الحمد لله مجيبُ الدعاء،وأشهد أن لا إله إلا الله جزيل العطاء..وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،خاتم الأنبياء،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأصفياء،وسلم تسليماً إلى يوم الفصل والقضاء أما بعد فاتقوا الله عباد الله.. اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتك،وتحوّلِ عافيتك،وفجاءةِ نقمتك،وجميعِ سخطكِ..ياربَّ العالمين.
ذُكر النبيُّ زكريا بالقرآن ثمان مرات ودعا قومه للتوحيد وتكفل بمريم ونصرها ولم يرزقه الله الولد فلما بلغ الشيبَ نادى ربه نداءً خفياً بينه وبين الله (إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً)ثم يضيف(وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)هو كبير وامرأته عاقر فيردُّ الله نداءه(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً) وكان يحيى(وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً *وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً)ولما استغرب الإجابة قال الله له(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) أصواتُ الأخفياءِ الأنقياء مسموعةٌ في السماء(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ)(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
عباد الله..حينما يحاصَرُ المسلم من كل جهة،ويَضَيقُ عليه الخِناق،فلا يستطيع الانتصار لنفسه،ولا الثأرَ لمظلوميّته،ولا التخلصَ من مصابٍ أحاطَ به،يلجأ لربّه فتفتَحُ له السماء أبوابها،وتأتيه منافذُ الفرج،ويتنزَّلُ عليه المَدَد،من ربِّ الأرباب،وخالق الأسباب الذي أَهَلَكَ عاداً الأولى،وثمود فما أبقى،وقومَ نوحٍ من قبلُ،إنَّهم كانوا هم أظلم وأطغى..والبعض عند المصاب يلجأ لحيلَتِه وقوَّتِه أو لصديقه أو زمرتِه ممن يُشفق عليك أو يشمت بك لكنه يغفل عن فارج الكربات سبحانه..
طرقتُ بابَ الرجا والناسُ قدْ رَقَدُوا
وبتُّ أشكو إلى مولايَ ما أجدُ
اشكو إليك أموراً أنتَ تعلمُها
مالي على حملِها صبرٌ ولاجلدُ
لقد مددتُ يدي بالذلِّ مفتقراً
إليك يا خيرَ من مُدَّت إليه يدُ
سلاحٌ للمسلمين هو الدعاء..بمناجاة رب الأرض والسماء،يُستَدْفَعُ به البلاء، ويُرَدُّ به سوء القضاء.وهل شيءٌ أكرم على الله من الدعاء؟وحين نستعرض حياة الرسل والأنبياء فنرى شدة الامتحان والابتلاء،ومن ثم الصبر والالتجاء،وكثرة المناجاة والدعاء،وأن الإجابة لهم لم تأت إلا بعد إلحاح واستغاثة ونداء،ثم نريد نحن الضعفاء أن نُنصرَ وأن يُستجاب لنا دونَ فعلٍ لأسبابِ النصر والإجابة!.
هل فعلا أصابنا الهوان حتى عن الجهاد باللسان، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.. "إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم؛ فأي قلب لم يعرف المعروف ولا ينكر المنكر نكس، فجعل أعلاه أسفله".
الله يغضب إن تركتَ سؤاله *** وبُنيَّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ
عدمُ إعطاءِ الدعاء قدره وعدمُ القيام به كما ينبغي بآدابه وشروطه وواجباته،سببٌ للهزيمة والخذلان نعم أخي، لقد جاء في الحديث.. "ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة،واعلموا أن الله لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ"وشأنُ الدعاءِ في كشفِ البلاءِ من الأمورِ المعتقدَةِ والمُشاهَدةِ،وهو حسنُ ظنٍ بالله،وملاذٌ أمين،وقرارٌ مكين،بدعاءٍ ملكٍ حبَّار ليس له ند ولا نظير خاصةً مع المصاب وللمضطر. (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)أولاً ويكفي والدعاء أن يكون بتذلُّلٍ وخضوعٍ وإخباتٍ بين يدي الله ثانياً؟والمؤمنُ كلما رأى الأمور تشتد والمكر والكيد يزداد بالدعاء(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)ثم زاد في دعائه وعمله وسعيه لفعل كل ما يستطيع من أسباب النصر دون تردد أو خوف..رسالة للمصابين والمظلومين والضعفاء والمقهورين والراجين لعفو الله ومغفرته والنجاة من النار والفوز بجنته عليكم بالدعاء.. لما بعثَ صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن،وأوصاه،قال له في آخر وصيته..(واتق دعوة المظلوم،فإنه ليس بينه وبين الله حجاب).رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم(ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ.. دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)(لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)فسرها ابن عباس رضي الله عنهما(لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له)..قال صلى الله عليه وسلم..(الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ))وَقَرَأَ(وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ)فمن يدعو الله صادقاً ينقطعُ من كل سببٍ سوَى الله عز وجل ويتعلَّقُ قلبُه بالله وحده ولا يتمُّ له ذلك إلا إذا شهِدَ بالله ووحّده لا إله إلا هو،(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)وفي الدعاء يتمَّثلُ التوحيدُ في أنقى صوره،وأسمى معانيه(ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ)(بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ)والدعاءُ منهجٌ للأنبياء يتحقّقُ استحضارُ العبد صفاتِ الله تعالى وزيادة الإيمان بها والشعورِ بعظمتِها وجلالتِها,وإقرارٌ من المؤمنِ بأنّ القوةَ لله جميعاً،وأنّ العزَّةَ للهِ جميعاً،وأنّ الناصر الله والقاهر الله,والضار النافع الله,والآمر الناهي الله,والظاهر الباطن هو الله يعزُّ من يشاء ويُذلّ من يشاء بيدهِ الخير وهو على كلّ شيء قدير والإحساسُ بهذه العظمةِ لله يقودُ المسلمين لامتثالِ أمرِ الله تعالى..( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ)فتحقيقُ هذا اليقين،يخلعُ خوفاً في القلب من مصيبة أو جبروت أو تسلّط طاغوت،ويجعلهُم يحتقرون القُوى كلَّها بجانبِ قوة العزيز القهار،ويعلمون(أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا(فتصغرُ في عيونِهم كلُّ قوةٍ مهما عظُمت إِذا هم استمدُّوا قوَّتَهم من الله ربِّ العالمين..فالله ناصر المستضعفين والمظلومين وحسبكم بالله نصيراً(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)فالدعاء امتلاءُ القلوبِ بمعيَّةِ الله,فلا شكَّ في نصره ولا تردّدَ في صدق وعده(وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ)..قال صلى الله عليه وسلم{أعجزُ الناسِ من عَجِزَ عن الدعاء،وأبخلهُم من بخلَ بالسلام}
عباد الله..أخلصوا في الدعاء،(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)يا من تطلبون النصر(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)يا من توجهتم للأضرحة والقبور(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ..)يا من توجهتم للسحَرة والمشعوذين(أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)؟.يا عبد الله.. "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
فيا أيها المريض ضعْ حاجتَك بين يدي الشافي المعافي أتى عثمانُ بن أبي العاص رسول الله فقال بي وجع قد كاد يهلكني،فرد عليه صلى الله عليه وسلم-"امسحه بيمينك سبع مرات،وقل.. أعوذ بعزة الله وقدرته من شَرِّ ما أجد"قال..ففعلتُ ذلك،فأذهب الله ما كان بي،فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم..أين المحتاجون من حسن الشكاية لله بدل الشكوى للمخلوقين والضعفاء؟قال الفضيل بن عياض.. كان الربيع بن خثيم يقول في دعائه..أشكو إليك حاجة لا يحسن بثها إلا إليك،وأستغفر منها وأتوب إليك.تأمل يا عبد الله قوله..لا يحسنُ بثُّها إلا إليك!ليس كمن يطرق كل باب،ويتعلّقُ بكل مخلوق،ويتركُ بابَ ملكِ الملوك،ومَن بيده مفاتح الفرج ومفاتح الأرزاق.وكان دعاء علي بن الحسين زين العابدين اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.أين المذنبون،العصاة،الغافلون؟أين هم عن الدعاء وكثرة الاستغفار؟ادع الله حتى للعصاة المُتَمكِّنِين فرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بأن ينصر الله الإسلام ويعزه بأحد العمرين فأسلم عمر ونصر الله به الإسلام وأعزه..اللهم تقبل منا دعاءنا واغفر ذنوبنا..واستر عوراتنا..وآمن روعاتنا..أقول قولي..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أن الدعاء يَردُّ القضاءَ فاجتهدوا بالدعاء..
وله آدابٌ يلتزمُ بها الإنسان منها..اختيار الأوقات الفاضلة للإجابة كرمضان ويوم عرفة ويوم الجمعة وساعتها التي إن وافقها أُجيبَ لَه والسَحر وحين يكون ساجداً أو مسافراً..وبعد الآذان وغيرها من أوقاتٍ فاضلة ومن آدابه استقبال القبلة..ويرفع يديه بالدعاء عامة ويبدأ دعاءه بتحميد الله سبحانه ويختمه بالصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجزم في المسألة ولا يُعلِّقُها على المشيئة بقوله..اللهم اغفر لي إن شئت ويتيقن بالإجابة كان عمر يقول..{إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل همَّ الدعاء}..ويلحُّ في سؤاله ويتوسلُ بأسماءِ الله الحسنى وبصالح العمل ويبتعدَ عن غفلة القلب..واستبطاء الإجابة وفعل المعاصي وأكل الحرام الذي يمنع الإجابة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..ولابد للدعاء من أن يخرجَ من قلوب صادقة ملتجئة إلى ربها مستحضرةً لمعاني دعائها فالدعاء علاجٌ ليس له ثمن أو مرتبة(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ)واعلم أخي أنك إذا دعوت أنت بين خيارات فاضلة إما أن يستجيب الله لك أو يدفع عنك سوءاً أو يدخرها ليوم القيامة لك!!فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة دوماً..اللهم إنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد..اللهم لا ربَّ لنا سواك فندعوه ولا خالق لنا غيرك فنرجوه أنت ربُّ المستضعفين..ومجيب المضطرين وجابر المنكسرين إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي فأنت أكرم من أن نُقبلَ عليك فتصد..أو نلجأُ إليك فترد لا ملجا ولا منجى منك إلا إليك..أنت المرتجى إذا ضاقت الخطوب..وأنت المؤمَّل عند الكروب..تطاع فتشكر..وتعصى فتغفر.تمحو الذنب العظيم..وتشفي الداء السقيم..حلتَ دون النفوس..أخذت بالنواصي والأقدام..لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين..اللهم فرّج مصاب إخواننا في كل مكان واشف مرضانا..وانصر دينك وكتابك..وارفع راية الدين وفرج كرب المستضعفين فما لنا ولهم غيرك يا ألله ..
ذُكر النبيُّ زكريا بالقرآن ثمان مرات ودعا قومه للتوحيد وتكفل بمريم ونصرها ولم يرزقه الله الولد فلما بلغ الشيبَ نادى ربه نداءً خفياً بينه وبين الله (إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً)ثم يضيف(وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)هو كبير وامرأته عاقر فيردُّ الله نداءه(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً) وكان يحيى(وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً *وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً)ولما استغرب الإجابة قال الله له(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) أصواتُ الأخفياءِ الأنقياء مسموعةٌ في السماء(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ)(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
عباد الله..حينما يحاصَرُ المسلم من كل جهة،ويَضَيقُ عليه الخِناق،فلا يستطيع الانتصار لنفسه،ولا الثأرَ لمظلوميّته،ولا التخلصَ من مصابٍ أحاطَ به،يلجأ لربّه فتفتَحُ له السماء أبوابها،وتأتيه منافذُ الفرج،ويتنزَّلُ عليه المَدَد،من ربِّ الأرباب،وخالق الأسباب الذي أَهَلَكَ عاداً الأولى،وثمود فما أبقى،وقومَ نوحٍ من قبلُ،إنَّهم كانوا هم أظلم وأطغى..والبعض عند المصاب يلجأ لحيلَتِه وقوَّتِه أو لصديقه أو زمرتِه ممن يُشفق عليك أو يشمت بك لكنه يغفل عن فارج الكربات سبحانه..
طرقتُ بابَ الرجا والناسُ قدْ رَقَدُوا
وبتُّ أشكو إلى مولايَ ما أجدُ
اشكو إليك أموراً أنتَ تعلمُها
مالي على حملِها صبرٌ ولاجلدُ
لقد مددتُ يدي بالذلِّ مفتقراً
إليك يا خيرَ من مُدَّت إليه يدُ
سلاحٌ للمسلمين هو الدعاء..بمناجاة رب الأرض والسماء،يُستَدْفَعُ به البلاء، ويُرَدُّ به سوء القضاء.وهل شيءٌ أكرم على الله من الدعاء؟وحين نستعرض حياة الرسل والأنبياء فنرى شدة الامتحان والابتلاء،ومن ثم الصبر والالتجاء،وكثرة المناجاة والدعاء،وأن الإجابة لهم لم تأت إلا بعد إلحاح واستغاثة ونداء،ثم نريد نحن الضعفاء أن نُنصرَ وأن يُستجاب لنا دونَ فعلٍ لأسبابِ النصر والإجابة!.
هل فعلا أصابنا الهوان حتى عن الجهاد باللسان، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.. "إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم؛ فأي قلب لم يعرف المعروف ولا ينكر المنكر نكس، فجعل أعلاه أسفله".
الله يغضب إن تركتَ سؤاله *** وبُنيَّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ
عدمُ إعطاءِ الدعاء قدره وعدمُ القيام به كما ينبغي بآدابه وشروطه وواجباته،سببٌ للهزيمة والخذلان نعم أخي، لقد جاء في الحديث.. "ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة،واعلموا أن الله لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ"وشأنُ الدعاءِ في كشفِ البلاءِ من الأمورِ المعتقدَةِ والمُشاهَدةِ،وهو حسنُ ظنٍ بالله،وملاذٌ أمين،وقرارٌ مكين،بدعاءٍ ملكٍ حبَّار ليس له ند ولا نظير خاصةً مع المصاب وللمضطر. (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)أولاً ويكفي والدعاء أن يكون بتذلُّلٍ وخضوعٍ وإخباتٍ بين يدي الله ثانياً؟والمؤمنُ كلما رأى الأمور تشتد والمكر والكيد يزداد بالدعاء(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)ثم زاد في دعائه وعمله وسعيه لفعل كل ما يستطيع من أسباب النصر دون تردد أو خوف..رسالة للمصابين والمظلومين والضعفاء والمقهورين والراجين لعفو الله ومغفرته والنجاة من النار والفوز بجنته عليكم بالدعاء.. لما بعثَ صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن،وأوصاه،قال له في آخر وصيته..(واتق دعوة المظلوم،فإنه ليس بينه وبين الله حجاب).رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم(ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ.. دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)(لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)فسرها ابن عباس رضي الله عنهما(لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له)..قال صلى الله عليه وسلم..(الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ))وَقَرَأَ(وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ)فمن يدعو الله صادقاً ينقطعُ من كل سببٍ سوَى الله عز وجل ويتعلَّقُ قلبُه بالله وحده ولا يتمُّ له ذلك إلا إذا شهِدَ بالله ووحّده لا إله إلا هو،(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)وفي الدعاء يتمَّثلُ التوحيدُ في أنقى صوره،وأسمى معانيه(ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ)(بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ)والدعاءُ منهجٌ للأنبياء يتحقّقُ استحضارُ العبد صفاتِ الله تعالى وزيادة الإيمان بها والشعورِ بعظمتِها وجلالتِها,وإقرارٌ من المؤمنِ بأنّ القوةَ لله جميعاً،وأنّ العزَّةَ للهِ جميعاً،وأنّ الناصر الله والقاهر الله,والضار النافع الله,والآمر الناهي الله,والظاهر الباطن هو الله يعزُّ من يشاء ويُذلّ من يشاء بيدهِ الخير وهو على كلّ شيء قدير والإحساسُ بهذه العظمةِ لله يقودُ المسلمين لامتثالِ أمرِ الله تعالى..( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ)فتحقيقُ هذا اليقين،يخلعُ خوفاً في القلب من مصيبة أو جبروت أو تسلّط طاغوت،ويجعلهُم يحتقرون القُوى كلَّها بجانبِ قوة العزيز القهار،ويعلمون(أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا(فتصغرُ في عيونِهم كلُّ قوةٍ مهما عظُمت إِذا هم استمدُّوا قوَّتَهم من الله ربِّ العالمين..فالله ناصر المستضعفين والمظلومين وحسبكم بالله نصيراً(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)فالدعاء امتلاءُ القلوبِ بمعيَّةِ الله,فلا شكَّ في نصره ولا تردّدَ في صدق وعده(وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ)..قال صلى الله عليه وسلم{أعجزُ الناسِ من عَجِزَ عن الدعاء،وأبخلهُم من بخلَ بالسلام}
عباد الله..أخلصوا في الدعاء،(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)يا من تطلبون النصر(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)يا من توجهتم للأضرحة والقبور(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ..)يا من توجهتم للسحَرة والمشعوذين(أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)؟.يا عبد الله.. "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
فيا أيها المريض ضعْ حاجتَك بين يدي الشافي المعافي أتى عثمانُ بن أبي العاص رسول الله فقال بي وجع قد كاد يهلكني،فرد عليه صلى الله عليه وسلم-"امسحه بيمينك سبع مرات،وقل.. أعوذ بعزة الله وقدرته من شَرِّ ما أجد"قال..ففعلتُ ذلك،فأذهب الله ما كان بي،فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم..أين المحتاجون من حسن الشكاية لله بدل الشكوى للمخلوقين والضعفاء؟قال الفضيل بن عياض.. كان الربيع بن خثيم يقول في دعائه..أشكو إليك حاجة لا يحسن بثها إلا إليك،وأستغفر منها وأتوب إليك.تأمل يا عبد الله قوله..لا يحسنُ بثُّها إلا إليك!ليس كمن يطرق كل باب،ويتعلّقُ بكل مخلوق،ويتركُ بابَ ملكِ الملوك،ومَن بيده مفاتح الفرج ومفاتح الأرزاق.وكان دعاء علي بن الحسين زين العابدين اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.أين المذنبون،العصاة،الغافلون؟أين هم عن الدعاء وكثرة الاستغفار؟ادع الله حتى للعصاة المُتَمكِّنِين فرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بأن ينصر الله الإسلام ويعزه بأحد العمرين فأسلم عمر ونصر الله به الإسلام وأعزه..اللهم تقبل منا دعاءنا واغفر ذنوبنا..واستر عوراتنا..وآمن روعاتنا..أقول قولي..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أن الدعاء يَردُّ القضاءَ فاجتهدوا بالدعاء..
وله آدابٌ يلتزمُ بها الإنسان منها..اختيار الأوقات الفاضلة للإجابة كرمضان ويوم عرفة ويوم الجمعة وساعتها التي إن وافقها أُجيبَ لَه والسَحر وحين يكون ساجداً أو مسافراً..وبعد الآذان وغيرها من أوقاتٍ فاضلة ومن آدابه استقبال القبلة..ويرفع يديه بالدعاء عامة ويبدأ دعاءه بتحميد الله سبحانه ويختمه بالصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجزم في المسألة ولا يُعلِّقُها على المشيئة بقوله..اللهم اغفر لي إن شئت ويتيقن بالإجابة كان عمر يقول..{إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل همَّ الدعاء}..ويلحُّ في سؤاله ويتوسلُ بأسماءِ الله الحسنى وبصالح العمل ويبتعدَ عن غفلة القلب..واستبطاء الإجابة وفعل المعاصي وأكل الحرام الذي يمنع الإجابة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..ولابد للدعاء من أن يخرجَ من قلوب صادقة ملتجئة إلى ربها مستحضرةً لمعاني دعائها فالدعاء علاجٌ ليس له ثمن أو مرتبة(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ)واعلم أخي أنك إذا دعوت أنت بين خيارات فاضلة إما أن يستجيب الله لك أو يدفع عنك سوءاً أو يدخرها ليوم القيامة لك!!فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة دوماً..اللهم إنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد..اللهم لا ربَّ لنا سواك فندعوه ولا خالق لنا غيرك فنرجوه أنت ربُّ المستضعفين..ومجيب المضطرين وجابر المنكسرين إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي فأنت أكرم من أن نُقبلَ عليك فتصد..أو نلجأُ إليك فترد لا ملجا ولا منجى منك إلا إليك..أنت المرتجى إذا ضاقت الخطوب..وأنت المؤمَّل عند الكروب..تطاع فتشكر..وتعصى فتغفر.تمحو الذنب العظيم..وتشفي الداء السقيم..حلتَ دون النفوس..أخذت بالنواصي والأقدام..لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين..اللهم فرّج مصاب إخواننا في كل مكان واشف مرضانا..وانصر دينك وكتابك..وارفع راية الدين وفرج كرب المستضعفين فما لنا ولهم غيرك يا ألله ..