الحمد لله أرشد الخلق لأكمل الآداب، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العزيز الوهاب، وأن محمداًعبده ورسوله المبعوث بالعبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب والتابعين لهم بإحسان ليوم المآب وسلّم تسليما أما بعد ..فيا عباد الله اتقوا الله.
ما أجمل العفو عند المقدرة ، وما أجمل الحلم والصفح بدلاً من غضب وثأرٍ كان في الجاهلية قبل الإسلام فخرآ.
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
جاء الإسلام ليُكفكف النزوات، ويمنع عجلة التصرفات، ويقطع دابر الندم،وليقيم أركان المجتمع على الفضل فإن تعذر فبالعدل وحسن الخلق، وتهيئة سبل الاستقرار وهي غاية تتحقق عندما يهيمن العلم النافع، والعقل الراشد، والتدين الصحيح على غريزة الجهل والغضب،وأشد ما يدفع الشخص للتصرفات الطائشة،ويجره للندم السريع، ويوقعه في حرج وضيق وعجلة وغضب..وكم من تصرفات و أفعال نسمع عنها تقع مؤخراً إذا بحثت في أسبابها تجد أنه الغضب..
فكم من شخص بسبب لحظة غضب وتعجل هدم أسرته وشتت شملها بطلاق! كم من شخص بسبب الغضب فقد فيها أعصابه ليهدمَ كل عناصر الود والصداقة مع زميلٍ قديم وصديقٍ وفي؟!كم من شخص بسبب الغضب لعن والديه وتلفَّظَ عليهما بأشنع عبارة تخرج من لسانه؟! كم من شخص بسبب لحظةِ غضب تنكر لمن أسدى إليه معروفاً وصنع له جميلاً؟! كم من شخص جرَّ على نفسه ومجتمعه بسبب الغضب مآسي وأحزان نسمع عن جرائم قتل بسبب غضب لمخاصمة أو عبث سيارات يؤدي لموت شنيع وقطيعة رحم وخلافات تبدأ كلها من غضبٍ يفقدُ فيه الشخصُ رشدَه وصوابَه وسيطرتَه على نفسه..مما يدل على سوء عواقب الغضب..
في مثل هذه المواقف نتذكر أدب الإسلام وموقفه الذي ضبط العواطف فأول ما يدعو إليه الإسلام.. الرفق وتحكيم العقل وعدم العجلة في التصرف أواتخاذ القرار. يقول صلى الله عليه وسلم..(إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)رواه مسلم فالرفق محبوب من الله والرفق يحقق الله به الغايات مالا يحققها بالعنف.
رأينا ورود الغضب بالقرآن ذمّآ من الله وعقوبة لمن خالف أمره فتكرر قوله تعالى(فباءوا بغضب من الله)(سينالهم غضب من ربهم وذلة)(وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرآ) وغيرها من آيات أما حين يصف الله المؤمنين بالقرآن فيقول(وإذا ماغضبوا يغفرون) وكتب الله أن رحمته سبقت غضبه ولذلك كثير من النصائح التي أسداها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس كافة كانت تتجه إلى تشجيع الحلم علاجا لغريزة الغضب..
مِنَ الناس مَنْ طبعه الغضب فهو في ثورة دائمة،وتغيظ يطبع على وجهه العبوس فإذا مسَّه أحدٌ بأذى ولو بسيطاً ارتعش كمحمومٍ،يُرغي ويُزبد،ويلعن ويطعن ويفتخر ثمّ يزعم أنه طبعٌ لا يتغير،والإسلامُ عالج طبْعَه،قال صلى الله عليه وسلم(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذئ)رواه الترمذي وكم من معارك ضارية تبتذل فيها الأعراض وتنتهك فيها الحرمات،وآثام من علتها تسلُّطُ الغضب، وضياع الأدب،ثم يقول..هذا طبعي!!ولا أستطيع تركه!وهذا خطأ..
أيها الأخ المسلم..إن عظمة ومروءة الإنسان أن يبلغ المرء غضبه فلا يفْجُر،وأن يقبضَ يده فلا يقتص،وأن يجعل عفوه عن المسيء نوعاً من شكر الله الذي أقدره على أن يأخذ حقه إذا شاء، قال الأحنف بن قيس " احذروا رأي الأوغاد! قالوا ومن هم قال الذين يرون الصفح والعفو عارا ".
إن كمال العلم في الحلم،ولين الكلام مفتاح القلوب به نستطيع معالجةَ أمراض النفوس بهدوءٍ واطمئنان،حتى الداعيةُ لو كان سيِّءَ الخلق،جافيَ النفس قاسيَ القلب، لانفضَّ من حوله الناس،وانصرفوا عنه فحرموا الهداية بأنوار دينهم ولوكان رسول الله (ولوكنت فظآ غليظ القلب لانفضوا من حولك)
وتتفاوتُ درجاتُ الناس في الثبات أمام المثيرات،فمنهم من تستخفُّه التوافه فيغضبُ على عجل ومنهم من تستفزُّه الشدائدُ فيبقى محتفظاً برجاحة فكره،وسماحةِ خُلُقه وأما الحليم حقا من يُعاملُ الناس فيسعُ صدرُه ويمتدُّ حلمه ، ويعذرُ الناسَ ويلتمسُ المبررات لأغلاطهم ، فإذا ما عدا أحمقٌ يريد تجريحه ،عاملَهُ كالأحنف بن قيس رحمه الله.. ما آذاني أحد إلا عاملته بإحدى ثلاث .. إن كان فوقي عرفتُ له فضلَه، وإن كان مثلي تفضلتُ عليه،وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه)فاشتهر بحلمٍ ساد به عشيرتَه. والحليم إما أن يكون مفطورا على الخير مجبولاً عليه كأشجِّ عبد القيس الذي قال له صلى الله عليه وسلم..(إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله،الحلم والأناة،فقال..أشيءٌ تخلَّقْتُ به أم جُبلتُ عليه يا رسول الله؟ فقال..بل جُبلتَ عليه،فقال الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما الله ورسوله)رواه مسلم
والحليمُ يكون صابرآ محتسباً،يصفحُ قادراً ويأمره إيمانه بالعرف والعفو عن الجاهلين مُثابٌ في الدنيا والآخرة،ومشكورٌ عند الله وعند خلقه،وتلك الشدة والقوة، كما قال صلى الله عليه وسلم..(ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وغيره(من كتمَ غيظاً وهو قادر أن يُنْفِذَهُ دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يُخَيِّرَه من الحورِ العين،يزوِّجَه منها ما شاء)ويُنسبُ لعنترة قولُه..
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضبُ
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها. عند التقلب في أنيابها العطبُ
أيها الناس..قلة الحلم وكثرة الغضب آفتان عظيمتان، إذا انتشرتا في مجتمع ما قوضتا بنيانه،وهدمتا أركانه وقادت المجتمع لهُوَّةٍ سحيقة،ونخرتا كما السوس في جسر المجتمع المسلم حتى يؤدي به للهلاك وضياع القيم والمبادئ..يقول عليه الصلاة والسلام..(إن الله رفيق يحب الرفق،ويعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة وما لا يعطي على ما سواه)رواه مسلم(وإنما بُعثتم مُيسِّرِين لا مُنفّرين)..
حالات متعددة للطلاق وبين الزوجين شقاق ،تفريق أسر وهدم بيوت، وتقويض صداقات وقطيعة أرحام ثم جريمة واعتداء أكثره من الغضب وقلة الحلم! وأغلبهم بعد ذهاب غضبه يندم ولات ساعة مندم،يتأسف على ما مضى ، ويرى أنه قد جنى على نفسه قبل غيره،وكان بإمكانه علاجه لو ملك عقله،وأشهر حلمه،وكفَّ غضبَه..
يجب علينا جميعا إخوتي التزامَ تعاليمِ ديننا الحنيف،والأخذَ بإرشادات نبينا صلوات ربي وسلامه عليه لنترك الغضب،ولانتسرع فيما يعود علينا بالحسرة والندم، والمرءُ مُطالبٌ بكتمان غيظه وإطفاء غضبه بما استطاع من تَحلّمٍ وتَصبُّرٍ واستعاذةٍ بالله من النفس والهوى والشيطان،وعليه الترفُّقُ بأهله ورعيته وجيرانه فلا يكون بغضبه عوناً لزوجته على النشوز ولأولاده على العقوق،ولأقاربه على القطيعة ولجيرانه على الإساءة،ولرعيته على التمرد،وللناس كافة على هجره ومجانبته وهذا دائماً حالُ من اشتهر بغضبٍ وحرارةٍ زائدة يتجنَّبُه الناس مخافة غضبه ولسانه..
أيها المؤمنون الغضبُ حسب ظروفه إذا وقع غالباً لا يخرج عن ثلاثة أحوال..
الأول..حال الاعتدال بأن يغضب ليدافع عن نفسه أو دينه أو عرضه أو حقوقه وماله ولتأديب أهله وأولاده، ولولا ذلك لفسدت الأرض بانتشار الفوضى وغضبه هذا ينبغي أن يكون مقترناً بالحكمة والمعرفة والعقل الرشيد .
الحالة الثانية .. أن لايغضب عند رؤية خطأٍ بيّن وهذه الحال مذمومةٌ شرعا، لا سيما إن تعلقت بانتهاك حرمات الله تقول عائشة رضي الله عنها..ما ضربَ صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده،ولا امرأةً ولا خادماً إلا أن يُجاهِدَ في سبيل الله،وما نيل منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله تعالى )رواه مسلم
الحالة الثالثة .. أن يطغى الغضب على العقل والدين والخلق وربما جرّ صاحبه إلى ارتكاب جرائم كبيرة ، وموبقات كثيرة .
والتخلصُ من هذه العقبة بفعل ما أرشد إليه عليه الصلاة والسلام عند الغضب..(إذا غضب أحدكم فليسكت)رواه أحمد واستّبَّ رجلان عند النبي فاحمرَّ وجه أحدهما غضباً فقال عليه الصلاة والسلام..(إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لوقال.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد)رواه البخاري وقد ثبت عنه أنه أمر الغضبان بالوضوء لأنه يطفئ الغضب كما يطفئ الماءُ الناَر. ويأتيه رجل فيقول.. يارسول الله أوصني فيقول .. لا تغضب! يقول الرجل.. ففكرت فإذا الغضب يجمع الشرّ كله)رواه أحمد.
هذا هو الغضب إخوتي ينبغي علينا تجنبه والحذر منه أعاذنا الله وإياكم منه ومن
سوءه وآثاره (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض
أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظوالعافين عن الناس
والله يحب المحسنين) اللهم ألهمنا رشدنا وقِنا شر نفوسنا واهدنا سبل السلام أقول..
الخطبة الثانية الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده فبعد أيام تبدأ دراسة أولادنا بتعليم يجمعهم على الخير والجدية ومعانٍ أخرى عظيمة مهمة ينبغي غرسها في قلوبهم وعقولهم مستمدَّةٌ من ديننا وقيمنا وعدم التفريط فيها كما فعل غيرنا فخسروا أكثر مما ربحوا!!نحتاج لتعليمٍ جادٍّ وحياة جادةٍ هادفة وثقافةٍ واسعة وهوايةٍ ماجدة وهذا يشترك فيه المنهج والمنزل والمدرسة والمعلم وانتبهوا من الإسراف بشراء أدوات التعليم وإهمال قيمه وأهدافه فتلك خسارة مُبينة..ثم رسالة للقائمين على التعليم اتقوا الله اتقوا الله فأولادنا بنين وبنات أمانة في أعناقكم ربوهم على الفضيلة والخير والخلق الهادف والعلم النافع ولا تتشبهوا بالغير ممن أدرك فشل تجربته آخراً شجعوا المواهب والتفوق وعالجوا بحكمةٍ المُخطيء وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح والنجاح وكفانا الله شر المغرضين الحاقدين المضمرين السوء لبلادنا وبلاد المسلمين ورزقنا الله بركةً وخيرآ وأمنآ وأمانآ للبلاد والعباد ..ووفق ولاة أمور المسلمين لرفع راية الحق والدين وصلى الله وسلم على...
ما أجمل العفو عند المقدرة ، وما أجمل الحلم والصفح بدلاً من غضب وثأرٍ كان في الجاهلية قبل الإسلام فخرآ.
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
جاء الإسلام ليُكفكف النزوات، ويمنع عجلة التصرفات، ويقطع دابر الندم،وليقيم أركان المجتمع على الفضل فإن تعذر فبالعدل وحسن الخلق، وتهيئة سبل الاستقرار وهي غاية تتحقق عندما يهيمن العلم النافع، والعقل الراشد، والتدين الصحيح على غريزة الجهل والغضب،وأشد ما يدفع الشخص للتصرفات الطائشة،ويجره للندم السريع، ويوقعه في حرج وضيق وعجلة وغضب..وكم من تصرفات و أفعال نسمع عنها تقع مؤخراً إذا بحثت في أسبابها تجد أنه الغضب..
فكم من شخص بسبب لحظة غضب وتعجل هدم أسرته وشتت شملها بطلاق! كم من شخص بسبب الغضب فقد فيها أعصابه ليهدمَ كل عناصر الود والصداقة مع زميلٍ قديم وصديقٍ وفي؟!كم من شخص بسبب الغضب لعن والديه وتلفَّظَ عليهما بأشنع عبارة تخرج من لسانه؟! كم من شخص بسبب لحظةِ غضب تنكر لمن أسدى إليه معروفاً وصنع له جميلاً؟! كم من شخص جرَّ على نفسه ومجتمعه بسبب الغضب مآسي وأحزان نسمع عن جرائم قتل بسبب غضب لمخاصمة أو عبث سيارات يؤدي لموت شنيع وقطيعة رحم وخلافات تبدأ كلها من غضبٍ يفقدُ فيه الشخصُ رشدَه وصوابَه وسيطرتَه على نفسه..مما يدل على سوء عواقب الغضب..
في مثل هذه المواقف نتذكر أدب الإسلام وموقفه الذي ضبط العواطف فأول ما يدعو إليه الإسلام.. الرفق وتحكيم العقل وعدم العجلة في التصرف أواتخاذ القرار. يقول صلى الله عليه وسلم..(إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)رواه مسلم فالرفق محبوب من الله والرفق يحقق الله به الغايات مالا يحققها بالعنف.
رأينا ورود الغضب بالقرآن ذمّآ من الله وعقوبة لمن خالف أمره فتكرر قوله تعالى(فباءوا بغضب من الله)(سينالهم غضب من ربهم وذلة)(وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرآ) وغيرها من آيات أما حين يصف الله المؤمنين بالقرآن فيقول(وإذا ماغضبوا يغفرون) وكتب الله أن رحمته سبقت غضبه ولذلك كثير من النصائح التي أسداها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس كافة كانت تتجه إلى تشجيع الحلم علاجا لغريزة الغضب..
مِنَ الناس مَنْ طبعه الغضب فهو في ثورة دائمة،وتغيظ يطبع على وجهه العبوس فإذا مسَّه أحدٌ بأذى ولو بسيطاً ارتعش كمحمومٍ،يُرغي ويُزبد،ويلعن ويطعن ويفتخر ثمّ يزعم أنه طبعٌ لا يتغير،والإسلامُ عالج طبْعَه،قال صلى الله عليه وسلم(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذئ)رواه الترمذي وكم من معارك ضارية تبتذل فيها الأعراض وتنتهك فيها الحرمات،وآثام من علتها تسلُّطُ الغضب، وضياع الأدب،ثم يقول..هذا طبعي!!ولا أستطيع تركه!وهذا خطأ..
أيها الأخ المسلم..إن عظمة ومروءة الإنسان أن يبلغ المرء غضبه فلا يفْجُر،وأن يقبضَ يده فلا يقتص،وأن يجعل عفوه عن المسيء نوعاً من شكر الله الذي أقدره على أن يأخذ حقه إذا شاء، قال الأحنف بن قيس " احذروا رأي الأوغاد! قالوا ومن هم قال الذين يرون الصفح والعفو عارا ".
إن كمال العلم في الحلم،ولين الكلام مفتاح القلوب به نستطيع معالجةَ أمراض النفوس بهدوءٍ واطمئنان،حتى الداعيةُ لو كان سيِّءَ الخلق،جافيَ النفس قاسيَ القلب، لانفضَّ من حوله الناس،وانصرفوا عنه فحرموا الهداية بأنوار دينهم ولوكان رسول الله (ولوكنت فظآ غليظ القلب لانفضوا من حولك)
وتتفاوتُ درجاتُ الناس في الثبات أمام المثيرات،فمنهم من تستخفُّه التوافه فيغضبُ على عجل ومنهم من تستفزُّه الشدائدُ فيبقى محتفظاً برجاحة فكره،وسماحةِ خُلُقه وأما الحليم حقا من يُعاملُ الناس فيسعُ صدرُه ويمتدُّ حلمه ، ويعذرُ الناسَ ويلتمسُ المبررات لأغلاطهم ، فإذا ما عدا أحمقٌ يريد تجريحه ،عاملَهُ كالأحنف بن قيس رحمه الله.. ما آذاني أحد إلا عاملته بإحدى ثلاث .. إن كان فوقي عرفتُ له فضلَه، وإن كان مثلي تفضلتُ عليه،وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه)فاشتهر بحلمٍ ساد به عشيرتَه. والحليم إما أن يكون مفطورا على الخير مجبولاً عليه كأشجِّ عبد القيس الذي قال له صلى الله عليه وسلم..(إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله،الحلم والأناة،فقال..أشيءٌ تخلَّقْتُ به أم جُبلتُ عليه يا رسول الله؟ فقال..بل جُبلتَ عليه،فقال الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما الله ورسوله)رواه مسلم
والحليمُ يكون صابرآ محتسباً،يصفحُ قادراً ويأمره إيمانه بالعرف والعفو عن الجاهلين مُثابٌ في الدنيا والآخرة،ومشكورٌ عند الله وعند خلقه،وتلك الشدة والقوة، كما قال صلى الله عليه وسلم..(ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وغيره(من كتمَ غيظاً وهو قادر أن يُنْفِذَهُ دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يُخَيِّرَه من الحورِ العين،يزوِّجَه منها ما شاء)ويُنسبُ لعنترة قولُه..
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضبُ
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها. عند التقلب في أنيابها العطبُ
أيها الناس..قلة الحلم وكثرة الغضب آفتان عظيمتان، إذا انتشرتا في مجتمع ما قوضتا بنيانه،وهدمتا أركانه وقادت المجتمع لهُوَّةٍ سحيقة،ونخرتا كما السوس في جسر المجتمع المسلم حتى يؤدي به للهلاك وضياع القيم والمبادئ..يقول عليه الصلاة والسلام..(إن الله رفيق يحب الرفق،ويعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة وما لا يعطي على ما سواه)رواه مسلم(وإنما بُعثتم مُيسِّرِين لا مُنفّرين)..
حالات متعددة للطلاق وبين الزوجين شقاق ،تفريق أسر وهدم بيوت، وتقويض صداقات وقطيعة أرحام ثم جريمة واعتداء أكثره من الغضب وقلة الحلم! وأغلبهم بعد ذهاب غضبه يندم ولات ساعة مندم،يتأسف على ما مضى ، ويرى أنه قد جنى على نفسه قبل غيره،وكان بإمكانه علاجه لو ملك عقله،وأشهر حلمه،وكفَّ غضبَه..
يجب علينا جميعا إخوتي التزامَ تعاليمِ ديننا الحنيف،والأخذَ بإرشادات نبينا صلوات ربي وسلامه عليه لنترك الغضب،ولانتسرع فيما يعود علينا بالحسرة والندم، والمرءُ مُطالبٌ بكتمان غيظه وإطفاء غضبه بما استطاع من تَحلّمٍ وتَصبُّرٍ واستعاذةٍ بالله من النفس والهوى والشيطان،وعليه الترفُّقُ بأهله ورعيته وجيرانه فلا يكون بغضبه عوناً لزوجته على النشوز ولأولاده على العقوق،ولأقاربه على القطيعة ولجيرانه على الإساءة،ولرعيته على التمرد،وللناس كافة على هجره ومجانبته وهذا دائماً حالُ من اشتهر بغضبٍ وحرارةٍ زائدة يتجنَّبُه الناس مخافة غضبه ولسانه..
أيها المؤمنون الغضبُ حسب ظروفه إذا وقع غالباً لا يخرج عن ثلاثة أحوال..
الأول..حال الاعتدال بأن يغضب ليدافع عن نفسه أو دينه أو عرضه أو حقوقه وماله ولتأديب أهله وأولاده، ولولا ذلك لفسدت الأرض بانتشار الفوضى وغضبه هذا ينبغي أن يكون مقترناً بالحكمة والمعرفة والعقل الرشيد .
الحالة الثانية .. أن لايغضب عند رؤية خطأٍ بيّن وهذه الحال مذمومةٌ شرعا، لا سيما إن تعلقت بانتهاك حرمات الله تقول عائشة رضي الله عنها..ما ضربَ صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده،ولا امرأةً ولا خادماً إلا أن يُجاهِدَ في سبيل الله،وما نيل منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله تعالى )رواه مسلم
الحالة الثالثة .. أن يطغى الغضب على العقل والدين والخلق وربما جرّ صاحبه إلى ارتكاب جرائم كبيرة ، وموبقات كثيرة .
والتخلصُ من هذه العقبة بفعل ما أرشد إليه عليه الصلاة والسلام عند الغضب..(إذا غضب أحدكم فليسكت)رواه أحمد واستّبَّ رجلان عند النبي فاحمرَّ وجه أحدهما غضباً فقال عليه الصلاة والسلام..(إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لوقال.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد)رواه البخاري وقد ثبت عنه أنه أمر الغضبان بالوضوء لأنه يطفئ الغضب كما يطفئ الماءُ الناَر. ويأتيه رجل فيقول.. يارسول الله أوصني فيقول .. لا تغضب! يقول الرجل.. ففكرت فإذا الغضب يجمع الشرّ كله)رواه أحمد.
هذا هو الغضب إخوتي ينبغي علينا تجنبه والحذر منه أعاذنا الله وإياكم منه ومن
سوءه وآثاره (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض
أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظوالعافين عن الناس
والله يحب المحسنين) اللهم ألهمنا رشدنا وقِنا شر نفوسنا واهدنا سبل السلام أقول..
الخطبة الثانية الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده فبعد أيام تبدأ دراسة أولادنا بتعليم يجمعهم على الخير والجدية ومعانٍ أخرى عظيمة مهمة ينبغي غرسها في قلوبهم وعقولهم مستمدَّةٌ من ديننا وقيمنا وعدم التفريط فيها كما فعل غيرنا فخسروا أكثر مما ربحوا!!نحتاج لتعليمٍ جادٍّ وحياة جادةٍ هادفة وثقافةٍ واسعة وهوايةٍ ماجدة وهذا يشترك فيه المنهج والمنزل والمدرسة والمعلم وانتبهوا من الإسراف بشراء أدوات التعليم وإهمال قيمه وأهدافه فتلك خسارة مُبينة..ثم رسالة للقائمين على التعليم اتقوا الله اتقوا الله فأولادنا بنين وبنات أمانة في أعناقكم ربوهم على الفضيلة والخير والخلق الهادف والعلم النافع ولا تتشبهوا بالغير ممن أدرك فشل تجربته آخراً شجعوا المواهب والتفوق وعالجوا بحكمةٍ المُخطيء وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح والنجاح وكفانا الله شر المغرضين الحاقدين المضمرين السوء لبلادنا وبلاد المسلمين ورزقنا الله بركةً وخيرآ وأمنآ وأمانآ للبلاد والعباد ..ووفق ولاة أمور المسلمين لرفع راية الحق والدين وصلى الله وسلم على...