• ×

06:38 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

بيئتنا مسؤوليتنا

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله نهى عن الفساد في الأرض والأوطان..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،أرشد الأمة لطريق السعادة ودخول الجنان،صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقبت الدهور والأزمان..أما بعد فاتقوا الله عباد الله
تكلم القرآن كثيراً عن عظيم صنع الله وروعته بالأرض والإسلام يأمرُ بكلّ خير،وينَهى عن كلّ شرّ،يحث على آداب ومحاسنِ الأخلاق،منها الحفاظُ على البيئة التي نعيشها بها وعلى الأرض التي نسكنها ولنهتمَّ بهما،لمصلحة الفرد والمجتمع..والإنسان مستخلف في الأرض((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)وهي خلافةٌ ذات مسؤوليةٌ جسيمة..قال صلى الله عليه وسلم:"إن الدنيا حلوة خضرة،وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون"رواه مسلم فمفهوم الاستخلاف للإنسان خيرُ رابطٍ بينَه وبينَ بيئته.فخالق الإنسان وصانع البيئة واحد(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)والإنسان مرتبطٌ ببيئته وهو عنصر مهم من عناصرها..ولذلك أُمرَ بحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية لأنها عمارةٌ للأرض وسلامةٌ للإنسان والكائنات جميعاً،يجب حمايتها من التلوث والتخريب والانقراض..فحمايةُ الصحة والبيئة،والتوعية والتثقيف والتربية على العناية بالصحة وحماية الأحياءِ والحياةِ على هذه الأرض،خُلقٌ عظيم فما صنعه الخالق سبحانه كاملٌ متقن ولا شيءَ خُلقَ عَبثاً في هذا الوجود(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)وإن تصرَّفَ الإنسانِ جهلاً وعدوانية تخريبٌ للبيئة وإفساد((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ))وخاطب الله الإنسانَ((وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا))وذلك للعيش بها والاستفادة منها..
الطهارة مثلاً عباد الله وأحكامها دين وعبادة وحماية للبيئة تصلح بها أحوال الناس والحياة تربية على النظافة في الجسد والملبس والبيت والشارع والإناء(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)فالله طيب لا يقبلُ إلا طيباً،ونظيفٌ يحبُ النظافة،كما ورد!!ومن لوازم الطهارة حماية البيئة من تلويثها وإفسادها،فرسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق في الأرض لمضرته ومخالفة الذوق ونهى عن التغوّط تحت الأشجار المثمرة،والتبوّل في المياه الراكدة والجارية وعلى الطرقات،حمايةً للبيئة وحفظاً للطهارة والصحة،فخطر فضلات الإنسان على الصحة وتلوث البيئة،لاسيما المياه تساعد على نمو الجراثيم ومما يضر بالبيئة والأرض ومن ذلك تساهلُ بعضِ المزارعين بلا خوفٍ من الله بوضع المبيدات والكيماويات وبيعها مباشرة فهذا ضررٌ بيئيٍ وخلقي ومحرمٌ شرعي..فالإسلام يحمي الإنسان ويحافظ على صحته وحياته المدنية بجلب المصالح له ويدرءُ المفاسدَ عنه فلا ضرر ولا ضرار،فما يضر الأرضَ والبيئةَ يُحرّمه الله كالتجاوز في الصيد وإفساد البحار والبراري وتلويثها بآثار المصانع المدمرة وغير ذلك مما اتفق البشر على الحدّ من أخطاره وأضراره بالتخلص من الفضلات وأخطار التلوث ومخلفات مجازر الحيوانات وفضلاتها هذه من أكبر مصادر التلوّث بالجراثيم والأمراض وهو إفسادٌ في الأرض تحتاج إلى حلول لتدويرها!!وهاهنا معنى مهم لننبه له وهو أن الفساد وفعل المحرمات مؤثرٌ أيضاً على خراب الديار وفساد البيئة!!
عباد الله..البيئة في العالم أجمع تشكو مما أصابها وأثر على كيان الأرض ومخلوقاتها مما يدعو جميع الخلق لمواجهة تلك المشكلات البيئية كتلوث الهواء والماء والتلوث الإشعاعي والضوضاء وتلوث التربة والغذاء،كل ذلك خطر على الأرض والإنسان،فكلّنا على كرة أرضية واحده ومن المهم أن نتفق على حمايتها بعد أن أصلحها الله..فالإحصاءات عن تضرر البيئة والجو مخيفة فقد توفي عام 2015 12.5 مليون إنسان في العالم لأسباب تتعلق بالبيئة إضافةً لانقراض طيور وحيوانات وتعرّض الباقي للخطر أما أرضنا الخضراء ففي تناقص مستمر بمعدل اثنين بالمائة سنوياً نتيجة الاستنزاف فوجدَ التصحّرُ وانعدام الغطاء النباتي وعشرون بالمائة من أنهار العالم مُلوثة و تحتاج بعض البحار في العالم لمئات السنين للتخلص من تلوثٍ أصابها تغير المناخ وتقلباته وتلوث الهواء بأضراره وبنسبه المخيفة أصبح يمثل قلقاً للعالم والعجيب أن بلداناً نسميها متطورة وتدّعي المحافظة على البيئة هي أكثر الدول المسببِّة للتلوث بنسبٍ عالية وهذا لا يعفي بلداننا من الخطأ والمسؤولية أما المياه فالممارسات الخاطئة والإسراف بها أدى لندرتها ونضوبها في الأرض..مما يهدد بخطر حقيقي بفقدها عياذاً بالله..فإسرافُنا بالمياه في بيوتنا ومزارعنا أوصل استهلاك الفرد للمياه إلى (350لتر) يومياً،لاحظ للفرد وهو أمر لا مبالغة به إذا تخيلنا ما تقوم به العاملة المنزلية مثلاً من الصباح إلى المساء كما أن الاستهلاك الزراعي للمياه يهددنا بمشكلةٍ كبرى لأنه يستهلك أكثر من 90% من مياهنا الجوفية سنوياً..إعدادُ لترٍ من اللبن يحتاج لـ 25 لتر من الماء من الأعلاف وغيرها كأننا نعيش على أنهار مما يجعلنا في خطرٍ داهمٍ لفقد المياه،فما بالكم بإسراف الكهرباء الذي نمارسه أما إسراف الطعام وبقاياه حسب آخرَ إحصاء نحن الأول عالمياً مع الأسف..نعم نحن بما نتركه من بقايا أطعمة تتلف بسبب الإسراف..إسراف بالسيارات واستخدامها ولاسيما في البراري وتعدّي على المزارع فما هذا يا عباد الله؟بعضنا يخرج للنزهة فيفسد أكثر مما يستمتع برمي مخلفات وإفساد براري وغابات وغير ذلك من حقائق وإحصاءات توضح مدى خطورة الوضع الذي وصلنا إليه نتيجةَ سوء استخدام البيئة من قبل الإنسان بسبب إفسادِ أرضٍ أصلحها الله وديننا الإسلامي وكل الأديان تدعو للمحافظة على البيئة،وتُحرِّم تلويثَها وإفسادها؛فالله خلقَها للإنسان وسخرها لخدمته ومنفعته(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)فحماية البيئة في الإسلام سبب للحفاظ على الإنسان،الذي أُمر بأن لا يسرف ولا يستنزف مواردها(كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ*الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)..
الماءُ والهواء أولاهما الإسلام عنايةً كبرى،وسر ذلك كونهما عنصرين أساسيين يتوقف عليهما وجود الإنسان والنبات والحيوان واستمرار حياتهم(وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)يحث صلى الله عليه وسلم على حماية البيئة ومكوناتها،فكان عليه الصلاة والسلام يوصي الجيوش بأن لا تقتُلُنَّ امرأةً،ولا صغيرًا رضيعًا،ولا كبيرًا فانيًا،ولا تُحرِقُنَّ نَخْلاً،ولا تَقَلَعُنَّ شَجَرًا،ولا تَهدِمُوا بيوتًا)رواه مسلم هذا في الحرب ومن باب أولى في السلم،انظروا كيف تعظيم الحرم بالمحافظة على بيئته بعدم قطع شجره ولا تنفير طيره وعدم صيده للمحرم ويقول صلى الله عليه وسلم:ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان له صدقة"رواه مسلم..تشجيعاً على الشجرة وغرسها ونشرها والمحافظة عليها من العابثين السفهاء ممن يتسبَّبُ باستهتار في قطع الأشجارِ بل وقلعها والاحتطابِ الجائر على الغابات التي تمثل حمايةً للأرض والهواء والنبات وما أكثر التعدي على الشجر والغطاء النباتي اليوم غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون"ويقول صلى الله عليه وسلم-"إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِى يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا "‏عظيم أمل وتواصل عمل بدون كلل..فمن سيستفيد من غرس فسيلة مع قيام الساعة؟كتشجيع لمفهوم البيئة والشجرة والحفاظ عليها!!إننا اليوم نفقد كثيراً من الأشجار والمناطق الخضراء بسبب فوضى يمارسها البعض إما جهلاً أو جشعاً بالمال أو غيره!!الماءُ يتناقصُ في بطن أرضنا..يمرُّ صلى الله عليه وسلم بصحابي يتوضأ فقال "ما هذا السرف؟"فقال"أفي الوضوء إسراف؟" قال "نعم وإن كنت على نهر جارٍ)رواه ابن ماجه. ويوصي أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه جيوشه"لا تَعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة،ولا تذبحوا شاة ولا بعيرًا إلا لمأكله"فأين دورك إذاً أنت في حماية البيئة والحفاظ على مقدرات أرضٍ ذللها الله لك لنا لنعيش فيها..أيها الشباب..منتزهات وأشجار حافظ عليها آباؤكم وحموها من الاحتطاب فحافظوا عليها واحرصوا على نظافتها فمما يؤسى له أن تجدَ مُستهتراً لا يُبالي بقطعها أو بجرها بسيارته بذاءةً تأتي لأحلى الأماكن إعداداً وتجهيزاً فتراها ممتلئة بالقاذورات وسوء التنظيم وسوء الاستفادة منها مع إنَّ نظافة مكانك لا يكلّفك شيئاً ويدلُّ على دينك وخلقك وثقافتك..فديننا دين نظافةٍ وطهارة..
أيها الشباب ..كونوا خيراً لدينكم وأوطانكم وبيئتكم واحذروا من ممارسات الإفساد في الأرض والشجر والشوارع عبر سياراتكم مما أنعم الله بها عليكم..فمما يُؤسَى له ممارسات شبابٍ بسياراتٍ في براري ومتنزهات ومناطق خضراء بتجمعات فوضى وتفحيط..وترك أماكنهم مزبلةً بعدهم فهل هذا دين وخضارة؟! وهل هو شكر لله على نعمة المال والصحة والفراغ..الشعورُ بحمايةِ البيئة والشجرة هماً نتواصَى عليه أيها الشباب بطريقة سيرنا واستخدامنا للمكان والفياض الناضرة..فإسلامنا مدرسة خلق وقرآننا منهج حياة والسنة تعليم وبيان فهل تعلمنا الدرس وحافظنا على البيئة قبل فسادها بصنع أيدينا(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)اللهم اهد شبابنا لصالح الأخلاق وأن يحفظ لنا أرضنا من كل سوء ويهيئنا لفهم ديننا وتطبيق تعاليمه..ونسأله شكر نعمته و دوامها المحافظة عليها من الإسراف والتبذير..أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
أيها الأحبة.. إذا تحدثنا عن البيئة ومسؤوليتها فلا بد من زيادة الوعي بها ونشر مفهموها لدى بعض الناس اليوم ممن يحافظ على النظافة ويلتزمون تعاليمَ الاستفادة من مرافق الأرض وبراريها بدون إفساد،وهذا وعيٌ ولله الحمد موجود ويزيد ولكنك ترى أيضاً جهلاً وسوءَ تصرّف من البعض رغم جهود كبيرة من عدد من الدوائر الحكومية تنشر مفهوم الحفاظ على البيئة من أمارةٍ وبلديةٍ وزراعةٍ ومياهٍ وجهات تطوعية وشبابية بالتوجيه وحماية الحياة الفطرية،ونحن نشكر مثل هذه الجهود..لكننا نطالب بزيادتها ونشر الوعي بها فهذا العالم الذي نعيش به أصلحه الله..صنع نظامه واستخلفنا فيه فلا نفسد فيه بممارساتنا..شعور يجب أن نربي عليه أولادنا وأهلنا فكثير من هذه الممارسات الخاطئة هي لأولادنا وهي تحتاج إلى التوعية والانتباه دوماً!!نريد أن تكون البيئة وأهميتها والحفاظ على مقدرات الأرض همَّاً وتربية للتعليم في مدارسنا وللقنوات في إعلامنا ووسائل تواصلنا فما يفعله المتهوُّرون بسياراتهم وإفسادهم نتاجَ بيوتنا ومدارسنا ..البيئة تحتاج لعقوبات في نظامنا للمتجاوزين على البيئة والمفسدين في الأرض والمسرفين..اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر وأصلح أرضنا وشجرنا وماءنا وسائر أحوالنا وأن وجنبنا الإسراف والتبذير وبارك لنا فيما أعطيتنا من نعم وجنبنا الإسراف وارزقنا شكرها.

 0  0  399

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.