الحمدُ ِللهِ وحده مُجزلِ العَطَايا والمواهبِ،وأشهد أن لا إله إلا الله يَفتحُ بَابَه لِكُلِّ راغِب وتَائب،وأَشهد أَن مُحمّدا عَبدهُ ورسولهُ،شَهادةَ طَامِعٍ في رَحمةِ ربِهِ وراغب صلى الله وسلم عليه وعلى الآل والصاحب وسلم تسليما أَمَّا بَعدُ..فاتقوا الله عباد الله وها هي ترون أَفئِدَةٌ من الناس تهوِي إِلى المَسجِدِ الحَرَامِ،وَبَيتاً هُوَ مَثَابَةٌ لهم وَأَمنآ،أَمَاكِنُ مُقَدَّسَةٌ وَمَشَاعِرُ مُعَظَّمةٌ،وَأَعمَالٌ فَضِيلَةٌ وَمَنَاسِكُ جَلِيلَةٌ، تَوحِيدٌ وَمُتَابَعَةٌ،وَصَبر وَمُصَابَرَةٌ،وَصَلاةٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ،وَحَلقٌ وَتَقصِيرٌ وَرَميٌ لِلجِمَارِ،وَوُقُوفٌ وَمَبِيتٌ وَدُعَاءٌ،وتَّلبِيَة وَتَّكبِيرِ،وَثَجٌّ لِدِمَاءِ الهَدَايَا وَالأَضَاحِي،وَإِطعَامٌ وسقيا للحجيج..أُخُوَّةٌ جَامِعَةٌ وَأَخلاقٌ عَالِيَةٌ،وَشُهُودُ مَنَافِعَ عَدِيدَةٍ وَخَيرٍ عَمِيمٍ..فتعالوا لنعيش معهم هذا الشعورَ العظيم..
مَعَاني الحج كُلَّمَا كَانَت حَاضِرَةً في قَلبِ المُسلِمِ حتى ولو لم يحج وَفَقِهَهَا وَامتَثَلَهَا كَانَ إِلى اللهِ أَحَبَّ وَأَقرَبَ،وَبِالأَجرِ أَحظَى وَأَجدَرَ،وَبِتِلكَ العِبَادَاتِ أَكمَلَ استِفَادَةً وَأَتَمَّ نَفعًا وشارك الحجَّاجَ شعائرَهم ولو لم يكن معهم..فَمِن معاني الحجِ تعب السفرِ والعَناء وبذل المال أَنَّهُ سُبحانَه لم يَشرَعْ لِعِبَادِهِ أَيَّ عِبَادَةٍ لِيُحرِجَهُم أَو يُضَيِّقَ عَلَيهِم،أَو لِيُكَلِّفَهُم مَا لا يُطِيقُونَ،وَإِنما شَرَعَ لهم ما شَرَعَ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ وَأَسرَارٍ جَلِيلَةٍ وَمَنَافِعَ مُتَعَدِّدَةٍ بالدنيا،وأَهَمُّهَا وَأَعظَمُهَا مَا في الآخِرَةِ،مِنَ فَوزٍ كَبِيرٍ ونعيمٍ مقيم(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ)(وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيم)وَلِلحَجِّ حكمٌ وأسرارٌ ومنافع(وَأَذِّن في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ)قال ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما(مَنَافِعُ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ،أَمَّا مَنَافِعُ الآخِرَةِ فَرِضوَانُ اللهِ جَلَّ وعَلا،وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنيَا فهي البُدنُ وَالذَّبَائِحُ وَالتِّجَارَات)وَلَو وَعَى المُسلِمُونَ معاني عباداتهم لما توانوا أو تكاسلوا،وَلَمَا أَخَّرَ الحَجَّ مستطيعٌ إليه سبيلا،لَكِنَّهَا الغفلة بمتاع الدنيا فعميت الأَبصَارُ وَشُغِلَتِ البَصَائِرُ عَن البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ،فأصبح الواحد في سفرٍ سياحةً أو ترفيه يدفع الكثير ثم يبخل بحجٍ أو أضحية(قُلْ مَتَاعُ الدَّنيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظلَمُونَ فَتِيلاً)
وَمِن مَعَاني الحَجِّ السَّامِيَةِ وَدُرُوسِهِ العَظِيمَةُ تَّلبِيَةٌ يُرَدِّدُها الحَاجُّ مِن حِينِ إِحرَامِهِ إلى أَن يَرمِيَ جمرَةَ العَقَبَةَ،وهي تَذكِيرٌ لِلأُمَّةِ بِأَعظَمِ مَا لديها لتَهتَمَّ بِهِ وَتُحَافِظَ عَلَيهِ وَتَغرِسَهُ في النُّفُوسِ ، وَتَستَشعِرَهُ في عِبَادَاتِها جمِيعِها،بتوحِيدِ اللهِ وعبادتِه(لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ، إِنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلكَ، لا شَرِيكَ لَكَ)،استِجَابَةً للهِ بَعدَ استِجَابَة، وَتَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّركِ،وَإِقرَارٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ،وَحَمدٌ لَهُ عَلَى نِعمَةِ الهِدَايَةِ لِلإِسلامِ،(وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للهِ)وقال صلى الله عليه وسلم..((خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ،وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي..لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)إِنَّهُ تَذكِيرٌ لِلأُمَّةِ جمِيعًا استحضار تَوحِيدِ اللهِ دوماً وللحجاج أنَّ حَجَّهُم لله وَحدَهُ،فَلا يَسأَلُونَ إِلاَّ هو،وَلا يَستَغِيثُونَ إِلاَّ بِه،ولا يَتَوَكَّلُونَ إِلاَّ عَلَيه،وَلا يَطلُبُونَ المَدَدَ والنَّصَرَ إِلاَّ مِن عِندِه فالخير كلّه بيده والأُمُورِ كُلِّها إِلَيهِ،لا مَانِعَ لِمَا أَعطَى وَلا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ،وَلا يَنفَعُ ذَا الجَدِّ مِنهُ الجَدُّ من استيقن بذلك وتمسّكَ فليبشر برضوان من الله قال وليحذر من زيارات لقبور ومغامرات لا معنى لها ولم يزرها صلى الله عليه وسلم الذي قال [خذوا عني مناسككم]
من روعة معاني الحج كيف جمع الله هؤلاء البشر من كل جنسٍ ولونٍ وبلد بلباسٍ واحد وشعائر متحدة جاؤوا كلهم تلبيةً لنداء الله بحج بيته بعد أن ناداهم وقلوبهم مشتاقةٌ لرؤية بيته وزيارة مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم وربما قضوا أعمارهم ينتظرون هذه الفرصة والعودة بالمغفرة كيوم ولدتهم أمهاتهم..
يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم ياوحشتي الشوق أقلقني وصوت الحادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفى عند المقام سمعت صوت منادي
من نال من عرفاتٍ نظرةَ ساعةٍ نال السرور ونال كل مرادي
نَتذكَرُ بالحجِّ الأمنَ وسهولةَ الوصول وكَيفَ كان قديماً حين يتعرض الحاج والزائر لمخَاطِرَ عَظيمةٍ يأتون من أفريقيا وآسيا ويجلسون سنوات طوال في طريق الحج حتى أنّ بعضَهم جلس عشرَ سنين في سفره للحج يعملُ ليجمعَ النفقَة في كل بلدٍ يمرّه ثم يواصلُ ليكملَ الحجَّ ذهاباً وإياباً يتعرضون لسرقات وموت ومرض ربما حالَ دون وصولهم بينما الآن نعمٌ عظيمة تستحقُّ الشكر بأمنٍ يحيطُ ببلاد الحرمين ويسرٍ في التنقل بل وصل بعضهم إلى حد ترفٍ مذمومٍ أكلاً وسكناً وتنقلات مما يحيدُ بمعنى الحج فنحمدُ الله أن هيّأَ لحُجَّاجِ بيتِه الكريم وزوار المسجد النبوي أمناً وارفاً ونعماً عظيمة وقارنوها سابقاً لتعرفوا الفرق..ونسأله تعالى أن يديم هذه النعم علينا وعلى بلاد المسلمين..ونحمد الله أن شرَّف بلادنا بخدمة الحرمين وزوارهما فأنت ترى جهوداً عظيمة يفتخر بها قادة وعلماء وعاملين فتراهم يبذلون جهداً ومساعدة لحجاج ومعتمرين وزوار نسأل الله أن يجزيهم الخير ويوفقهم..
عباد الله..مِن مَعَاني الحَجِّ الكَرِيمَةِ أَن تَعلَمَ الأُمَّةُ وَتَستَيقِن أَن سعادتها ونجاحها بِاتِّبَاعِ نبيها،وَالاقتِدَاءِ بنهجهِ في العبادات وَقَد كَانَ صلى الله عليه وسلم في كُلِّ خطوَةٍ في حَجَّتِهِ يُؤَصِّلُ ذلك في نُفُوسِ المُسلِمِينَ وَيَغرِسُهُ في قُلُوبِهِم فيَقُولُ..(خُذُوا عني مَنَاسِكَكُم)،فهو القدوة والأسوة [ومن عمل عملاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ]فَمَا أَسعَدَ الأُمَّةَ حِينَ تَقتَدِي بِه وَتَمتَثِلُ أَمرَهُ!مَا أَعظَمَ بَرَكَتَهَا حِينَ تَتَأَسَّى بِهِ وَتَسِيرُ عَلى نَهجِهِ وطَريقَتِهِ!((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا)) ((وَإِن تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ))
أيها الأحبة..الحج والأعداد التي تأتيه من كل فجٍ عميق لا يمكن أن ينجح إلا بالنظام والترتيب الذي هو مسؤولية دولتنا ومما يؤسف له أن تجد من يذهب للحج يبتغي الأجر بشكلٍ غير نظامي وبلا تصريح ولا مكان فيفترش الطرقات ويضيق ويكسب الإثم ومخالفة الأوامر وهذا خطأ كذلك.. أيها الأحبة..الحج أحكام ومناسك اتباعٌ لقوله صلى الله عليه وسلم [خذوا عني مناسككم]ليس بحثاً عن رخص ولا تخبط وتقليد وتصرفات تؤدي للكفارات والحمد لله المفتون متوفرون..
وَمِن دُرُوسِ الحَجِّ لُزُومُ الاعتِدَالِ وَالتَّوَسُّطِ في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَمُجَانَبَةُ غُلُوٍ أَوِ جَفَاءِ،وَحَذَرٌ مِنَ إِفرَاطٍ وتّفرِيطِ،عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قَالَ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ العَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ..(اُلقُطْ لي حَصًى)فَالَتقط لَهُ سَبعَ حَصَيَاتٍ وسطى هُنَّ حَصَى الخَذفِ،فَجَعَلَ يَنفُضُهُنَّ في كَفِّهِ وَيَقُولُ..(أَمثَالَ هَؤُلاءِ فَارمُوا)ثم قَالَ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ،إِيَّاكُم وَالغُلُوَّ في الدِّينِ؛فَإِنَّهُ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُمُ الغُلُوُّ في الدِّينِ)فَالاعتِدَالُ مَطلُوبٌ بالأُمُورِ كُلِّهَا،وَالتَّوَسُّطُ محمُودٌ فِيهَا جمِيعِها وَالبُعدُ عَنِ الغُلُوِّ وَالجَفَاءِ،بِالأَخذِ بِحُدُودِ القُرآنِ وآثَارِ السُّنَّةِ،وَالسَّيرِ على مَا فيهِمَا مِنَ الهَديِ وَالبَيَانِ فنحن أمة الوسط شهداء على الناس(وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا)وأمتنا اليوم بُليت إما بغلاةٍ ومتطرفين أو بمن أهمل العلم وتعدٍّ على ثوابت الدين!!!
وَمِن مَعَاني الحَجِّ العَظِيمَةِ وُجُوبُ تَعظِيمِ الشَّعَائِرِ وَالحُرُمَاتِ(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ)فَتَعظِيمُ الشَّعَائِرِ وَالحُرُمَات مِن تَقوَى القُلُوبِ وَخَشَيتِها لِخَالِقِهَا وَمَولاهَا،وَكُلَّمَا خَلا قَلبٌ مِن مِن تَعظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ وَالوُقُوفِ عِندَ حُدُودِهِ،كان عليه خطراً في دينه وقيمه وخَيرُ زَادٍ يَحمِلُهُ الحَاجُّ وأعظمُهُ وأكملُهُ زادَ الخَشيَةِ وَالتَّقوَى(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى واتقونِ يَا أُولي الأَلبَاب)فالحج ليس نزهة وإنما عبادة عظيمة وفرصة كبيرة للتوبة والإنابة..فرمي الجمار تَذكِيرٌ لبني آدَمَ للتحذير مِن الشيطان والبراءة منه(إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ)والجمعُ العظيمُ بيوم عرفة الذي هو أفضل الأيام عند الله فيه يفاخر الله بعباده يقول لملائكته..(انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ويخافون عذابي..أشهدكم أني قد غفرت لهم)..ولذلك فإنه يُسن لمن لم يشارك الحجاج حجتهم من أهل الأمصار أن يشاركهم بصيام يوم عرفة فإنه يكفر السنة التي قبلها والتي بعدها كما في الحديث..!!
وَمِن مَعَاني الحَجِّ المشتركة بين الحجاج وغيرهم تَذكِيرُ المُسلِمِينَ بِأَنَّ مِن أَجَلِّ أَهدَافِ العِبَادَاتِ ذِكرَ اللهِ عز وجل بها،لا أَدَاؤُها عَادَاتٍ مُجَرَّدَةً مِن رُوحِهَا وَلُبِّهَا،خَالِيَةً مِن مَعنَاهَا وَمغزَاهَا،أَوِ المُضِيُّ فِيهَا رِيَاءً لِلنَّاسِ وَطَلَبًا لِلسُّمعَةِ عِندَهُم وليقال عنه يا حاج كما يفعل البعض أو أنه حجر مراتٍ متعددة ولكن (لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ)وقال سُبحَانَهُ(فَإِذَا أَفَضتُم مِن عَرَفَاتٍ فَاذكُرُوا اللهَ عِندَ المَشعَرِ الحَرَامِ وَاذكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُم)(فَإِذَا قَضَيتُم مَنَاسِكَكُم فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكرِكُم آبَاءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا)وقال تعالى..((ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاستَغفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) إذاً هو لإقامة ذكر الله وتوحيده..
تِلكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ جُملَةٌ مِن مَعَاني الحَجِّ الكَرِيمَةِ وَأُسُسِهِ العَظِيمَةِ، يَجِدُها مَن تَتَبَّعَ أَدِلَّتَهُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وغيرها كثير كُلَّمَا أمعنا النَّظَرَ،فاجتماع المسلمين رئيس ومرؤوس غني وفقير من كل لونٍ وجنس دعوة لاتحاد كلمتهم وعدم فرقتهم وهذا اللباس الأبيض الخالي من المخيط تجرد من الدنيا وتذكير بالقيامة فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَحَقِّقُوا مَا شُرِعَتِ العِبَادَاتُ مِن أَجلِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ قال بعد الحديث عن الحج..(فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا وَمَا لَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وَمِنهُم مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُم نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ))فالمُوَفَّقُ مَن فهم مقصود العبادات وعملِ بنيةٍ صَالحَةٍ خَالِصَةِ وَمَالٍ حَلالٍ وَنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ،وَعَطَّرَ لِسَانَهُ دائماً بِذِكرِ اللهِ،وَصَاحَبَ عِبَادَتَهُ إِحسَانٌ وَنَفعٌ لِعِبادِ اللهِ، فأخلصوا دِينَكُم للهِ،وَاجتَهِدُوا في العمل(وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ))اللهم تقبل من حجاج بيتك حجّهم واجعله مبرورا وسعيهم مشكورا واحفظ أمنهم وصحتهم وسهّل دروبهم وردهم سالمين غانمين يا أرحم الراحمين أقول قولي ...
الخطبة الثانية الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
أيها الإخوة المؤمنون..من أفضل الأعمال هذه الأيام نحرُ الأضاحي عمن هو قادر مادياً..إذا طابت بها النفس وطابقت الشروط المعروفة..وكثيرٌ من الناس يتخلى عن الأضحية وهو قادر بالرغم من تأكيد سنيتها..والبعض يتذمر في المجالس من أسعار الأضاحي وغلائها بينما لو جاءه ضيف لمناسبة لذبح له أطيب الغنم وهو لا يبالي فكيف بأضحية تذبحها لله فلتطب نفساً بإخراجها وحسنِ اختيارِها ووقت الأضحية المحدد شرعاً من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس إلى ثالث أيام التشريق،وبعضُ الناس اليوم يترك الأضحية حتى لا يخالف بسنة الإمساك عن حلق الشعر وقص الأظافر وهذا خطأ كبير وتفريطٌ بالأجر ..
واحرصوا عباد الله على شهود صلاة العيد فإن شهودَ صلاة العيد قال بوجوبها عدد من أهل العلم لما في حضورها من إقامة شعيرة كبرى من شعائر الإسلام ..ودخولُ الإمام لصلاة العيد في تمام الساعة (5.50)في المصليات الكبرى إضافةً إلى بعض الجوامع.. نسأل الله جلَّ وعلا أن يتقبل منا ومنكم وأن يعيد علينا مواسم الخير..ويتقبل من الحجاج حجهم و من المضحين ضحاياهم..وأن يعيد على أمتنا مواسم الخيرات وهي ترفل بثوب العزة والمنعة..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله وأكبر ولله الحمد..الله وأكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرةً وأصيلا ..
مَعَاني الحج كُلَّمَا كَانَت حَاضِرَةً في قَلبِ المُسلِمِ حتى ولو لم يحج وَفَقِهَهَا وَامتَثَلَهَا كَانَ إِلى اللهِ أَحَبَّ وَأَقرَبَ،وَبِالأَجرِ أَحظَى وَأَجدَرَ،وَبِتِلكَ العِبَادَاتِ أَكمَلَ استِفَادَةً وَأَتَمَّ نَفعًا وشارك الحجَّاجَ شعائرَهم ولو لم يكن معهم..فَمِن معاني الحجِ تعب السفرِ والعَناء وبذل المال أَنَّهُ سُبحانَه لم يَشرَعْ لِعِبَادِهِ أَيَّ عِبَادَةٍ لِيُحرِجَهُم أَو يُضَيِّقَ عَلَيهِم،أَو لِيُكَلِّفَهُم مَا لا يُطِيقُونَ،وَإِنما شَرَعَ لهم ما شَرَعَ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ وَأَسرَارٍ جَلِيلَةٍ وَمَنَافِعَ مُتَعَدِّدَةٍ بالدنيا،وأَهَمُّهَا وَأَعظَمُهَا مَا في الآخِرَةِ،مِنَ فَوزٍ كَبِيرٍ ونعيمٍ مقيم(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ)(وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيم)وَلِلحَجِّ حكمٌ وأسرارٌ ومنافع(وَأَذِّن في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ)قال ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما(مَنَافِعُ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ،أَمَّا مَنَافِعُ الآخِرَةِ فَرِضوَانُ اللهِ جَلَّ وعَلا،وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنيَا فهي البُدنُ وَالذَّبَائِحُ وَالتِّجَارَات)وَلَو وَعَى المُسلِمُونَ معاني عباداتهم لما توانوا أو تكاسلوا،وَلَمَا أَخَّرَ الحَجَّ مستطيعٌ إليه سبيلا،لَكِنَّهَا الغفلة بمتاع الدنيا فعميت الأَبصَارُ وَشُغِلَتِ البَصَائِرُ عَن البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ،فأصبح الواحد في سفرٍ سياحةً أو ترفيه يدفع الكثير ثم يبخل بحجٍ أو أضحية(قُلْ مَتَاعُ الدَّنيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظلَمُونَ فَتِيلاً)
وَمِن مَعَاني الحَجِّ السَّامِيَةِ وَدُرُوسِهِ العَظِيمَةُ تَّلبِيَةٌ يُرَدِّدُها الحَاجُّ مِن حِينِ إِحرَامِهِ إلى أَن يَرمِيَ جمرَةَ العَقَبَةَ،وهي تَذكِيرٌ لِلأُمَّةِ بِأَعظَمِ مَا لديها لتَهتَمَّ بِهِ وَتُحَافِظَ عَلَيهِ وَتَغرِسَهُ في النُّفُوسِ ، وَتَستَشعِرَهُ في عِبَادَاتِها جمِيعِها،بتوحِيدِ اللهِ وعبادتِه(لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ، إِنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلكَ، لا شَرِيكَ لَكَ)،استِجَابَةً للهِ بَعدَ استِجَابَة، وَتَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّركِ،وَإِقرَارٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ،وَحَمدٌ لَهُ عَلَى نِعمَةِ الهِدَايَةِ لِلإِسلامِ،(وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للهِ)وقال صلى الله عليه وسلم..((خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ،وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي..لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)إِنَّهُ تَذكِيرٌ لِلأُمَّةِ جمِيعًا استحضار تَوحِيدِ اللهِ دوماً وللحجاج أنَّ حَجَّهُم لله وَحدَهُ،فَلا يَسأَلُونَ إِلاَّ هو،وَلا يَستَغِيثُونَ إِلاَّ بِه،ولا يَتَوَكَّلُونَ إِلاَّ عَلَيه،وَلا يَطلُبُونَ المَدَدَ والنَّصَرَ إِلاَّ مِن عِندِه فالخير كلّه بيده والأُمُورِ كُلِّها إِلَيهِ،لا مَانِعَ لِمَا أَعطَى وَلا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ،وَلا يَنفَعُ ذَا الجَدِّ مِنهُ الجَدُّ من استيقن بذلك وتمسّكَ فليبشر برضوان من الله قال وليحذر من زيارات لقبور ومغامرات لا معنى لها ولم يزرها صلى الله عليه وسلم الذي قال [خذوا عني مناسككم]
من روعة معاني الحج كيف جمع الله هؤلاء البشر من كل جنسٍ ولونٍ وبلد بلباسٍ واحد وشعائر متحدة جاؤوا كلهم تلبيةً لنداء الله بحج بيته بعد أن ناداهم وقلوبهم مشتاقةٌ لرؤية بيته وزيارة مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم وربما قضوا أعمارهم ينتظرون هذه الفرصة والعودة بالمغفرة كيوم ولدتهم أمهاتهم..
يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم ياوحشتي الشوق أقلقني وصوت الحادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفى عند المقام سمعت صوت منادي
من نال من عرفاتٍ نظرةَ ساعةٍ نال السرور ونال كل مرادي
نَتذكَرُ بالحجِّ الأمنَ وسهولةَ الوصول وكَيفَ كان قديماً حين يتعرض الحاج والزائر لمخَاطِرَ عَظيمةٍ يأتون من أفريقيا وآسيا ويجلسون سنوات طوال في طريق الحج حتى أنّ بعضَهم جلس عشرَ سنين في سفره للحج يعملُ ليجمعَ النفقَة في كل بلدٍ يمرّه ثم يواصلُ ليكملَ الحجَّ ذهاباً وإياباً يتعرضون لسرقات وموت ومرض ربما حالَ دون وصولهم بينما الآن نعمٌ عظيمة تستحقُّ الشكر بأمنٍ يحيطُ ببلاد الحرمين ويسرٍ في التنقل بل وصل بعضهم إلى حد ترفٍ مذمومٍ أكلاً وسكناً وتنقلات مما يحيدُ بمعنى الحج فنحمدُ الله أن هيّأَ لحُجَّاجِ بيتِه الكريم وزوار المسجد النبوي أمناً وارفاً ونعماً عظيمة وقارنوها سابقاً لتعرفوا الفرق..ونسأله تعالى أن يديم هذه النعم علينا وعلى بلاد المسلمين..ونحمد الله أن شرَّف بلادنا بخدمة الحرمين وزوارهما فأنت ترى جهوداً عظيمة يفتخر بها قادة وعلماء وعاملين فتراهم يبذلون جهداً ومساعدة لحجاج ومعتمرين وزوار نسأل الله أن يجزيهم الخير ويوفقهم..
عباد الله..مِن مَعَاني الحَجِّ الكَرِيمَةِ أَن تَعلَمَ الأُمَّةُ وَتَستَيقِن أَن سعادتها ونجاحها بِاتِّبَاعِ نبيها،وَالاقتِدَاءِ بنهجهِ في العبادات وَقَد كَانَ صلى الله عليه وسلم في كُلِّ خطوَةٍ في حَجَّتِهِ يُؤَصِّلُ ذلك في نُفُوسِ المُسلِمِينَ وَيَغرِسُهُ في قُلُوبِهِم فيَقُولُ..(خُذُوا عني مَنَاسِكَكُم)،فهو القدوة والأسوة [ومن عمل عملاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ]فَمَا أَسعَدَ الأُمَّةَ حِينَ تَقتَدِي بِه وَتَمتَثِلُ أَمرَهُ!مَا أَعظَمَ بَرَكَتَهَا حِينَ تَتَأَسَّى بِهِ وَتَسِيرُ عَلى نَهجِهِ وطَريقَتِهِ!((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا)) ((وَإِن تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ))
أيها الأحبة..الحج والأعداد التي تأتيه من كل فجٍ عميق لا يمكن أن ينجح إلا بالنظام والترتيب الذي هو مسؤولية دولتنا ومما يؤسف له أن تجد من يذهب للحج يبتغي الأجر بشكلٍ غير نظامي وبلا تصريح ولا مكان فيفترش الطرقات ويضيق ويكسب الإثم ومخالفة الأوامر وهذا خطأ كذلك.. أيها الأحبة..الحج أحكام ومناسك اتباعٌ لقوله صلى الله عليه وسلم [خذوا عني مناسككم]ليس بحثاً عن رخص ولا تخبط وتقليد وتصرفات تؤدي للكفارات والحمد لله المفتون متوفرون..
وَمِن دُرُوسِ الحَجِّ لُزُومُ الاعتِدَالِ وَالتَّوَسُّطِ في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَمُجَانَبَةُ غُلُوٍ أَوِ جَفَاءِ،وَحَذَرٌ مِنَ إِفرَاطٍ وتّفرِيطِ،عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قَالَ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ العَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ..(اُلقُطْ لي حَصًى)فَالَتقط لَهُ سَبعَ حَصَيَاتٍ وسطى هُنَّ حَصَى الخَذفِ،فَجَعَلَ يَنفُضُهُنَّ في كَفِّهِ وَيَقُولُ..(أَمثَالَ هَؤُلاءِ فَارمُوا)ثم قَالَ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ،إِيَّاكُم وَالغُلُوَّ في الدِّينِ؛فَإِنَّهُ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُمُ الغُلُوُّ في الدِّينِ)فَالاعتِدَالُ مَطلُوبٌ بالأُمُورِ كُلِّهَا،وَالتَّوَسُّطُ محمُودٌ فِيهَا جمِيعِها وَالبُعدُ عَنِ الغُلُوِّ وَالجَفَاءِ،بِالأَخذِ بِحُدُودِ القُرآنِ وآثَارِ السُّنَّةِ،وَالسَّيرِ على مَا فيهِمَا مِنَ الهَديِ وَالبَيَانِ فنحن أمة الوسط شهداء على الناس(وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا)وأمتنا اليوم بُليت إما بغلاةٍ ومتطرفين أو بمن أهمل العلم وتعدٍّ على ثوابت الدين!!!
وَمِن مَعَاني الحَجِّ العَظِيمَةِ وُجُوبُ تَعظِيمِ الشَّعَائِرِ وَالحُرُمَاتِ(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ)فَتَعظِيمُ الشَّعَائِرِ وَالحُرُمَات مِن تَقوَى القُلُوبِ وَخَشَيتِها لِخَالِقِهَا وَمَولاهَا،وَكُلَّمَا خَلا قَلبٌ مِن مِن تَعظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ وَالوُقُوفِ عِندَ حُدُودِهِ،كان عليه خطراً في دينه وقيمه وخَيرُ زَادٍ يَحمِلُهُ الحَاجُّ وأعظمُهُ وأكملُهُ زادَ الخَشيَةِ وَالتَّقوَى(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى واتقونِ يَا أُولي الأَلبَاب)فالحج ليس نزهة وإنما عبادة عظيمة وفرصة كبيرة للتوبة والإنابة..فرمي الجمار تَذكِيرٌ لبني آدَمَ للتحذير مِن الشيطان والبراءة منه(إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ)والجمعُ العظيمُ بيوم عرفة الذي هو أفضل الأيام عند الله فيه يفاخر الله بعباده يقول لملائكته..(انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ويخافون عذابي..أشهدكم أني قد غفرت لهم)..ولذلك فإنه يُسن لمن لم يشارك الحجاج حجتهم من أهل الأمصار أن يشاركهم بصيام يوم عرفة فإنه يكفر السنة التي قبلها والتي بعدها كما في الحديث..!!
وَمِن مَعَاني الحَجِّ المشتركة بين الحجاج وغيرهم تَذكِيرُ المُسلِمِينَ بِأَنَّ مِن أَجَلِّ أَهدَافِ العِبَادَاتِ ذِكرَ اللهِ عز وجل بها،لا أَدَاؤُها عَادَاتٍ مُجَرَّدَةً مِن رُوحِهَا وَلُبِّهَا،خَالِيَةً مِن مَعنَاهَا وَمغزَاهَا،أَوِ المُضِيُّ فِيهَا رِيَاءً لِلنَّاسِ وَطَلَبًا لِلسُّمعَةِ عِندَهُم وليقال عنه يا حاج كما يفعل البعض أو أنه حجر مراتٍ متعددة ولكن (لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ)وقال سُبحَانَهُ(فَإِذَا أَفَضتُم مِن عَرَفَاتٍ فَاذكُرُوا اللهَ عِندَ المَشعَرِ الحَرَامِ وَاذكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُم)(فَإِذَا قَضَيتُم مَنَاسِكَكُم فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكرِكُم آبَاءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا)وقال تعالى..((ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاستَغفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) إذاً هو لإقامة ذكر الله وتوحيده..
تِلكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ جُملَةٌ مِن مَعَاني الحَجِّ الكَرِيمَةِ وَأُسُسِهِ العَظِيمَةِ، يَجِدُها مَن تَتَبَّعَ أَدِلَّتَهُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وغيرها كثير كُلَّمَا أمعنا النَّظَرَ،فاجتماع المسلمين رئيس ومرؤوس غني وفقير من كل لونٍ وجنس دعوة لاتحاد كلمتهم وعدم فرقتهم وهذا اللباس الأبيض الخالي من المخيط تجرد من الدنيا وتذكير بالقيامة فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَحَقِّقُوا مَا شُرِعَتِ العِبَادَاتُ مِن أَجلِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ قال بعد الحديث عن الحج..(فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا وَمَا لَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وَمِنهُم مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُم نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ))فالمُوَفَّقُ مَن فهم مقصود العبادات وعملِ بنيةٍ صَالحَةٍ خَالِصَةِ وَمَالٍ حَلالٍ وَنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ،وَعَطَّرَ لِسَانَهُ دائماً بِذِكرِ اللهِ،وَصَاحَبَ عِبَادَتَهُ إِحسَانٌ وَنَفعٌ لِعِبادِ اللهِ، فأخلصوا دِينَكُم للهِ،وَاجتَهِدُوا في العمل(وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ))اللهم تقبل من حجاج بيتك حجّهم واجعله مبرورا وسعيهم مشكورا واحفظ أمنهم وصحتهم وسهّل دروبهم وردهم سالمين غانمين يا أرحم الراحمين أقول قولي ...
الخطبة الثانية الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
أيها الإخوة المؤمنون..من أفضل الأعمال هذه الأيام نحرُ الأضاحي عمن هو قادر مادياً..إذا طابت بها النفس وطابقت الشروط المعروفة..وكثيرٌ من الناس يتخلى عن الأضحية وهو قادر بالرغم من تأكيد سنيتها..والبعض يتذمر في المجالس من أسعار الأضاحي وغلائها بينما لو جاءه ضيف لمناسبة لذبح له أطيب الغنم وهو لا يبالي فكيف بأضحية تذبحها لله فلتطب نفساً بإخراجها وحسنِ اختيارِها ووقت الأضحية المحدد شرعاً من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس إلى ثالث أيام التشريق،وبعضُ الناس اليوم يترك الأضحية حتى لا يخالف بسنة الإمساك عن حلق الشعر وقص الأظافر وهذا خطأ كبير وتفريطٌ بالأجر ..
واحرصوا عباد الله على شهود صلاة العيد فإن شهودَ صلاة العيد قال بوجوبها عدد من أهل العلم لما في حضورها من إقامة شعيرة كبرى من شعائر الإسلام ..ودخولُ الإمام لصلاة العيد في تمام الساعة (5.50)في المصليات الكبرى إضافةً إلى بعض الجوامع.. نسأل الله جلَّ وعلا أن يتقبل منا ومنكم وأن يعيد علينا مواسم الخير..ويتقبل من الحجاج حجهم و من المضحين ضحاياهم..وأن يعيد على أمتنا مواسم الخيرات وهي ترفل بثوب العزة والمنعة..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله وأكبر ولله الحمد..الله وأكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرةً وأصيلا ..