الحمد لله وحده،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له في ربوبيته وإلاهيته..وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،بريتهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً..أما بعد..فاتقوا الله عباد الله ..
أيها المسلمون..من لم يربحْ في رمضان فمتى يربح؟!ومن لم يُنب فيه إلى مولاهُ ففي أي وقتٍ يَصْلُح؟!فبادروا يرحمكم الله فُرَص رمضان قبلَ فواتِها،واحفظُوا نفوسَكم عما فيه شقاؤُها وإنَّ شهركم الكريم أخذ بالنقص والاضمحلالِ وشارفت لياليه الثمينةُ على الزَّوال،فتدارَكُوا الباقيَ منها بصالحِ الأعمال وبادرُوا بتوبةٍ من ذنوبِكم لذي العظمةِ والجلال،والأعمالُ بالخواتيم فأحسنُوا الختام.
أيها المؤمنون..اختارَ اللهُ من البقاع أفضلَها مكة(وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً)واختار من الليالي العشرَ الأواخر من رمضان أفضل الليالي وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت شدَّ مِئْزَرَهَ وأحيَا ليلَه وأيقظَ أهلَه ويجتهدُ فيها ما لا يجتهد في غيرها مُعتكفاً في المسجدِ مُنقطعاً لعبادة ربه..متحرياً ليلة القدر(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)نسأل الله أن نكون وإياكُم مِّمن يُدركُها وينالُ أجْرَها إيماناً واحتساباً..وأصحُّ الأقوالِ أن ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر,كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في البخاري((تحرّوا ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان))رواه البخاري وهي تتنقَّلُ في الوتر من العشر قال صلى الله عليه وسلم:{أُريتُ ليلةَ القدرِ فنسيتُها,وأراني صبيحتَها أسجدُ في ماء وطين}متفق عليه يقول راوي الحديث:فمُطرنا ليلةَ إحدى وعشرين فخَرَّ المسجدُ فصلى بنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصبح فسجَد في ماء وطين..وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أحمد أنه قال:{تحرُّوا ليلةَ القدر..ليلةَ ثلاثٍ وعشرين}وقال عليه الصلاة والسلام تحرَّوا ليلةَ القدر فمن كان متحرِّيها فليتحرَّاها ليلةَ سبعٍ وعشرين}رواه البخاري،يقولُ أبيُّ بن كعب رضي الله عنه:{والله الذي لا إِلَه غيرُه إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي..هي الليلةُ التي جمعَ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أهلَه والناسَ أجمعين فصلَّى بهم حتى الصبح ليلةَ سبعٍ وعشرين}وصح عنه صلى الله عليه وسلم في البخاري{التمسُوا ليلةَ القدر آخرَ ليلةٍ من ليالي رمضان}إنها روايات تدلُّ بوضوحٍ على عدمِ ثباتِ ليلة معينة وإن كانت سبعٌ وعشرون أقربَها..نسألُ الله التوفيق لقيامها والقبول والغفران والعتق من النيران وفي الحديث الحسن الصحيح{من قامَهَا ابتغاءَها ثم وقَعَتَ له غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر}ومن حُرم خيرَ هذه الليلة فهو الشقيُّ المحروم..لأنه عَرَفَ هذه الفضائلَ ثم ضيَّعهَا..وإذا كانَ الأمرُ كذلك فالعبدُ المسدَّدُ لا يَقْصُرُ نشاطُه على أوتارِ العشرِ بل يجتهد العشرَ كلَّها مُقتدياً به صلى الله عليه وسلم(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)ومن الخطأ تداولُ الرؤى عن ليلة معيّنة بأنها ليلة القدر بلا تثبت ولا رويّة مما يُضعفُ الهمة وليس من سندٍ لها..ومن الحسن فيها أن ينوع الإنسان عباداته فيها إيماناً واحتساباً لينال عظيم الأجر عليها من صدقةٍ وإطعامٍ وجنائز وزيارة مرضى وتفريج كروب إضافةً للقيام والدعاء وتأمل أخي كيف تكررت إيماناً واحتساباً مع الصيام والقيام وليلة القدر فإيماناً بأن الله فرضه والإيمان بثوابه واحتساباً أي يحتسب للإنسان أجره على الله بصيامه وقيامه وليلة القدر وهذا يغفل عنه البعض باتخاذ العبادة عادة ونسيان هدفها بالإيمان والاحتساب ..
عباد الله..ليلةُ القدر فيها يفتحُ الباب ويَقْرُبُ الخطاب ويُرَدُّ الجواب ويُكتبُ للعاملين فيها الأجرُ والثواب..سميت بذلك لشرفها وعُلوِّ قَدْرِها فعبادةٌ فيها تعدلُ أكثرَ من عبادةِ ثلاث وثمانين سنة بالأجر وهي ليلة تُقدَّرُ فيها مقاديرُ العام الذي يليها فيُفْصَلُ من اللوحِ المحفوظِ إلى كِّل َملَكٍ ما وُكِّل إليه القيامُ به في كلِّ عام وتُقدَّرُ فيها الآجالُ والأرزاق,فَمَلَكُ الموتِ يَعْلَمُ الأرواحَ التي يقبضُها في كل عام(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)وهي ذاتُ قَدْرٍ عظيم لما يقعُ فيها من تنزل الملائكةِ والبركةِ والرحمةِ(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)ومما يُستحبُّ فيها عِتقُ الرقاب ومن فاتَه عتقُ الرقاب فليكثرْ من شهادة التوحيد..قال صلى الله عليه وسلم:{من قال:لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار كان كمن أعتق رقبةً من ولدِ إسماعيل}أخرجَه البخاري وسمَّاها الله مباركةً(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)ومن بركاتها الملائكةُ تتنزَّلُ فيها من السماء بركةً ورحمة مثل حلق الذكر(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)والروح هو جبريل عليه السلام ومن بركاتِها ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم {من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه}متفق عليه قال مالك:بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أعمارَ الناس قَبله أو ما شاء الله من ذلك..فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغَه غيرُهم..فأعطاه الله ليلةَ القدرِ خيرٌ من ألف شهر..وقوله تعالى(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)عن مجاهد قال:هي سالمةٌ لا يستطيعُ الشيطانُ أن يعملَ فيها سوء،أو أذى..وقال قتادة:يعني هي خيركلُّها ليس فيها شرٌ إلى مطلعِ الفجر وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال صلى الله عليه وسلم:{ليلةُ القدرِ سمحةٌ،طلقةٌ لا حارةٌ ولا باردة،تصبحُ الشمسُ صبيحتَها ضعيفةً حمراء}رواه ابن خزيمة والبزار وسندُه حسن..
ليلة القدر ليلة الدعاء يستحبُّ الإكثار منه فإنها مظنةُ الإجابةِ مع البذل وأكثرُوا فيها الصدقاتِ لتُقدِّموا بين يدي نجواكم صدقةً تُطهِّركُم تقول عائشة رضي الله عنها:{قلتُ: يا رسولَ الله:أرأيتُ إن علمتُ أيَّ ليلةٍ هي ليلةُ القدر،ما أقولُ فيها؟قال:أكثري فيها:اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني}فالعفوُ من أسماءِ الله تعالى،وهو المتجاوزُ عن سيئاتِ عبادِهِ الماحي لآثارِها عنهم،وهو يُحبُّ العفوَ عن عباده فأخلصوا نياتكم لله في عبادتكم وأكثروا..في هذه الليالي الفاضلةِ من الدعاء فإن ربَّكم حييٌ كريم يستحي أن يردَّ يديْ عبدِه صِفراً ينزلُ كلَّ ليلةٍ في الثلثِ الأخيرِ فيقولُ:هل من سائل فأُعطيه؟هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ويبسطُ يدَه بالليلِ ليتوبَ مُسيءُ النهار ويبسط يدَه بالنهارِ ليتوبَ مُسيءُ الليل ..
ياربِّ عبـدُكَ قـد أتاكَ
وقـد أسـاءَ و قد هفـا
يكفيـه منـكَ حيـاؤه
مـن سـوءِ ما قد أسلفا
حملَ الذنوبَ على الـذنـ
ــوبِ الموبقاتِ وأَسْرَفا
وقد استجارَ بذيل عفوكِ
مــن عقابِـك ماحفَـا
يا ربِّ فاعـفُ و عافه
فلأنتَ أولى من عَفَـــا
أيها الصائمون..هذا شهرُ رمضان قد عَزَم على الرحيل.. ولم يبقْ منه إلا القليل.. فمن مِنْكم أحسن فيه فعليه التمام..ومن فرَّط فليختِمْه بالحسنى،والعملُ بالختام..فاغتنمُوا منه ما بقيَ من الليالي اليسيرةِ والأيام واستودِعُوه عملاً صالحاً يُشْهَدُ لكم بهِ عندَ المِلك العلاَّم وودِّعوهُ عِندَ فراقهِ بأزكى تحيةٍ وسلام..فيا أصحابَ الذنوبِ العظيمةَ..الغنيمةَ الغنيمة في هذهِ الأيامِ الكريمةِ،فما مِنها عِوضٌ ولا لها قِيمة،فمن يُعتَقُ فيها من النارِ فقد فَازَ بالجائزةِ العَظيمةِ والمنحَةِ الجسيمة..
يا من أعتقهُ مولاهُ من النارِ إياكَ أن تَعودَ بَعدَ أن صِرتَ حُراً إلى رِقِّ الأوزار،وبؤساً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له..كانوا يُنادُونَ آخرَ ليلةٍ من شهرِ رمضان:يا ليتَ شعري من هذا المقبولُ فنهنِّيه،ومن هذا المحروم فنعزِّيه..قلوبُ المتقينَ إلى هذا الشهرِ تَحنّ..ومن ألمِ فراقهِ تئنُّ..(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)تقولُ عائشةُ رضيَ الله عنها:سألتُ رسولَ الله عن هذه الآية فقلت:أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟قال:{لا يا بنت الصديق ولكنهم يصومون ويتصدقون وهم يخافون ألَّا يُقبل منهم،أولئك الذين يسارعون في الخيرات}رواه الترمذي
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً
فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظمُ
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ
فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ
أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً
فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلّا الرَجا
وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ
اللهم أعد علينا رمضان سنين متواليةً وأجرنا على فراقه بالقبول والغفران واجعلنا ممن صام الشهر وأدركَ ليلةَ القدرِ وفازَ بالثوابِ الجزيلِ والأجر..اللهم أعذْنا من مضلاتِ الفتن..وجنِّبنْا الفواحشَ ما ظَهَرَ منها وما بطن..وارزقْنا شُكَرَ نِعمَتِكَ وحُسنَ عِبَادَتِك..واجعلنا مِنْ أهلِ طاعَتِكَ وولايتكَ.. واغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.أقولُ ماتسمعون..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فيا مَن فَرَّطَ أولَ الشهرِ إياكَ أن يفوتكَ الموسم واسمع لقولِ نبيِّك صلى الله عليه وسلم {إن هذا الشهرَ قد حضَركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر,من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كلَّه ولا يحرمُ خيرُها إلا محروم}أخرجه ابن ماجة فإياك أن تكون محروماً داوم على تنوع العمل الصالح كل ليلة لتنال أجر ليلة القدر ولا تكن ممن يظن أنها ليلة واحدة يجتهد بها ويُهملُ باقيَ العشر وقد علمتم أنها تتنقّل يا أهلَ الغفلة انتبهُوا,ويا أهلَ السُنَّةِ استيقظوا,إنه والله غبنٌ وحرمان أن تُخبرَ بليلةٍ عبادَتهُا خيرٌ من عِبَادةِ ثلاثٍ وثمانينَ سنةٍ قد تكونُ هذه الليلةُ ثم لا تقضيها عابداً ولربِّك ساجداً وداعياً وعسى اللهُ أن يتقبَّل((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ))واعتبْر بما قاله الله لنبيه صلى الله عليه وسلم{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً*إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً}حتى عدَّها بعض السلف أعظمُ تهديد في كتاب الله..فكن خافِضَ الجناحِ مُجتَهِداً في الطاعةِ خائفاً من عدمِ القبولِ فإنه لا يأمن مَكَرَ اللهِ إلا القومُ الخاسرون إنما يتقبل الله من المتقين,فأحسن العمل ثم أعظم الرجاء بالقبول والغفران..واستعدوا لختام الشهر بإخراج زكاة الفطر للفقير والمسكين صاع من طعام الناس عن كل نفس ووقتها قبل العيد بيوم أو يومين والأفضل إخراجها ليلةَ العيد وستكون صلاة العيد بالمصليات وهو أفضل وهناك بعض الجوامع المعلنة للصلاة تخفيفاً ودخولُ الإمامِ للصلاة الساعة 5.30..تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاده علينا بالقبول والغفران..اللهم وفقنا للهدى والتقى والعفاف والغنا..وفق ولاة أمورنا وأعنهم واجمع كلمتهم على الحق والدين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وجنبهم بطانة السوء يارب العالمين..
أيها المسلمون..من لم يربحْ في رمضان فمتى يربح؟!ومن لم يُنب فيه إلى مولاهُ ففي أي وقتٍ يَصْلُح؟!فبادروا يرحمكم الله فُرَص رمضان قبلَ فواتِها،واحفظُوا نفوسَكم عما فيه شقاؤُها وإنَّ شهركم الكريم أخذ بالنقص والاضمحلالِ وشارفت لياليه الثمينةُ على الزَّوال،فتدارَكُوا الباقيَ منها بصالحِ الأعمال وبادرُوا بتوبةٍ من ذنوبِكم لذي العظمةِ والجلال،والأعمالُ بالخواتيم فأحسنُوا الختام.
أيها المؤمنون..اختارَ اللهُ من البقاع أفضلَها مكة(وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً)واختار من الليالي العشرَ الأواخر من رمضان أفضل الليالي وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت شدَّ مِئْزَرَهَ وأحيَا ليلَه وأيقظَ أهلَه ويجتهدُ فيها ما لا يجتهد في غيرها مُعتكفاً في المسجدِ مُنقطعاً لعبادة ربه..متحرياً ليلة القدر(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)نسأل الله أن نكون وإياكُم مِّمن يُدركُها وينالُ أجْرَها إيماناً واحتساباً..وأصحُّ الأقوالِ أن ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر,كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في البخاري((تحرّوا ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان))رواه البخاري وهي تتنقَّلُ في الوتر من العشر قال صلى الله عليه وسلم:{أُريتُ ليلةَ القدرِ فنسيتُها,وأراني صبيحتَها أسجدُ في ماء وطين}متفق عليه يقول راوي الحديث:فمُطرنا ليلةَ إحدى وعشرين فخَرَّ المسجدُ فصلى بنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصبح فسجَد في ماء وطين..وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أحمد أنه قال:{تحرُّوا ليلةَ القدر..ليلةَ ثلاثٍ وعشرين}وقال عليه الصلاة والسلام تحرَّوا ليلةَ القدر فمن كان متحرِّيها فليتحرَّاها ليلةَ سبعٍ وعشرين}رواه البخاري،يقولُ أبيُّ بن كعب رضي الله عنه:{والله الذي لا إِلَه غيرُه إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي..هي الليلةُ التي جمعَ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أهلَه والناسَ أجمعين فصلَّى بهم حتى الصبح ليلةَ سبعٍ وعشرين}وصح عنه صلى الله عليه وسلم في البخاري{التمسُوا ليلةَ القدر آخرَ ليلةٍ من ليالي رمضان}إنها روايات تدلُّ بوضوحٍ على عدمِ ثباتِ ليلة معينة وإن كانت سبعٌ وعشرون أقربَها..نسألُ الله التوفيق لقيامها والقبول والغفران والعتق من النيران وفي الحديث الحسن الصحيح{من قامَهَا ابتغاءَها ثم وقَعَتَ له غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر}ومن حُرم خيرَ هذه الليلة فهو الشقيُّ المحروم..لأنه عَرَفَ هذه الفضائلَ ثم ضيَّعهَا..وإذا كانَ الأمرُ كذلك فالعبدُ المسدَّدُ لا يَقْصُرُ نشاطُه على أوتارِ العشرِ بل يجتهد العشرَ كلَّها مُقتدياً به صلى الله عليه وسلم(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)ومن الخطأ تداولُ الرؤى عن ليلة معيّنة بأنها ليلة القدر بلا تثبت ولا رويّة مما يُضعفُ الهمة وليس من سندٍ لها..ومن الحسن فيها أن ينوع الإنسان عباداته فيها إيماناً واحتساباً لينال عظيم الأجر عليها من صدقةٍ وإطعامٍ وجنائز وزيارة مرضى وتفريج كروب إضافةً للقيام والدعاء وتأمل أخي كيف تكررت إيماناً واحتساباً مع الصيام والقيام وليلة القدر فإيماناً بأن الله فرضه والإيمان بثوابه واحتساباً أي يحتسب للإنسان أجره على الله بصيامه وقيامه وليلة القدر وهذا يغفل عنه البعض باتخاذ العبادة عادة ونسيان هدفها بالإيمان والاحتساب ..
عباد الله..ليلةُ القدر فيها يفتحُ الباب ويَقْرُبُ الخطاب ويُرَدُّ الجواب ويُكتبُ للعاملين فيها الأجرُ والثواب..سميت بذلك لشرفها وعُلوِّ قَدْرِها فعبادةٌ فيها تعدلُ أكثرَ من عبادةِ ثلاث وثمانين سنة بالأجر وهي ليلة تُقدَّرُ فيها مقاديرُ العام الذي يليها فيُفْصَلُ من اللوحِ المحفوظِ إلى كِّل َملَكٍ ما وُكِّل إليه القيامُ به في كلِّ عام وتُقدَّرُ فيها الآجالُ والأرزاق,فَمَلَكُ الموتِ يَعْلَمُ الأرواحَ التي يقبضُها في كل عام(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)وهي ذاتُ قَدْرٍ عظيم لما يقعُ فيها من تنزل الملائكةِ والبركةِ والرحمةِ(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)ومما يُستحبُّ فيها عِتقُ الرقاب ومن فاتَه عتقُ الرقاب فليكثرْ من شهادة التوحيد..قال صلى الله عليه وسلم:{من قال:لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار كان كمن أعتق رقبةً من ولدِ إسماعيل}أخرجَه البخاري وسمَّاها الله مباركةً(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)ومن بركاتها الملائكةُ تتنزَّلُ فيها من السماء بركةً ورحمة مثل حلق الذكر(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)والروح هو جبريل عليه السلام ومن بركاتِها ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم {من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه}متفق عليه قال مالك:بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أعمارَ الناس قَبله أو ما شاء الله من ذلك..فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغَه غيرُهم..فأعطاه الله ليلةَ القدرِ خيرٌ من ألف شهر..وقوله تعالى(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)عن مجاهد قال:هي سالمةٌ لا يستطيعُ الشيطانُ أن يعملَ فيها سوء،أو أذى..وقال قتادة:يعني هي خيركلُّها ليس فيها شرٌ إلى مطلعِ الفجر وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال صلى الله عليه وسلم:{ليلةُ القدرِ سمحةٌ،طلقةٌ لا حارةٌ ولا باردة،تصبحُ الشمسُ صبيحتَها ضعيفةً حمراء}رواه ابن خزيمة والبزار وسندُه حسن..
ليلة القدر ليلة الدعاء يستحبُّ الإكثار منه فإنها مظنةُ الإجابةِ مع البذل وأكثرُوا فيها الصدقاتِ لتُقدِّموا بين يدي نجواكم صدقةً تُطهِّركُم تقول عائشة رضي الله عنها:{قلتُ: يا رسولَ الله:أرأيتُ إن علمتُ أيَّ ليلةٍ هي ليلةُ القدر،ما أقولُ فيها؟قال:أكثري فيها:اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني}فالعفوُ من أسماءِ الله تعالى،وهو المتجاوزُ عن سيئاتِ عبادِهِ الماحي لآثارِها عنهم،وهو يُحبُّ العفوَ عن عباده فأخلصوا نياتكم لله في عبادتكم وأكثروا..في هذه الليالي الفاضلةِ من الدعاء فإن ربَّكم حييٌ كريم يستحي أن يردَّ يديْ عبدِه صِفراً ينزلُ كلَّ ليلةٍ في الثلثِ الأخيرِ فيقولُ:هل من سائل فأُعطيه؟هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ويبسطُ يدَه بالليلِ ليتوبَ مُسيءُ النهار ويبسط يدَه بالنهارِ ليتوبَ مُسيءُ الليل ..
ياربِّ عبـدُكَ قـد أتاكَ
وقـد أسـاءَ و قد هفـا
يكفيـه منـكَ حيـاؤه
مـن سـوءِ ما قد أسلفا
حملَ الذنوبَ على الـذنـ
ــوبِ الموبقاتِ وأَسْرَفا
وقد استجارَ بذيل عفوكِ
مــن عقابِـك ماحفَـا
يا ربِّ فاعـفُ و عافه
فلأنتَ أولى من عَفَـــا
أيها الصائمون..هذا شهرُ رمضان قد عَزَم على الرحيل.. ولم يبقْ منه إلا القليل.. فمن مِنْكم أحسن فيه فعليه التمام..ومن فرَّط فليختِمْه بالحسنى،والعملُ بالختام..فاغتنمُوا منه ما بقيَ من الليالي اليسيرةِ والأيام واستودِعُوه عملاً صالحاً يُشْهَدُ لكم بهِ عندَ المِلك العلاَّم وودِّعوهُ عِندَ فراقهِ بأزكى تحيةٍ وسلام..فيا أصحابَ الذنوبِ العظيمةَ..الغنيمةَ الغنيمة في هذهِ الأيامِ الكريمةِ،فما مِنها عِوضٌ ولا لها قِيمة،فمن يُعتَقُ فيها من النارِ فقد فَازَ بالجائزةِ العَظيمةِ والمنحَةِ الجسيمة..
يا من أعتقهُ مولاهُ من النارِ إياكَ أن تَعودَ بَعدَ أن صِرتَ حُراً إلى رِقِّ الأوزار،وبؤساً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له..كانوا يُنادُونَ آخرَ ليلةٍ من شهرِ رمضان:يا ليتَ شعري من هذا المقبولُ فنهنِّيه،ومن هذا المحروم فنعزِّيه..قلوبُ المتقينَ إلى هذا الشهرِ تَحنّ..ومن ألمِ فراقهِ تئنُّ..(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)تقولُ عائشةُ رضيَ الله عنها:سألتُ رسولَ الله عن هذه الآية فقلت:أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟قال:{لا يا بنت الصديق ولكنهم يصومون ويتصدقون وهم يخافون ألَّا يُقبل منهم،أولئك الذين يسارعون في الخيرات}رواه الترمذي
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً
فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظمُ
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ
فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ
أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً
فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلّا الرَجا
وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ
اللهم أعد علينا رمضان سنين متواليةً وأجرنا على فراقه بالقبول والغفران واجعلنا ممن صام الشهر وأدركَ ليلةَ القدرِ وفازَ بالثوابِ الجزيلِ والأجر..اللهم أعذْنا من مضلاتِ الفتن..وجنِّبنْا الفواحشَ ما ظَهَرَ منها وما بطن..وارزقْنا شُكَرَ نِعمَتِكَ وحُسنَ عِبَادَتِك..واجعلنا مِنْ أهلِ طاعَتِكَ وولايتكَ.. واغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.أقولُ ماتسمعون..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فيا مَن فَرَّطَ أولَ الشهرِ إياكَ أن يفوتكَ الموسم واسمع لقولِ نبيِّك صلى الله عليه وسلم {إن هذا الشهرَ قد حضَركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر,من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كلَّه ولا يحرمُ خيرُها إلا محروم}أخرجه ابن ماجة فإياك أن تكون محروماً داوم على تنوع العمل الصالح كل ليلة لتنال أجر ليلة القدر ولا تكن ممن يظن أنها ليلة واحدة يجتهد بها ويُهملُ باقيَ العشر وقد علمتم أنها تتنقّل يا أهلَ الغفلة انتبهُوا,ويا أهلَ السُنَّةِ استيقظوا,إنه والله غبنٌ وحرمان أن تُخبرَ بليلةٍ عبادَتهُا خيرٌ من عِبَادةِ ثلاثٍ وثمانينَ سنةٍ قد تكونُ هذه الليلةُ ثم لا تقضيها عابداً ولربِّك ساجداً وداعياً وعسى اللهُ أن يتقبَّل((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ))واعتبْر بما قاله الله لنبيه صلى الله عليه وسلم{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً*إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً}حتى عدَّها بعض السلف أعظمُ تهديد في كتاب الله..فكن خافِضَ الجناحِ مُجتَهِداً في الطاعةِ خائفاً من عدمِ القبولِ فإنه لا يأمن مَكَرَ اللهِ إلا القومُ الخاسرون إنما يتقبل الله من المتقين,فأحسن العمل ثم أعظم الرجاء بالقبول والغفران..واستعدوا لختام الشهر بإخراج زكاة الفطر للفقير والمسكين صاع من طعام الناس عن كل نفس ووقتها قبل العيد بيوم أو يومين والأفضل إخراجها ليلةَ العيد وستكون صلاة العيد بالمصليات وهو أفضل وهناك بعض الجوامع المعلنة للصلاة تخفيفاً ودخولُ الإمامِ للصلاة الساعة 5.30..تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاده علينا بالقبول والغفران..اللهم وفقنا للهدى والتقى والعفاف والغنا..وفق ولاة أمورنا وأعنهم واجمع كلمتهم على الحق والدين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وجنبهم بطانة السوء يارب العالمين..