الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليماً..أما بعد فاتقوا الله عباد الله و توبوا إليه ..
أيها الأحبة..إذا كان توحيد الله وعدم الإشراك به عمق الإسلام فإن جوهرَه الخلقُ الحسن والمعاملةُ بينك وبين الناس وكما أن هناك مشكلة في فهم التوحيد ونبذ الشرك لدى فئامٍ من المسلمين فهناك أيضاً أزمةٌ كبرى وخللٌ في التعامل والأخلاق فيما بيننا حتى صار واضحاً لكل أحد ومؤثراً على كل صعيد، فإذا اختلفنا بالرأي لأمرٍ بسيط دمرنا بعضنا بعضاً وأطلقنا الاتهامات بيننا ويفجر بعضنا بخصومته مع غيره متجاوزآ قضية الخلاف للفضح والتشهير والقذف والسباب..بل وصل الغلو ببعضهم لإرهابٍ وترويع باسم الإسلام! وتسمعُ عن فسادٍ عريضٍ وإفساد..في التعاملات واستغلال. وتعطيلٍ لمعاملات الناس..عقوقٌ كبيرٌ بالوالدين وعدمُ احترام وقطيعةٌ للأرحامِ واختلافٌ بين الإخوةِ والأقاربِ على الأموالِ..وقسوةٌ في التعامل وسوءُ ظنٍ..الغيبةُ والنميمة أصبحت فاكهةَ مجالسِنا وغير ذلك من مخالفات سلوكيّة تبين أن أزمتَنا اليوم فعلاً أزمةُ أخلاقٍ!مقصرون بفهمها رغمَ أهميتِها في ديننا؟!
قد نهتمُّ بالمظاهر لكننا نغفل عن باطنٍ يعكسُ حسن خلق صاحبه [سُئل صلى الله عليه وسلم ما الدين؟!قال..حسن الخلق،وسئل ما الشؤم؟ قال..سوء الخلق!]وكما رسخ صلى الله عليه وسلم صحابته على التوحيد فقد رباهم على الأخلاق من خلال الكتاب والسنة فأحد الصحابة يقول لبلال رضي الله عنه يابن السوداء فيقول له عليه الصلاة والسلام..إنك امرؤ فيك جاهلية فما كان من هذا الصحابي إلا أن وضع خده على الأرض وطلب من بلال أن يطأ عليها تكفيراً واعتذاراً!!ثم ربَّى الصحابةُ مَنْ بعدَهم فانطلقوا كلُّهم بتلك الأخلاق للعالم ينشرون الدينَ والخلقَ معاً فمن دخلَ بالإسلام بالتعامل تجارة وتعليماً فقط كشرق أفريقيا وغربها وأقصى آسيا وجنوبها أكثر ممن دخلوه بالفتوحات والجهاد الذي مورس أيضاً بأخلاق الإسلام العظيمة حيث لا ظلمَ ولا حيفَ ولا اعتداءَ ولا غلوَّ لأنهم تمثَّلوا الدينَ والخلقَ تعاملاً!
يمر عمر رضي الله عنه ليلاً ببيت فيسمع الأم تقول لابنتها امزجي اللبن بالماء
(تريده يكثر) فإن عمر لا يرانا فترد البنت.. إن كان عمر لا يرانا فإن ربَّ عمر يرانا!!
ويجلس عمر زمن أبي بكر قاضياً في المدينة لمدة سنة لم يتقدم له أحد في خصومة
لأنهم قومٌ تمثلوا أخلاق الإسلام..أما واقعنا فيذكر أحد المفكرين أنه جرَّب الأديان
كلّها يبحث عن الحقيقة حتى اهتدى للإسلام أنه أفضلها فأسلم بعد أن
عرف حقيقتَه وروعته..لكنَّ المؤلمَ قولَه.. بحمد الله عرفتُ حقيقةَ الإسلام قبلَ أن
أشاهدَ بعضَ تعاملاتِ المسلمين وأحوالَهم!!
وإنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويقول آخر..
وإذا أصيب القومُ في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً و عــويلاً
ولن نعتب لفقد الأخلاق لدى أُممٍ حرَّفوا دينَهم وضلُّوا وآخرون أغضبوا ربهم وتجاوزوا أو وثنيون وملحدون لكنَّ العتب يوجه للمسلمين فنظرة واحدة لبعض بلاد المسلمين سنكتشف بها حجم التخلّفِ في أبسط مفاهيم الأخلاق وأعظمِها من نظافةٍ وحمايةٍ للبيئة وأمانةٍ وعدلٍ وصدقٍ ووفاءٍ وغيرها من أخلاقٍ قام عليها الإسلام وإنما بُعث صلى الله عليه وسلم لِيُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق،بل كان عليه الصلاة والسلام نهجاً متكاملاً من الأخلاق مع العدوِّ والصديق والموافق والمخالف له حتى المنافقين الذين يتنزل القرآن بسوء أفعالهم كان يأخذهم بظواهرهم ومن تواضعه كانت الجارية تُمسك بيده وهو قائد الأمة لتطوفَ به المدينةَ ليقضي حاجتها بأبي وأمي هو رسول الله عليه الصلاة والسلام
ياخير من جاء الوجود تحيةً من مرسلين إلى الهدى بك جاؤا
بك بشّر الله السماء فَزُيِّنَت وَتَضَوَّعَت مسكاً بك الغبراء
يامن له الأخلاق ما تهوى العُلا. منها وما يتعشّقُ الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل. يُغرَى بهنَّ ويُولعُ الكرماء
فإذا رحمت فأنت أم أو أبٌ. هذان في الدنيا هما الرحماء
زكَّاه رَبُّه(وإنك لعلى خلقٍ عظيم)وأصدقُ وصفٍ له صلى الله عليه وسلم أنه كان خلقُه القرآن..
نحتاجُ أحبتي إلى تمثّل أخلاق الإسلام من تعاملات رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الأخيار فالإسلامُ ليس عِلمًا مجردًا ولا اعتقادًا جامدًا،هُو نهجٌ يجمعُ العقيدةَ والفقهَ والأخلاقَ والعمل..والمتأمّلُ في حياةِ بعضِ المسلمِين حتّى من وفقه الله لعبادات شرعية يلحَظُ انفصالاً وانفصامًا بين ما نعرفه ونقرأه وبين ما نتعامل به ونفعله.. والواجب أن يكون سلوكنا مرتبطٌ باعتقادنا ومنسجم مع عباداتنا ومعانيها!! وبما نظهرُ به لتمثيل الإسلام(فأكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا) فلا فصل بين الدين ومظهره وتعاليمه وبين الأخلاق وتعاملاتها..لأنها عناصرُ متماسكة فكيف يحافظ على الصلاة وهو يكذبُ ويغش ويخدع. وكيف يحسن للأصدقاء وهو عاقٌ بوالديه وقاطع للرحم..يريدُ الإصلاح وأسلوبه يخلو من الحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين وإحسان الظن..ثم كيف نريد صلاح مجتمعات فشت فيها المنكرات التي تشجع على خلق ضار وفكر ضال!! فهل هذا التناقض يستقيم؟!!
سأل صلى الله عليه وسلم صحابته.. أتدرون مَن المفلس؟! قالوا المفلس فينا من لادرهم له ولا متاع! فقال بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاةٍ وصيام و حسناتٍ أمثال الجبال لكنه يأتي وقد شتَم هذا وقذَف هذا وأكلَ مالَ هذا وسفك دمَ هذا وضرَب هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه،فإن فنيَت حسناتُه قبل أن يٌقضَى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثمّ طُرح في النار]رواه مسلم إنَّ الدينَ كما هو توحيد وإيمان فهو خلق ومعاملة وإحسان فالعباداتُ من صلاة وصيام وقرآن بينك وبين ربك قمتَ بها أوقصرت فاللهُ سيحاسبك أما الأخلاق والمعاملة فبينكَ وبين الناس حقٌ لهم يُلزمكَ الإسلام بها! وإن كنت لا تستطيع أن تكون متميزاً بخلقك فكُفَّ عن الناس مساويء خلقك!!بعضهم يقول هذا طبعي وتلك طريقتي!! وهذا غير صحيح،فإنما الحلمُ بالتحلُّم والعلمُ بالتعلم..
الأخلاق أحبتي هي فرقُ الإنسان عن الحيوان!تمثل تصرفات الإنسان في سلوكه وأحواله كلِّها! في جدِّه وهزله، وفرحه وحزنه ورضاه وسَخَطه،وخطئِه وصوابِه،وفقره وغناه والسعادةُ لا تُدرك بالمنصِب والجاه لكنها تُنال بلباسِ التّقوى ورِداءِ الخُلُق، عملٌ صالح وقول حسَن..
إنّ أزمتنا اليوم أنا اختصرنا الإسلامَ بالمظهر وأهملنا الخلقَ والمخبر. يفتخرون بعروبتهم وحضارتهم وتراثهم مبنى جامداً لا معنى سامياً وخلقاً عالياً..أهملوا تعاليم الإسلام وأصولَه بدعوى جمع الناس فلا ديناً أبقوا ولا كلمةً اجتمعوا عليها..تراهم أسرع الناس لخصومة وشقاق بينهم والعالم يجتمع ويتّحد ولو اختلفت مصالحهم!!
فاحرصوا عباد الله على أصولِ الأخلاق ومزكّيات النّفوس، تأمّلوا في الأمانةِ والوفاء. والصّدق والإخاء..والعفّة والمروءة والنقاء..والحِلم والصّبر والصفاء..والاعتراف بالحقّ لأهله والجميلِ لأصحابه، قدّروا ما عند الآخرين مِن الفضلِ والعِلم والخِبرة ولا تنالوا منهم أو تحتقروهم لجنسيّة أو فقرٍ أو لون أو منصب. احترم الكبير وأجلَّ ذا الشيبة وارحم الصغير والفقير، آثِر الحقَّ وأحِبَّ أهلَه كن رحيماً قويّ الإرادة وعليك بالصّبروالسماحةِ،استحضر علوَّ الهمّةِ والاحترامَ المتبادل ولنحسن الظن ببعضنا ونعتذر لأخطاءِ الغير ما أمكننا.
إخوتي.لمحاسنِ الأخلاق في ديننا مكانةً عالية،يكفيك قربك للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول..(إنّ من أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا) رواه البخاري ويقول صلى الله عليه وسلم..(خيارُكم أحسنُكم أخلاقًا)رواه البخاري، والكلمة الطيّبةُ صدقة، وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة(وإن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم الذي لا يفتر من صيام و القائم لا يفتر من قيام)رواه أبو داوود. وآياتُ كتابِ الله وأحاديث السنة تتحدث عن جوامع الأخلاق سواء منها ما كان في معاملةِ الخالقِ جلَّ وعلا أو معاملةِ المخلوقين، أو في إقامةِ حدودِ الشّرع أو حتّى مع الحيوان في رعايته أوذبحِه، فامرأةٌ دخلت النار في هرة حبستها وغفر الله لبغيٍّ سقَتْ كلباً عطشاناً وبالحديث(إنّ الله كتب الإحسانَ على كلّ شيء،فإذا قتلتم فأحسِنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة،وليحِدَّ أحدكم شفرتَه، وليرِح ذبيحتَه)رواه مسلم..ولنعرفَ عظمةَ الأخلاق تأمَّلوا قول الله..(هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)(خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)وفي السنّة..(من يستعفِف يُعفَّه الله،ومن يستغنِ يغنِه الله ومن يتَصبَّر يُصبِّره الله)متفق عليه، و(ليس الغنى عن كثرةِ العَرَض،لكن الغِنى غِنى النّفس)و(ليس الشّديد بالصُرَعَة،إنّما الشديد الذي يملِك نفسَه عندَ الغضب) و(من لا يشكر الناسَ لا يشكر الله)و(لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه)و(أحسنُ الناسِ إسلامًا وإيمانًا أحسنُهم خلقًا) و(ما من شيء أثقلُ في ميزان المؤمن يومَ القيامة من خلُق حسن) نصوصٌ عظيمة صحيحة فهل سنجد ديناً من الأديان حثَّ على الأخلاق أكثر من الإسلام مهما تشدّقوا بالسلام والصفح وحقوق الإنسان فلقد رأينا أخلاقهم بالحرب والسلام!!المصيبة أننا نقرأ ونسمع نصوصاً بالكتاب والسنة عن الأخلاق ثم لا تُطبَّقُ بيننا إلا نادراً! مع أن الأخلاق عبادة شرعيّة مطلوبَة كسائر العباداتِ، وسيُّئها منهيٌّ عنه تحريمًا وكراهة..فحسن المعاملة والأمانة أهمُّ من فعل السنة وكثرة قراءة القرآن..والصدقُ وحسنُ الظن أفضل من الصدقة واتباع الجنائز..والغيبةُ والنميمة أشدُّ إثماً من الحركة في الصلاة..والفسادُ في المال وعدمُ إنجاز العمل الواجب للناس أشدُّ إثماً من الأخطاء الشخصية الخاصة هكذا نفهمُ الأولويات في الدين والخلق بتقديم الأهم فالمهم هذا هو الدينُ الصحيح!!
ولذلك عباداتُ الإسلام الكبرى وأركانه العظمى ارتبطت بالأخلاق، فالصّلاة تنهى عن الفحشاءِ والمنكر، والزّكاةُ صدقةٌ تطهِّرُ المسلم وتزكّيه،وفي الصيام..(من لم يدع قولَ الزور والعمل به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامه وشرابَه) والحجّ أشهر معلومات (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ومن لم يكن له من عبادتِه ما يُزكّي قلبَه ويطهِّرُ نفسَه ويهذّبُ سلوكه ويُحسِّنُ خلقه وينظّمُ صلتَه بالله وبالنّاس فليحاسِب نفسَه ليكون مؤمناً(والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قالوا مَن يا رسول الله؟!قال..مَن لا يأمَنُ جارُه بوائقَه) (ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفَه،ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت) (والحياء شعبة من الإيمان)وطوبى لمن شغَله عيبُه عن عيوبِ النّاس، وتعرَّف على أخلاقك عند غضبِك وفقرك فالغضبُ والطمعُ يُظهر خلق الإنسان الحقيقي وكذلك إذا خلوتَ لوحدك وإذا احتجتَ وإذا استغنيتَ وإذا قدرتَ وإذا عجزتَ،وإذا عاملت بالمال وسافرت،والنفسُ السيئةُ تثير الفوضى بأفضل الأنظمة،ولو زوَّقت القول ونافقت،، والنّفسُ الكريمَة تسترُ الأخطاء والعيوب، والقاضِي النزيهُ يُكمِّلُ بعدلِه نقصَ النّظام، والقاضي الجائرُ يفسدُ أفضل الأنظمة، وإذا لم تصلُحِ النّفوس بالأخلاق أظلمتِ الآفاق وبرزَت الفِتن..هذه أهميةُ الأخلاق وذلك دورها فليست شعاراتٍ تُرفع أومظاهر لا تُطبّق فأثرُها على الدين والمجتمع كبير.. قالوا يا رسول الله إن فلانةً من الأنصار تُكثرُ من صلاتها و صيامها وصدقتها لكنها تؤذي جيرانها بلسانها قال.. هي في النار ثم قالوا..فإن فلانة تُصلّي فرضها و تصوم شهرها و تتصدق بالقليل من الإقط وتُحسن إلى جيرانها قال هي في الجنة رواه أحمد..
حسنُ الخلُق-أحبتي-بابٌ عظيم لو أقمناه أفراداً ودولاً ومجتمعات سنعالجُ به كثيراً مما اصاب المسلمين مؤخراً من انحرافٍ وهبوط، محنٌ وظلم واقعٌ عليهم وعفن وكذبٌ فضاقت بهم السبل وأهلُ الغلوِّ والإرجاف يشوهون الإسلام بأفعالهم وتطرّفهم الذي خلا من الدين والخلق وإن انتسبوا للإسلام.. أو منحلّونَ يتعدون على ثوابت الدين والقيم ويفسدون الخَلْقَ والخُلُقَ..إلحادٌ وزّندقة وتعصّبٌ قبلي ومناطقي وطائفي وفوضى إعلامية وفكريّة وأخلاقيّة ببرامج وأطروحاتٍ تُهدّد أخلاقَ أجيالنا..
وإنّ دروسَ التاريخ وعبَره لتُبيِّن أنّ كلَّ أمّة نهضت وكلّ حضارة ازدَهرت إنما هو بعد تقدير الله بفضل أخلاقٍ عاليةٍ قامت. وسيرةٍ فاضلةٍ طُبّقت.. وتعاملٍ حسنٍ فرض نفسه فملك وعدل فأصبحت الكلمة قائمة..هكذا تاريخنا..أخلاقُ بامتياز يذكرها العدو قبل الصديق..فلم تكن سعادة الأمّة ولا عزّة الدّيار بكثرةِ الأموال ولا بجمَال المباني ولكنّ السّعادةَ والعزّةَ برجالٍ تثقّفت عقولهم وحسُنت أخلاقهم وصحّت عقائدُهم واستقامت تربيّتهم واستنارت بصائرُهم، أولئك هم رجالُ الأخلاقِ والقوّة، وذلكم بإذن الله مصدرُ العزّة.والعالم والحاكم بأخلاقه وتواضعه وعدله قبل سياسته وعلمه..
وإن الطرف يرتد كسيراً حينما ترى الإعجاب لبلاد الغرب فترى في كثيرٍ من تعاملاتهم الاجتماعية تطبيقاً لأخلاق الإسلام من نظافةٍ واحترامٍ وصدقٍ والتزامٍ بالنظام وحماية المستهلك وحرصٍ على البيئة وغير ذلك من أخلاق.. أليس المسلمون أولى بها منهم وديننا يأمر بها؟!سؤالٌ يثيرُ الحيرة والقلق.. ويحثُّ الهمم لمزيد النصح والتوعية عن الأخلاق فنحن أهلها وديننا يؤكدها..اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق وحسن التعامل ونجنا من حقوق الخلْق وارزقنا الصدق والاستقامة في الأمر كله(يا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)أقول ماتسمعون
الخطبة الثانية ..مختصرةأيها الأحبة..إذا كان توحيد الله وعدم الإشراك به عمق الإسلام فإن جوهرَه الخلقُ الحسن والمعاملةُ بينك وبين الناس وكما أن هناك مشكلة في فهم التوحيد ونبذ الشرك لدى فئامٍ من المسلمين فهناك أيضاً أزمةٌ كبرى وخللٌ في التعامل والأخلاق فيما بيننا حتى صار واضحاً لكل أحد ومؤثراً على كل صعيد، فإذا اختلفنا بالرأي لأمرٍ بسيط دمرنا بعضنا بعضاً وأطلقنا الاتهامات بيننا ويفجر بعضنا بخصومته مع غيره متجاوزآ قضية الخلاف للفضح والتشهير والقذف والسباب..بل وصل الغلو ببعضهم لإرهابٍ وترويع باسم الإسلام! وتسمعُ عن فسادٍ عريضٍ وإفساد..في التعاملات واستغلال. وتعطيلٍ لمعاملات الناس..عقوقٌ كبيرٌ بالوالدين وعدمُ احترام وقطيعةٌ للأرحامِ واختلافٌ بين الإخوةِ والأقاربِ على الأموالِ..وقسوةٌ في التعامل وسوءُ ظنٍ..الغيبةُ والنميمة أصبحت فاكهةَ مجالسِنا وغير ذلك من مخالفات سلوكيّة تبين أن أزمتَنا اليوم فعلاً أزمةُ أخلاقٍ!مقصرون بفهمها رغمَ أهميتِها في ديننا؟!
قد نهتمُّ بالمظاهر لكننا نغفل عن باطنٍ يعكسُ حسن خلق صاحبه [سُئل صلى الله عليه وسلم ما الدين؟!قال..حسن الخلق،وسئل ما الشؤم؟ قال..سوء الخلق!]وكما رسخ صلى الله عليه وسلم صحابته على التوحيد فقد رباهم على الأخلاق من خلال الكتاب والسنة فأحد الصحابة يقول لبلال رضي الله عنه يابن السوداء فيقول له عليه الصلاة والسلام..إنك امرؤ فيك جاهلية فما كان من هذا الصحابي إلا أن وضع خده على الأرض وطلب من بلال أن يطأ عليها تكفيراً واعتذاراً!!ثم ربَّى الصحابةُ مَنْ بعدَهم فانطلقوا كلُّهم بتلك الأخلاق للعالم ينشرون الدينَ والخلقَ معاً فمن دخلَ بالإسلام بالتعامل تجارة وتعليماً فقط كشرق أفريقيا وغربها وأقصى آسيا وجنوبها أكثر ممن دخلوه بالفتوحات والجهاد الذي مورس أيضاً بأخلاق الإسلام العظيمة حيث لا ظلمَ ولا حيفَ ولا اعتداءَ ولا غلوَّ لأنهم تمثَّلوا الدينَ والخلقَ تعاملاً!
يمر عمر رضي الله عنه ليلاً ببيت فيسمع الأم تقول لابنتها امزجي اللبن بالماء
(تريده يكثر) فإن عمر لا يرانا فترد البنت.. إن كان عمر لا يرانا فإن ربَّ عمر يرانا!!
ويجلس عمر زمن أبي بكر قاضياً في المدينة لمدة سنة لم يتقدم له أحد في خصومة
لأنهم قومٌ تمثلوا أخلاق الإسلام..أما واقعنا فيذكر أحد المفكرين أنه جرَّب الأديان
كلّها يبحث عن الحقيقة حتى اهتدى للإسلام أنه أفضلها فأسلم بعد أن
عرف حقيقتَه وروعته..لكنَّ المؤلمَ قولَه.. بحمد الله عرفتُ حقيقةَ الإسلام قبلَ أن
أشاهدَ بعضَ تعاملاتِ المسلمين وأحوالَهم!!
وإنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويقول آخر..
وإذا أصيب القومُ في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً و عــويلاً
ولن نعتب لفقد الأخلاق لدى أُممٍ حرَّفوا دينَهم وضلُّوا وآخرون أغضبوا ربهم وتجاوزوا أو وثنيون وملحدون لكنَّ العتب يوجه للمسلمين فنظرة واحدة لبعض بلاد المسلمين سنكتشف بها حجم التخلّفِ في أبسط مفاهيم الأخلاق وأعظمِها من نظافةٍ وحمايةٍ للبيئة وأمانةٍ وعدلٍ وصدقٍ ووفاءٍ وغيرها من أخلاقٍ قام عليها الإسلام وإنما بُعث صلى الله عليه وسلم لِيُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق،بل كان عليه الصلاة والسلام نهجاً متكاملاً من الأخلاق مع العدوِّ والصديق والموافق والمخالف له حتى المنافقين الذين يتنزل القرآن بسوء أفعالهم كان يأخذهم بظواهرهم ومن تواضعه كانت الجارية تُمسك بيده وهو قائد الأمة لتطوفَ به المدينةَ ليقضي حاجتها بأبي وأمي هو رسول الله عليه الصلاة والسلام
ياخير من جاء الوجود تحيةً من مرسلين إلى الهدى بك جاؤا
بك بشّر الله السماء فَزُيِّنَت وَتَضَوَّعَت مسكاً بك الغبراء
يامن له الأخلاق ما تهوى العُلا. منها وما يتعشّقُ الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل. يُغرَى بهنَّ ويُولعُ الكرماء
فإذا رحمت فأنت أم أو أبٌ. هذان في الدنيا هما الرحماء
زكَّاه رَبُّه(وإنك لعلى خلقٍ عظيم)وأصدقُ وصفٍ له صلى الله عليه وسلم أنه كان خلقُه القرآن..
نحتاجُ أحبتي إلى تمثّل أخلاق الإسلام من تعاملات رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الأخيار فالإسلامُ ليس عِلمًا مجردًا ولا اعتقادًا جامدًا،هُو نهجٌ يجمعُ العقيدةَ والفقهَ والأخلاقَ والعمل..والمتأمّلُ في حياةِ بعضِ المسلمِين حتّى من وفقه الله لعبادات شرعية يلحَظُ انفصالاً وانفصامًا بين ما نعرفه ونقرأه وبين ما نتعامل به ونفعله.. والواجب أن يكون سلوكنا مرتبطٌ باعتقادنا ومنسجم مع عباداتنا ومعانيها!! وبما نظهرُ به لتمثيل الإسلام(فأكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا) فلا فصل بين الدين ومظهره وتعاليمه وبين الأخلاق وتعاملاتها..لأنها عناصرُ متماسكة فكيف يحافظ على الصلاة وهو يكذبُ ويغش ويخدع. وكيف يحسن للأصدقاء وهو عاقٌ بوالديه وقاطع للرحم..يريدُ الإصلاح وأسلوبه يخلو من الحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين وإحسان الظن..ثم كيف نريد صلاح مجتمعات فشت فيها المنكرات التي تشجع على خلق ضار وفكر ضال!! فهل هذا التناقض يستقيم؟!!
سأل صلى الله عليه وسلم صحابته.. أتدرون مَن المفلس؟! قالوا المفلس فينا من لادرهم له ولا متاع! فقال بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاةٍ وصيام و حسناتٍ أمثال الجبال لكنه يأتي وقد شتَم هذا وقذَف هذا وأكلَ مالَ هذا وسفك دمَ هذا وضرَب هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه،فإن فنيَت حسناتُه قبل أن يٌقضَى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثمّ طُرح في النار]رواه مسلم إنَّ الدينَ كما هو توحيد وإيمان فهو خلق ومعاملة وإحسان فالعباداتُ من صلاة وصيام وقرآن بينك وبين ربك قمتَ بها أوقصرت فاللهُ سيحاسبك أما الأخلاق والمعاملة فبينكَ وبين الناس حقٌ لهم يُلزمكَ الإسلام بها! وإن كنت لا تستطيع أن تكون متميزاً بخلقك فكُفَّ عن الناس مساويء خلقك!!بعضهم يقول هذا طبعي وتلك طريقتي!! وهذا غير صحيح،فإنما الحلمُ بالتحلُّم والعلمُ بالتعلم..
الأخلاق أحبتي هي فرقُ الإنسان عن الحيوان!تمثل تصرفات الإنسان في سلوكه وأحواله كلِّها! في جدِّه وهزله، وفرحه وحزنه ورضاه وسَخَطه،وخطئِه وصوابِه،وفقره وغناه والسعادةُ لا تُدرك بالمنصِب والجاه لكنها تُنال بلباسِ التّقوى ورِداءِ الخُلُق، عملٌ صالح وقول حسَن..
إنّ أزمتنا اليوم أنا اختصرنا الإسلامَ بالمظهر وأهملنا الخلقَ والمخبر. يفتخرون بعروبتهم وحضارتهم وتراثهم مبنى جامداً لا معنى سامياً وخلقاً عالياً..أهملوا تعاليم الإسلام وأصولَه بدعوى جمع الناس فلا ديناً أبقوا ولا كلمةً اجتمعوا عليها..تراهم أسرع الناس لخصومة وشقاق بينهم والعالم يجتمع ويتّحد ولو اختلفت مصالحهم!!
فاحرصوا عباد الله على أصولِ الأخلاق ومزكّيات النّفوس، تأمّلوا في الأمانةِ والوفاء. والصّدق والإخاء..والعفّة والمروءة والنقاء..والحِلم والصّبر والصفاء..والاعتراف بالحقّ لأهله والجميلِ لأصحابه، قدّروا ما عند الآخرين مِن الفضلِ والعِلم والخِبرة ولا تنالوا منهم أو تحتقروهم لجنسيّة أو فقرٍ أو لون أو منصب. احترم الكبير وأجلَّ ذا الشيبة وارحم الصغير والفقير، آثِر الحقَّ وأحِبَّ أهلَه كن رحيماً قويّ الإرادة وعليك بالصّبروالسماحةِ،استحضر علوَّ الهمّةِ والاحترامَ المتبادل ولنحسن الظن ببعضنا ونعتذر لأخطاءِ الغير ما أمكننا.
إخوتي.لمحاسنِ الأخلاق في ديننا مكانةً عالية،يكفيك قربك للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول..(إنّ من أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا) رواه البخاري ويقول صلى الله عليه وسلم..(خيارُكم أحسنُكم أخلاقًا)رواه البخاري، والكلمة الطيّبةُ صدقة، وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة(وإن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم الذي لا يفتر من صيام و القائم لا يفتر من قيام)رواه أبو داوود. وآياتُ كتابِ الله وأحاديث السنة تتحدث عن جوامع الأخلاق سواء منها ما كان في معاملةِ الخالقِ جلَّ وعلا أو معاملةِ المخلوقين، أو في إقامةِ حدودِ الشّرع أو حتّى مع الحيوان في رعايته أوذبحِه، فامرأةٌ دخلت النار في هرة حبستها وغفر الله لبغيٍّ سقَتْ كلباً عطشاناً وبالحديث(إنّ الله كتب الإحسانَ على كلّ شيء،فإذا قتلتم فأحسِنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة،وليحِدَّ أحدكم شفرتَه، وليرِح ذبيحتَه)رواه مسلم..ولنعرفَ عظمةَ الأخلاق تأمَّلوا قول الله..(هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)(خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)وفي السنّة..(من يستعفِف يُعفَّه الله،ومن يستغنِ يغنِه الله ومن يتَصبَّر يُصبِّره الله)متفق عليه، و(ليس الغنى عن كثرةِ العَرَض،لكن الغِنى غِنى النّفس)و(ليس الشّديد بالصُرَعَة،إنّما الشديد الذي يملِك نفسَه عندَ الغضب) و(من لا يشكر الناسَ لا يشكر الله)و(لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه)و(أحسنُ الناسِ إسلامًا وإيمانًا أحسنُهم خلقًا) و(ما من شيء أثقلُ في ميزان المؤمن يومَ القيامة من خلُق حسن) نصوصٌ عظيمة صحيحة فهل سنجد ديناً من الأديان حثَّ على الأخلاق أكثر من الإسلام مهما تشدّقوا بالسلام والصفح وحقوق الإنسان فلقد رأينا أخلاقهم بالحرب والسلام!!المصيبة أننا نقرأ ونسمع نصوصاً بالكتاب والسنة عن الأخلاق ثم لا تُطبَّقُ بيننا إلا نادراً! مع أن الأخلاق عبادة شرعيّة مطلوبَة كسائر العباداتِ، وسيُّئها منهيٌّ عنه تحريمًا وكراهة..فحسن المعاملة والأمانة أهمُّ من فعل السنة وكثرة قراءة القرآن..والصدقُ وحسنُ الظن أفضل من الصدقة واتباع الجنائز..والغيبةُ والنميمة أشدُّ إثماً من الحركة في الصلاة..والفسادُ في المال وعدمُ إنجاز العمل الواجب للناس أشدُّ إثماً من الأخطاء الشخصية الخاصة هكذا نفهمُ الأولويات في الدين والخلق بتقديم الأهم فالمهم هذا هو الدينُ الصحيح!!
ولذلك عباداتُ الإسلام الكبرى وأركانه العظمى ارتبطت بالأخلاق، فالصّلاة تنهى عن الفحشاءِ والمنكر، والزّكاةُ صدقةٌ تطهِّرُ المسلم وتزكّيه،وفي الصيام..(من لم يدع قولَ الزور والعمل به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامه وشرابَه) والحجّ أشهر معلومات (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ومن لم يكن له من عبادتِه ما يُزكّي قلبَه ويطهِّرُ نفسَه ويهذّبُ سلوكه ويُحسِّنُ خلقه وينظّمُ صلتَه بالله وبالنّاس فليحاسِب نفسَه ليكون مؤمناً(والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قالوا مَن يا رسول الله؟!قال..مَن لا يأمَنُ جارُه بوائقَه) (ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفَه،ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت) (والحياء شعبة من الإيمان)وطوبى لمن شغَله عيبُه عن عيوبِ النّاس، وتعرَّف على أخلاقك عند غضبِك وفقرك فالغضبُ والطمعُ يُظهر خلق الإنسان الحقيقي وكذلك إذا خلوتَ لوحدك وإذا احتجتَ وإذا استغنيتَ وإذا قدرتَ وإذا عجزتَ،وإذا عاملت بالمال وسافرت،والنفسُ السيئةُ تثير الفوضى بأفضل الأنظمة،ولو زوَّقت القول ونافقت،، والنّفسُ الكريمَة تسترُ الأخطاء والعيوب، والقاضِي النزيهُ يُكمِّلُ بعدلِه نقصَ النّظام، والقاضي الجائرُ يفسدُ أفضل الأنظمة، وإذا لم تصلُحِ النّفوس بالأخلاق أظلمتِ الآفاق وبرزَت الفِتن..هذه أهميةُ الأخلاق وذلك دورها فليست شعاراتٍ تُرفع أومظاهر لا تُطبّق فأثرُها على الدين والمجتمع كبير.. قالوا يا رسول الله إن فلانةً من الأنصار تُكثرُ من صلاتها و صيامها وصدقتها لكنها تؤذي جيرانها بلسانها قال.. هي في النار ثم قالوا..فإن فلانة تُصلّي فرضها و تصوم شهرها و تتصدق بالقليل من الإقط وتُحسن إلى جيرانها قال هي في الجنة رواه أحمد..
حسنُ الخلُق-أحبتي-بابٌ عظيم لو أقمناه أفراداً ودولاً ومجتمعات سنعالجُ به كثيراً مما اصاب المسلمين مؤخراً من انحرافٍ وهبوط، محنٌ وظلم واقعٌ عليهم وعفن وكذبٌ فضاقت بهم السبل وأهلُ الغلوِّ والإرجاف يشوهون الإسلام بأفعالهم وتطرّفهم الذي خلا من الدين والخلق وإن انتسبوا للإسلام.. أو منحلّونَ يتعدون على ثوابت الدين والقيم ويفسدون الخَلْقَ والخُلُقَ..إلحادٌ وزّندقة وتعصّبٌ قبلي ومناطقي وطائفي وفوضى إعلامية وفكريّة وأخلاقيّة ببرامج وأطروحاتٍ تُهدّد أخلاقَ أجيالنا..
وإنّ دروسَ التاريخ وعبَره لتُبيِّن أنّ كلَّ أمّة نهضت وكلّ حضارة ازدَهرت إنما هو بعد تقدير الله بفضل أخلاقٍ عاليةٍ قامت. وسيرةٍ فاضلةٍ طُبّقت.. وتعاملٍ حسنٍ فرض نفسه فملك وعدل فأصبحت الكلمة قائمة..هكذا تاريخنا..أخلاقُ بامتياز يذكرها العدو قبل الصديق..فلم تكن سعادة الأمّة ولا عزّة الدّيار بكثرةِ الأموال ولا بجمَال المباني ولكنّ السّعادةَ والعزّةَ برجالٍ تثقّفت عقولهم وحسُنت أخلاقهم وصحّت عقائدُهم واستقامت تربيّتهم واستنارت بصائرُهم، أولئك هم رجالُ الأخلاقِ والقوّة، وذلكم بإذن الله مصدرُ العزّة.والعالم والحاكم بأخلاقه وتواضعه وعدله قبل سياسته وعلمه..
وإن الطرف يرتد كسيراً حينما ترى الإعجاب لبلاد الغرب فترى في كثيرٍ من تعاملاتهم الاجتماعية تطبيقاً لأخلاق الإسلام من نظافةٍ واحترامٍ وصدقٍ والتزامٍ بالنظام وحماية المستهلك وحرصٍ على البيئة وغير ذلك من أخلاق.. أليس المسلمون أولى بها منهم وديننا يأمر بها؟!سؤالٌ يثيرُ الحيرة والقلق.. ويحثُّ الهمم لمزيد النصح والتوعية عن الأخلاق فنحن أهلها وديننا يؤكدها..اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق وحسن التعامل ونجنا من حقوق الخلْق وارزقنا الصدق والاستقامة في الأمر كله(يا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)أقول ماتسمعون