• ×

07:03 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [أثر الدعاء لرفع البلاء]

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ لله مُجزِل العطايا مسبِل النِّعَم، رافِع البلايا دافِع النِّقم،وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّة،صلى الله عليه وسلّم، وعلى آله وصحبِه ومن سار على نهجِه الأقوَم..أما بعد فاتقوا الله.
المتأمِّلُ بعين العِبرة والبصيرة،حال الناس هذه الأيّام، وما هم فيه من امتحانات ومحنةٍ،ينتظرون انفراجَ الأزمة،وكل ما نراه يدل أنَّ هذه الدنيا لا يستقرُّ حالها على سعةٍ ورخاءٍ دائم، وإنّما هي ابتلاءٌ وامتحان، وفرجٌ وشدةٌ، وكلُّ إنسان في هذه الدنيا تمرُّ به محنٌ وبلايا، ومصائبُ ورزايا، فهو بين الرخاء والشدة والعافية والمرض والغنى والفقر هذا هو حال الدنيا وتنوعها بين مفرحاتٍ تجلب السعادة ومزعِجاتٌ تورث الخوف والجوع هذا للأفراد..وكذلك مما يُصيب الأمم والدول من حروبٍ وأوبئة وخسارات اقتصادية موجعة وضعفٍ للأمن وفقرٍ وجوعٍ ومسغبة مما يُثبت أن الدنيا دار ابتلاء وعناء.
ومن لاذَ بالله تعالى هدأَ توجُّعه، وسكَنَ تفجُّعُه، والهلَعُ والجَزعُ لا ينشُران مطويًّا، ولا يرُدَّان حتمًا مقضيًّا،ولا عزاءَ إلا التسليمُ والرِّضا، والصبرُ على ما قدَّر الله وقضَى وكتبَ وأوجبَ وأمضَى وأحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى زوالَ البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرمُ على الله -عز وجل- من الدعاء،وتركهُ استكبار وزيادةُ عناء وأعجزُ الناسِ من عجِزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه، ومن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه..لنفسه وبلده وأمته..وما على الأرضِ مُسلمٌ يدعُو اللهَ بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها،أو صرفَ عنه من السوءِ مثلَها،أو ادَّخَر له من الأجرِ مثلَها ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحِمٍ..
أيها المسلمون..الدعاء كما هو على الدوام فإنه في حال الخطر والاضطرار والأزمات ألزم(فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)وأنتم ترَون ما حلَّ بالعالم وتضررت منه الناس عموماً وبلداننا حتى عُلق السفر والتعليم والاجتماع إضافةً إلى فتنٍ وحروب وبلاء عظيم وليس لكل ذلك حلٌ إلا بالتوكل على الله وبالتوجه إلى الله بصدقٍ وإنابة والدعاء بالحفظ والرعاية والصيانة والسلامة..وليس لنا إذا أحاطَت الحُتوف، ونزلَ الأمرُ المَخوفُ، واشتدَّ الكَربُ، وعظُمَ الخَطبُ إلا اللهُ جل في عُلاه وقد كان نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم يدعُو عند الكَربِ بهذه الدعوات.. "لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم".رواه البخاري
وحسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، قالَها إبراهيمُ -عليه السلام- حين أُلقِيَ في النار، وقالها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا.. (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل)فكانت النتيجة (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)فارفَعوا أكُفَّ الضراعة، وتوسَّلوا إلى الله بألوان الطاعة أن يرَحمَ إخوانكم المُستضعفين والمُضطهَدين والمَنكوبين في كل مكان، ادعُوا دعاءَ الغريقِ في الدُّجَى، ادعُوا وأنتم صادقون في الرَّجَا، أن يجعل الله للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا،ومن كل ضيقٍ مخرَجًا..اللهم اجعل للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا..وأن يدفع عنا وعن المسلمين كل كربٍّ ومُصاب..
أيها المسلمون.. لا مخرجَ من أزماتنا إلا صِدقُ اللجوء إلى الله تعالى؛ فهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، والكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، والقادِرُ الذي لا أقدرَ منه، والقويُّ الذي لا أقوى منه، العظيمُ أبدًا، حقًّا وصِدقًا، لا يُعصَى كرهًا، ولا يُخالَفُ أمرُه قهرًا، ومن كان الله معه فمعه الجُند الذي لا يُغلَب، والقوةُ التي لا تُرهَب، والعزيمةُ التي لا تذهَب، والعِزُّ الذي لا يُسلَب.ومن كان مع الله في السرَّاء والضرَّاء، والشدَّة والرخاء، والعلانية والخفاء، كان مُؤيَّدًا منصورًا، وعادَ عدوُّه مهينًا مدحورًا، صاغِرًا مقهورًا، مُصفَّدًا مأسورًا(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)والعودة إلى الها لا تحتاج إلى فيروس يُذكر ولا لفقرٍ أو مصيبة تؤثر بل هي عودة لهو من قبل ومن بعد تأتي بالفرج وبإذن الهن التخلّص من الوباء وكل العناء ..
عسى فرجٌ يَأتي بِهِ اللهُ إنَّهُ *** لهُ كُلَّ يومٍ في خَليقَتِهِ شَأنٌ
كم من مِحْنَةٍ في طيِّها مِنْحةٌ!ومن هوانٍ كانت عاقبته كرامةً! فالمؤمن الواثق مهما نزلت به الأمراض..أو ابتُلِيَ بفقد الأحباب..أو حُرِمَ من المال والولد..أو تكاثرت عليه مشاكل ومصائب من مرضٍ وفقد وظلمٍ وفقر أو غير ذلك.. لا يفقد صفاء العقيدة ونور الإيمان، أما الإنسان الجَزُوع فإنه إذا نزلت به المصائب ضاقت عليه مسالك الفَرَج، بل ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فييأس، فإذا يئس زاد مرضُه مرضاً وهمُّه هماً..( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)رسل الله وأنبياؤهم أصابهم البلاء وأخيارٌ وأصفياء ابتلوا بالعناء ..قال صلى الله عليه وسلم أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على حسب دينه
إن أمر المؤمن كلَّه له خير؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن..وكان صلى الله عليه وسلم أشدُّ الناس تفاؤلاً في أشدِّ الأزمات مع ما يقدمه من عمل..ووعدُ الله حقٌ وصدق..)مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)
اللهمّ إنا نعوذُ بكَ من الغلاء والوباء ومن جَهد البلاء، ودَرَكِ الشَّقاء، وسوءِ القضاء، وشماتَةِ الأعداء ونسألك خَشْيَتَك في الغيب والشهادة.اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا همّاً إلا فرّجْته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته،ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا ..أقول ما تسمعون
الخطبة الثانية .. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..وبعد
فيا أيها المسلمون.. اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم)
يا من تعيشُون في أمنٍ وافِرٍ، ورخاءٍ ظاهِر، وعافيةٍ ضافِية، ونعمةٍ صافِية، يا من دفعَ الله عنكم فتنًا وشُرورًا، وأمرًا كان محذورًا.. لا تكونوا ممن عمَّه فضلُ ربِّه فارتدَّ، وأدركَه وابِلُ النِّعَم فاعوَجَّ، لا تكونوا أغفالاً من حُسن الادِّكار، وجليل الاعتِبار، وأحسِنوا مُجاوَرة النِّعمَة؛ فمن غمِطَ النِّعمة استنزَلَ النِّقمة.وتعوَّذُوا باللهِ تعالى من زوال نعمته، وتحوُّل عافيته، وحُلول نقمته، واحمَدوا الله مولاكم على ما أولاكم من نعمةِ الأمن والرخاء والاستقرار، وحافِظوا عليها..فها أنتم ترون العالم وحالته أمام جنديٍّ صغيرٍ من جنود الله لا يُرى إلا بالمجهر نسأل الله أن يكفينا شره وهنا تلزم التوبة والأوبة..
انظُروا عباد الله في أحوالنا؛كيف فرَّط الكثيرُ منا في الأوامر،وتساهل في المعاصِي،انظُروا في أمرِ الصلاة؛ كيف هجَرَها البعض وأهملوها وقِيسوا على ذلك ما نحن عليه من غفلةٍ وصُّدودٍ لتعلَموا كم نحن على خطرٍ من عقوبةٍ تحِلّ، وعافيةٍ تزِلّ!واعلموا أن ما يدفع البلاء مع الدعاء العمل الصالح من العبادة كالصلاة والصدقة والاستغفار وغيرها..فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وتدارَكوا ما أنتم فيه بالتوبة والإنابة، والتناصُح بينكم،فهذا التغير الحاصل بالمجتمعات مقلق والتساهل بالمخالفات والأخلاق والقيم محبط نسأل الله أن يعفو عنا وأن لا يؤخذنا بذنوبنا ويجمع كلمتنا على الحق وينجينا من الشرور والأوبئة والفتن ما ظهر منا وما بطن..

 0  0  581

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.