• ×

06:11 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

أذاعوا به!!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله العليِّ الكبير،وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، اللطيف الخبير،وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله،الداعي لأكمَلِ دين وأهدى سبيل،عليه وعلى آله وصحبه أزكى الصلاة والتسليم..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
فتح الله تعالى في هذه العصور كانت فتحاً من الله عظيماً في التقنية والاختراعات،سيما في عالم الاتصالاتِ الذي يُعدُّ التطور الأهم هذا العصر بما لم يكن في الحسبان، ولا يخطر على إنسان ، وبَهرت بعضُ هذه التطبيقاتُ ألبابَ الناس فتعلّقُوا وتابعُوا جديدَ برامجِها وتعاملوا معها كلٌ حسب دينه وقيَمِهِ..بعضهم أظهرَ أدقَّ تفاصيلَ حياتِه وتصرفاتِه وتابعوا من خلالها حياة الآخرين وفراغهم وتفاهاتهم بل أصبحت حياة كثير من الناس وتصرفاتهم مرتهنَةً لهذه الوسائل والبرامج المتنوعة..
بناءُ الأسرة اهتزَّ بالانشغال بهذه الوسائل! ومكانةُ الوالدين ضَعُفَت تماسكُ المجتمع وتكاتفه تخلخل والجرأةُ زادت على بعض القيم والمحرمات في تلك الوسائل..تسارعٌ لخصومةٍ وتعدي على ثوابت الدين وإذكاء للقبلية والعنصرية والثيل من قيم المجتمع والتشجيع على الفساد وبرامجه والغناء وأهله وافتراءً على المجتمعات إفسادٌ للأوطان لأجلِ تفاهاتٍ سياسية فتتحولُ بلدانهم لخراب ونشرُ المنكرات ومقاطعها!!
البعض يعيشون عبر هذه الوسائل والبرامج لهواً وغفلةً مُسيطرةً مهملين ما يُنيرُ عقولَهم ويرفعُ همَّتهم فتأثروا كغيرهم بثقافةٍ تافهةٍ غالبةٍ أصبحت طاغية.. فسقطت الهممُ العالية بم لا يرقى بفكرٍ ولا عقلٍ ولا علمٍ!حتى وصلنا لزمن سيادة التفاهة وثقافتها المنتشرة..فوسائل التواصل أظهرت بتنوعها لدينا وطريقة استخدامها من واتس وتويتر وسناب شات وفيسبوك وغيرها ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في إظهار سلبياتٍ عندنا لم نكن نعرفها..البعض يحمل جهازه بيده يهرف بما لا يعرف..ولا يتورع عن التهم بأن يقذف..يتحدث بالدين تجاوزاً ويظهر بالنعيم إسرافاً ولا تراعي النساءُ حجاباً ولا الرجال لا يحترمون شيبتَهم والدعاية كذباً وافتراءً أما الأوقات فشئنا أم أبينا سَرَقتها..وكشفت عن ضعفِ خُلقٍ وقيمِ يتابعه كثيرون لدينا بمشاهداتٍ هائلة لتوافه لايُضيِّعون بها أوقاتهم فحسب بل يتابعون ضياعَ أوقات غيرهم وسخافاتهم وترف الأغنياء ومباهاتهم..مع تشويهٍ لمجتمعاتنا بمتابعة ذلك!!ونشرٍ للإشاعة بلا تثبت ولا تروّي..اتهامٌ للأشخاص في ذممهم وأعراضهم، وتُشويهٌ للبلد والجمعيات..إشاعةٌ تُخلُّ بالأمن والمجتمع وتنشرُ الكذبَ والجريمةَ والخوف والقلق في الناس ولايبالي بآثارها ناشرُها.. فالمهمُّ عنده تحقيقُ سبقٍ بنشرها ولو كذباً أو تمّ نفيها لاحقاً مع نيله لإثمِ نشرِها وأثرِها...حتى ثبتت مؤامرات ومراكز بالعالم تستهدف أمن البلدان عبرها وتتآمر عليها..وتبث التغريدات والشائعات بهدف التدمير وزرع الفتن ونشر الفساد وإظهار قبوله من الناس فيها(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)يظنُّ من ينشر بلا تثبت أنه سلم من الإثم والغيبة وقد يكتبُ باسمٍ مستعار أو يرمزُ ويلمزُ بكلامٍ!!ويتركُون بابَ المناصحة المشروعة والشفافيّة والوضوح ثم يدّعون الإصلاح!وعندما نتكلم عن هذه الوسائل والبرامج والتطبيقات،نريد توجيهها لا مواجهتها والتحذير من مثالبها،لا هجرها بل إعطاؤها الحجم الطبيعي من الاهتمام والوقت،فهي سلاح ذوحدين،من استعان بها على طاعة الله،وعلى اكتشاف المعارف والعلوم وبثها،كانت زاداً خير له وإصلاح وتطوير،وتوازن في التعاطي معها،كانت له خير اًو بركة ،وإن كانت تأخذ منه وقتاً طويلاً لمتابعة ما يضيع عقله وخلقه،فهذا قد شغل قلبه ووقته بما لايعود عليه بأجر أو فائدة وثقافةٍ تفاهةٍ منتشرةٍ في وسائل التواصل عندنا..إشاعةٌ وإسرافٌ وترفٌ ينافي أبسطَ قواعد العقل والأخلاق والقيم فأسرار البيوت أصبحت مكشوفةً عبرها ومُعرَّضةً لاطلاع الغريب واختراق البعيد..والفضيحة والتهديد..والبنات يظهرْن فيها بتبرجٍ وسفور وإظهار لمواهب الأطفال في اللعلن وجمالهم للأغراب مما قد يسبب الحسد..وهو تعدٍّ على حقوق الأطفال..تافهون أغنياء يفاخرون بإسراف أموالهم ليغيظون الفقراء..أناسٌ عبر السناب وغيره يُشغلون الأمةَ بسخافات ومتابعوهم يلاحقونهم على مافيهم من عوج..ليتنافسوا بإظهار التوافه..يتابع بعضهم أفعالاً خادشةً للحياء وقد تكون محرّمةً..لاتليق أن تُنشر أو تُشاهدَ فكيف بانتشارها ومتابعة الصغير والكبير لها..يكذب أحدهم فيشتهر ومع نفيها يصدقها الناس!يُقلِّدونَ النساء!أفعالٌ هستيريّة لكبيرٍ بلحيته أو لمجنون في عقله!أفتريدون ثقافةً للتفاهة وضياعاً للهمم والعزائم أكثرُ من ذلك؟عبر وسائل التواصل..
صاحب الترف كأنه يقول(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً )وتصرفت بعضهم قد تجلب النقمة فيحقَّ عليهم قولُ الله فيُدمَّرون..(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)فمظاهر الإسراف والترف سببٌ للتدمير وفقد النعم ألم يوصي الله محمداً صلى الله عليه وسلم(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)أي لا تنظر معجباً مستحسناً لأحوال الدنيا والمترفين بها فإن كل ذلك لنفتنهم فيه ليعرف مدى شكرهم وعدم إسرافهم أو لتكون وبالاً عليهم وندماً!!وقد ثبت بالتجربة أيضاً أن بعض إظهار هذه النعم كان سبب حسدٍ وإصابة عين التي هي حق ولا شك ..
عباد الله..إنَّ دراسةً يسيرةً لما يُنشرُ في وسائل التواصل يبين أن أغلبه ليس ثقافةً حقيقيةً وعلماً يُنشرُ أو خُلقاً يُقتدى به وإنما هو تفاهةٌ وترفٌ وتكرارٌ..وكذبٌ وللوقت إهدار ونشر لأحاديث ضعيفة وما لا يصح من الأذكار..وإذا وُجدَ ما يَنشرُ القيم ويعرض النفع فسيُواجِهُه البعضُ باستهتار!!حتى الدول أصبحت تعاني من آثارها على الشعوب وقوة تأثيرها وسرعة انتشارها الخلل عبرها..
أصبحنا نتهاونُ برؤيةِ المحرمات ونعتادُها بكثرةِ المقاطع..وظهورٍ لنساءٍ متبرجات وموسيقى وأغاني..مشاهداتٍ مُخلِّة..مقطعٌ غريب..مقطعٌ مضحك..وغيره من عناوين لامعةٍ جذّابة تغري للمشاهدة لكل جديد..لايُستثنى منها رجلٌ ولا امرأةٌ ولا أطفال..أسهل شيء فيها اتهامُ الناس والمناطق والحديثُ بأعراضهم والتشفي بمصابهم والناس يُصدّقون بينما الله يقول(وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)..وكأننا لسنا محاسبون على ما نكتب ونقول ونشاهد (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)وسائل أعطت بطرحها صورةً ظالمة عن المجتمع أنه فاسد بنشر الفساد شئنا أم أبينا مع إضاعةٍ للوقت..وأثّرت على التواصل والصحة والودِّ بين الأسر.. وكثرةُ استخدامها والتأثُّرُ بها تُبيِّنُ أهميةَ الحديث عنها وضرورةَ الاهتمام بها إضافةً لمخاطر أخرى تدعو للانتباه لها فالبيوتُ مملوءةٌ ومتأثرةٌ باستخدامها..والجرأةُ الزائدةُ بما يُعرض تَعدَّى الثوابتَ والقيم وأنظمة الدول مما يثيرُ الفتنة والمجونَ ويحتاج لوقفاتٍ ووقفات حولَها.. اليوم أصبح كل أحد يرسل ما يأتيه لا يُبالِي إن كان مُحرَّماً أو صدقاً أو يناسبُ عقلاً أو يثيرُ إشاعة..وكأن بعضَ الناس ضاعَ عقلُهم وتمييزهم بمتابعة هذه الوسائل ونشر ما فيها للمشاهير حتى انطبق عليهم قول الله(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)
إخوتي..نحن لسنا نُعمِّمُ الشرَّ والتفاهة كلا والله..فالخيرُ في هذه الأمة باقٍ بدعاةٍ ومُثقّفين وأناسٍ جادين..يستفيدون ويفيدون بوسائل التواصل برقيٍّ للفكر وعلاجٍ مناسبٍ للمشكلات ومتنفسٍ للهموم وصوتٍ مُعبرٍ للحق وعرضٍ لمآسي الأمة وآلامها شرقاً وغرباً..وحديثٍ عن هموم الناس ليتجاوب المسؤول معها..وكذلك وعظاً ونصيحةً وإرشاداً وتذكيراً بالحق في وقته وذكراً لله وصلاة وسلاماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأينا أثراً إيجابياً لها في الحفاظ على تماسك دول!!والمؤسف أن ذلك خيرٌ قليل أمام رُكامٍ كبيرٍ من تفاهةٍ تنتشر ومتابعة تحصل في هذه الوسائل..وتلقى رغبةً وقبولاً ومتابعةً لا تستغرب معه قول القائل [لا غرابة لكثرة متابعي الدجال فهذه الوسائل بتفاهة ما يطرح بها وكثرة متابعيها تثبت صحة ذلك]أحدُ عقلاء السناب ومشاهيره يقول..لو أني طرحت المواعظ وأكثرت منها لما تابعني أحد..وهذا يدلُّ على حجم تفاهةٍ يقودُ استخدامَها تقليداً!!يقول صلى الله عليه وسلم(لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطِّنوُا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا)رواه الترمذي..اللهم اهدنا للعقل والخير والهدى والصلاح وأعطنا من خير هذه الوسائل ما يرضيك وجنبنا فيها ما يغضبك..أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..وبعد..
وسائل التواصل إخوتي نعمةٌ من الله رزقنَا الله إياها قرَّبت البعيد..فالمسافرُ يُطمئِنُ أهلَه..وهي سبب للصلة والتواصل ولمعرفة أخبار الناس وأحوالهم وشجونهم وشؤونهم!!هي نعمة تستحقُّ منا الشكر!! وشكرُها باستخدامها بالمفيد..وهي وسائل تؤكد معنىً إيمانيّاً عظيماً للرقابة الذاتية فالله رقيبٌ عليك ياعبد الله في هذا الجهاز..أنت تستخدمه بنفسك بخصوصية وأرقام سرية لا يعرفها إلا أنت..أنت تُرسلُ وتستقبل أنت من ينشر لا رقيب عليك إلا الله..فإن أسأتَ تأثم وإن أصلحت تُؤجر!!فاسعَ لأن تعبدُ الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..احرص أن تتعامل معها بما يُرضي الله عنك..كما أنها وسائلُ أكَّدت مسؤوليةَ الدولةِ والأبِ والأسرةِ والمدرسةِ والتعليمِ بمجملهِ، والإعلام بأكملهِ، كلُّهم مسؤولون أمام الله بمراقبة هذه الوسائل ووضع الأنظمة الزاجرة والمؤدّبة لمن يُحاولُ العبثَ من خلالِها أو ينشرُ فيها ما يُسئُ لبلده أو للناس أو يتطاولُ على ثوابتِ الدين..وليتق الله كل من يساهم بإظهار الفساد ونشره وتسويقه بلا فائدة إلا أن يستأنسه الناس ويعتادوا عليه حتى لو وقع حقيقة اكتموه ولا تظهروه وأميتوا الباطل بعدم نشره فإن فعلكم هو ما يريده المفسدون ليظهروا أن الفساد رغبة للناس فليس من المعقول انتشارُ مقاطع تؤثّرُ على أمننِا وبلادنِا وتشوّهُ سمعتَنا أو تتطاول بجرأة على ديننا وثوابتنا بتساهل أو بدعوى أنه يريد إنكاره. نحتاجُ لأنظمةٍ رادعةٍ تُطبّقُ على المتطاولين من خلال هذه الوسائل لنحاربَ شرورَها ومخاطرَها.. ونحسنَ استخدامها..نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمته.. وأن يهدينا جميعاً للخير والهدى والصلاح والتوفيق..اللهم احفظ علينا أمننا..وأدم علينا النعم وارزقنا شكرها وباركها..وانصر جندنا المرابطين.. ووحد كلمة الأمة وأنقذ مستضعفها..واكفنا شر الطغاة والمرجفين.. وأصلح ولاة أمور المسلمين..والحمد لله رب العالمين..

 0  0  462

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.