الحمد لله جعل المتحابِّين في جلاله من أهل الرحمات،وأشهد ألا إله إلا الله منحهم جزيلَ المثُوبَةِ وأعْلَى الدَّرَجات.وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله،جمع الله به القلوب بعد الشتات صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الثقات وسلم تسليماً أما بعد..فاتقوا الله عباد الله..
الإسلام كما يأمرنا بالعبادة فهو دينُ صفاءِ نيةٍ وسلامةِ قلبٍ يأمرُ المسلمَ بِتقويةِ أواصرِ المحبةِ والأُلفةِ مع الجميع..وينهاه عمَّا يزعزعُ ذلك فالقطيعة والشحناء سببُ انهيارِ المجتمعات وكثرةِ الخلافاتِ ونهى صلى الله عليه وسلم عما يُوغرُ الصدورَ ويبعثُ على الفرقةِ والشحناء فقال:{لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث}[رواه مسلم]،وسُئل صلى الله عليه وسلم أيُّ الناس أفضل؟قال:«كل مخموم القلب صدوق اللسان» قالوا:صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟قال:«التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسد»[رواه ابن ماجه]وسلامة الصدر صفةٌ للمؤمن ونعمةٌ تُوهبُ في الجنَّة{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}هي راحةٌ في الدنيا وغنيمةٌ في الآخرةِ وكان سبب بشارة صلى الله عليه وسلم للأنصاري بالجنة لأنه يبيتُ كلَّ ليلة وهو لا يجد في نفسِهِ غلاً ولا حسداً على أحد..
عباد الله..إن نظرةً فاحصةً لمجتمعاتنا تبينُ لك أن العلاقات أصبحت مهددة بالقطيعة لأتفه الأسباب وانتشار الغلِّ والحسد لأبسط شيء رغم التحذير من ذلك يحملُ في قلبه غِلاً وحِقداً على إخوانه دونَما سببٍ يُذكر..يَغِيظُهُ نجاحُ إخوانِه وأصدقائِه فيَلْمِزُ بهم ويُظهرُ معايبَهم ليُرضيَ نفسَه المريضَة..وآخرون يختَلِفُون ويتقاطعون عن بعضهم لسنين لأيِّ أمرٍ تافهٍ يَحصِلُ بينهم..وهكذا نُساهمُ في تفريق مجتمعنا وتمزيق أواصر الإخوة بسوء تعاملنا فيما بيننا..سوء ظنٍ واتهام..غِيبةٌ ونميمة وبُهتان..وفرحةٌ بوقوع أخيه بالخطأ فلا يناصحُه بالحسنى بل يبادرُ بفرْحَةٍ لفضحِهِ والاستهزاءِ به والتشفِّي منه..ليُعينَ الشيطانَ عليه!!لا يتركون مسلِّماً ولا مُصلِّياً..ولا مسؤولاً ولا دائرةً حكومية ولا جمعيةً أو مشروعاً خيرياً إلا بالنقد والتجريح والاتهام لوجهات نظر ربما تكونُ خاطئة أو متسرّعة وإذا انتقدنا جانبْنَا الخُلقَ القويم..والكلام السليم..وإنما سبٌ وطعنٌ في الذمم وتجريحٌ فما هذا يا عباد الله!!وإلى متى إخوان من رحمٍ واحد يتقاطعون لسنوات وبينهم خلافات ومحاكم لطمع دنيا أو أسبابٍ تافهةٍ..أبناءُ عمومةٍ يتدابرون..عقوقٌ وقطيعةُ رحمٍ بلا عذرٍ بيّن لأصحابها ولا حول ولا قوة إلا بالله..حتى بعض أهل العلم والفضل والصلاح وروّاد المساجد تجدُ بينَ بعضِهم خصومةً وقطيعةً وسوءَ ظَنٍّ وتصنيف وضغينةٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله..وهذا ما يدعو للحديث عنها..سبحان الله..سبحان الله..أين ذلك من خلق الإسلام وتعاليم القرآن..وتوجيه نبينا عليه الصلاة والسلام!؟العجيب قد تجد بعضهم يتورع عن أكل الحرام والنظر الحرام وربما بكّر لصلاة وقيام..وشهود الجنائزِ..ويُقدّمُ الصدقة والصيام لكنه يُذْهِبُ حسناتِه بترك قلبه مرتعاً لمهاوي الحقد والحسد والغلِّ والضغينة،والتباغض والقطيعة والبحث عن زللٍ وخطيئة..مع أقاربِه وجيرانِه وأصدقائه فأنّى له أن يأتيَ ربَّه بقلبٍ سليم؟!لا يسلم عليهم ولايسأل عن أحوالهم ويجد في قلبه عليهم لظنون لم يُكلِّفْ نفسَه بمصارحتهم بها لتوضيحها..ألا يعلمون أن ديننا الحنيف ينهي عن الشحناءِ والبغضاءِ بين أفرادِ المجتمعِ المسلمِ لأنَّ نهايتَها أليمة وعواقبها وخيمةً عليهم جميعاً وهي من الشيطان{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}وقال صلى الله عليه وسلم{إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم}رواه مسلم (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ،فَيُعْرِضُ هَذَا،وَيُعْرِضُ هَذَا،وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)متفق عليه وتأمل قوله خيرهما..ومن أعظم أسبابِ التشاحُنِ والتباغض:النميمةُ يتساهلُ بها الناس وقد تأتي عَرضَاً أو مِزاحاً بالوشاية بين الناس وتفسدُ قلوبهم ولو بدون قصد ولذلك ذمّهم الله{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}وقال صلى الله عليه وسلم:«لا يدخُلِ الجنةَ فتَّان»وهو النمَّام..أما السببُ العظيم لكثيرٍ من الشرورِ والشحناء فهو تمنِّي زوال النعمة عن صاحبها[الحسد]وفيه تعدٍّ وأذى للمسلمين تعوذ الله منه{من شرِّ حاسدٍ إذا حسد}رسول الله قال«إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»[رواه أبو داود]لأنه ينتج الغيبةَ والنميمةَ والبهتانَ على المسلمين والظلم والكبر..وأيضاً الغضب مفتاحُ كُلِّ شَر وأوصى صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال:«لا تغضب»وردَّدها مِرارًا[رواه البخاري]لأنه يُفقد العقلَ ويُخرجُ الإنسانَ عن طَوْرِه ومن قيمه وخُلقه..ومن أسباب القطيعة والشحناء المزاح الزائد عن حدّه يتساهل به البعض فيورث ضغينةً ويجر كثيره لقبيحٍ أما ماساهمَ مُؤخراً بانتشار الخصومات سوءُ استخدام وسائل التواصل لدينا بسرعة النشر لما يعرض بها مما هبَّ ودبَّ وفيه نيلٌ من الناس واتهام للأعراض..والمسكين ينشر ولا يبالي بما يفعله من شرٍّ ويُحصِّلُه من إثمٍ ولا ما ينتجه من ضررٍ على نفسه وغيره وفي المجتمع سواءً باسمه الصريح أو حين يتخفى باسم مستعار ينال به من الغير والله أعلم به..والبعض يحتج بقطيعته للغير ونيله منهم واتهامٍ وسوء ظنه بأن هذه طبيعته وخِلْقته ولا يستطيع تغييرها فيتجنّبُ الصلاتِ ويخسرُ الصداقات ويقطعُ القربات وهذا غير صحيح..فالواجبُ عليه تعويدُ نفسه على التحمِّل والصبر خاصة من قرابته فله في ذلك أجرٌ عظيم حتى مع من يقطعونه(والحِلْمُ بالتحلّم والعلم بالتعلّم) (وليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)وإذا أراد الإنسان أسباباً تعينه في تعامله وحسن ظنه فليُخلص نيته لله تبارك وتعالى قال صلى الله عليه وسلم{ثلاتٌ لا يَغِلُّ عليهنَّ قلبُ مؤمن:إخلاصُ العمل ومناصحة ولاة الأمر،ولزوم جماعة المسلمين}رواه أحمد وابن ماجه وعلامةُ الإخلاص محبة الغير وتجنُّبُ الغِلِّ والقطيعة في أمور الدنيا أو الآخرة..يفرح بالحسنة لهم ويحزن لمصابهم..ورضا العبدِ عن ربِّه يجعل قلبه نقيًّا سالماً من الغش والدغل والغل،ولا سلامةَ للقلبِ مع كثرةِ السَّخَط وعدم الرضا،والإعراض عن الدين عنه ضَنكٌ وشَقاء فهُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ..{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}ومما يُخيف ويعظ معرفة عِظم إثم القطيعة لاسيما الأرحام قال صلى الله عليه وسلم:«الرحم معلقة بالعرش تقول:من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله»متفق عليه والقطيعةُ إفسادٌ في الأرض{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }والقطيعةُ والهجران سبب لعدم رفع الأعمال قال صلى الله عليه وسلم {تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء،فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا، ثلاثاً}رواه مسلم أما:الدعاء:فعونٌ للعبد لإصلاح دينه وقلبه ويدعو حتى لمن اختلف معه وهذا دأبُ الصالحين{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}وكذلك:الصدقةُ تُطهِّر القلبَ،وتُزكِّي النفس{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}وإفشاءُ السلام سبب لنشر المحبّة كما في الحديث فأحبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك وهذا صريح الإيمان ولا تستمع للغيبة والنميمة عن إخوانك وظُنَّ بهم حُسناً ليبقى قلبك سليماً عليهم قال صلى الله عليه وسلم:«لا يُبْلِغُني أحد عن أحد من أصحابي شيئًا فإني أُحبُّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصدر»[رواه أحمد]واسْعَ في إصلاحُ ذات البين ولو لم تنجح في سعيك فهو خير العبادة{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم:«ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟»قالوا:بلى،قال:«إصلاح ذات البين»[رواه أبو داود]ثم بادر أخي للاعتذار والتوضيح إذا أخطأت في حقِّ أقاربك وإخوانك ولا يمنعنّك الكِبْرُ وصلابةُ الرأي عن التراجع والاعتراف بالخطأ والاعتذار عمَّنْ أخطأتَ عليه وظلمتَه وإذا رأيتَ من أحدٍ خطأً أو بلغك عنه ما تكره فلا تُضْمِرهُ في نفسك وتقاطعُه كما يفعلُ البعض بل صارحه وأبلغه بعتبك فربما فهمت خطأً أو نبهته لفعله وهذه المصارحة لو تعوّدنا عليها لوجدنا راحةً عظيمة في الاعتذار والتوضيح تغنينا عن القطيعة والهجران..والفرقة بين الإخوان..نسأل الله أن يديم المحبة والألفة بيننا..وأن يجنبنا القطيعة والخصومة عندنا أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
العيد سبب لصفاء النفس وسلامة الصدر من هذه الأمراض والأحقاد والتشاحن والتباغض وذلك سبب لمغفرة الله إذا تأمّلنا أسبابَ القطيعة نجدها أنها أموراً لاتُساوي شيئاً وسببها أوساخُ دنيا فانية تفرق بيننا..والعلاقات تدوم بالتغاضي..وتزداد انسجاماً بالتراضي..وتمرض بالتدقيق وتفشل بالتحقيق..ابتسم لتجاوز الحزن واصبر على الهم..واصمت عن الحماقة..بالكلمة الطيبة ووسّع دائماً صدرك وتحمَّل..لا تتكبر ولا تستفز..وانتقد بحكمة ولا تطعن وتتهم فتميّزك بالخلقِ والقيم..وإذا نال منك أحد لاسيما عبر وسائل التواصل فلا تردَّ عليه فالمشكلة تكبر واصبرْ وتحمّلْ وتجاهل..أيها الأحبة نحن في موسم عيد والعيد فرصة لنتجاوز خلافاتنا والخصومة بيننا وهذه القطيعة التي يمارسها البعض لأقاربه وجيرانه وأصدقائه..تمتد بهم الأعمار عياذاً بالله لعقود من السنين وهم لا يلتقون ولايتصافحون ويتباغضون ويتدابرون لأجل توافه!!نعم توافه مهما كانت فالدنيا كلها لا تُساوي عند الله جناح بعوضة..يختلفون لإرث مادي أو سبب تافه شخصي فإلى متى يا أخي إلى متى؟!شاب رأسك وكبروا عيالك وأنت توّرثهم هذه العداوة والخصومة مع غيرك فبادر بالصلح تنلْ الأجرَ والمثوبةَ..تجاوزْ عن الخطأ وأصلح فساد قلبك وقابل الله بقلبٍ سليم..تصالحوا وتواصلوا واحذروا القطيعة والخصام والحسد والهجران تفلحوا بالدنيا والآخرة..اللهم أصلح فساد قلوبنا وأصلح ذات بيننا وأهدنا سبل السلام..واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار..
الإسلام كما يأمرنا بالعبادة فهو دينُ صفاءِ نيةٍ وسلامةِ قلبٍ يأمرُ المسلمَ بِتقويةِ أواصرِ المحبةِ والأُلفةِ مع الجميع..وينهاه عمَّا يزعزعُ ذلك فالقطيعة والشحناء سببُ انهيارِ المجتمعات وكثرةِ الخلافاتِ ونهى صلى الله عليه وسلم عما يُوغرُ الصدورَ ويبعثُ على الفرقةِ والشحناء فقال:{لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث}[رواه مسلم]،وسُئل صلى الله عليه وسلم أيُّ الناس أفضل؟قال:«كل مخموم القلب صدوق اللسان» قالوا:صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟قال:«التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسد»[رواه ابن ماجه]وسلامة الصدر صفةٌ للمؤمن ونعمةٌ تُوهبُ في الجنَّة{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}هي راحةٌ في الدنيا وغنيمةٌ في الآخرةِ وكان سبب بشارة صلى الله عليه وسلم للأنصاري بالجنة لأنه يبيتُ كلَّ ليلة وهو لا يجد في نفسِهِ غلاً ولا حسداً على أحد..
عباد الله..إن نظرةً فاحصةً لمجتمعاتنا تبينُ لك أن العلاقات أصبحت مهددة بالقطيعة لأتفه الأسباب وانتشار الغلِّ والحسد لأبسط شيء رغم التحذير من ذلك يحملُ في قلبه غِلاً وحِقداً على إخوانه دونَما سببٍ يُذكر..يَغِيظُهُ نجاحُ إخوانِه وأصدقائِه فيَلْمِزُ بهم ويُظهرُ معايبَهم ليُرضيَ نفسَه المريضَة..وآخرون يختَلِفُون ويتقاطعون عن بعضهم لسنين لأيِّ أمرٍ تافهٍ يَحصِلُ بينهم..وهكذا نُساهمُ في تفريق مجتمعنا وتمزيق أواصر الإخوة بسوء تعاملنا فيما بيننا..سوء ظنٍ واتهام..غِيبةٌ ونميمة وبُهتان..وفرحةٌ بوقوع أخيه بالخطأ فلا يناصحُه بالحسنى بل يبادرُ بفرْحَةٍ لفضحِهِ والاستهزاءِ به والتشفِّي منه..ليُعينَ الشيطانَ عليه!!لا يتركون مسلِّماً ولا مُصلِّياً..ولا مسؤولاً ولا دائرةً حكومية ولا جمعيةً أو مشروعاً خيرياً إلا بالنقد والتجريح والاتهام لوجهات نظر ربما تكونُ خاطئة أو متسرّعة وإذا انتقدنا جانبْنَا الخُلقَ القويم..والكلام السليم..وإنما سبٌ وطعنٌ في الذمم وتجريحٌ فما هذا يا عباد الله!!وإلى متى إخوان من رحمٍ واحد يتقاطعون لسنوات وبينهم خلافات ومحاكم لطمع دنيا أو أسبابٍ تافهةٍ..أبناءُ عمومةٍ يتدابرون..عقوقٌ وقطيعةُ رحمٍ بلا عذرٍ بيّن لأصحابها ولا حول ولا قوة إلا بالله..حتى بعض أهل العلم والفضل والصلاح وروّاد المساجد تجدُ بينَ بعضِهم خصومةً وقطيعةً وسوءَ ظَنٍّ وتصنيف وضغينةٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله..وهذا ما يدعو للحديث عنها..سبحان الله..سبحان الله..أين ذلك من خلق الإسلام وتعاليم القرآن..وتوجيه نبينا عليه الصلاة والسلام!؟العجيب قد تجد بعضهم يتورع عن أكل الحرام والنظر الحرام وربما بكّر لصلاة وقيام..وشهود الجنائزِ..ويُقدّمُ الصدقة والصيام لكنه يُذْهِبُ حسناتِه بترك قلبه مرتعاً لمهاوي الحقد والحسد والغلِّ والضغينة،والتباغض والقطيعة والبحث عن زللٍ وخطيئة..مع أقاربِه وجيرانِه وأصدقائه فأنّى له أن يأتيَ ربَّه بقلبٍ سليم؟!لا يسلم عليهم ولايسأل عن أحوالهم ويجد في قلبه عليهم لظنون لم يُكلِّفْ نفسَه بمصارحتهم بها لتوضيحها..ألا يعلمون أن ديننا الحنيف ينهي عن الشحناءِ والبغضاءِ بين أفرادِ المجتمعِ المسلمِ لأنَّ نهايتَها أليمة وعواقبها وخيمةً عليهم جميعاً وهي من الشيطان{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}وقال صلى الله عليه وسلم{إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم}رواه مسلم (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ،فَيُعْرِضُ هَذَا،وَيُعْرِضُ هَذَا،وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)متفق عليه وتأمل قوله خيرهما..ومن أعظم أسبابِ التشاحُنِ والتباغض:النميمةُ يتساهلُ بها الناس وقد تأتي عَرضَاً أو مِزاحاً بالوشاية بين الناس وتفسدُ قلوبهم ولو بدون قصد ولذلك ذمّهم الله{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}وقال صلى الله عليه وسلم:«لا يدخُلِ الجنةَ فتَّان»وهو النمَّام..أما السببُ العظيم لكثيرٍ من الشرورِ والشحناء فهو تمنِّي زوال النعمة عن صاحبها[الحسد]وفيه تعدٍّ وأذى للمسلمين تعوذ الله منه{من شرِّ حاسدٍ إذا حسد}رسول الله قال«إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»[رواه أبو داود]لأنه ينتج الغيبةَ والنميمةَ والبهتانَ على المسلمين والظلم والكبر..وأيضاً الغضب مفتاحُ كُلِّ شَر وأوصى صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال:«لا تغضب»وردَّدها مِرارًا[رواه البخاري]لأنه يُفقد العقلَ ويُخرجُ الإنسانَ عن طَوْرِه ومن قيمه وخُلقه..ومن أسباب القطيعة والشحناء المزاح الزائد عن حدّه يتساهل به البعض فيورث ضغينةً ويجر كثيره لقبيحٍ أما ماساهمَ مُؤخراً بانتشار الخصومات سوءُ استخدام وسائل التواصل لدينا بسرعة النشر لما يعرض بها مما هبَّ ودبَّ وفيه نيلٌ من الناس واتهام للأعراض..والمسكين ينشر ولا يبالي بما يفعله من شرٍّ ويُحصِّلُه من إثمٍ ولا ما ينتجه من ضررٍ على نفسه وغيره وفي المجتمع سواءً باسمه الصريح أو حين يتخفى باسم مستعار ينال به من الغير والله أعلم به..والبعض يحتج بقطيعته للغير ونيله منهم واتهامٍ وسوء ظنه بأن هذه طبيعته وخِلْقته ولا يستطيع تغييرها فيتجنّبُ الصلاتِ ويخسرُ الصداقات ويقطعُ القربات وهذا غير صحيح..فالواجبُ عليه تعويدُ نفسه على التحمِّل والصبر خاصة من قرابته فله في ذلك أجرٌ عظيم حتى مع من يقطعونه(والحِلْمُ بالتحلّم والعلم بالتعلّم) (وليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)وإذا أراد الإنسان أسباباً تعينه في تعامله وحسن ظنه فليُخلص نيته لله تبارك وتعالى قال صلى الله عليه وسلم{ثلاتٌ لا يَغِلُّ عليهنَّ قلبُ مؤمن:إخلاصُ العمل ومناصحة ولاة الأمر،ولزوم جماعة المسلمين}رواه أحمد وابن ماجه وعلامةُ الإخلاص محبة الغير وتجنُّبُ الغِلِّ والقطيعة في أمور الدنيا أو الآخرة..يفرح بالحسنة لهم ويحزن لمصابهم..ورضا العبدِ عن ربِّه يجعل قلبه نقيًّا سالماً من الغش والدغل والغل،ولا سلامةَ للقلبِ مع كثرةِ السَّخَط وعدم الرضا،والإعراض عن الدين عنه ضَنكٌ وشَقاء فهُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ..{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}ومما يُخيف ويعظ معرفة عِظم إثم القطيعة لاسيما الأرحام قال صلى الله عليه وسلم:«الرحم معلقة بالعرش تقول:من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله»متفق عليه والقطيعةُ إفسادٌ في الأرض{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }والقطيعةُ والهجران سبب لعدم رفع الأعمال قال صلى الله عليه وسلم {تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء،فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا، ثلاثاً}رواه مسلم أما:الدعاء:فعونٌ للعبد لإصلاح دينه وقلبه ويدعو حتى لمن اختلف معه وهذا دأبُ الصالحين{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}وكذلك:الصدقةُ تُطهِّر القلبَ،وتُزكِّي النفس{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}وإفشاءُ السلام سبب لنشر المحبّة كما في الحديث فأحبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك وهذا صريح الإيمان ولا تستمع للغيبة والنميمة عن إخوانك وظُنَّ بهم حُسناً ليبقى قلبك سليماً عليهم قال صلى الله عليه وسلم:«لا يُبْلِغُني أحد عن أحد من أصحابي شيئًا فإني أُحبُّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصدر»[رواه أحمد]واسْعَ في إصلاحُ ذات البين ولو لم تنجح في سعيك فهو خير العبادة{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم:«ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟»قالوا:بلى،قال:«إصلاح ذات البين»[رواه أبو داود]ثم بادر أخي للاعتذار والتوضيح إذا أخطأت في حقِّ أقاربك وإخوانك ولا يمنعنّك الكِبْرُ وصلابةُ الرأي عن التراجع والاعتراف بالخطأ والاعتذار عمَّنْ أخطأتَ عليه وظلمتَه وإذا رأيتَ من أحدٍ خطأً أو بلغك عنه ما تكره فلا تُضْمِرهُ في نفسك وتقاطعُه كما يفعلُ البعض بل صارحه وأبلغه بعتبك فربما فهمت خطأً أو نبهته لفعله وهذه المصارحة لو تعوّدنا عليها لوجدنا راحةً عظيمة في الاعتذار والتوضيح تغنينا عن القطيعة والهجران..والفرقة بين الإخوان..نسأل الله أن يديم المحبة والألفة بيننا..وأن يجنبنا القطيعة والخصومة عندنا أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
العيد سبب لصفاء النفس وسلامة الصدر من هذه الأمراض والأحقاد والتشاحن والتباغض وذلك سبب لمغفرة الله إذا تأمّلنا أسبابَ القطيعة نجدها أنها أموراً لاتُساوي شيئاً وسببها أوساخُ دنيا فانية تفرق بيننا..والعلاقات تدوم بالتغاضي..وتزداد انسجاماً بالتراضي..وتمرض بالتدقيق وتفشل بالتحقيق..ابتسم لتجاوز الحزن واصبر على الهم..واصمت عن الحماقة..بالكلمة الطيبة ووسّع دائماً صدرك وتحمَّل..لا تتكبر ولا تستفز..وانتقد بحكمة ولا تطعن وتتهم فتميّزك بالخلقِ والقيم..وإذا نال منك أحد لاسيما عبر وسائل التواصل فلا تردَّ عليه فالمشكلة تكبر واصبرْ وتحمّلْ وتجاهل..أيها الأحبة نحن في موسم عيد والعيد فرصة لنتجاوز خلافاتنا والخصومة بيننا وهذه القطيعة التي يمارسها البعض لأقاربه وجيرانه وأصدقائه..تمتد بهم الأعمار عياذاً بالله لعقود من السنين وهم لا يلتقون ولايتصافحون ويتباغضون ويتدابرون لأجل توافه!!نعم توافه مهما كانت فالدنيا كلها لا تُساوي عند الله جناح بعوضة..يختلفون لإرث مادي أو سبب تافه شخصي فإلى متى يا أخي إلى متى؟!شاب رأسك وكبروا عيالك وأنت توّرثهم هذه العداوة والخصومة مع غيرك فبادر بالصلح تنلْ الأجرَ والمثوبةَ..تجاوزْ عن الخطأ وأصلح فساد قلبك وقابل الله بقلبٍ سليم..تصالحوا وتواصلوا واحذروا القطيعة والخصام والحسد والهجران تفلحوا بالدنيا والآخرة..اللهم أصلح فساد قلوبنا وأصلح ذات بيننا وأهدنا سبل السلام..واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار..