الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً..أما بعد..فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من العلوم النافعة معرفةُ سيرته صلى الله عليه وسلم وتاريخ حياته وتعامله مع أزماته والاقتداء به!!
بذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة للعمرة وأصحابُه، فأحرم من ذي الحُليفة ليبين أنهم خرجوا عُباداً مخبتين لا غزاة منتقمين،وساق أمامه الهدي..مُحرماً حتى إذا كان في الثنية بركت ناقته القصواء فقالوا..خلأت القصواء،أي حرَنت فقال صلى الله عليه وسلم..(ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخُلقٍ ولكن حبسها حابس الفيل،والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطةً يُعَظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطيتُهم إياها)ثم نزل بأقصى الحديبيَّة وبعث إلى مكة عثمانَ رضي الله عنه يخبرهم بما يريد ويدعوهم إلى الإسلام،فبلّغهم ذلك،ثم عرضت عليه قريش أن يطوف لوحده بالبيت فرفض حتى يطوف به صلى الله عليه وسلم،فاحتبست قريشٌ عثمان عندها، ثم أشيع مقتله فدعا صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة تحت شجرةِ سمُرة على القتال وعدم الفرار،(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)يقول جابر بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية..(أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفاً وأربعمائة ولو كنت أبصرُ اليوم لأريتكم مكان الشجرة) رواه البخاري..وركبت الحميّة قريش رغم رفض العقلاء(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)ثم بعثت قريش سهيلَ بن عمرو ليُصالح فدعا صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وقال..اكتب باسم الله الرحمن الرحيم،فقال سهيل..اكتب باسمك اللهم لأنهم ينكرون اسم الرحمن،فأطاعه رسول الله ثم قال..هذا ما قاضى عليه محمدٌ رسول الله،فقال سهيل..والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك،ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال عليه الصلاة والسلام إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله وتساهلُه صلى الله عليه وسلم تعظيماً لحرماتِ الله بحقن الدماء الحاصل بالصلح ثم جرى الصلحُ العظيم الذي سماه الله فتحاً على عدم الدخول لمكة وتأجيل العمرة لسنة،فيخلوا بينه وبين مكة ثلاثة أيامٍ ليس معه سلاح،وعلى أن من جاء من قريش للمسلمين ردّوه إلى قريش وإن كان مسلماً،ومن جاء لقريش من المسلمين لم يردّوه،ووضعِ الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنين،ومن أحب من قبائل العرب أن يدخل في عهده صلى الله عليه وسلم دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل فيه..شروطٌ ظاهرها الضعف تعجب منها بعض الصحابة واعتبروها تنازلاً يقول عمر يا رسول الله ألسنا على حق وعدوُّنا على الباطل قال.. بلى، قال.. فلم نُعطِ الدنيّةَ في ديننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم(إني رسول الله ولستُ أعصيه وهو ناصري ولن يُضيَّعَني)قلتُ.. أولستَ كنتَ تُحدِّثُنا أنا نأتي البيتَ فنطوفُ به،فقال عليه الصلاة والسلام.. بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟قلت.. لا قال..فإنك آتيه ومُطوّفٌ به،وراجع عمر أبا بكر فردّ عليه ياعمر بثباته استمسك بغرزه فو الله إنه على الحق،يقول عمر..فما زلت نادماً على اعتراضي هذا فعملتُ لذلك أعمالاً وما زلتُ أصومُ وأُصلي وأتصدقُ وأُعتقُ من الذي صنعتُ مخافةَ كلامي يومئذٍ)رواه البخاري وركب الصحابةَ همٌ عظيمٌ للشروط والرجوع عن العمرة..جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يريد الالتحاق بالمسلمين،مربوط بقيود الحديد فرأى سهيلٌ ابنَه فقام إليه يضرب وجهه،آخذاً بتلابيبه يجرّه إلى قريش تنفيذاً للشرط، وجعل أبو جندل يصرخ (يا معشر المسلمين، أأرَدُّ إلى المشركين يفتونني في ديني)فزاد همُّ الناس،وقال صلى الله عليه وسلم أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً إنا قد عقدنا بيينا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لانغدر بهم!! الله أكبر إخوتي ما أعظمه من وفاءٍ التزم به صلى الله عليه وسلم ثم أمر صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بالنْحَرِ والحلق وحلِّ الإحرام" فَمَا قَامَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،مهموماً لعدمِ استجابتهم، فَقَالَتْ.. يَا رَسُولَ اللَّهِ،اذْهَبْ فَانْحَرْ هَدْيَكَ،وَاحْلِقْ رَأْسَكَ،فَإِنَّ النَّاسَ يَنْحَرُون وَيَحْلِقُونَ) فلما رأوه الصحابة فعلوا مثله خوفآ من إثم مخالفته حتى كادوا يقتتلون من الزحام للنحر ويمضي الوقت ليثبت أن الصلح خيرٌ آتى ثماره وكان تشدّد المشركين فيه وبالاً عليهم ليشتكوا من شروطهم والمسلمون مبهورون من تسامحٍ أبدوه في صلح الحديبية فوجدوا بركاته العظيمة بانفراط عقد المشركين وتفرغهم لدعوة الناس يقول الصحابة[كنا نعدّ الفتح صلحَ الحديبيَة]فأكثر العرب أسلمت بعده حتى كان المسلمون بفتح مكة عشرةُ آلاف،أما مضطهدوا مكة ففرَّ أبو بصير عُبيد بن أُسيد هاجر للمدينة أرادوا استرجاعه لمكة ثم فرّ منهم فقال عنه عليه الصلاة والسلام..(ويلَ أمه مسعرُ حرب لو كان معه رجال)فلحق به أبو بصير بالعيص بطريق الساحل ولحق بهم مسلموا مكة يشدون أزره منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو ألَّفوا جيشاً ضيّق الخناق على قوافلِ قريش التي ناشدته أن يستقبلهم فلا حاجة لها بهم تنازلاً عن طرش أملته تعنّتاً أما أبو بصير ومن معه فما أن جاء أمره صلى الله عليه وسلم بإنهاء جهادهم والانضمام للمدينة حتى بادروا بطاعته..فليس هدفهم قتال ورفع سلاح بل نصرة الإسلام والمحافظةُ على دينهم..ثم أبى المسلمون عقب صلح الحديبية أن يردّوا النسوة المهاجرات بدينهن لأوليائهن خشيةَ الفتنةِ عليهنّ فنزل القرآن مؤيداً(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)
هذه الحديبية وصلحُها سمّاهُ الله فتحاً مبيناً بسورة الفتح قال عنها صلى الله عليه وسلم(سورةٌ أحبُّ إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ إنا فتحنا لك فتحاً مبينا) رواه البخاري وأخبرهم بالعوض (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً* وَلَوْقَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) ثم طمأنهم بقوله(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاتَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده ..
القرآن لا تنقضي عجائبه والسيرة النبوية مليئةٌ بالعبر أيها فمن أوضح دروس الحديبية أهميةُ اليقين بموعود الله بالنصر والتمكين لدينه وأوليائه وهذا ما آمن به صلى الله عليه وسلم عند الصلح تفاؤلٌ وعمل!!تنازل عن مُسمّاه [رسول الله] بورقة الصلح رغبةً في الصلح وهو مُرسلٌ من ربِّه!!
من دروس الحديبية وجوب فهم الواقع والقدرات ومراحلِ العملِ!فالأمةُ تَكفُّ عن القتال مادامَ الحوارُ قائماً فالقتالُ لمجرد شهوته عبثٌ وتدميرٌ ما لم تدعمْهُ نصوصٌ شرعية ورؤيا سياسية ومعرفة دقيقة بالمصالح والمفاسد مع رأيٍ للعلماء..تحقق الفتح كما سمَّاه الله في الحديبية بلاقتال وذلك يُعلّمنا الكثير..تناقش الصحابة وتشاوروا معه صلى الله عليه وسلم ثم أبان لهم ما يراه حتى استجابوا لما قرره طاعةً والتزاماً وهل تضبط الأمم إلا بتشاورٍ وطاعةٍ ومنعِ ظلمٍ واحترام رأي الغير بلا تعدٍ لحدودٍ شرعيةٍ وعقليةٍ..
مهمٌ ضبطُ النفس ساعةَ الاستفزاز وانتشار المنكر ودعمه وأيُّ استفزازٍ أعظمُ من أن تخرجَ معتمراً مُحرماً معك الهدي ثم ترجعَ بدونها وبشروط مُجحفةً لكنهم توكلّوا على ربهم واستجابوا لنبيهم الذي قال(ويحَ قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا لو خلّوا بيني و بين سائر العرب فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين)أخرجه البخاري،ولذلك خاطب الله تعالى الرسول وصحابته(هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فمراعاةُ أولئك الضعفاء في مكة كانت مطلوبة..
أيها الإخوة لقد جاء الإذن بإقامة الحج هذا العام رغم الظروف الراهنة إيماناً من الدولة بولاة أمرها وعلمائها وفقهم الله بأهمية إقامة الشعيرة وعدم انقطاعها ودور هذه البلاد العظيم ومسؤوليتها في خدمة الحرمين ولذلك من أراد الحج هذا العام فليتعاون بالتزامه بالإجراءات الاحترازية والشروط المطلوبة تقبل الله منا ومنه اللهم احفظ على هذه البلاد أمنها وأمانها واستقرارها وعلى جميع بلاد المسلمين..اللهم احفظ حجاج بيتك الحرام من كل شر وبلاء ووباء. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان احفظ عليهم دينهم وأموالهم وأعراضهم ياسميع الدعاء..
بذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة للعمرة وأصحابُه، فأحرم من ذي الحُليفة ليبين أنهم خرجوا عُباداً مخبتين لا غزاة منتقمين،وساق أمامه الهدي..مُحرماً حتى إذا كان في الثنية بركت ناقته القصواء فقالوا..خلأت القصواء،أي حرَنت فقال صلى الله عليه وسلم..(ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخُلقٍ ولكن حبسها حابس الفيل،والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطةً يُعَظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطيتُهم إياها)ثم نزل بأقصى الحديبيَّة وبعث إلى مكة عثمانَ رضي الله عنه يخبرهم بما يريد ويدعوهم إلى الإسلام،فبلّغهم ذلك،ثم عرضت عليه قريش أن يطوف لوحده بالبيت فرفض حتى يطوف به صلى الله عليه وسلم،فاحتبست قريشٌ عثمان عندها، ثم أشيع مقتله فدعا صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة تحت شجرةِ سمُرة على القتال وعدم الفرار،(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)يقول جابر بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية..(أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفاً وأربعمائة ولو كنت أبصرُ اليوم لأريتكم مكان الشجرة) رواه البخاري..وركبت الحميّة قريش رغم رفض العقلاء(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)ثم بعثت قريش سهيلَ بن عمرو ليُصالح فدعا صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وقال..اكتب باسم الله الرحمن الرحيم،فقال سهيل..اكتب باسمك اللهم لأنهم ينكرون اسم الرحمن،فأطاعه رسول الله ثم قال..هذا ما قاضى عليه محمدٌ رسول الله،فقال سهيل..والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك،ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال عليه الصلاة والسلام إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله وتساهلُه صلى الله عليه وسلم تعظيماً لحرماتِ الله بحقن الدماء الحاصل بالصلح ثم جرى الصلحُ العظيم الذي سماه الله فتحاً على عدم الدخول لمكة وتأجيل العمرة لسنة،فيخلوا بينه وبين مكة ثلاثة أيامٍ ليس معه سلاح،وعلى أن من جاء من قريش للمسلمين ردّوه إلى قريش وإن كان مسلماً،ومن جاء لقريش من المسلمين لم يردّوه،ووضعِ الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنين،ومن أحب من قبائل العرب أن يدخل في عهده صلى الله عليه وسلم دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل فيه..شروطٌ ظاهرها الضعف تعجب منها بعض الصحابة واعتبروها تنازلاً يقول عمر يا رسول الله ألسنا على حق وعدوُّنا على الباطل قال.. بلى، قال.. فلم نُعطِ الدنيّةَ في ديننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم(إني رسول الله ولستُ أعصيه وهو ناصري ولن يُضيَّعَني)قلتُ.. أولستَ كنتَ تُحدِّثُنا أنا نأتي البيتَ فنطوفُ به،فقال عليه الصلاة والسلام.. بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟قلت.. لا قال..فإنك آتيه ومُطوّفٌ به،وراجع عمر أبا بكر فردّ عليه ياعمر بثباته استمسك بغرزه فو الله إنه على الحق،يقول عمر..فما زلت نادماً على اعتراضي هذا فعملتُ لذلك أعمالاً وما زلتُ أصومُ وأُصلي وأتصدقُ وأُعتقُ من الذي صنعتُ مخافةَ كلامي يومئذٍ)رواه البخاري وركب الصحابةَ همٌ عظيمٌ للشروط والرجوع عن العمرة..جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يريد الالتحاق بالمسلمين،مربوط بقيود الحديد فرأى سهيلٌ ابنَه فقام إليه يضرب وجهه،آخذاً بتلابيبه يجرّه إلى قريش تنفيذاً للشرط، وجعل أبو جندل يصرخ (يا معشر المسلمين، أأرَدُّ إلى المشركين يفتونني في ديني)فزاد همُّ الناس،وقال صلى الله عليه وسلم أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً إنا قد عقدنا بيينا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لانغدر بهم!! الله أكبر إخوتي ما أعظمه من وفاءٍ التزم به صلى الله عليه وسلم ثم أمر صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بالنْحَرِ والحلق وحلِّ الإحرام" فَمَا قَامَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،مهموماً لعدمِ استجابتهم، فَقَالَتْ.. يَا رَسُولَ اللَّهِ،اذْهَبْ فَانْحَرْ هَدْيَكَ،وَاحْلِقْ رَأْسَكَ،فَإِنَّ النَّاسَ يَنْحَرُون وَيَحْلِقُونَ) فلما رأوه الصحابة فعلوا مثله خوفآ من إثم مخالفته حتى كادوا يقتتلون من الزحام للنحر ويمضي الوقت ليثبت أن الصلح خيرٌ آتى ثماره وكان تشدّد المشركين فيه وبالاً عليهم ليشتكوا من شروطهم والمسلمون مبهورون من تسامحٍ أبدوه في صلح الحديبية فوجدوا بركاته العظيمة بانفراط عقد المشركين وتفرغهم لدعوة الناس يقول الصحابة[كنا نعدّ الفتح صلحَ الحديبيَة]فأكثر العرب أسلمت بعده حتى كان المسلمون بفتح مكة عشرةُ آلاف،أما مضطهدوا مكة ففرَّ أبو بصير عُبيد بن أُسيد هاجر للمدينة أرادوا استرجاعه لمكة ثم فرّ منهم فقال عنه عليه الصلاة والسلام..(ويلَ أمه مسعرُ حرب لو كان معه رجال)فلحق به أبو بصير بالعيص بطريق الساحل ولحق بهم مسلموا مكة يشدون أزره منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو ألَّفوا جيشاً ضيّق الخناق على قوافلِ قريش التي ناشدته أن يستقبلهم فلا حاجة لها بهم تنازلاً عن طرش أملته تعنّتاً أما أبو بصير ومن معه فما أن جاء أمره صلى الله عليه وسلم بإنهاء جهادهم والانضمام للمدينة حتى بادروا بطاعته..فليس هدفهم قتال ورفع سلاح بل نصرة الإسلام والمحافظةُ على دينهم..ثم أبى المسلمون عقب صلح الحديبية أن يردّوا النسوة المهاجرات بدينهن لأوليائهن خشيةَ الفتنةِ عليهنّ فنزل القرآن مؤيداً(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)
هذه الحديبية وصلحُها سمّاهُ الله فتحاً مبيناً بسورة الفتح قال عنها صلى الله عليه وسلم(سورةٌ أحبُّ إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ إنا فتحنا لك فتحاً مبينا) رواه البخاري وأخبرهم بالعوض (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً* وَلَوْقَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) ثم طمأنهم بقوله(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاتَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده ..
القرآن لا تنقضي عجائبه والسيرة النبوية مليئةٌ بالعبر أيها فمن أوضح دروس الحديبية أهميةُ اليقين بموعود الله بالنصر والتمكين لدينه وأوليائه وهذا ما آمن به صلى الله عليه وسلم عند الصلح تفاؤلٌ وعمل!!تنازل عن مُسمّاه [رسول الله] بورقة الصلح رغبةً في الصلح وهو مُرسلٌ من ربِّه!!
من دروس الحديبية وجوب فهم الواقع والقدرات ومراحلِ العملِ!فالأمةُ تَكفُّ عن القتال مادامَ الحوارُ قائماً فالقتالُ لمجرد شهوته عبثٌ وتدميرٌ ما لم تدعمْهُ نصوصٌ شرعية ورؤيا سياسية ومعرفة دقيقة بالمصالح والمفاسد مع رأيٍ للعلماء..تحقق الفتح كما سمَّاه الله في الحديبية بلاقتال وذلك يُعلّمنا الكثير..تناقش الصحابة وتشاوروا معه صلى الله عليه وسلم ثم أبان لهم ما يراه حتى استجابوا لما قرره طاعةً والتزاماً وهل تضبط الأمم إلا بتشاورٍ وطاعةٍ ومنعِ ظلمٍ واحترام رأي الغير بلا تعدٍ لحدودٍ شرعيةٍ وعقليةٍ..
مهمٌ ضبطُ النفس ساعةَ الاستفزاز وانتشار المنكر ودعمه وأيُّ استفزازٍ أعظمُ من أن تخرجَ معتمراً مُحرماً معك الهدي ثم ترجعَ بدونها وبشروط مُجحفةً لكنهم توكلّوا على ربهم واستجابوا لنبيهم الذي قال(ويحَ قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا لو خلّوا بيني و بين سائر العرب فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين)أخرجه البخاري،ولذلك خاطب الله تعالى الرسول وصحابته(هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فمراعاةُ أولئك الضعفاء في مكة كانت مطلوبة..
أيها الإخوة لقد جاء الإذن بإقامة الحج هذا العام رغم الظروف الراهنة إيماناً من الدولة بولاة أمرها وعلمائها وفقهم الله بأهمية إقامة الشعيرة وعدم انقطاعها ودور هذه البلاد العظيم ومسؤوليتها في خدمة الحرمين ولذلك من أراد الحج هذا العام فليتعاون بالتزامه بالإجراءات الاحترازية والشروط المطلوبة تقبل الله منا ومنه اللهم احفظ على هذه البلاد أمنها وأمانها واستقرارها وعلى جميع بلاد المسلمين..اللهم احفظ حجاج بيتك الحرام من كل شر وبلاء ووباء. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان احفظ عليهم دينهم وأموالهم وأعراضهم ياسميع الدعاء..