الحمد لله تفرد بالواحدانية والإيجاد،وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده تنزه عن الشركاء والأنداد وأشهد أن محمداً عبده ورسوله هدى لطريق الرشاد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الصدق والجهاد وسلم تسليماً ..
كانت بلاداً جرداء وادٍ وصحراء ليس بها الماء جاءها إبراهيم مع زوجته هاجر وابنه إسماعيل ثم تركهم مُغادراً تلحقه هاجر إلى من تتركنا يا إبراهيم؟!فلم يجبها فقالت بلسان المؤمنة المتوكلة آالله أمرك بهذا؟قال نعم!!قالت إذا لا يضيعنا!!ثم انزوى النبي إبراهيم عليه السلام ليدعو(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)ثم نفد الماء من هاجر وحفر الطفل إسماعيل بعقبه ليَخرجَ ماءُ زمزم وكانت هاجر تسعى لاهثةً بين الصفا والمروة تستجلبُ النَّاس ليغيثوها فخرج الماء فجعلت هاجر تجمعه يقول صلى الله عليه وسلم[رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً] وكانت أُسس كعبة بيت الله الحرام موجودة فلما استُوطِنَتْ مكة جاء إبراهيم فقال لابنه إسماعيل إنَّ هاهنا بيتاً لله فبنوا الكعبة ثم أمره الله لنداء الناس بالحج (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)ومن ذلك التاريخ ظلَّ بيتُ الله الحرام مثابةً للناس وأمناً ومسؤوليةً على ساكنيه عُظمى يتفاخرون بخدمة زواره وخدمته حتى اليوم ويعتزون بخدمة الحرمين الشريفين ويتسموْن بها..
عباد الله..هذان الحرمان الشريفان شاهدان على مكانة هذه البلاد وأن الله اختارهما وشرفنا بهما..وبأرضها المباركة،فيها أولُ بيتٍ وُضِع للناس،وخُتِمت الرسالات بنبيها،وتنزَّلَ القرآن بأرضها،خصوصِّيتُنا في موقعنا وفيما اختار الله لنا من مُتنزَّل وحيه،ومولدِ رسولهِ،ومَبْعَثِه ومُهاجَره،ومماته-عليه الصلاة والسلام-وصحابةٍ كرام وسلفٍ أخيار وعلماء..بلادُنا قبلةُ المسلمين،تحتضِنُ شعائرَهم ومَشاعرهم،بلدُنا ليس مُرتبطًا بنا وحدَنا؛بل مرتبطٌ به كل مسلم،وأمنُنا أمنُهم،واستقرارُنا استقرارُهم ووجود الحرمين الشريفين عندنا يفرضُ مسؤوليةً وقدوةً للعالم أجمع ديناً وتعاملاً وخلقاً وقيماً(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)أرضُنا -بإذن الله-صنعت التاريخ؛وأهمَّ حدثٍ في الدنيا،تغيَّرتْ به وجوهُ الأممِ والممالك،نحن امتدادٌ لتاريخٍ عظيمٍ،والتزامٌ برسالةٍ خالدة،وقيامٌ على شريعةٍ مُطهَّرةٍ،واتباعٌ لسيدنا ونبيِّنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.وتاريخُ مملكتنا توحيدٌ ودينٌ ومبادئُ متفقٌ عليها،الجميعُ يقبَلُها،ويتمسَّكُون بها تحت رايةٍ للتوحيد لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله ليست مبنيَّةً على عصبية ولا إقليمية ولا مذهبية ولا تصنيفٍ ولا حزبيّة..وليست تتنازل عن مُحْكَمات الدين والقيم رجالُها أقاموا هذا الكِيان وحدة كلمة وبكلمة التوحيد لا يعتصِمون بقبيلة،وإنما طاعةٌ لولاةِ أمرٍ وتبْعية ولا يتعصَّبون لفئة..أنعم الله عليهم بنعم من باطن الأرض أغدقت عليهم الخير..يقيمونَ دولةً داخل صحراء ليثبتوا تاريخ دينٍ ودولةٍ ومجتمعٍ ووطنٍ يجمعُ بين الأصالة والمعاصَرة،مع التزامٍ بالثوابتِ والتحديث وذلك،من أصولِ الإسلام فواجبٌ التوافق مع بلاد المسلمين والحذر من المتآمرين الكافرين..
رفعنا وافتخرنا بشِعارِ توحيد الله،والحكمِ للهِ،والأمةِ الواحدة،والأُخوَّة الإيمانية،واجتماع كلمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،وأمر بمعروفٍ ونهيٍّ عن منكر،الإسلامُ نهجُها،والكتابُ والسنةُ دستورُها،بلادنا تميّزت بتأسيسٍ على الدين وتعتز وتتقوى به مع سياسة واقتصادٍ وتنميةٍ وعملٍ اجتماعي،فحفِظَ الله -بفضله ومنَّته- علينا دينَنا،وجمع فُرقتنا،وأغنانا من بعد عَيْلة،وآمَنَنا من بعد خوف،وجمع كلمتنا..وبعد جهلٍ علَّمَنا،وألبَسَنا لباسَ الصحة والعافية،ومن كل خيرٍ وفضلٍ أمدَّنا وأعطانا..والدول تعتز وتنتصر وبمخالفته تذلُّ وتندحر..وبلادُنا طاهرةٌ عزيزة بإذن الله رغم هجماتٍ شرسة إعلاماً وتشويهاً تكالبت علينا واستطعنا -بعون الله وتوفيقه- استمراراً تاريخياً عبر التزامٍ بالدين خلاف توقُّعات الخُصومِ وتمنِّياتهم..ثم توافدت علينا وفود الحجيج والمعتمرين ترجو من الله وتدعوه..
أهمُّ محكمات بلادِنا دينٌ قامت عليه وحكمت به فواجبٌ حمايته وعدمُ مخالفته..فيها علماء ورجال شرعٍ ومثقفون ملتزمون ومخترعون ومبدعون شيباً وشباباً رجالاً ونساءً،لهم مكانتهم،مدرسون وأهلُ دعوةٍ واحتساب،وكذلك نساءٌ منتجات ملتزماتٌ بالحجابِ إنجازٌ عبر تاريخ طويل مجيد؛فالحاكمُ يطلبُ النصيحة ويستقبِلُها ويقبلُها،والعالمُ ورجلُ الشرع يبذُلُها..ومثقفون فضلاء يخلصون بالعمل لبلادهم والنصح وتطبيقُ الإسلام عندنا ليس وظيفة،وليس مجرد نشاطاتٍ وهوايات؛أو تجاوز وخلافات بل هو روح وحياة وغاية مجسِّدٌ للهوية ومُحققٌ للولاء والانتماء،وشرعٍ كامل سنةً واتباعاً قال الله وقال رسوله!!هذه مبادئنا(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُ)والإيمان ورفع المظالم والعدل سببٌ للأمن والسلامة (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)فالأمنُ والوحدةُ الوطنية وتماسُك المجتمع وحماية المُقدَّسات أعلى وأغلى ما نملك بعد عزِّ الإسلام وحفظ الدين،ومن هنا فلا نريد التصنيفَ ولا نرغبه ولانريد من يتهم ويصنف كما شاء ويشوّهُ مَنْ يشاء ويتعصب لقبيلة ومناطقية ويفرق المجتمع ويصفي ويقتل من يشاء ويزايدُ على وطنيّةِ الناس ودينهم وأخلاقهم..فهذا الأمن -بفضل الله وعونه- شارك في صُنعه آباؤنا وأجدادُنا قادةً وشعباً،ويسهرُ عليه رجالُ أمنٍ وعسكر،وجنودٍ على الحدود يدافعون ومن كل أبناء الوطن يبذلون،يحفَظون بفضل الله أمنَنا ومُقدَّساتنا وسعادتنا وأحوالنا وأموالَنا وأنفسنا وأهلينا..وأيُّ غفلةٍ عن أصول ديننا ومُقوِّمات هويتنا،أو إخلالٍ بها،أو تهاونٍ في المحافظة عليها هو هدمٌ يتحقَّقُ أثره بقدر حجمه،دولةٌ ودين،ومواطنٌ ومقيم تُحفظ لهم حقوقهم ولا يُظلَمُون وللواجب المنوط بهم يؤدون ومع كل الخير الذي نعيشُه،والفضل الذي نرفُلُ فيه،والرضا الذي ننعَمُ به؛فنعلمْ أن الكمالَ عزيزٌ،وأن النقصَ والقصور والتقصير والخطأ من شأن البشر ومن شأن العاملين،والطريقُ طويلةٌ وشاقّة؛ولن نسلم أبداً من المؤامرة حتى ممن يتكلمون بألسنتنا وربما يعيشون بيننا ومسارُ الأممِ وتعاقُبُ الأجيالِ يتطلَّبُ عقلاً وحكمةً وأناةً وسيراً بخُطًى ثابتةٍ مُتأنِّية غيرُ مُتوقِّفة،يتطلَّبُ حكمةً ووعيَاً يميّزُ بين ثابتٍ ومُتغيِّرِ في قوةٍ راشدة،وعدلٍ باسط،وعسكرٍ ضابط، وقضاءٍ عادل،وسياسات حكيمة،ومالٍ رشيد،وتنميةٍ مُخطَّطة،ورحمةٍ وعَدْل وتجنبٍ للظلم تُحيطُ بذلك كله وإحسان!!وليس لازماً أن ما يحدُث ببلدٍ أو منطقة أن يكون مُلائمًا لبلدٍ آخر أو منطقةٍ أخرى؛فالبُلدان تختلفُ في طبائعها ومُكوِّناتها وظروفها وأحوالها لهذا فمصائرُ الشعوب -حفظكم الله-لا تجوز أن تكون رهينةَ مغامراتٍ وأخطاءَ أفرادٍ سيَلْقوْنَ جزاءَهم بالدنيا أو الآخرة أو بتقليد تجارب لا تُعرف نتائجُها ولا تُحسَبُ عواقبها،فذلك إلقاءٌ للبلاد بالتهلكة بين براثن تطرفٍ وغلوِّ انحراف..وبلادنا تُقدّمُ للعالَم عروبةً مُلتحمةً بالإسلام،وإسلاماً مُحتفِي بالعروبة،دينُنا دينُ دعوةٍ وحوار وتفاهم وتفاعُل إيجابي مع كلِّ التجارب الإنسانية،وأخذِ العبرةِ ودروس التاريخ ونريدها فوق المستوى والشبهة والتقليد السلبي للغير!!
أيها الإخوة المسلمون..بلادُ الحرمين الشريفين بلادُنا ودارُنا وبيتُنا ومُستقرُّنا،سواء في ذلك حاكم ومحكوم يبذلون الجهود وهذه خدمة الحجيج ضيوف الرحمن أكبر مثالٍ وشاهد وتلك قبلة المسلمين الكعبة قائمة حرسها الله،يجب أن نكون على يقظةٍ تامة من أمرنا.فكم من مُتربِّصٍ يريدُ تفتيتَ بلادِنا وتمزيقَ شملِنا وهدمَ كِياننا،والسعيدُ من وُعِظَ بغيره فكل فتنة..أو مسلكٍ أو فسادٍ خلقي وفكري يُهدَّدُ الوطنَ ووحدتَه والمجتمعَ وعيشَه واجبٌ أن يقفَ أمامَها الجميعُ بالمرصاد صفًّا واحدًا في كتيبةٍ واحدةٍ مُتراصَّة في وجه كلِّ مُتربِّصٍ،ومُواجهةِ كلِّ صائل،ودحْر كل عدوٍّ كائنًا من كان!!ولتظلَّ بلادُ الحرمين مُتمسِّكةً بمبادئها، مُلتزمةً بمنهجها،ومُحكماتِ الدين والقيم التي عرفت بها مُحافظةً على أُسسٍ قامتْ عليها،وعرفت بها يستوي في ذلك حُكَّامُها وشعبُها، وعلى ذلك مُؤسَّسات الدولة، وسياسات الحكم، ومناهجُ التعليم، والتراتيبُ الإدارية والاجتماعية.(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)يارب أدم علينا نعمة الدين والأمن والإيمان وامنن علينا بالاجتماع على الحق والدين واكفنا الفساد والمفسدين والمتآمرين يارب العالمين..
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
ميّز الله بلادنا منذ قامت بلزوم جماعَة المسلمين والتمسُّكِ بالإسلامِ وتعاليمه التي جاءَ بها نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم عن ربِّ العالمين؛وكذلك محافظة وأصالة جعلتها قبلة ومنارة ومثابةً للناس وأمنا مما جعل للإسلام في هذه الديار بقاءً بنَقاء وهَيمنةً بصفاء،وستبقى قائمةً ما أقامتِ التوحيد،منصورةً ما نصرَت السّنّة،عاليةً ما أعلنَت العَدل،ولن نخافَ عليها من نقصٍ إلا إذا نقَضَت مِن عُرَى الدين،ولن نخشَى والله إلا ذنوبَنا وتقصيرنا مع ربِّنا وتساهلنا في تعاليم ديننا..وإن كان هناك من قد يجهل أو يُستَغلُّ؛أو رجال ونسويات يريدون حرف المسيرة فإنَّها ظروفٌ تستدعي الحزمَ والعزمَ والتصريحَ دون التلميح فجنابُ الدينِ والأمنِ والوطن والاجتماع ووحدَةِ الصفِّ ليست مجالاً للمُساومة..وقد منَّ الله علينا برَغَد العيش والأمن في الأوطان والسلامة في الأديان،وفجَّر كنوزَ الأرض،وأسبغ علينا نِعَمَه الظاهرةَ والباطنة بما لا يكاد يُشبِهُه شيءٌ على وجهِ الأرض،مما نحمد الله عليه ونشكره ولا نبدّلُه بالإسراف والبطر والمخالفة(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذه بلاد الحرمين نحفظها بتصرفاتنا ونحافظ عليها بديننا..(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
عباد الله..أنتم تشهدون عشر ذي الحجة أيام فاضلة سنة صيامها وعمل الصالحات بها قال صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا.. يَا رَسُولَ اللَّهِ! وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.. وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)صحيح سنن الترمذي
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا ووفق إمامنا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ..وارزقه البطانة الصالحة واللهم جنبنا من يريد إفساد البلاد والعباد ويثير الفتن بينهم.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ،وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ،وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق،وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين..
كانت بلاداً جرداء وادٍ وصحراء ليس بها الماء جاءها إبراهيم مع زوجته هاجر وابنه إسماعيل ثم تركهم مُغادراً تلحقه هاجر إلى من تتركنا يا إبراهيم؟!فلم يجبها فقالت بلسان المؤمنة المتوكلة آالله أمرك بهذا؟قال نعم!!قالت إذا لا يضيعنا!!ثم انزوى النبي إبراهيم عليه السلام ليدعو(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)ثم نفد الماء من هاجر وحفر الطفل إسماعيل بعقبه ليَخرجَ ماءُ زمزم وكانت هاجر تسعى لاهثةً بين الصفا والمروة تستجلبُ النَّاس ليغيثوها فخرج الماء فجعلت هاجر تجمعه يقول صلى الله عليه وسلم[رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً] وكانت أُسس كعبة بيت الله الحرام موجودة فلما استُوطِنَتْ مكة جاء إبراهيم فقال لابنه إسماعيل إنَّ هاهنا بيتاً لله فبنوا الكعبة ثم أمره الله لنداء الناس بالحج (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)ومن ذلك التاريخ ظلَّ بيتُ الله الحرام مثابةً للناس وأمناً ومسؤوليةً على ساكنيه عُظمى يتفاخرون بخدمة زواره وخدمته حتى اليوم ويعتزون بخدمة الحرمين الشريفين ويتسموْن بها..
عباد الله..هذان الحرمان الشريفان شاهدان على مكانة هذه البلاد وأن الله اختارهما وشرفنا بهما..وبأرضها المباركة،فيها أولُ بيتٍ وُضِع للناس،وخُتِمت الرسالات بنبيها،وتنزَّلَ القرآن بأرضها،خصوصِّيتُنا في موقعنا وفيما اختار الله لنا من مُتنزَّل وحيه،ومولدِ رسولهِ،ومَبْعَثِه ومُهاجَره،ومماته-عليه الصلاة والسلام-وصحابةٍ كرام وسلفٍ أخيار وعلماء..بلادُنا قبلةُ المسلمين،تحتضِنُ شعائرَهم ومَشاعرهم،بلدُنا ليس مُرتبطًا بنا وحدَنا؛بل مرتبطٌ به كل مسلم،وأمنُنا أمنُهم،واستقرارُنا استقرارُهم ووجود الحرمين الشريفين عندنا يفرضُ مسؤوليةً وقدوةً للعالم أجمع ديناً وتعاملاً وخلقاً وقيماً(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)أرضُنا -بإذن الله-صنعت التاريخ؛وأهمَّ حدثٍ في الدنيا،تغيَّرتْ به وجوهُ الأممِ والممالك،نحن امتدادٌ لتاريخٍ عظيمٍ،والتزامٌ برسالةٍ خالدة،وقيامٌ على شريعةٍ مُطهَّرةٍ،واتباعٌ لسيدنا ونبيِّنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.وتاريخُ مملكتنا توحيدٌ ودينٌ ومبادئُ متفقٌ عليها،الجميعُ يقبَلُها،ويتمسَّكُون بها تحت رايةٍ للتوحيد لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله ليست مبنيَّةً على عصبية ولا إقليمية ولا مذهبية ولا تصنيفٍ ولا حزبيّة..وليست تتنازل عن مُحْكَمات الدين والقيم رجالُها أقاموا هذا الكِيان وحدة كلمة وبكلمة التوحيد لا يعتصِمون بقبيلة،وإنما طاعةٌ لولاةِ أمرٍ وتبْعية ولا يتعصَّبون لفئة..أنعم الله عليهم بنعم من باطن الأرض أغدقت عليهم الخير..يقيمونَ دولةً داخل صحراء ليثبتوا تاريخ دينٍ ودولةٍ ومجتمعٍ ووطنٍ يجمعُ بين الأصالة والمعاصَرة،مع التزامٍ بالثوابتِ والتحديث وذلك،من أصولِ الإسلام فواجبٌ التوافق مع بلاد المسلمين والحذر من المتآمرين الكافرين..
رفعنا وافتخرنا بشِعارِ توحيد الله،والحكمِ للهِ،والأمةِ الواحدة،والأُخوَّة الإيمانية،واجتماع كلمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،وأمر بمعروفٍ ونهيٍّ عن منكر،الإسلامُ نهجُها،والكتابُ والسنةُ دستورُها،بلادنا تميّزت بتأسيسٍ على الدين وتعتز وتتقوى به مع سياسة واقتصادٍ وتنميةٍ وعملٍ اجتماعي،فحفِظَ الله -بفضله ومنَّته- علينا دينَنا،وجمع فُرقتنا،وأغنانا من بعد عَيْلة،وآمَنَنا من بعد خوف،وجمع كلمتنا..وبعد جهلٍ علَّمَنا،وألبَسَنا لباسَ الصحة والعافية،ومن كل خيرٍ وفضلٍ أمدَّنا وأعطانا..والدول تعتز وتنتصر وبمخالفته تذلُّ وتندحر..وبلادُنا طاهرةٌ عزيزة بإذن الله رغم هجماتٍ شرسة إعلاماً وتشويهاً تكالبت علينا واستطعنا -بعون الله وتوفيقه- استمراراً تاريخياً عبر التزامٍ بالدين خلاف توقُّعات الخُصومِ وتمنِّياتهم..ثم توافدت علينا وفود الحجيج والمعتمرين ترجو من الله وتدعوه..
أهمُّ محكمات بلادِنا دينٌ قامت عليه وحكمت به فواجبٌ حمايته وعدمُ مخالفته..فيها علماء ورجال شرعٍ ومثقفون ملتزمون ومخترعون ومبدعون شيباً وشباباً رجالاً ونساءً،لهم مكانتهم،مدرسون وأهلُ دعوةٍ واحتساب،وكذلك نساءٌ منتجات ملتزماتٌ بالحجابِ إنجازٌ عبر تاريخ طويل مجيد؛فالحاكمُ يطلبُ النصيحة ويستقبِلُها ويقبلُها،والعالمُ ورجلُ الشرع يبذُلُها..ومثقفون فضلاء يخلصون بالعمل لبلادهم والنصح وتطبيقُ الإسلام عندنا ليس وظيفة،وليس مجرد نشاطاتٍ وهوايات؛أو تجاوز وخلافات بل هو روح وحياة وغاية مجسِّدٌ للهوية ومُحققٌ للولاء والانتماء،وشرعٍ كامل سنةً واتباعاً قال الله وقال رسوله!!هذه مبادئنا(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُ)والإيمان ورفع المظالم والعدل سببٌ للأمن والسلامة (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)فالأمنُ والوحدةُ الوطنية وتماسُك المجتمع وحماية المُقدَّسات أعلى وأغلى ما نملك بعد عزِّ الإسلام وحفظ الدين،ومن هنا فلا نريد التصنيفَ ولا نرغبه ولانريد من يتهم ويصنف كما شاء ويشوّهُ مَنْ يشاء ويتعصب لقبيلة ومناطقية ويفرق المجتمع ويصفي ويقتل من يشاء ويزايدُ على وطنيّةِ الناس ودينهم وأخلاقهم..فهذا الأمن -بفضل الله وعونه- شارك في صُنعه آباؤنا وأجدادُنا قادةً وشعباً،ويسهرُ عليه رجالُ أمنٍ وعسكر،وجنودٍ على الحدود يدافعون ومن كل أبناء الوطن يبذلون،يحفَظون بفضل الله أمنَنا ومُقدَّساتنا وسعادتنا وأحوالنا وأموالَنا وأنفسنا وأهلينا..وأيُّ غفلةٍ عن أصول ديننا ومُقوِّمات هويتنا،أو إخلالٍ بها،أو تهاونٍ في المحافظة عليها هو هدمٌ يتحقَّقُ أثره بقدر حجمه،دولةٌ ودين،ومواطنٌ ومقيم تُحفظ لهم حقوقهم ولا يُظلَمُون وللواجب المنوط بهم يؤدون ومع كل الخير الذي نعيشُه،والفضل الذي نرفُلُ فيه،والرضا الذي ننعَمُ به؛فنعلمْ أن الكمالَ عزيزٌ،وأن النقصَ والقصور والتقصير والخطأ من شأن البشر ومن شأن العاملين،والطريقُ طويلةٌ وشاقّة؛ولن نسلم أبداً من المؤامرة حتى ممن يتكلمون بألسنتنا وربما يعيشون بيننا ومسارُ الأممِ وتعاقُبُ الأجيالِ يتطلَّبُ عقلاً وحكمةً وأناةً وسيراً بخُطًى ثابتةٍ مُتأنِّية غيرُ مُتوقِّفة،يتطلَّبُ حكمةً ووعيَاً يميّزُ بين ثابتٍ ومُتغيِّرِ في قوةٍ راشدة،وعدلٍ باسط،وعسكرٍ ضابط، وقضاءٍ عادل،وسياسات حكيمة،ومالٍ رشيد،وتنميةٍ مُخطَّطة،ورحمةٍ وعَدْل وتجنبٍ للظلم تُحيطُ بذلك كله وإحسان!!وليس لازماً أن ما يحدُث ببلدٍ أو منطقة أن يكون مُلائمًا لبلدٍ آخر أو منطقةٍ أخرى؛فالبُلدان تختلفُ في طبائعها ومُكوِّناتها وظروفها وأحوالها لهذا فمصائرُ الشعوب -حفظكم الله-لا تجوز أن تكون رهينةَ مغامراتٍ وأخطاءَ أفرادٍ سيَلْقوْنَ جزاءَهم بالدنيا أو الآخرة أو بتقليد تجارب لا تُعرف نتائجُها ولا تُحسَبُ عواقبها،فذلك إلقاءٌ للبلاد بالتهلكة بين براثن تطرفٍ وغلوِّ انحراف..وبلادنا تُقدّمُ للعالَم عروبةً مُلتحمةً بالإسلام،وإسلاماً مُحتفِي بالعروبة،دينُنا دينُ دعوةٍ وحوار وتفاهم وتفاعُل إيجابي مع كلِّ التجارب الإنسانية،وأخذِ العبرةِ ودروس التاريخ ونريدها فوق المستوى والشبهة والتقليد السلبي للغير!!
أيها الإخوة المسلمون..بلادُ الحرمين الشريفين بلادُنا ودارُنا وبيتُنا ومُستقرُّنا،سواء في ذلك حاكم ومحكوم يبذلون الجهود وهذه خدمة الحجيج ضيوف الرحمن أكبر مثالٍ وشاهد وتلك قبلة المسلمين الكعبة قائمة حرسها الله،يجب أن نكون على يقظةٍ تامة من أمرنا.فكم من مُتربِّصٍ يريدُ تفتيتَ بلادِنا وتمزيقَ شملِنا وهدمَ كِياننا،والسعيدُ من وُعِظَ بغيره فكل فتنة..أو مسلكٍ أو فسادٍ خلقي وفكري يُهدَّدُ الوطنَ ووحدتَه والمجتمعَ وعيشَه واجبٌ أن يقفَ أمامَها الجميعُ بالمرصاد صفًّا واحدًا في كتيبةٍ واحدةٍ مُتراصَّة في وجه كلِّ مُتربِّصٍ،ومُواجهةِ كلِّ صائل،ودحْر كل عدوٍّ كائنًا من كان!!ولتظلَّ بلادُ الحرمين مُتمسِّكةً بمبادئها، مُلتزمةً بمنهجها،ومُحكماتِ الدين والقيم التي عرفت بها مُحافظةً على أُسسٍ قامتْ عليها،وعرفت بها يستوي في ذلك حُكَّامُها وشعبُها، وعلى ذلك مُؤسَّسات الدولة، وسياسات الحكم، ومناهجُ التعليم، والتراتيبُ الإدارية والاجتماعية.(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)يارب أدم علينا نعمة الدين والأمن والإيمان وامنن علينا بالاجتماع على الحق والدين واكفنا الفساد والمفسدين والمتآمرين يارب العالمين..
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
ميّز الله بلادنا منذ قامت بلزوم جماعَة المسلمين والتمسُّكِ بالإسلامِ وتعاليمه التي جاءَ بها نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم عن ربِّ العالمين؛وكذلك محافظة وأصالة جعلتها قبلة ومنارة ومثابةً للناس وأمنا مما جعل للإسلام في هذه الديار بقاءً بنَقاء وهَيمنةً بصفاء،وستبقى قائمةً ما أقامتِ التوحيد،منصورةً ما نصرَت السّنّة،عاليةً ما أعلنَت العَدل،ولن نخافَ عليها من نقصٍ إلا إذا نقَضَت مِن عُرَى الدين،ولن نخشَى والله إلا ذنوبَنا وتقصيرنا مع ربِّنا وتساهلنا في تعاليم ديننا..وإن كان هناك من قد يجهل أو يُستَغلُّ؛أو رجال ونسويات يريدون حرف المسيرة فإنَّها ظروفٌ تستدعي الحزمَ والعزمَ والتصريحَ دون التلميح فجنابُ الدينِ والأمنِ والوطن والاجتماع ووحدَةِ الصفِّ ليست مجالاً للمُساومة..وقد منَّ الله علينا برَغَد العيش والأمن في الأوطان والسلامة في الأديان،وفجَّر كنوزَ الأرض،وأسبغ علينا نِعَمَه الظاهرةَ والباطنة بما لا يكاد يُشبِهُه شيءٌ على وجهِ الأرض،مما نحمد الله عليه ونشكره ولا نبدّلُه بالإسراف والبطر والمخالفة(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذه بلاد الحرمين نحفظها بتصرفاتنا ونحافظ عليها بديننا..(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
عباد الله..أنتم تشهدون عشر ذي الحجة أيام فاضلة سنة صيامها وعمل الصالحات بها قال صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا.. يَا رَسُولَ اللَّهِ! وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.. وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)صحيح سنن الترمذي
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا ووفق إمامنا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ..وارزقه البطانة الصالحة واللهم جنبنا من يريد إفساد البلاد والعباد ويثير الفتن بينهم.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ،وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ،وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق،وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين..