الحمد لله شرحَ صدور العابدين،بطاعته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله،صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً..أما بعد فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إليه..
كلمة بتنا نسمعها مؤخراً من الناس توحي بملَلٍ وسآمةٍ،وتُشعِر بهمٍّ وغَمٍ من عيشتهم وحياتهم،والقلق من الوضع والخوف على الدين والقيم،نسمع ذلك في عصر حواسيب وطائرات وتعدّدِ وسائلَ للراحةِ لا تُحصر وهذا عجيب!!فبمقابلِها ازدادت الشكوى والأمراض النفسية،والقلقُ عند أناسٍ كثيرين، حتى سمَّى بعضُ المفكرين عَصْرَنا بعصر"القلق"فأعداد منتحري العالم يصل لثمانمائة ألف أكثرها بالدول الغنية وبالمناسبة السعودية الأقل عالمياً بحمد الله ونسبة القلق والاكتئاب تتجاوز 70 % بالعالم أكثره بالنساء فيا سبحان الله!أليست وسائل التطور كفيلة بإيجاد الراحة وانشراح الصدر؟!والجواب لا!!فالإنسانُ إذا أعرضَ عن أَمر ربه،فسيضيق صدرُه ولقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين أعظمَ الناس سعادةً،وأشرحَهم صدراً،مع أنه كان يمر شهران وثلاثة،وما أُوقِد في بيته نار!بيوت مَنْ هذه؟!إنها بيوتُ أَعظمِ رَجلٍ عرَفه التاريخُ!وليس هذا فحسب؛بل كان يَظَلُّ يومَه يتلوي ما يجد دَقَلاً [أي تمراً رديئاً]يملأُ به بطنَه ومات بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وما شَبِع من خبزٍ وزيت في يومٍ واحد مرتين.ومات عليه الصلاة والسلام ودوابُّه حمارٌ أو بَعير!مات لم يركب سيارة ولا طيارة،ولم يملك أرصدة فلكية في البنوك..لم يسكن قصرًا منيفاً، بل لم يعش عُشر ما نعيشه اليوم من رفاهية وراحة،ومن المقطوع به أنه أشرحُ صدراً وأطيب عيشاً ممن حصلوا الأموال وملكوا العقارات،وركبوا أفخمَ سيارات وطيارات،وسكنوا القصور،ولذلك امتنَّ الله عليه(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)إنه الإيمان والفأل بانتصار الإسلام،وتوثيقُ الصلةِ بالرحيم الرحمن،الذي لا سعادة ولا انشراح للعبد إلا بالقرب منه(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)نسأل الله أن يشرح صدورنا بطاعته ويحيينا الحياة الطيبة..
في عالم الأزمات،والمديونات في عالم مصادمات،ومصائب تصيب المسلمين،ومن أعظمها بعدٌ عن الله،وارتكابُ معاصي وذنوب،وتقصيرٌ في حق الله من ترك واجب أو فعل محرم،أو من مصيبةِ فقدِ عزيزٍ،أو خسارةِ مالٍ،أو من نَكَدٍ يجرُّه عقوقُ ولدٍ،أو تمرّدُ زوجة،أو قاطع لرحمه أو خلاف شريك،ومشاكسة جار،وغير ذلك من مصاعب حياةٍ ومصائبها وضوائقَ نفسيّةٍ بصدور الناس مما يحتاج معه فعلاً للمعرفة كيف انشراحُ الصدرِ الذي يبدأ أولاً من خلالِ دين الله وقبول أحكام الله وأقداره فبعضهم إذا سأل عن فتوى ثم جاءه جواب لا يريده ضاقت نفسه،وهذا مخالفٌ للإيمان،(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)فمعتقدُ الإيمانِ ومنطقُه بتحكيمِ شرع الله فإذا انشرحَتْ صدورُهم لأحكام الله آمنوا وأسلموا،انقيادٌ تامٌّ مطلَقٌ لشرع الله،وانشراحُ الصدرِ أيضاً عند المؤمنين في المصائب،فيلجأون إلى الله،ثمَّ يقولون إنا لله،فذكر نفسه بملك الله له،وإنا إليه راجعون،ذكر نفسه بالمرجع والمآب؛أي يوم القيامة وأن النهاية رحيلٌ عن الدنيا،فتهون عليهم المصيبة.
أيها المسلمون..لقد كان صلى الله عليه وسلم أشرحَ الخلْقِ صدرًا،وأطيبَهم نفسًا،وأنعمَهم قلبًا؛لِمَا جمَعَ اللهُ له من أسبابِ شرحِ الصدر مع ما آتاه من نبُوَّة ورساله عليه أكمل الصلاة وأتم السلام وهي تبدأ بالهدى والتوحيد(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) ويقول الله(أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)فلا يستوي هو ومن قسَا قلبُه بالبُعد عن الحقِّ والإعراضِ عن الهُدى،(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)فنورُ الإيمان يُضيءُ اللهُ به قلوبَ من شاءَ من عباده،فيشرحُ به صدورَهم،وتطيبُ له نفوسُهم،وتنعَمُ لأجله قلوبُهم.وكلما كانت المحبةُ لله ودينه أقوى كان انشراحُ الصدرِ وطيبُ النفسِ كذلك،وعلى العكسِ منها فمن أعرضَ عن الله تعالى،وتعلَّق بغيره؛فسيضيقُ صدره ولو استمتع وملك الدنيا فمن أحبَّ شيئًا غيرَ الله عُذِّبَ به، وسُجِنَ في محبَّته(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)
عباد الله..أولُ سبب لانشراح الصدور..توحيدُ الله تعالى: فبحسب كمال توحيد العبد وقوّته وزيادته يكون انشراحُ صدره،فالمؤمنُ كُلَّما ازدادَ عِلْمُه بتوحيدِ الله وربوبيته وماله من أسماء وصفات؛كان أكثرَ خوفاً من الله،وأشدَّ تعظيماً له،وآتاهُ الله نوراً بقلبه يُبصرُ به الشبهات فَيَدْحَضُها،ويتبين الشهواتِ فيدفعُها..ثم تأتي سنة محمد صلى الله عليه وسلم،تدلُّ على الخير كلّه ومما يشرَحُ الصدرَ محبةُ الله عز وجل بكل القلب والإنابةُ إليه،والإقبالُ عليه،والتنعُّمُ بعبادتِه،ولذلك قال(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)فلا شيءَ أشرحُ لصدر الإنسان من ذلك،وكلما ازداد العبدُ منها زاد أُنسه بالله،وانشرحَ صَدْرُه، وبضدِّ ذلك؛يُحصِّلُ ضيقَ صدرٍ وقلق وغفلةُ عن ذكر الله،ومحبةِ ما سواه،ولو كان غنياً يعيشُ الملذات ولذلك نراهم ينتحرون ضجراً ويضيقون بأنفسهم تبرُّماً،وكم شاهدنا من ذلك عِبَراً!هذا متعلّقٌ بحبيب أو شهوة!وآخر بمالٍ أوشبهةٍ!وثالثٌ بمنصب أو لهوة!حتى أثرت على دينهم،فكانت سبباً في شقوتهم..
إخوتي..إنَّ ذِكْرَ الله عز وجل:والصلاة مِن أعظمِ أسبابِ شرح الصدر، كيف لا! وخالق هذه الصدور هو العالمُ بما يُؤنسُها فيقول(أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب)فكم من همٍّ عظيم ينزاح إذا ذكرت ربّك سبحانه وصليت على نبينا صلى الله عليه وسلم ومن لم يَطمئنُّ قلبُه بالذكر،ولم يرتح لسماع الآيات والعظات؛فقلبُه قاسٍ مريض ولا شك،فليبادر لعلاجه في مشافي القرآن والسنة، وإلا(فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِين)والدعاء من أعظم العلاقات مع الله وهو أعظم العلاجات من الهموم والغموم ..
عباد الله..الإحسانُ إلى الخلق:ونَفْعُهم بما يَقدرُ عليه الإنسانُ مِن جاهٍ أو مالٍ أو بدَنٍ أو غيرها من أنواع الإحسان؛وسببٌ لشرحِ الصدور،ولا تكاد ترى كريماً مُحسناً إلا وهو منشرحُ الصدر،طيبُ البال،بعكس البخيل بماله أو جاهه أو غيرهما؛فله من نكد العيش وعِظَمِ الهمّ نصيبٌ وافر..قال صلى الله عليه وسلم(مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ؛ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلا يُنْفِقُ إِلا سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ, وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا, فَهُوَ يُوَسِّعُهَا ولا تَتَّسِعُ)متفق عليه
وكذلك تطهيرُ القلبِ من أمراضِه كالحسدِ والحقدِ والنفاقِ والشراسةِ،فإنها صفاتٌ إذا وُجدت في القلب لم يَكَد يَنتفع بما ذَكَرنا،ووجودُها منافٍ لكمال التوحيد،وبعيدٌ عن آثار العِلْم. وكذلك العفوُ عن الخَلْق..فإن الحقدَ غمَامةٌ سوداءُ تُضِلُّ القلبَ،وسحابةٌ كئيبة تُخيّمُ على الصدر،مؤذِنةٌ بالهمِّ والنكدِ،وإذا ما عَفَى الإنسانُ عن أخيه،وعمن أخطأَ عليْه؛رفعَه الله،وزاده عزّةً،وانشرحَ صدرُه،وأعرف من ذلك قصصاً بكوا من أَثرِ اِنقشاعِ غمامة البغض والخصومة:"وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً،وما تواضَع أحدٌ لله إلا رفعه"أحسن الظنِّ بالناس وابتعد عن إساءةِ الظنون وكُن قويَّ القلبِ،لا تستسلم للأوهام ولا تنفعلُ لها،ولا تنزعجُ من خيالاتٍ أو تستلم لها فستحدث لك الخوفَ من كلِّ شيء،والغضبَ من أتفه الأسباب،وتجعلك تتوقّع حدوثَ المكاره في كل حين،وتملأ قلبك بهمومٍ وغمومٍ وأمراضٍ قلبيةٍ وبدنيةٍ من التوهمات والشكوك وكثرة الغضب،وهذا كله يزول ويضمحل ويتلاشى إذا اعتمد القلبُ على الله،وتوكّل عليه،ولم يستسلم للأوهام والغفلة،وثِقْ باللهِ واطمعْ في فضله؛فتندفعُ عنك الشرور،وتزولُ عنك كثيرٌ من الأسقام،ويحصل للقلب سرور وانشراح لا يمكن التعبير عنه..والتفكير في هموم الماضي،وكثرة استذكار المصائب والتكدّرُ منها،والاسترسال في ذلك غمٌّ على غَمٍّ،فيتذكَّرُ الإنسانُ شخصاً ظلَمه،وآخرُ اعتدى عليه،أو مصيبةً حلَّت بِه!ولو فكّر المؤمنُ حقاً أن هذا كُلَّه لن يُغيرُ من القدرِ شيئاً؛ لأعرض عنه وتَركَه،ولهذا كان من أعظم مزايا عيش أولياء الله في الدنيا والآخرة أنهم(لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)فهم لا يخافون من المستقبل،ولا يحزنون على الماضي،ولقد كان صلى الله عليه وسلم يُكرِّرُ الاستعاذةَ بالله من الهَمِّ والحُزن،وأرشدَ أمّته بوصية عظيمة فقال: "احرص على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجز،وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل،لقد جمع طبيبُ القلوب صلى الله عليه وسلم بوصيةٍ قصيرةٍ عظيمةٍ بين الأمرِ بالحرصِ على الأمورِ النافعةِ بالدنيا،ثم يستعينُ بالله و لاينقادُ للعجز الذي هو الكسل الضار فهذا يُطَمْئِنُ العبد ويرضيه ويُسلّمُ له اللهم أصلح فساد قلوبنا، واشرح صدورنا، ونور أفئدتنا،ويسر أمورنا،واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا برحمتك يا أرحم الراحمين أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده...
أيها الإخوة المؤمنون..إنَّ وجود الهموم والأحزان طبيعي مما يعتري الإنسان ويجب عليه أن يعالجه بدفع أسبابه كما ذكرنا قبل قليل ولا مانع عند سيطرة الحزن والهم على الإنسان من البحث عن علاجاتٍ متيّسرةٍ طبية سخرها الله للإنسان فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواءً علمه من علمه وجهله من جهله كما في الحديث..اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين،ويسر أمور المسلمين،اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل بلاء عافية،اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد وعبادك الصالحين،اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشدا،اللهم ارحم المنكوبين والجوعى والمظلومين.
الاستغاثة
كلمة بتنا نسمعها مؤخراً من الناس توحي بملَلٍ وسآمةٍ،وتُشعِر بهمٍّ وغَمٍ من عيشتهم وحياتهم،والقلق من الوضع والخوف على الدين والقيم،نسمع ذلك في عصر حواسيب وطائرات وتعدّدِ وسائلَ للراحةِ لا تُحصر وهذا عجيب!!فبمقابلِها ازدادت الشكوى والأمراض النفسية،والقلقُ عند أناسٍ كثيرين، حتى سمَّى بعضُ المفكرين عَصْرَنا بعصر"القلق"فأعداد منتحري العالم يصل لثمانمائة ألف أكثرها بالدول الغنية وبالمناسبة السعودية الأقل عالمياً بحمد الله ونسبة القلق والاكتئاب تتجاوز 70 % بالعالم أكثره بالنساء فيا سبحان الله!أليست وسائل التطور كفيلة بإيجاد الراحة وانشراح الصدر؟!والجواب لا!!فالإنسانُ إذا أعرضَ عن أَمر ربه،فسيضيق صدرُه ولقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين أعظمَ الناس سعادةً،وأشرحَهم صدراً،مع أنه كان يمر شهران وثلاثة،وما أُوقِد في بيته نار!بيوت مَنْ هذه؟!إنها بيوتُ أَعظمِ رَجلٍ عرَفه التاريخُ!وليس هذا فحسب؛بل كان يَظَلُّ يومَه يتلوي ما يجد دَقَلاً [أي تمراً رديئاً]يملأُ به بطنَه ومات بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وما شَبِع من خبزٍ وزيت في يومٍ واحد مرتين.ومات عليه الصلاة والسلام ودوابُّه حمارٌ أو بَعير!مات لم يركب سيارة ولا طيارة،ولم يملك أرصدة فلكية في البنوك..لم يسكن قصرًا منيفاً، بل لم يعش عُشر ما نعيشه اليوم من رفاهية وراحة،ومن المقطوع به أنه أشرحُ صدراً وأطيب عيشاً ممن حصلوا الأموال وملكوا العقارات،وركبوا أفخمَ سيارات وطيارات،وسكنوا القصور،ولذلك امتنَّ الله عليه(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)إنه الإيمان والفأل بانتصار الإسلام،وتوثيقُ الصلةِ بالرحيم الرحمن،الذي لا سعادة ولا انشراح للعبد إلا بالقرب منه(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)نسأل الله أن يشرح صدورنا بطاعته ويحيينا الحياة الطيبة..
في عالم الأزمات،والمديونات في عالم مصادمات،ومصائب تصيب المسلمين،ومن أعظمها بعدٌ عن الله،وارتكابُ معاصي وذنوب،وتقصيرٌ في حق الله من ترك واجب أو فعل محرم،أو من مصيبةِ فقدِ عزيزٍ،أو خسارةِ مالٍ،أو من نَكَدٍ يجرُّه عقوقُ ولدٍ،أو تمرّدُ زوجة،أو قاطع لرحمه أو خلاف شريك،ومشاكسة جار،وغير ذلك من مصاعب حياةٍ ومصائبها وضوائقَ نفسيّةٍ بصدور الناس مما يحتاج معه فعلاً للمعرفة كيف انشراحُ الصدرِ الذي يبدأ أولاً من خلالِ دين الله وقبول أحكام الله وأقداره فبعضهم إذا سأل عن فتوى ثم جاءه جواب لا يريده ضاقت نفسه،وهذا مخالفٌ للإيمان،(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)فمعتقدُ الإيمانِ ومنطقُه بتحكيمِ شرع الله فإذا انشرحَتْ صدورُهم لأحكام الله آمنوا وأسلموا،انقيادٌ تامٌّ مطلَقٌ لشرع الله،وانشراحُ الصدرِ أيضاً عند المؤمنين في المصائب،فيلجأون إلى الله،ثمَّ يقولون إنا لله،فذكر نفسه بملك الله له،وإنا إليه راجعون،ذكر نفسه بالمرجع والمآب؛أي يوم القيامة وأن النهاية رحيلٌ عن الدنيا،فتهون عليهم المصيبة.
أيها المسلمون..لقد كان صلى الله عليه وسلم أشرحَ الخلْقِ صدرًا،وأطيبَهم نفسًا،وأنعمَهم قلبًا؛لِمَا جمَعَ اللهُ له من أسبابِ شرحِ الصدر مع ما آتاه من نبُوَّة ورساله عليه أكمل الصلاة وأتم السلام وهي تبدأ بالهدى والتوحيد(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) ويقول الله(أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)فلا يستوي هو ومن قسَا قلبُه بالبُعد عن الحقِّ والإعراضِ عن الهُدى،(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)فنورُ الإيمان يُضيءُ اللهُ به قلوبَ من شاءَ من عباده،فيشرحُ به صدورَهم،وتطيبُ له نفوسُهم،وتنعَمُ لأجله قلوبُهم.وكلما كانت المحبةُ لله ودينه أقوى كان انشراحُ الصدرِ وطيبُ النفسِ كذلك،وعلى العكسِ منها فمن أعرضَ عن الله تعالى،وتعلَّق بغيره؛فسيضيقُ صدره ولو استمتع وملك الدنيا فمن أحبَّ شيئًا غيرَ الله عُذِّبَ به، وسُجِنَ في محبَّته(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)
عباد الله..أولُ سبب لانشراح الصدور..توحيدُ الله تعالى: فبحسب كمال توحيد العبد وقوّته وزيادته يكون انشراحُ صدره،فالمؤمنُ كُلَّما ازدادَ عِلْمُه بتوحيدِ الله وربوبيته وماله من أسماء وصفات؛كان أكثرَ خوفاً من الله،وأشدَّ تعظيماً له،وآتاهُ الله نوراً بقلبه يُبصرُ به الشبهات فَيَدْحَضُها،ويتبين الشهواتِ فيدفعُها..ثم تأتي سنة محمد صلى الله عليه وسلم،تدلُّ على الخير كلّه ومما يشرَحُ الصدرَ محبةُ الله عز وجل بكل القلب والإنابةُ إليه،والإقبالُ عليه،والتنعُّمُ بعبادتِه،ولذلك قال(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)فلا شيءَ أشرحُ لصدر الإنسان من ذلك،وكلما ازداد العبدُ منها زاد أُنسه بالله،وانشرحَ صَدْرُه، وبضدِّ ذلك؛يُحصِّلُ ضيقَ صدرٍ وقلق وغفلةُ عن ذكر الله،ومحبةِ ما سواه،ولو كان غنياً يعيشُ الملذات ولذلك نراهم ينتحرون ضجراً ويضيقون بأنفسهم تبرُّماً،وكم شاهدنا من ذلك عِبَراً!هذا متعلّقٌ بحبيب أو شهوة!وآخر بمالٍ أوشبهةٍ!وثالثٌ بمنصب أو لهوة!حتى أثرت على دينهم،فكانت سبباً في شقوتهم..
إخوتي..إنَّ ذِكْرَ الله عز وجل:والصلاة مِن أعظمِ أسبابِ شرح الصدر، كيف لا! وخالق هذه الصدور هو العالمُ بما يُؤنسُها فيقول(أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب)فكم من همٍّ عظيم ينزاح إذا ذكرت ربّك سبحانه وصليت على نبينا صلى الله عليه وسلم ومن لم يَطمئنُّ قلبُه بالذكر،ولم يرتح لسماع الآيات والعظات؛فقلبُه قاسٍ مريض ولا شك،فليبادر لعلاجه في مشافي القرآن والسنة، وإلا(فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِين)والدعاء من أعظم العلاقات مع الله وهو أعظم العلاجات من الهموم والغموم ..
عباد الله..الإحسانُ إلى الخلق:ونَفْعُهم بما يَقدرُ عليه الإنسانُ مِن جاهٍ أو مالٍ أو بدَنٍ أو غيرها من أنواع الإحسان؛وسببٌ لشرحِ الصدور،ولا تكاد ترى كريماً مُحسناً إلا وهو منشرحُ الصدر،طيبُ البال،بعكس البخيل بماله أو جاهه أو غيرهما؛فله من نكد العيش وعِظَمِ الهمّ نصيبٌ وافر..قال صلى الله عليه وسلم(مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ؛ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلا يُنْفِقُ إِلا سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ, وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا, فَهُوَ يُوَسِّعُهَا ولا تَتَّسِعُ)متفق عليه
وكذلك تطهيرُ القلبِ من أمراضِه كالحسدِ والحقدِ والنفاقِ والشراسةِ،فإنها صفاتٌ إذا وُجدت في القلب لم يَكَد يَنتفع بما ذَكَرنا،ووجودُها منافٍ لكمال التوحيد،وبعيدٌ عن آثار العِلْم. وكذلك العفوُ عن الخَلْق..فإن الحقدَ غمَامةٌ سوداءُ تُضِلُّ القلبَ،وسحابةٌ كئيبة تُخيّمُ على الصدر،مؤذِنةٌ بالهمِّ والنكدِ،وإذا ما عَفَى الإنسانُ عن أخيه،وعمن أخطأَ عليْه؛رفعَه الله،وزاده عزّةً،وانشرحَ صدرُه،وأعرف من ذلك قصصاً بكوا من أَثرِ اِنقشاعِ غمامة البغض والخصومة:"وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً،وما تواضَع أحدٌ لله إلا رفعه"أحسن الظنِّ بالناس وابتعد عن إساءةِ الظنون وكُن قويَّ القلبِ،لا تستسلم للأوهام ولا تنفعلُ لها،ولا تنزعجُ من خيالاتٍ أو تستلم لها فستحدث لك الخوفَ من كلِّ شيء،والغضبَ من أتفه الأسباب،وتجعلك تتوقّع حدوثَ المكاره في كل حين،وتملأ قلبك بهمومٍ وغمومٍ وأمراضٍ قلبيةٍ وبدنيةٍ من التوهمات والشكوك وكثرة الغضب،وهذا كله يزول ويضمحل ويتلاشى إذا اعتمد القلبُ على الله،وتوكّل عليه،ولم يستسلم للأوهام والغفلة،وثِقْ باللهِ واطمعْ في فضله؛فتندفعُ عنك الشرور،وتزولُ عنك كثيرٌ من الأسقام،ويحصل للقلب سرور وانشراح لا يمكن التعبير عنه..والتفكير في هموم الماضي،وكثرة استذكار المصائب والتكدّرُ منها،والاسترسال في ذلك غمٌّ على غَمٍّ،فيتذكَّرُ الإنسانُ شخصاً ظلَمه،وآخرُ اعتدى عليه،أو مصيبةً حلَّت بِه!ولو فكّر المؤمنُ حقاً أن هذا كُلَّه لن يُغيرُ من القدرِ شيئاً؛ لأعرض عنه وتَركَه،ولهذا كان من أعظم مزايا عيش أولياء الله في الدنيا والآخرة أنهم(لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)فهم لا يخافون من المستقبل،ولا يحزنون على الماضي،ولقد كان صلى الله عليه وسلم يُكرِّرُ الاستعاذةَ بالله من الهَمِّ والحُزن،وأرشدَ أمّته بوصية عظيمة فقال: "احرص على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجز،وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل،لقد جمع طبيبُ القلوب صلى الله عليه وسلم بوصيةٍ قصيرةٍ عظيمةٍ بين الأمرِ بالحرصِ على الأمورِ النافعةِ بالدنيا،ثم يستعينُ بالله و لاينقادُ للعجز الذي هو الكسل الضار فهذا يُطَمْئِنُ العبد ويرضيه ويُسلّمُ له اللهم أصلح فساد قلوبنا، واشرح صدورنا، ونور أفئدتنا،ويسر أمورنا،واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا برحمتك يا أرحم الراحمين أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده...
أيها الإخوة المؤمنون..إنَّ وجود الهموم والأحزان طبيعي مما يعتري الإنسان ويجب عليه أن يعالجه بدفع أسبابه كما ذكرنا قبل قليل ولا مانع عند سيطرة الحزن والهم على الإنسان من البحث عن علاجاتٍ متيّسرةٍ طبية سخرها الله للإنسان فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواءً علمه من علمه وجهله من جهله كما في الحديث..اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين،ويسر أمور المسلمين،اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل بلاء عافية،اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد وعبادك الصالحين،اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشدا،اللهم ارحم المنكوبين والجوعى والمظلومين.
الاستغاثة