوس الشياطين،سيّما وقد تكرَّرَتْ رؤياه هذهِ مرتين ليلتين تأكيداً..وكان بِإِمكانِه أن يذهبَ إِلى إِسماعيلَ عَليهِ السَلام وَهو نائمٌ فيذبحه تنفيذًا لأمر الله وينتهي الأمر،فذهب إليه فأخبره(يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)،لكنّه إسماعيل منذ صغره أخذ الصبرَ والثباتَ والإيمانَ من مدرسة والده العظيمة،رَحَّبَ بالأمر الإلهي والتوجيه الأبوي بصدرٍ واسع وطيبةِ نفسٍ،وبصراحةٍ واضحةٍ،ولم يطلب الدليل ولا إثباتاً قال(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)إِنَّهُ الابنُ البار،سَمعاً وطَاعةً،ولو على روحه وحياته،وانظروا ياشباب لحالنا في هذه الأيام،كم نسمع عن أولادٍ عاقين بآبائهم مؤذين لهم لا يستجيبون لهم بل يتجاوز بعضهم ليَضْرب أباه أو يسبُّه،ويتهددْ ويتوعد ويثور ويغضب ولا يُعجبه شيءٌ على الإطلاق في بيت والديه؟!وغير ذلك من عقوقٍ موجود ما كُنَا نَعرفهُ عِياذاً بالله..فكيف يا أولادنا ترجون الجَنَّة والنجاةَ من العقابِ وهكذا تعاملكم مع والديكم؟! إسماعيلُ عليه السلام يُنفِّذُ أَمرَ الربِّ والأبِّ ولو على رُوحه،وبعضُ أولاد اليوم يُخالفون تعاليم دينَهم ويعصون والديهم في أشياء صغيرة لا تَضرُّهم ولا تُشغلهم،وإنما هي برٌ خيرٌ وأجرٌ لهم لو فعلوُها تقول لولدك..صَلّ..قُم بواجبات دينك،فيُعاندُ بعضُهم،وينامُ ملئَ جفونه عن العبادة وكأن الصلاةَ شيءٌ غريب عنه!تقول له..ذاكر واجتهد،لتنجح وتعمل فيلوي لك عنقَه وينفعل وكأن المصلحة لك تحثُّه على العمل وجلب الرزق فيتكاسل..تحبُّ مرافقتَه فيتحاشَا ذلك بل يَمَلُّ ويستعيب!!تحميه من شرور فساد الأخلاق فيظنُّك تمنعه مُتْعَتَه!!.
كان إسماعيلُ عليه السلام يعلم أن رؤيا الأنبياء حق؛لذلك لم يتردَّد أو يتساءل ماذا فعل أو أجرم(قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)منتهى أدبٍ إيماني مع الله تعالى(فلَمَّا أَسْلَمَا وتله للجبين) الله أكبر!!تصوّروا ذلك استسلامٌ لله وخضوع وعبودية،وياله من موقفٍ عظيم!!الأبُ الصابرُ المُستسلمُ لله واقفٌ فوقَ ولده يَحمِلُ سِكِّينَه يَكاد يهوي بها على عنق ابنه الطائعِ البارِّ،لا يَصرِفُه عن ذلك شيء،من تَردّدٍ أو شكٍ أو تَأخُّر وضعْ نفسَك مكانه..ولم يبق إلا لحظة ويتم الذبح،وقبل أن يُمرِّرَ إبراهيم السكين على عنق إسماعيل ناداه الله(أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ) (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)وقد فعلت المطلوب(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ)فكان الجزاءُ(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)بأن قَدَّمَ الله لإبراهيم كبشًا عظيمًا كبيرًا وطُلبَ منه أن يذبحهُ فِداءً لإِسماعيل،فكانت تلك سُنَةً عَظِيمَةً كُلَّ عامٍ..
ونحنُ كلَّ عيد أضحى عَلى خُطَى أَبِينَا إبراهيم وإتباعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَدٍ صلَّى الله عليهم وسلم؛يَذبَحُ المسلمون ملايين الأُضحيات تيمُنًا بِذَلِكَ الذَبحِ الكريم،وإحياءً لِذَلِكَ العَملِ العَظِيمِ الذي قام به إبراهيم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ*وَتَرَكنَا عَلَيهِ فِي الآخِرِينَ)،أي..أبقينا الثناء الحسن الجميل على إبراهيم وإسماعيل وجعلناهما قدوةً للمؤمنين القادمين من الآخرين(سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)،نعم..إنَّ إِبراهيم عليه السلام رَمزٌ عَظِيمٌ للصبر والتَضحِيَةِ في تَاريخِ الدين والبَشَرِ أجمعين،فحياةُ هَذا النَّبِيِّ العَظِيمِ عليه السلام تَضْحِيَةٌ مُتَصِلَةٌ لنشر التوحيد والدعوة إليه مُنذُ كَانَ يُحَطِّمُ أصنام قومه،لِيُلقَى في نار هائلةٍ سَماهَا أَهلُهَا الجحيم(قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ)وضحّى بهجرة وطنه فِي سَبيلِ العَقِيدَةِ وَالدين(وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي)ثُمَّ ألقى بهَاجَرَ واسماعيل لِيُسْكِنَهُما(بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)عند دوحةٍ من الأرض وتركهم،تقول له هاجر آلله أمرك بهذا؟!قال نعم..فقالت المؤمنة..إذاً لايُضيُعُنا..ولما عطش ابنها اسماعيل سعت بين الصفا والمروة لاهثةً تبكي وتستغيث لعل من مُنجدٍ فإذا بالطفل يهمز بعقبه الأرض لتنبعَ زمزمُ عيناً معيناً صافياً للشاربين حتى يومنا هذا فيا ألله..ثم قامت مكة واستُوطِنَتَ وما كانَ ثَمَةَ بَيتٌ ولا سَكَنٌ ولا زَرعٌ ولا ماءٌ هناك..ثم يأتي إبراهيم بعد زمن لِيُعِيدَ هُوَ وابنه إسماعيل عليهما السلام بناءَ البيت العتيق وينادي بالناس بالآفاق للحج ليأتوا من كلِّ فجٍ عميقٍ إِلى يومنا هذا(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)فيُعيد آثارَ الحج لأرض الله ويطوّفوا بالبيت العتيق ليشهدوا منافع لهم وينبذوا الشرك ويقيموا التوحيد..الذي هو حقّ الله على العبيد..قصة عظيمة نتذكَرُها كلَّ عيد أضحى وحج لتُبَيِّن لنا أن الإيمان بالله ليس لغواً من القول وإنما توحيد واعتقاد من القلب وصدَّقتْه الجوارحُ بالعمل وصبرٌ وتسليمٌ ورضا..ولنعلمْ إخوتي أن رسالةَ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم كانت مُكمّلةً لرسالةِ إبراهيم وأنَّ الإسلام رضيه الله لنا ديناً وأكمله وحفظَه بآياتِ القرآنِ وجمّلَه ونحن نعتزُّ به ونوقِّرهُ ونحافظ عليه نسأل الله عز وجل أن يجمع شملنا بالدين ويصلح شأننا بالاقتداء بسيد الأنبياء والمرسلين ..
الله أكبر ..الله أكبر..الله أكبر..لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها الإخوة المؤمنون..لما كانت الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة التي نتذكر فيها توحيد الله ونعمه علينا وطاعة أبينا إبراهيم لربه،كان لا بد للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظم شأنها،وهي سنة مؤكدة ومشروعة على سبيل الاستحباب والاستجابة لله(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)وقوله تعالى..(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)والمنسك هو الذبح وإراقة الدم(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا)أي..قرباناً،فلم يزل ذبحُ المناسك وإراقةُ الدماء على اسم الله مشروعاً لكل المسلمين،ولقوله صلى الله عليه وسلم..(ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراق الدم،والأضحياتُ تأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظفارها،وإن الدم يقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض،فطيبوا بها أنفسًا)أخرجه الترمذي..ولهذه العبادة مقصدٌ أساسي بالتقرب لله تعالى بإراقة دمها تعظيماً وابتغاءً لمرضاته وتقواه(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)ولذلك هي شعيرةٌ عظيمة ينبغي الاهتمامُ بها وإقامتُها وعدمُ التساهلِ بتغييرها وتبديلها وتجُزئُ الشاة عن الواحد القادر وأهل بيته وعياله،وتجزئ البدنة،والبقرة عن سبعة وإن نوى بالأضحية أن يُدخل بها أهل بيته الأحياء منهم والأموات جاز ذلك،ويأكلُ المضحي من أضحيته وَيتصدق منها ويُطعم ويدخّر أيضاً،وإن دفعَها كُلَّهَا لأَحدٍ خاصةً مع الأوصياء فلا حرج في ذلك،ويجوز أن يُعطَى الكافر منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه كما أفتى بذلك العلماء ولا يجوز بيع شيء من لحم الأضحية أو شحمها أو جلدها..وهناك جمعيات مُخصصة تستقبل لحوم الأضاحي لتوزيعها وكذلك ما زاد منها كي لا يُرمى بل يُستفاد منه..
أيها الإخوة..عيدُنا اليوم وافقَ يومَ جمعة ومن شهد صلاة العيد فله إن شاءَ عدم حضور الجمعة ويُصليها ظهراً في البيوت وليس بالمساجد وحضوره لخطبة الجمعة وصلاتها بالجوامع فذلك أفضل..
اللهم تقبل من المضحين ضحاياهم وأعده علينا وعلى أمة الإسلام بالعزة والتمكين يارب العالمين..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
إخوتي نحن في عيد أضحى عظيم..وهو عيدُ فرحةٍ وتواصل وصلة..فأوجّه ندائي لكل أحد..انسوا تباعدكم وقطيعتكم فيما بينكم كأقارب وأصحاب وجيران تواصلوا واتركوا بينكم الهُجران..والله إن القلب ليأسى والعين لتدمع وأنت تسمع عمَّن يتقاطعون ويتدابرون لسنين فيما بينهم لأتفه الأسباب إما دنيا ومادة أو مواقف حادّة!!لا يتواصلون ولا يتزاورون وكلٌ يحمل بقلبه على الآخر فيما لا ينفع ولا يُفيد. ويظلون هكذا سنين يظنون أنهم مرتاحون بالقطيعة بينما هم متعبون آثمون فيأتي الموت ليُفرّقهم. اليوم القطيعة وصلت داخل البيت الواحد كما نسمع..فما هذا يا عباد الله وعلامَ ذلك؟على دنيا ومواقف وتصرفات؟! أين الأخوة الإيمانية والنيات الطيبة والظن الحسن تصالحوا قبل الفوات وتراضوا قبل الفراق ثم راعوا بعضكم بعضاً بالتصرفات..فهكذا تستمر الحياة وكما في الحديث (اَلْمُؤْمِنُ اَلَّذِي يُخَالِطُ اَلنَّاسَ, وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ اَلَّذِي لَا يُخَالِطُ اَلنَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ. ثم أنتنَّ أيتها النساء اقتدْنَ بأم إسماعيل وإيمانها وطاعتها وصبرها ثم بذلها للجهد في تربية ابنها ليكون باراً بوالديه مُحسناً للخلق وكذلك أمهات المؤمنين والصالحات من النساء..التزمن بتعاليم الإسلام والحجاب والستر والحياء ولا يَغْررْكُنّ تقلُّبَ من تنكّرْن لتعاليم دينهن وقواعد حجابهن وخُنَّ أوطانهن ممن يُسميْن نسوياتٍ أو رموز وسائل التواصل أصبحن يُجاهرن بما لا يليق أو يُضيّعنَ الوقت فيما لا يُفيد أو يُفسدنَ بناتنا بالتحرّرِ والتمرّدِ..ولتعلَمْن أخواتنا أن حُسن تبعُّلِ المرأة لزوجها واهتمامها بتربية أولادها أهمُّ بكثير من مظاهر مُدَّعاة مُشْهرة يُجاهَرُ بها بل التزامُها برعاية بيتها يعدلُ كثيراً من العبادات في الإسلام كما ورد بالحديث..
الله أكبر ..الله أكبر..الله أكبر..لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله..أكثروا من الدعاء اليوم لأنفسكم ولإخوانكم المسلمين المحتاجين والمستضعفين..أنتم تعيشون فرحة العيد وغيركم تحت القصف والحصار وفقدان الأمن فاحمدوا الله على نعمه واشكروه على فضله..اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا انك أنت التواب الرحيم ..وتقبل من الحجاج حجهم ،وذنبهم مغفورًا..اكفنا الغلاء والوباء والبلاء وأدم الأمن والإيمان..
الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا إله الا الله والله اكبر والله اكبر ولله الحمد وصل اللهم على سيدنا