الحمد لله أكمل لنا الدين،وأتم علينا النعمة،وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له،شهادةً تكون لمن اعتصم بها خير عصمة،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،وحَّدَ الله به الأمة ونصر الملة،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تكون لنا نورا من كل ظلمة،وسلم تسليما كثيرا . أما بعد..فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أنَّ الإسلام كما أمر بعبادة الله وتوحيده واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه فهو يحثُّ الإنسانَ للاهتمام بنفسِهِ والعناية بها وحمايتها من كلِّ ضررٍ وسوء(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)البعض منا ينشغلُ بأحوال الناس وتصرفاتهم وتقصيرهم أكثر من انشغالِه بحال نفسه وتصرفاته وتقصيره،وتلك مشكلةٌ كبرى ومانعٌ عظيمٌ من الإصلاحِ وعموم التقوى،ولو أعطى نفسه ربع اهتمامه بالناس لصلُحت! فكيف يُصلحَ الناسَ من يُهملُ نفسه ولايَصنعُ القدوة الصالحة بعمله..انظروا للصلاة مثلاً حين يصطفُّ المُصَلُّون وأعدادهم آلاف بانتظامٍ بديعٍ وإخباتٍ وخشوع،حركةٌ واحدةٌ وللإمامِ مُتابِعةٌ لأن كلَّ واحدٍ منهم اهتمَّ بنفسه فرأْينا عبادةً عظيمةً رائعةً..ومنظراً بديعاً ابتهجَ له محمدٌ صلوات ربي وسلامه عليه يومَ وفاتِه..كشف الستار في صلاة الفجر كما تقول عائشة رضي الله عنها فرآهم مصطفين ومنتظمين في صلاتهم خلف أبي بكر يطمئن بأبي هو وأمي رسول الله إلى اجتماعهم وصلاحهم..ولا زال ذلك المرأى اليوم لاجتماع الصلاة دلالةُ خيرٍ وعزٍّ لأمة الإسلام ومنظر مصلي الحرمين الشريفين دليل ذلك.وهو نتيجة اهتمام الإنسان بنفسه في عبادته أولاً ثم تعاونه مع إخوته ..
حِينَمَا يَبدَأُ كُلُّ مُسلِمٍ بِنَفسِهِ وَيَفعَلُ الصَّوَابَ لأَنَّهُ صَوَابٌ،وَيَتَّجِهُ لِتَنفِيذِ واجباتٍ تَخُّصهُ وَيُرَكِّزُ عَلَى المَطلُوبِ مِنهُ،فَإِنَّهُ سَرعَانَ مَا يَصلُحُ المسلمون وينتظمُ شأنهم ويعلو بنيانُهم..أما لَو تكاسلَ الواحدُ في عمل الصالحات انتِظَارًا لِغَيرِهِ ليُصلِحَ شَأنَهُ ثم يَأتِيَ هُوَ بَعدَهُ، لَذَهَبَ الوَقتُ وضاع الجميع وحينئذٍ لن يستقيمَ عملٌ ولابنيان..ومَا أَجمَلَ المُسلِمَ وَقَد تَوَجَّهَ إِلى نَفسِهِ أَوَّلاً فحَاسَبَهَا،وَأَلزَمَهَا تَنفِيذَ مَا يَعنِيهَا وَبَادَرَ إِلَيهِا،قَبلَ أَن يَشتَغِلَ بغيره ماذا فعلَ ولم قصَّر أو يَتَّخِذُ مِن خَطَئِهِم وَتَقصِيرِهِم مُسَوِّغًا لَخَطَئِهِ وَتَقصِيرِهِ!كما نراه من البعض!!( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في منهج حياة عظيم(ابدأ بنفسك،ثم بمن تعول)مَنهَجٌ لِلإِصلاحِ قَوِيمٌ، يَجِبُ أَن يَسِيرَ عَلَيهِ أَفرَادُ الأُمَّةِ؛لِيَصلُحَ بِهِ شَأنُ مُجتَمَعَاتِهِم،فابدأ بنفسك وبمن تعول ثم الآخرين..وما أحسن قولهم..
وَخَيرٌ مِن هَذَا وَأَصدَقُ وَأَعمَقُ،قَولُ اللهِ(أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ)وَقَولُهُ جَلَّ وَعَلا ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)وشُعَيبٍ عَلَيهِ السَّلامُ يقول لِقَومِه.. ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)وحِينَمَا يَبدَأُ أَحَدُنَا بِنَفسِهِ فَيَأمُرُهَا بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهَا عَنِ المُنكَرِ،وَيَأطِرُهَا عَلَى الحَقِّ أَطرًا وَيُقِيمُهَا عَلَى الصِّرَاطِ،فَذَلِكَ أَوَّلُ بَرَكَةِ العِلمِ وَأَكبَرُ أَسَبَابِ الثَّبَاتِ،(وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا
أخي المسلم ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الآخرين اعبد الله ووحّدْهُ واقرأِ القرآن وتدبّره أنت ثم اعمل به..أدِّ صلاتك وزكاتك وصيامك وحجَّك وأتقنْه..ابذل المعروف والصدقة عن نفسك ثم عن والديك والآخرين.. اهتم بتربية نفسك على الخير واهتمَّ بِمَن تعول..ثم اخدم مَنْ حولك ومجتمعَك ووطنَك وأمّتَك هكذا الاستقامة. فإن الحساب حين موتِك وقبرِك وآخرتك يبدأُ بنفسك ولذلك يقول الله(وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً*اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً*مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)ويوم القيامة(يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)والخطاب دوماً يبدأُ بالإنسان نفسِه يُوجِّههُ ويحثُّه(يا أيها الإنسان)(ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى) وكما قال الله بالحديث(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)رواه مسلم
حِينَمَا يَبدَأُ أَحَدُنَا بِنَفسِهِ فَيَعمَلُ الخَيرَ وَيُبَادِرُ بِهِ،فسيكُونُ قُدوَةً حَسَنَةً لِمَن يَرَاهُ فَيَعمَلُ مِثلَ عَمَلِهِ، وَبِذَلِكَ يَنَالُ أُجُورًا كَثِيرةً وَتَتَضَاعَفُ حَسَنَاتُهُ،قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ"مَن سَنَّ في الإِسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُهَا وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا مِن بَعدِهِ مِن غَيرِ أَن يَنقُصَ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ"ومَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ" من يعمل الخير ويُسارع للبرِّ..يَقطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى شَّيَاطِينَ مُتَرَبِّصَةٍ بِهِ وبإخوته يفرحون بِمُخَالَفَةِ العَبدِ أَمرَ ربه ويبتهجون بِوُقُوعِهِ بالمعصية،وَيَسُرُّهُم تَبَاطُؤُهُ عَنِ الخَيرِ،قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.."إِذَا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجدَةَ فَسَجَدَ اعتَزَلَ الشَّيطَانُ يَبكِي يَقُولُ.. يَا وَيلَتِي، أُمِرَ ابنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وَأُمِرتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيتُ فَلِيَ النَّارُ"رَوَاهُ مُسلِمٌ .فأينَكَ يا عبدَ الله من تأملك لكتاب الله وسنة رسول الله..أين أنت من تدبرك للقرآن وأن تعظ به نفسك أولاً كما أمر الله(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) فأين نحن من تدبر كلام الله وقول الله وأمر الله ونهيه؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ،لَو تَأَمَّلنَا كَلامَنَا في مَجَالِسِنَا،وفيما بيننا وتصرفاتنا أَو رسائلِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ لعجبنا لِمَا نَعِيشُهُ مِن تَنَاقُضٍ في تَنَاوُلِنَا لِلأُمُورِ،إِذ كَيفَ يَحلُمُ امرُؤٌ بِتَغيِيرِ العَالَمِ كُلِّهِ،ويَأمَلُ أَن يُغَيِّرَ مُجتَمَعَهُ الصَّغِيرَ حَولَهِ،وَهُوَ لم يَبدَأْ في تَغيِيرِ نَفسِهِ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ وَيَشرَعُ في إِصلاحِهَا؟! حتى مع التقصير نجتهدُ قَدرَ الطَّاقَةِ وَنَبذِلُ الوُسعَ وَنَتَّقِ اللهَ مَا استَطَعنَا،وَأَن نَأخُذَ بِما يُمكِنُنَا مِنَ الخَيرِ وَنُجَاهِدَ أَنفُسَنَا عَلَى المُبَادَرَةِ،وَلأَنْ يَتَقَدَّمُ المَرءُ في الخَيرِ خَطَوَاتٍ وَيَأخُذَ مِن كُلِّ بِرٍّ وَلَو كَانَ قَلِيلاً،خَيرٌ مِن أَن يَبقَى في مَكَانِهِ أَو يَتَأَخَّرَ فَيُؤَخَّرَ،رَأَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في أَصحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُم.."تَقَدَّمُوا وَأْتَمُّوا بي وَلْيَأتَمَّ بِكُم مَن بَعدَكُم، لا يَزَالُ قَومٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ "رَوَاهُ مُسلِمٌ والله تعالى يقول..(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ،الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَاحذَرُوا أَسبَابَ سَخَطِ رَبِّكُم وَاعلَمُوا أَنَّ مَن لم يَبدَأْ بِنَفسِهِ، فَلا خَيرَ فِيهِ لِغَيرِهِ...
مَا أَجمَلَ وَأَحسَنَ أَن يَبدَأَ المَرءُ بِنَفسِهِ في كُلِّ أُمُورِ الخَيرِ وَالبِرِّ وَالصَّلاحِ وَالإِصلاحِ، فَيُؤَدِّيَ مَا افتَرَضَ اللهُ عَلَيهِ مِن حَقِّهِ وَحُقُوقِ خَلقِهِ، وَيَجتَنِبَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ وَرَسُولُهُ!اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَأَصلِحْ أُسرَتَكَ، اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَرَبِّ أَبنَاءَكَ عَلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ وَكُفَّ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُم،واستغلال أوقاتهم وطاقاتهم اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَأَعطِ الطَّرِيقَ حَقَّهَا وَلا تُؤذِ النَّاسَ فِيهَا وطبق أنظمتها،اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَكُنْ حَسَنَ الأَخلاقِ مَعَ الآخَرِينَ وَعَامِلْهُم بِأَحسَنَ مِمَّا يُعَامِلُونَكَ بِهِ، وَلا تُقَلِّدْهُم في تَقصِيرِهِم أَو تُعَامِلْهُم بِمِثلِ سُوئِهِم، اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَصِلْ مَن قَطَعَكَ وَأَعطِ مَن حَرَمَكَ، وَأَحسِنْ إِلى رَحِمِكَ وَأَقَارِبِكَ وَجِيرَانِكَ، اِبدَأْ بِنَفسِكَ إِن وَجَدتَ مَشرُوعًا مِن مَشرُوعَاتِ الخَيرِ أَو سَمِعتَ بِدَعوَةٍ لِلتَّبَرُّعِ لإِخوَانِكَ المَنكُوبِينَ، وَسَاهِمْ وَلا تَقُلْ أَينَ أَصحَابُ الأَموَالِ وَأَربَابِ التِّجَارَاتِ؟أو تشكك في الجمعيات!واعلم أنكَ إِن كُنتَ سَبَّاقًا إِلى الخَيرِ مُبَادِرًا إِلى البِرِّ، كُنتَ مِنَ المُقَرَّبِينَ إِلى رَبِّكَ وَمَولاكَ ،(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِنَ السَّابِقِينَ المُسَابِقِينَ، المُسَارِعِينَ المُبَادِرِينَ، واجعلنا قدوة بالخير للملمين وَلا تَجعَلْنَا مِمَّنِ استَهوَتهُمُ الشَّيَاطِينَ، فَأَصبَحُوا حَيَارَى مَحرُومِينَ مَخذُولِينَ..أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
كما أنَّ الإنسان مسؤولٌ عن نفسه ومن يعول فإنه لا بد أيضاً أن لا ينسى الآخرين بنصحٍ وتواصلٍ وعطاءٍ وبذلٍ خاصةً المحتاج منهم وإذا اهتم بنفسه فقط على حساب الآخرين فتلك سلبيّةٌ وأنانيّة يأثمُ عليها..فابذل الخير بعد إصلاح نفسك فخيرُ الناس أنفعهم للناس كما في الحديث..ونفعُ الناس وخدمتهم قد تفوق بعض العبادات أجراً..والتوازن مطلوب فلا تكن شمعةً تحترق لتُضيءَ لغيرك..وإنما كن نوراً في نفسك وقلبك ينعكس ضوءه حولَك..كما أنني أنبه هاهنا أن بعض من ابتلاه الله بمنكر أو تقصير في دينه وخلقه يمنعه ذلك من بذل النصح ولا ينهى عن المنكر وهذا زاد على تقصيره تقصيرٌ آخر فمن الذي يسلم من المعاصي ومع أمر المذنب بالتوبة لنفسه فإنه مأمورٌ أيضاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغيره(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) وبعضهم لا يأمر بطاعةٍ أو عبادة حتى يفعلها وقد يشقُّ على نفسه وهذا ليس لازماً وإن استطاع فأحسن..والدالُّ على الخير كفاعله نسأل الله عزَّ وجل أن يعفو عن تقصيرنا ويهديَ نفوسَنا ويزينَّا بزينة الإيمان وحسن الخلق ويجعلنا متعاونين على البرِّ والتقوى..ويوفق أولادنا بامتحاناتهم ويعليَ مراتبهم بالخير دنيا وآخرة ويصلح شأنهم ويكفيهم الشرورَ والفتن ماظهر منها وما بطن
حِينَمَا يَبدَأُ كُلُّ مُسلِمٍ بِنَفسِهِ وَيَفعَلُ الصَّوَابَ لأَنَّهُ صَوَابٌ،وَيَتَّجِهُ لِتَنفِيذِ واجباتٍ تَخُّصهُ وَيُرَكِّزُ عَلَى المَطلُوبِ مِنهُ،فَإِنَّهُ سَرعَانَ مَا يَصلُحُ المسلمون وينتظمُ شأنهم ويعلو بنيانُهم..أما لَو تكاسلَ الواحدُ في عمل الصالحات انتِظَارًا لِغَيرِهِ ليُصلِحَ شَأنَهُ ثم يَأتِيَ هُوَ بَعدَهُ، لَذَهَبَ الوَقتُ وضاع الجميع وحينئذٍ لن يستقيمَ عملٌ ولابنيان..ومَا أَجمَلَ المُسلِمَ وَقَد تَوَجَّهَ إِلى نَفسِهِ أَوَّلاً فحَاسَبَهَا،وَأَلزَمَهَا تَنفِيذَ مَا يَعنِيهَا وَبَادَرَ إِلَيهِا،قَبلَ أَن يَشتَغِلَ بغيره ماذا فعلَ ولم قصَّر أو يَتَّخِذُ مِن خَطَئِهِم وَتَقصِيرِهِم مُسَوِّغًا لَخَطَئِهِ وَتَقصِيرِهِ!كما نراه من البعض!!( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في منهج حياة عظيم(ابدأ بنفسك،ثم بمن تعول)مَنهَجٌ لِلإِصلاحِ قَوِيمٌ، يَجِبُ أَن يَسِيرَ عَلَيهِ أَفرَادُ الأُمَّةِ؛لِيَصلُحَ بِهِ شَأنُ مُجتَمَعَاتِهِم،فابدأ بنفسك وبمن تعول ثم الآخرين..وما أحسن قولهم..
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ هَلاَّ لِنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى كَيمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ
اِبدَأْ بِنَفسِكَ فَانْهَهَا عَن غَيِّهَا فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقتَدَى بِالفِعلِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى كَيمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ
اِبدَأْ بِنَفسِكَ فَانْهَهَا عَن غَيِّهَا فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقتَدَى بِالفِعلِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ
وَخَيرٌ مِن هَذَا وَأَصدَقُ وَأَعمَقُ،قَولُ اللهِ(أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ)وَقَولُهُ جَلَّ وَعَلا ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)وشُعَيبٍ عَلَيهِ السَّلامُ يقول لِقَومِه.. ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)وحِينَمَا يَبدَأُ أَحَدُنَا بِنَفسِهِ فَيَأمُرُهَا بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهَا عَنِ المُنكَرِ،وَيَأطِرُهَا عَلَى الحَقِّ أَطرًا وَيُقِيمُهَا عَلَى الصِّرَاطِ،فَذَلِكَ أَوَّلُ بَرَكَةِ العِلمِ وَأَكبَرُ أَسَبَابِ الثَّبَاتِ،(وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا
أخي المسلم ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الآخرين اعبد الله ووحّدْهُ واقرأِ القرآن وتدبّره أنت ثم اعمل به..أدِّ صلاتك وزكاتك وصيامك وحجَّك وأتقنْه..ابذل المعروف والصدقة عن نفسك ثم عن والديك والآخرين.. اهتم بتربية نفسك على الخير واهتمَّ بِمَن تعول..ثم اخدم مَنْ حولك ومجتمعَك ووطنَك وأمّتَك هكذا الاستقامة. فإن الحساب حين موتِك وقبرِك وآخرتك يبدأُ بنفسك ولذلك يقول الله(وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً*اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً*مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)ويوم القيامة(يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)والخطاب دوماً يبدأُ بالإنسان نفسِه يُوجِّههُ ويحثُّه(يا أيها الإنسان)(ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى) وكما قال الله بالحديث(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)رواه مسلم
حِينَمَا يَبدَأُ أَحَدُنَا بِنَفسِهِ فَيَعمَلُ الخَيرَ وَيُبَادِرُ بِهِ،فسيكُونُ قُدوَةً حَسَنَةً لِمَن يَرَاهُ فَيَعمَلُ مِثلَ عَمَلِهِ، وَبِذَلِكَ يَنَالُ أُجُورًا كَثِيرةً وَتَتَضَاعَفُ حَسَنَاتُهُ،قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ"مَن سَنَّ في الإِسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُهَا وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا مِن بَعدِهِ مِن غَيرِ أَن يَنقُصَ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ"ومَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ" من يعمل الخير ويُسارع للبرِّ..يَقطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى شَّيَاطِينَ مُتَرَبِّصَةٍ بِهِ وبإخوته يفرحون بِمُخَالَفَةِ العَبدِ أَمرَ ربه ويبتهجون بِوُقُوعِهِ بالمعصية،وَيَسُرُّهُم تَبَاطُؤُهُ عَنِ الخَيرِ،قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.."إِذَا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجدَةَ فَسَجَدَ اعتَزَلَ الشَّيطَانُ يَبكِي يَقُولُ.. يَا وَيلَتِي، أُمِرَ ابنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وَأُمِرتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيتُ فَلِيَ النَّارُ"رَوَاهُ مُسلِمٌ .فأينَكَ يا عبدَ الله من تأملك لكتاب الله وسنة رسول الله..أين أنت من تدبرك للقرآن وأن تعظ به نفسك أولاً كما أمر الله(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) فأين نحن من تدبر كلام الله وقول الله وأمر الله ونهيه؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ،لَو تَأَمَّلنَا كَلامَنَا في مَجَالِسِنَا،وفيما بيننا وتصرفاتنا أَو رسائلِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ لعجبنا لِمَا نَعِيشُهُ مِن تَنَاقُضٍ في تَنَاوُلِنَا لِلأُمُورِ،إِذ كَيفَ يَحلُمُ امرُؤٌ بِتَغيِيرِ العَالَمِ كُلِّهِ،ويَأمَلُ أَن يُغَيِّرَ مُجتَمَعَهُ الصَّغِيرَ حَولَهِ،وَهُوَ لم يَبدَأْ في تَغيِيرِ نَفسِهِ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ وَيَشرَعُ في إِصلاحِهَا؟! حتى مع التقصير نجتهدُ قَدرَ الطَّاقَةِ وَنَبذِلُ الوُسعَ وَنَتَّقِ اللهَ مَا استَطَعنَا،وَأَن نَأخُذَ بِما يُمكِنُنَا مِنَ الخَيرِ وَنُجَاهِدَ أَنفُسَنَا عَلَى المُبَادَرَةِ،وَلأَنْ يَتَقَدَّمُ المَرءُ في الخَيرِ خَطَوَاتٍ وَيَأخُذَ مِن كُلِّ بِرٍّ وَلَو كَانَ قَلِيلاً،خَيرٌ مِن أَن يَبقَى في مَكَانِهِ أَو يَتَأَخَّرَ فَيُؤَخَّرَ،رَأَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في أَصحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُم.."تَقَدَّمُوا وَأْتَمُّوا بي وَلْيَأتَمَّ بِكُم مَن بَعدَكُم، لا يَزَالُ قَومٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ "رَوَاهُ مُسلِمٌ والله تعالى يقول..(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ،الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَاحذَرُوا أَسبَابَ سَخَطِ رَبِّكُم وَاعلَمُوا أَنَّ مَن لم يَبدَأْ بِنَفسِهِ، فَلا خَيرَ فِيهِ لِغَيرِهِ...
عَجِبْتُ لِمَن يَبكِي عَلَى مَوتِ غَيرِهِ دُمُوعًا وَلا يَبكِي عَلَى مَوتِهِ دَمَا
وَأَعجَبُ مِن ذَا أَن يَرَى عَيبَ غَيرِهِ عَظِيمًا وَفي عَينَيهِ عَن عَيبِهِ عَمَى
فَاحرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى إِصلاحِ أَنفُسِكُم وَتَقوِيمِهَا، وَابدَؤُوا بِهَا فَجَاهِدُوهَا، فَإِنَّ جِهَادَهَا مِن أَعظَمِ الجِهَادِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ"أَفضَلُ المُؤمِنِينَ إِسلامًا مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَأَفضَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا، وَأَفضَلُ المُهَاجِرِينَ مَن هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ تَعالى عَنهُ،وَأَفضَلُ الجِهَادِ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ في ذَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَأَعجَبُ مِن ذَا أَن يَرَى عَيبَ غَيرِهِ عَظِيمًا وَفي عَينَيهِ عَن عَيبِهِ عَمَى
مَا أَجمَلَ وَأَحسَنَ أَن يَبدَأَ المَرءُ بِنَفسِهِ في كُلِّ أُمُورِ الخَيرِ وَالبِرِّ وَالصَّلاحِ وَالإِصلاحِ، فَيُؤَدِّيَ مَا افتَرَضَ اللهُ عَلَيهِ مِن حَقِّهِ وَحُقُوقِ خَلقِهِ، وَيَجتَنِبَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ وَرَسُولُهُ!اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَأَصلِحْ أُسرَتَكَ، اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَرَبِّ أَبنَاءَكَ عَلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ وَكُفَّ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُم،واستغلال أوقاتهم وطاقاتهم اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَأَعطِ الطَّرِيقَ حَقَّهَا وَلا تُؤذِ النَّاسَ فِيهَا وطبق أنظمتها،اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَكُنْ حَسَنَ الأَخلاقِ مَعَ الآخَرِينَ وَعَامِلْهُم بِأَحسَنَ مِمَّا يُعَامِلُونَكَ بِهِ، وَلا تُقَلِّدْهُم في تَقصِيرِهِم أَو تُعَامِلْهُم بِمِثلِ سُوئِهِم، اِبدَأْ بِنَفسِكَ وَصِلْ مَن قَطَعَكَ وَأَعطِ مَن حَرَمَكَ، وَأَحسِنْ إِلى رَحِمِكَ وَأَقَارِبِكَ وَجِيرَانِكَ، اِبدَأْ بِنَفسِكَ إِن وَجَدتَ مَشرُوعًا مِن مَشرُوعَاتِ الخَيرِ أَو سَمِعتَ بِدَعوَةٍ لِلتَّبَرُّعِ لإِخوَانِكَ المَنكُوبِينَ، وَسَاهِمْ وَلا تَقُلْ أَينَ أَصحَابُ الأَموَالِ وَأَربَابِ التِّجَارَاتِ؟أو تشكك في الجمعيات!واعلم أنكَ إِن كُنتَ سَبَّاقًا إِلى الخَيرِ مُبَادِرًا إِلى البِرِّ، كُنتَ مِنَ المُقَرَّبِينَ إِلى رَبِّكَ وَمَولاكَ ،(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِنَ السَّابِقِينَ المُسَابِقِينَ، المُسَارِعِينَ المُبَادِرِينَ، واجعلنا قدوة بالخير للملمين وَلا تَجعَلْنَا مِمَّنِ استَهوَتهُمُ الشَّيَاطِينَ، فَأَصبَحُوا حَيَارَى مَحرُومِينَ مَخذُولِينَ..أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
كما أنَّ الإنسان مسؤولٌ عن نفسه ومن يعول فإنه لا بد أيضاً أن لا ينسى الآخرين بنصحٍ وتواصلٍ وعطاءٍ وبذلٍ خاصةً المحتاج منهم وإذا اهتم بنفسه فقط على حساب الآخرين فتلك سلبيّةٌ وأنانيّة يأثمُ عليها..فابذل الخير بعد إصلاح نفسك فخيرُ الناس أنفعهم للناس كما في الحديث..ونفعُ الناس وخدمتهم قد تفوق بعض العبادات أجراً..والتوازن مطلوب فلا تكن شمعةً تحترق لتُضيءَ لغيرك..وإنما كن نوراً في نفسك وقلبك ينعكس ضوءه حولَك..كما أنني أنبه هاهنا أن بعض من ابتلاه الله بمنكر أو تقصير في دينه وخلقه يمنعه ذلك من بذل النصح ولا ينهى عن المنكر وهذا زاد على تقصيره تقصيرٌ آخر فمن الذي يسلم من المعاصي ومع أمر المذنب بالتوبة لنفسه فإنه مأمورٌ أيضاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغيره(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) وبعضهم لا يأمر بطاعةٍ أو عبادة حتى يفعلها وقد يشقُّ على نفسه وهذا ليس لازماً وإن استطاع فأحسن..والدالُّ على الخير كفاعله نسأل الله عزَّ وجل أن يعفو عن تقصيرنا ويهديَ نفوسَنا ويزينَّا بزينة الإيمان وحسن الخلق ويجعلنا متعاونين على البرِّ والتقوى..ويوفق أولادنا بامتحاناتهم ويعليَ مراتبهم بالخير دنيا وآخرة ويصلح شأنهم ويكفيهم الشرورَ والفتن ماظهر منها وما بطن