الحمد لله،دائم الفضل والإحسان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديّان،وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله دلنا على الإحسان،صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أنَّ ديننَا الحنيف كاملٌ في بيانه..عظيمٌ في توجيهه شامل في بنيانه..غزيرٌ في تعاليمه..وتوجيهاته كما هي لعبادة الله وتوحيدِه وإقامةِ شرائعهِ فهي تهتم بسعادة الحياة للمسلم وتكاملها له وكيف يقيمها ويحفظ فيها نفسه من الشرور والفتن والحزن والمحن،يدلُ على الخير ويناسب العقل والعصْرَ وحُسنِ التصرفِ للفردِ والأسرة والمجتمع..ومما حذرنا الله منه الإسراف بل شدَّد فجعلَ المبذرين إخوانَ الشياطين..ومن أبواب الإسراف ظاهرةٌ نلحظُها مؤخراً وهي شراهة الشراء وكثرته وغالبه حسب الدراسات لغير حاجة..وحُمَّى الاستهلاك والشراء اجتاحت رجالاً ونساءً أغنياء وفقراء،حواضر وبوادي،وكلِّ ما هو موجود،وكل ما هو آتي..ظاهرةٌ بَرزتْ وتورَّمَتْ لدى البعض إما لسهولةِ الحصولِ على المالِ.أو بدعوى التقليد للغير وآخرون بمرض هوسِ الشراء!!نسأل الله السلامة يشتري ويُخزِّن ثم لا يستفيد منه ويخرب!!قروضٌ بنكيَّة ميسَّرة،وبطاقاتٌ ائتمانيةٌ مُغرِيَة،تؤزُّ الناسَ لنَّهمِ الشراءِ أزَّاً،وأصبحت الطلباتُ الزائدةُ في الأسرةِ تُلبَّى فرداً فرداً،حتى حوَّلت الشراهة الاستهلاكية الكماليات لضروريات..من شراءِ سيَّارةٍ فوقَ دخله..وبيتِ ليس لحجمه أو لسفر متعة أو أثاث قد لا يستخدمه..ويولعون بإعلاناتٍ للبيع ومهرجاناتٍ تُسوَّقُ تستغلُّ الجمعةَ والمناسبات بمسمياتٍ متعددةٍ وتشوِّهُها كقولهم الجمعة السوداء وسرعة التوصيل ثم يتورطون بما اشتروه!فإحدى الإحصاءات ذكرت..أن ثُلثَ ما يتمُّ وضعُه في عربة المشتريات،هو كماليات،يمكنُ الاستغناءُ عنها ومصيرها غالبًا للتلف والاستغناء..خاصة الأغذية والملابس وغيرها!!ومواجهةُ حٌـمَّى الاستهلاكِ ليس دعوةً للبخلِ والإقتار،وليس لعدم إظهارِ نعمة الله على العبد، بل المقصودُ الشراءُ الزائد فوق الحاجة، فإنه يسمى تبذيراً وإسرافاً.
أيها الأحبة..إنَّ التقاربَ والانفتاحَ بين البشر،وسهولةَ التواصلِ وتعدّدِ الوسائل بين فئاتِ المجتمعِ أوجدَ ظاهرة عالميةً سلبيةً فلقد تحوّل الشِّراءُ والاقْتِنَاءُ مِنْ سلوكٍ فَرْدِيٍّ إلى حُمَّى عَامَّة،فالغنيُّ يُسْرِفُ،وَالفقير يَقْتَرِضُ ليُجاري ويصرف وربّما أجلَّ فواتير كهرباء وماء لتنقطع عنه لأجل نهم الاقتناء الذي جعل البعضَ يَعِيشُ هوسَ كلِّ ما هو جَديد، فإذا لاحتْ إليه رَغْبَةٌ اشْتَرى،وإذا هَامَتْ بِخَاطرهِ نَزْوَةٌ اقتنى..يشترون كوب عصير أو قهوة بأضعاف تكلفته للتصوير ومجاراةُ الغيرِ مما أفقر رجالاً،وأفسد بيوتاً، وفرَّقَ أسراً،ثم نُزِعَتْ بَركةُ الشملِ والفرحِ مِنْ أهلها..وراحت متعة اجتماعاتنا بيننا!!شهوةُ الشراء جعلت البعض يستدين دوماً لأجل مجاراةٍ في كماليَّات،أو تنافسٍ في مظهريَّات!فلأجلِ سَفَرٍ وسياحة،ورغباتٍ فوق الحاجة،تراهُ يقترضُ من هذا،ويستدين من ذاك،ثم يتخذها عادةً،فيقرع الأبواب،ويُلِحُّ في المسألة،ويَتَمَسْكَنُ في الكلام،وكان في سَعَةٍ وغنى عن مثل هذه المواقف ومن أشتري ما لا يحتاج باع ما يحتاج!وأصبح الشراءُ فوقَ الحاجة سلوكٌ إسرافيٌ بامتياز، وأهلُ الإسراف عند ربهم مبغوضون ومبعدون، وعن هداه خاسرون ومحجوبون،والمبذرون إخوان الشيطان توعَّدهم الله(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)(كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ(وقال.. )إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(قيل لبعض الصالحين(زاد سعرُ بعض السلع فقال..(أرخصوه بالترك)!!
عباد الله..هوسُ الشراءِ المؤدي للتبذير ذمَّه الشرع في كلِّ صوره، في المطعم والمشرب، والملبس والمركب. فالْأَطْعِمَةُ يقول الله فيها(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(وفِي الْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَثَاثِ يوجهنا(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(وَفي الحديث(كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ..ومؤسف ومزعج مفاخرة المبذرين المتباهين،بنشر صورهم وتباهيهم بالسناب وغيره بالمفاخرة بالموجودات والمقتنيات، ولسان حالهم(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)أو لم يشعروا بظلم أنفسهم وعقوقهم لمجتمعهم بنشرهم وإشاعاتهم لثقافة التباهي والبَذَخِ..والمبالغة في الكماليات قد تكون على حساب بعض الضروريات..
إيَّاكَ والإسرافَ في لذَّةٍ *** فليسَ للمسْرِفِ إلا الأَسَى
فاقْصِدْ صلاحَ المالِ تَنْعَمْ به *** ومُدَّ رِجْليْكَ بقدْرِ الكِسا
فكَمْ رأَتْ عيْناكَ مِنْ مُسْرِفٍ *** أَسْرفَ مِنْ قبلك قد أفْلَسا
لا يَلِيقُ والله بنا إهدارُ الْأَمْوَالِ،وفِي بلادنا وبلاد الْمُسْلِمِينَ مَحْرُمُونَ،وفقراء ومديون ومَنْ لا يجدون فهذا يُعظِمُ حُرمةَ الإِسْرَافِ،ويدعو للحذر منه فوجوده سببٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَزَوَالِ الْأَمْوَالِ، وَإِفْقَارِ النَّاسِ، كيف والأَخطَارَ تُحيطُ بِنَا، وَالنُذُرُ تَأتِينَا.وإن شراهة الشراء التي يأمر بها الهوى،وحفظ المال الذي أمر به الشرع والهدى لايجتمعان،فالهوس الشرائي نهايته إفقار النفس والبيت، وَاللَّهُ تَعَالَى كَرِهَ لَنَا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ والشراء إنما هو للحاجة..وإذا ضاعَ المالُ ضاعتْ معه مصالحُ شرعيَّة،ووُجدت المفاسدُ وادخار المال من غير بخلٍ حفظٌ للدِّينِ وَالْعِرْضِ وَالشَّرَفِ،وأمة ليس لها مال ولا اقتصاد لَا يَحْتَرِمُهَا الْآخَرُونَ،ومن لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ لَا يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَلَا يَأْبَهُونَ بِهِ؛ومَنْ حَفِظَ مَالَهُ فَقَدْ حَفِظَ الْأَكْرَمَيْنِ.. الدِّينَ وَالْعِرْضَ”.
لقد وصلنا إلى حالة من الهوس الشرائي حتى أكاد أقول لا يدري المسوّق كيف باع ولا المشتري المسكين لم اشترى وإليكم الإحصاء 70% من المشتريات عبر البطاقات كماليات يمكن الاستغناء عنها 80% من مدمني الشراء نساء!!60% يشترون بالأعياد والمناسبات ما لايحتاجونه!!الغذاء 30% منه للتلف..التسويق الالكتروني أو عبر الهاتف وبالمنازل وتجار السناب يعبثون بالعقول فالأغنياء لغير حاجة يشترون والفقراء بغواية يقلدون ثم نتساءل لم كثرت الديون؟!!
في مجتمعنا الذي نَنْعَمُ بخيراتِهِ،أَتَى علينا حينٌ من الدَّهْرِ ذاق فيه أهلُهُ لأواءٍ وبأساء،يجهله كثيرٌ منا وسَلُوا الْـمُعمَّرين عن سنواتِ الجوعِ التي عاشها الأجداد حتى ماتوا وهاجروا سنين بسببِ المجاعات،والأمراض سلوا عن سنة 1327هـ وما بعدها؟ينبئكم أن أهل نجد أكلوا الجيف والبرسيم من شدة الجوع،حتى عمت أمراض جديدة بسبب هذه المأكولات التي لا تصلح إلا للبهائم.
تُمزِّقُهمْ نُيُوبُ الجُوعِ حتَّى*** يَكادُ الشَّيخُ يَعثُرُ بِالعِيالِ
يَشُدُّونَ البُطُونَ على خَوَاءٍ *** وَيَقتَسِمُونَ أَرْغِفَةَ الخَيالِ
ونَامُوا في العَرَاءِ بِلا غِطاءٍ *** وسَارُوا في العَرَاءِ بلا نِعَالِ
واليوم بعضُ أحفادِهم يومياً بمقهى يدفع منه مال أبيه وأمه في كوب قهوة أو عصير أو مطاعم غالية يفاخرون بالحجز فيها أو سفر بلا حاجة أو أثاثٍ جديد كل عام ما هذا عباد الله ؟!إنها حال من اللأواء يجب أن نتذكرَها، ونُذَكِّرَ بها شبابَنا وأبناءَنا، ونحن نرى اجتياحَ الإسرافِ يَغْزو البيوتَ والأفراد..فأول ما نقاوم هذه الظاهرة الفاسدة المفسدة أن نستشعرَ النعم، وأنْ نحذرَ فواتَها،وأنْ نسعى بالعملِ الصالحِ في رضا مَنْ وَهَبَهَا..هكذا نقيم ديننا ونبني وطننا ونحافظ على حياتنا واقتصادنا..
أيتها الأجيال المتنعِّمة..كم حدَّثنا التاريخُ والواقع عن بيوت عامرة، أسّسها آباء مقتدرون، صارت لأولاد غلبَ عليهم البَذَخُ، فأفسدوا وأسرفوا، وأتلفوا ما وَرِثُوا، ثم أصبحوا معدمين،لا يجدون ما ينفقون، وخَربَت أحوالهم بسبب الإسراف، وتناسوا أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا.( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً *إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام من لا نبي بعده..
ثقافة الصرف الناضجة الواعية تقي الناس والمجتمعات زلازل مفاجئة وللتخلص من الإسراف وإدمان الشراء فينبغي أولاً الإقرار والاعتراف أننا مبتلون بالإسراف بمصارحة ذواتنا والحديث مع أنفسنا أننا مصابون بحمَّى الشراء فنتخلص مما يفضي بنا للإسراف والحرام بإرادةٍ جادة تضبط الرغبات العاطفية لتجنبِ الشراهة الاستهلاكية فلا تدخل السوق والمتجر إلا وأنت متفق مع نفسك وأسرتك في تحديد الحاجات، مع ترويض النفس على الامتناع..حتى لا نقع في حمى الشراء أو كلما اشتهيت اشتريت؟!عش حياتك،وتمتع بموجوداتك، بعيداً عن هوس السناب والتسويق الالكتروني الذي أثبت أنه سببٌ لرفع نسبة الشراء 20%؟!.اشتر وأنت في مكانك!!فالواقع والتجربة تقول.. إن الإنسان يشتري من خلال المواقع وإغراء المكالمات سِلَعاً لم تكن في ذهنه،فهو جالسٌ يوافقُ وربما يتعرض للغش..ولئلا نُصابُ بِهَوَسِ الشراء لابد من التوعية ونشر ثقافة الاستهلاك،ليترسّخَ لدينا أن الإنفاق هو بقدر الحاجة،وحتى لو ملَك صاحبُ المال مع الألف ألوفاً، ومع الصنف صنوفاً..فاحرصْ على تجنّبِ الأقساط فهي تشجع للشراء..وحتى لا يقع التبذير والشراهة ما أحوجنا أن نشكر الله تعالى بالقناعة، فهي سبيل السعادة والراحة، يقول قدوتنا صلى الله عليه وسلم..اللهم قنًّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه“،وأوصي أبا هريرة -رضي الله عنه- فقال.. “كن ورعًا تكن أعبدَ الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس)لا يقع الإسراف ونفوسنا ورغباتنا تحتاج العلاج النبوي بقوله صلى الله عليه وسلم.. “انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ“.اللهم قنا شح أنفسنا وقنِّعنا بما رزقتنا، واحمي بلادنا مِنَ الْفِتَـنِ المدلهمات،والفواحش والمهلكات.
صلوا بعد ذلك على خير البرية، وأزكى البشرية
أيها الأحبة..إنَّ التقاربَ والانفتاحَ بين البشر،وسهولةَ التواصلِ وتعدّدِ الوسائل بين فئاتِ المجتمعِ أوجدَ ظاهرة عالميةً سلبيةً فلقد تحوّل الشِّراءُ والاقْتِنَاءُ مِنْ سلوكٍ فَرْدِيٍّ إلى حُمَّى عَامَّة،فالغنيُّ يُسْرِفُ،وَالفقير يَقْتَرِضُ ليُجاري ويصرف وربّما أجلَّ فواتير كهرباء وماء لتنقطع عنه لأجل نهم الاقتناء الذي جعل البعضَ يَعِيشُ هوسَ كلِّ ما هو جَديد، فإذا لاحتْ إليه رَغْبَةٌ اشْتَرى،وإذا هَامَتْ بِخَاطرهِ نَزْوَةٌ اقتنى..يشترون كوب عصير أو قهوة بأضعاف تكلفته للتصوير ومجاراةُ الغيرِ مما أفقر رجالاً،وأفسد بيوتاً، وفرَّقَ أسراً،ثم نُزِعَتْ بَركةُ الشملِ والفرحِ مِنْ أهلها..وراحت متعة اجتماعاتنا بيننا!!شهوةُ الشراء جعلت البعض يستدين دوماً لأجل مجاراةٍ في كماليَّات،أو تنافسٍ في مظهريَّات!فلأجلِ سَفَرٍ وسياحة،ورغباتٍ فوق الحاجة،تراهُ يقترضُ من هذا،ويستدين من ذاك،ثم يتخذها عادةً،فيقرع الأبواب،ويُلِحُّ في المسألة،ويَتَمَسْكَنُ في الكلام،وكان في سَعَةٍ وغنى عن مثل هذه المواقف ومن أشتري ما لا يحتاج باع ما يحتاج!وأصبح الشراءُ فوقَ الحاجة سلوكٌ إسرافيٌ بامتياز، وأهلُ الإسراف عند ربهم مبغوضون ومبعدون، وعن هداه خاسرون ومحجوبون،والمبذرون إخوان الشيطان توعَّدهم الله(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)(كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ(وقال.. )إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(قيل لبعض الصالحين(زاد سعرُ بعض السلع فقال..(أرخصوه بالترك)!!
عباد الله..هوسُ الشراءِ المؤدي للتبذير ذمَّه الشرع في كلِّ صوره، في المطعم والمشرب، والملبس والمركب. فالْأَطْعِمَةُ يقول الله فيها(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(وفِي الْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَثَاثِ يوجهنا(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(وَفي الحديث(كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ..ومؤسف ومزعج مفاخرة المبذرين المتباهين،بنشر صورهم وتباهيهم بالسناب وغيره بالمفاخرة بالموجودات والمقتنيات، ولسان حالهم(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)أو لم يشعروا بظلم أنفسهم وعقوقهم لمجتمعهم بنشرهم وإشاعاتهم لثقافة التباهي والبَذَخِ..والمبالغة في الكماليات قد تكون على حساب بعض الضروريات..
إيَّاكَ والإسرافَ في لذَّةٍ *** فليسَ للمسْرِفِ إلا الأَسَى
فاقْصِدْ صلاحَ المالِ تَنْعَمْ به *** ومُدَّ رِجْليْكَ بقدْرِ الكِسا
فكَمْ رأَتْ عيْناكَ مِنْ مُسْرِفٍ *** أَسْرفَ مِنْ قبلك قد أفْلَسا
لا يَلِيقُ والله بنا إهدارُ الْأَمْوَالِ،وفِي بلادنا وبلاد الْمُسْلِمِينَ مَحْرُمُونَ،وفقراء ومديون ومَنْ لا يجدون فهذا يُعظِمُ حُرمةَ الإِسْرَافِ،ويدعو للحذر منه فوجوده سببٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَزَوَالِ الْأَمْوَالِ، وَإِفْقَارِ النَّاسِ، كيف والأَخطَارَ تُحيطُ بِنَا، وَالنُذُرُ تَأتِينَا.وإن شراهة الشراء التي يأمر بها الهوى،وحفظ المال الذي أمر به الشرع والهدى لايجتمعان،فالهوس الشرائي نهايته إفقار النفس والبيت، وَاللَّهُ تَعَالَى كَرِهَ لَنَا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ والشراء إنما هو للحاجة..وإذا ضاعَ المالُ ضاعتْ معه مصالحُ شرعيَّة،ووُجدت المفاسدُ وادخار المال من غير بخلٍ حفظٌ للدِّينِ وَالْعِرْضِ وَالشَّرَفِ،وأمة ليس لها مال ولا اقتصاد لَا يَحْتَرِمُهَا الْآخَرُونَ،ومن لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ لَا يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَلَا يَأْبَهُونَ بِهِ؛ومَنْ حَفِظَ مَالَهُ فَقَدْ حَفِظَ الْأَكْرَمَيْنِ.. الدِّينَ وَالْعِرْضَ”.
لقد وصلنا إلى حالة من الهوس الشرائي حتى أكاد أقول لا يدري المسوّق كيف باع ولا المشتري المسكين لم اشترى وإليكم الإحصاء 70% من المشتريات عبر البطاقات كماليات يمكن الاستغناء عنها 80% من مدمني الشراء نساء!!60% يشترون بالأعياد والمناسبات ما لايحتاجونه!!الغذاء 30% منه للتلف..التسويق الالكتروني أو عبر الهاتف وبالمنازل وتجار السناب يعبثون بالعقول فالأغنياء لغير حاجة يشترون والفقراء بغواية يقلدون ثم نتساءل لم كثرت الديون؟!!
في مجتمعنا الذي نَنْعَمُ بخيراتِهِ،أَتَى علينا حينٌ من الدَّهْرِ ذاق فيه أهلُهُ لأواءٍ وبأساء،يجهله كثيرٌ منا وسَلُوا الْـمُعمَّرين عن سنواتِ الجوعِ التي عاشها الأجداد حتى ماتوا وهاجروا سنين بسببِ المجاعات،والأمراض سلوا عن سنة 1327هـ وما بعدها؟ينبئكم أن أهل نجد أكلوا الجيف والبرسيم من شدة الجوع،حتى عمت أمراض جديدة بسبب هذه المأكولات التي لا تصلح إلا للبهائم.
تُمزِّقُهمْ نُيُوبُ الجُوعِ حتَّى*** يَكادُ الشَّيخُ يَعثُرُ بِالعِيالِ
يَشُدُّونَ البُطُونَ على خَوَاءٍ *** وَيَقتَسِمُونَ أَرْغِفَةَ الخَيالِ
ونَامُوا في العَرَاءِ بِلا غِطاءٍ *** وسَارُوا في العَرَاءِ بلا نِعَالِ
واليوم بعضُ أحفادِهم يومياً بمقهى يدفع منه مال أبيه وأمه في كوب قهوة أو عصير أو مطاعم غالية يفاخرون بالحجز فيها أو سفر بلا حاجة أو أثاثٍ جديد كل عام ما هذا عباد الله ؟!إنها حال من اللأواء يجب أن نتذكرَها، ونُذَكِّرَ بها شبابَنا وأبناءَنا، ونحن نرى اجتياحَ الإسرافِ يَغْزو البيوتَ والأفراد..فأول ما نقاوم هذه الظاهرة الفاسدة المفسدة أن نستشعرَ النعم، وأنْ نحذرَ فواتَها،وأنْ نسعى بالعملِ الصالحِ في رضا مَنْ وَهَبَهَا..هكذا نقيم ديننا ونبني وطننا ونحافظ على حياتنا واقتصادنا..
أيتها الأجيال المتنعِّمة..كم حدَّثنا التاريخُ والواقع عن بيوت عامرة، أسّسها آباء مقتدرون، صارت لأولاد غلبَ عليهم البَذَخُ، فأفسدوا وأسرفوا، وأتلفوا ما وَرِثُوا، ثم أصبحوا معدمين،لا يجدون ما ينفقون، وخَربَت أحوالهم بسبب الإسراف، وتناسوا أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا.( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً *إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام من لا نبي بعده..
ثقافة الصرف الناضجة الواعية تقي الناس والمجتمعات زلازل مفاجئة وللتخلص من الإسراف وإدمان الشراء فينبغي أولاً الإقرار والاعتراف أننا مبتلون بالإسراف بمصارحة ذواتنا والحديث مع أنفسنا أننا مصابون بحمَّى الشراء فنتخلص مما يفضي بنا للإسراف والحرام بإرادةٍ جادة تضبط الرغبات العاطفية لتجنبِ الشراهة الاستهلاكية فلا تدخل السوق والمتجر إلا وأنت متفق مع نفسك وأسرتك في تحديد الحاجات، مع ترويض النفس على الامتناع..حتى لا نقع في حمى الشراء أو كلما اشتهيت اشتريت؟!عش حياتك،وتمتع بموجوداتك، بعيداً عن هوس السناب والتسويق الالكتروني الذي أثبت أنه سببٌ لرفع نسبة الشراء 20%؟!.اشتر وأنت في مكانك!!فالواقع والتجربة تقول.. إن الإنسان يشتري من خلال المواقع وإغراء المكالمات سِلَعاً لم تكن في ذهنه،فهو جالسٌ يوافقُ وربما يتعرض للغش..ولئلا نُصابُ بِهَوَسِ الشراء لابد من التوعية ونشر ثقافة الاستهلاك،ليترسّخَ لدينا أن الإنفاق هو بقدر الحاجة،وحتى لو ملَك صاحبُ المال مع الألف ألوفاً، ومع الصنف صنوفاً..فاحرصْ على تجنّبِ الأقساط فهي تشجع للشراء..وحتى لا يقع التبذير والشراهة ما أحوجنا أن نشكر الله تعالى بالقناعة، فهي سبيل السعادة والراحة، يقول قدوتنا صلى الله عليه وسلم..اللهم قنًّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه“،وأوصي أبا هريرة -رضي الله عنه- فقال.. “كن ورعًا تكن أعبدَ الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس)لا يقع الإسراف ونفوسنا ورغباتنا تحتاج العلاج النبوي بقوله صلى الله عليه وسلم.. “انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ“.اللهم قنا شح أنفسنا وقنِّعنا بما رزقتنا، واحمي بلادنا مِنَ الْفِتَـنِ المدلهمات،والفواحش والمهلكات.
صلوا بعد ذلك على خير البرية، وأزكى البشرية