الحمد لله أمر عباده بالوسطية والاعتدال ونهاهم عن السرف والترف والإهمال،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد المتعال وأشهد أن محمد عبده ورسوله شريفِ الخِصال صلى الله وسلم عليه وعلى الصحب والآل.. أما بعد فاتقوا الله أيها المسلمون..
حديثنا اليوم عن التَرَفِ الذي هو مُجاوَزَةُ حَدِّ الاِعْتِدَالِ بِنِعْمَةٍ أَوْ الإِكْثَارِ مِنْ النِّعْمِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالمُتْرَفُ أَبْطَرْتُهُ النِّعْمَةُ وَسَعَةُ العَيْشِ وَأَلَّهْتْهُ عَنْ دين اللهِ,فَترَاهُ حَرِيصًا عَلَى التَّزَوُّدِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَايَحْتَاجُهُ وَيَسْعَى لِبُلُوغِ الغَايَةِ فِي مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَسْكَنٍ وَمَرَكَبٍ.ولَقَدْ أَخَذَ التَّرَفُ وَالتَّعَلُّقُ بِزِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَشَهْوَاتِهَا بِعُقُولِ بعضِ الناسِ وَاِسْتَحْوَذَ عَلَى عُقُولِهِمْ وعاداتهم اليومية لِدَرَجَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ عِيَاذًا بِاللهِ يَنْظُرُ لِتَعَالِيمِ الإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ أَنَّهَا تُفْسِدُ مُتْعَتْهُمْ وَبَهْجَتْهُمْ فَاِتَخَذُوا كِتَابَ رَبِّهِمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ وَرَاءَهَمْ ظِهريًا وَتَوَلَّوْا وَأَعْرَضُوا بَلْ وَصلَ الأَمَرَ بِبَعْضِهِمْ لِتَرْكِ الطَّاعَةِ وَمُبَارَزَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالمَعَاصِي..وَالأُمَّةُ الَّتِي تَغْرَقُ فِي التَّرَفِ,وَتُبْطِرُهَا الرَّفَاهِيَةُ,وتَسْعَى وَرَاءَ غَرَائِبِ اللَّذَّاتِ تَتَزَعْزَعُ أَخْلَاقُهَا,فتُذَوِّبُ قِيَمُهَا,وَتَنْسَلِخُ مَبَادِؤُهَا،وَتَنْسَى اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ,وتَدُبُّ فِيهَا عَوَامِلُ الاِنْهِيَارِ وَالخُلُودِ للتَّرَفِ وَالبَذَخِ وتنغمسُ فِي المَلَذَّاتِ مما يَجْعَلُها باِضْطِرَابٍ وَتَذَبْذُبٍ وَضَعْفٍ،وَيَزْدَادُ الشَّقَاءُ مَعَ الاِسْتِهَانَةِ بِالدَيْنِ وَرَدِّ تَعَالِيمِهِ وَأَحْكَامِهِ..التَّرَفُ دَاءٌ عُضَالٌ,وَمَرَضٌ مُهَلِكَ إِنْ اِسْتَشْرَى فِي أُمَّةٍ ذَهَبَ بِعِزِّهَا وَعَلَّقَهَا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا,إِذَا أَدْمَنْهُ شَخْصٌ كَانَ ضَعِيفًا وَاهِنًا..التَّرَفُ إِنْفَاقُ أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ فِي أُمُورٍ يَتَجَاوَزُ بِهَا المَرْءُ الحَدَّ المَعْقُولَ مِمَّا يُفْضِي لحَرَامٍ معَ كثْرَةِ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ ثُمَّ تَصْوِيرٌ وَتَفَاخَرٌ(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنَى)
التَّرَفُ إِخْوَتُي يُبَدِّدُ الأَمْوَالَ,وَيُضِيّعُ الهِمَّةَ وَالعَزِيمَةَ وَيُورِثُ العُجْبَ وَالغَفْلَةَ..وقد ذُكرَ بالقرآن بثمانيةِ مواضعٍ كلُّها في مقامِ الذمِّ لَه والتحذيرِ مِنهُ؛لأنَّهُ مُقْتَرنٌ غَالِباً بالتكْذِيّبِ بآياتِ اللهِ(وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)وأَصحابُ الشِّمالِ)إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ*وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ*وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)والمُترَفونُ بالقرآنِ حاربُوا دعواتِ الأنبياءِ فَنُوحٌ عليهِ السلام(قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)وبعد بِعْثَةِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم كان قومُه مكذبين(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا)وهكذا المترفون (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)وذَمَّ اللهُ التَّرَفَ والمُترَفين(حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ)وقال صلى الله عليه وسلم[فواللهِ ما الفَقْرَ أَخشَى عَليكم،ولكِنِّي أَخشَى عَليكم أنْ تُبسَط الدنيا كما بُسِطَت على من كان قبلَكم، فتنافَسُوها كما تنافَسُوها،وتُهلِكَكم كما أهلكَتْهم].. لقد مضَت سُنَّةُ اللهِ في المُترَفينَ أنْ يُهلِكَهم ويُذيقَهم العَذابَ،لأنَّهم كذَّبُوا رُسُلَ الله،وردُّوا دعوتهم(وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ*لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ نَهَتْ عَنْ التَّرَفِ وَحَذَّرَتْ مِنْ تَعَلُّقِ القَلْبِ بِهِ,وَمِنْ غِلُوِّ الإِنْسَانِ بالاِنْغِمَاسِ فِي مُتَعِ الحَيَاةِ وَمَلَذَّاتِهَا,وَتَحُثُّ عَلَى الاِنْصِرَافِ عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ فِي الدَّارَيْنِ..قَالَ عليه الصلاة والسلام"كُلُوا وَاِشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَاِلْبَسُوا مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مُخَيِّلَةً"رَوْاهُ اِبْنَ مَاجِه وَحَسَّنَه الأَلْبَانِي..
نشأ مُصعبُ بنُ عُميرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُتْرفاً,تَرَبَّى فِي رَّفاهيَةٍ وَنِعْمَةٍ,كَانَ فَتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجِمَالًا,وَكَانَتْ أُمُّهُ غنيّة, تَكْسُوهُ أَحْسَنَ الثِّيَابِ وَأَرَقَّهُا,وَكَانَ أعطرَ أَهْلِ مَكَّةَ أسلمَ رضيَ الله عنه وَلَمَا قُتِلَ فِي أُحُدٍ لَمْ يُوجد لَهُ شَيءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُردةٌ إِذَا وُضِعَتْ عَلى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ,وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَغَطَّوا بِهَا رَأْسَهُ, وَجعَلوُا عَلَى رِجْلَيْهِ الإذخِر..ثم قال صلى الله عليه وسلم والدموعُ تتحدّرُ من عينيه"لقد رأيتُك بمكَّةَ وما بها أَحدٌ أَرقَّ حُلَّةً ولا أَحسنَ لِمَّةً منك،وها أَنتَ شعْثُ الرأَس وقَرأَ قولَ الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)وهذا والله هو الفوز وليس المظاهر والترف..
الإغْرَاقُ في التَّرَفِ ومظَاهِرهِ يُورِثُ غُرورًا واسْتِعلاءً وظُلمًا وبَطشًا،ويجُرُّ لتكذيبِ الحَقِّ ورَفْضِ قُبولِه(وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)قد يَنسَى المُترَفُ فضلَ اللهَ وأَنَّهُ مُعطٍ مُتفضِّلٌ؛فَصاحِبُ الجنَّتينَ يقولُ لصاحبِه بكِبرٍ(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)نَسِيَ حالَ الدنيا ومَآلَها،وسُنَّةَ الله فيها(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا)بل نسِيَ القيامةَ والساعةَ وجزاءَ الله العاجِل(وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)قارونُ أُعطيَ كُنوزاً فطغى ونسيَ فضلَ اللهِ وقال(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) التَّرَفُ المُهلِكُ جعلَ فرعونَ يُؤلِّهُ نفسَه(يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)..
أَصْبَح التَّرَفُ عَادَةً لَدَى أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ مُحْتَاجِينَ وَمُكْتَفِينَ!!تَرَفٌ بِمَلْبَسٍ ومَأْكَلٍ وَمَنْزِلٍ وَمَرْكَبٍ وَأَعْرَاس وَكَثْرَةِ مُنَاسَبَاتِ!!تَكَلُّفٌ حَتَّى بِالعَزَاءِ فَمَا هَذَا عباد اللهِ؟..مَهْرَجَانَاتٌ مُتْرَفَةٌ تَكْثُرُ فِيهَا المُخَالَفَاتُ..كَثْرَةُ مطاعمٍ وبقالات وكماليات..وعدمُ اعتمادٍ على النفس بأقلِّ الحاجات..وَتَوْصِيلٌ دائمٌ لِلبُيُوتِ!!المَقَاهِي اِمْتَلَأَتْ بِهَا شَوَارِعِنَا وَعِنْدَ اِفْتِتَاحِهَا تَكْتظُّ بِأَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا فِي مُخَالَفَاتِ اِخْتِلَاطٍ وَتَبَرُّجٍ وسُفُورٍ وَغَلَاءِ أَسْعَارٍ وَتَوَسُّعٌ فِي المُبَاحَاتِ..يُقْلِقُ الآبَاءَ وَالمَسْؤُولِينَ وَالجِهَاتِ فَهَلْ هَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ?!إِنَّهُ تَرَفٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا شَكَّ وَعَادَاتٌ مَذْمُومَةٌ دِينًا لَا تُنَاسِبَ خُلْقًا وَلَا عَقْلًا..مَدْعُومَةٌ ومُسوّقَةٌ مِنْ مُرْتَزِقَةِ السّنَاب وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ أو دعايات قنوات الإعلام ممن يَقْبِضُونَ ثَمَنَ دِعَايَاتِهِمْ متلَاعِبِينَ بِعُقُولِ مُتَابِعِيهِمْ!!هَلْ نَنْتَظِرُ إِخْوَتَي التَّحْرِيمَ لِهَذِهِ المُمَارَسَاتِ كَيْ نَبْتَعِدَ عَنْ التَّرَفِ وَصَرْفِ الأَمْوَالِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ?فَكَيْفَ بِمُخَالَفَاتٍ مُحَرَّمَةٍ تُصَاحِبُ تِلْكَ المُمَارَسَاتِ وأسعارٍ عَالِيَة لِمَشْرُوبٍ أَوْ مَلْبَسٍ أَوْ لِمَرْكَبٍ أَوْ مُنَاسَبَةٌ وَاللهِ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (إِنَّ المُبَذِّرِينَ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينَ) فَاِتَّقَوْا اللهَ عُبَّادٌ اللهُ وَاُتْرُكُوا عَادَاتِ المُتْرَفِينَ فهُمْ والله سَبَبُ بَلَاءٍ وَعُقُوبَةٍ(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)..
مِنْ مَظَاهِرِ التَّرَفِ..تَعَلُّقٌ بالتوافِه,وَعَدَمُ حِرْصٍ عَلَى الطَّاعَةِ,توانِي عَما يُقَرِّبُ للآخِرَةِ,وَمَيْلٌ للدَّعَةِ والرَّاحَةِ, وَاِقْتِحَامُ سُبُلِ الشَّهَوَاتِ,وَعَدَمِ تَوَازُنٍ فِي الحَيَاةِ,تقليدٌ وتنافسٌ بائس,وَظُهُورُ عَجْزٍ وَكَسَلٍ فَيَكْثُرُ الفَقْرُ وَالإِسْرَافُ, وَيُنْهِكُ الاِقْتِصَادَ وَيُوجِدُ التَّضَخُّمَ وَيَضْعُفُ الإِنْتَاجُ وحَسَبَ الدِّرَاسَاتِ فإنَّ المُتْرَفِينَ يَعِيشُونَ فقط لِأَنْفُسِهمْ, وَلَايَحْفَظُونَ قَدْرَ أُمَّتِهِمْ وَحُقُوقَ مُجْتَمَعِهِمْ،لَا يُشَارِكُونَ فِي نَهْضَةٍ,وَلَا يُقَدِّمُونَ عَمَلًا يَرْقَى وَإِنْجَازًا يُنَمَّى. والتَّرَفُ إخوتي..يُورِّثُ جُبْنَاً,وَقِلَّةَ أَمَانَةٍ,وَبُخْلاً,وَإِمْسَاكِاً عَنْ البَذْلِ فِي وُجُوهِ الخَيْرِ وأَمْرَاضًا نَفْسِيَّةً..وَالمُتْرَفُ أَصْعبُ شَيْءٍ عَلَيْهِ بَذْلُ المَالِ زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً يَخْشَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ كَمَالِيَّاتِ حَيَاتِهِ,وَمُخَطَّطَاتِ مُسْتَقْبَلَه. وبعضُ المترفين يرى الصِّيَامَ والحجَّ عِبْأً ثَقِيْلاً يستكثرها ولا يرى مصاريف ترفه من سفرٍ وغيره..لَمْ يَقْتَصِرْ تُرَفُهُ عَلَى التَّقْصِيرِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ بَلْ هُوَ مُنْزَلِقٌ فِيما حَرُمَ عَلَيْهِ ليسْتَعَينَ بِمَالِ اللهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ يُحَقِّقُ رَغْبَتَهُ وَلَوْ أَضَرَّ بَدِينَهِ فَهُوَ يَشْتَرِي بِمَالِهِ مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا,فيَشْتَرِي بِمَالِهِ مَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا, وَيَشْتَرِي الحرامَ وَلَوْ أَذْهَبَ عَقْلَهَ وَقَضَى عَلَى مُرُوءْتِهِ,ولا يُقْدِّرون ما أنعم الله بهح، عليه..وَفِي هَؤُلَاءِ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ "رواه البخاري.
عباد الله..التَّرَفُ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِالغِنَى أو الفقر; فَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ شَاكِرٍ بَعِيدٍ عَنْ الإسراف والتَّرَفِ,وَمُتَرَفِّعٍ عَنْهُما, أَخَذَ المَالَ مِنْ حِلِّه,وَوَضَعَهُ فِي محِلِّه,قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نِعَمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلمَرءِ الصَّالِحِ. وَاللهِ جَمِيلُ يُحِبُّ الجَمَالَ وَيُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ.لكِنَّ العَجَبَ فَقِيرٌ يُمارسُ التَّرَفَ فَيَلْبَسُ غَيْرَ ثَوْبِهِ,وَيَشْتَرِيَ الأعلى مما لا يُناسبُ دخلَه!!وَيَتْصَرَّفُ كَالأَغْنِيَاءِ فِي أُمُورِ حَيَاتِهِ..فَيَضُرُّ نَفْسَهُ وَيُتْعِبُ حَالَهُ,وَيَتَحَمَّلُ أَعْبَاءً مَالِيَّةً, وَدُيُونًا ثَقِيلَةً فَيَكُونُ عَائِلًا مُسْتَكْبِرًا وَمَا أَكْثَرُهُمْ اليَوْمَ أَثْقَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِالدُّيُونِ وَيَتَسَوَّلُونَ الزَّكَاةَ وَبَعْضُهُمْ يَتَّخِذُ التَّرَفُ عَادَةً لَهُ وَلِأُسْرَتِهِ مَعَ الأَسَفِ!!( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)اللهم ارزقنا شكر نعمتك واجعلنا ممن يقدّرها..ويشكر فضلك واكفنا الفساد والسرف والترف والبطر يارب العالمين .. أقول ماتسمعون،،،،
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
يَا عَبْاد اللهِ من نساءٍ ورجال عَالَجَوا التَّرَفَ بِالتَّقْلِيلِ مِنْ مُتَعِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الذَّهَابُ يَوْمِيًّا لِلمَقَاهِي وَالمَطَاعِمِ أوتعدُّدُ الحَفَلَاتِ لِمُنَاسَبَةٍ وَاحِدَةٍ كما نراه اليوم وَلَا تُعَوِّدْ النَّفْسَ عَلَى الرَّاحَةِ والدَّعَة وَالبَذَخِ,وَتَقْصِيرِ الأَمَلِ تعرّفْوا عَلَى سِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ كَيْفَ تَرَكُوا بَعْضَ نَعِيمٍ يُصبَرُ عَلَيْهِ,مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ ثُمَّ شَارَكُوا الفُقَرَاءَ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى اِمْتِلَاكِ الدُّنْيَا كُلِّهَا أفلا نقتدي بهم؟! (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)هذا وصلوا وسلّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.....
حديثنا اليوم عن التَرَفِ الذي هو مُجاوَزَةُ حَدِّ الاِعْتِدَالِ بِنِعْمَةٍ أَوْ الإِكْثَارِ مِنْ النِّعْمِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالمُتْرَفُ أَبْطَرْتُهُ النِّعْمَةُ وَسَعَةُ العَيْشِ وَأَلَّهْتْهُ عَنْ دين اللهِ,فَترَاهُ حَرِيصًا عَلَى التَّزَوُّدِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَايَحْتَاجُهُ وَيَسْعَى لِبُلُوغِ الغَايَةِ فِي مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَسْكَنٍ وَمَرَكَبٍ.ولَقَدْ أَخَذَ التَّرَفُ وَالتَّعَلُّقُ بِزِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَشَهْوَاتِهَا بِعُقُولِ بعضِ الناسِ وَاِسْتَحْوَذَ عَلَى عُقُولِهِمْ وعاداتهم اليومية لِدَرَجَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ عِيَاذًا بِاللهِ يَنْظُرُ لِتَعَالِيمِ الإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ أَنَّهَا تُفْسِدُ مُتْعَتْهُمْ وَبَهْجَتْهُمْ فَاِتَخَذُوا كِتَابَ رَبِّهِمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ وَرَاءَهَمْ ظِهريًا وَتَوَلَّوْا وَأَعْرَضُوا بَلْ وَصلَ الأَمَرَ بِبَعْضِهِمْ لِتَرْكِ الطَّاعَةِ وَمُبَارَزَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالمَعَاصِي..وَالأُمَّةُ الَّتِي تَغْرَقُ فِي التَّرَفِ,وَتُبْطِرُهَا الرَّفَاهِيَةُ,وتَسْعَى وَرَاءَ غَرَائِبِ اللَّذَّاتِ تَتَزَعْزَعُ أَخْلَاقُهَا,فتُذَوِّبُ قِيَمُهَا,وَتَنْسَلِخُ مَبَادِؤُهَا،وَتَنْسَى اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ,وتَدُبُّ فِيهَا عَوَامِلُ الاِنْهِيَارِ وَالخُلُودِ للتَّرَفِ وَالبَذَخِ وتنغمسُ فِي المَلَذَّاتِ مما يَجْعَلُها باِضْطِرَابٍ وَتَذَبْذُبٍ وَضَعْفٍ،وَيَزْدَادُ الشَّقَاءُ مَعَ الاِسْتِهَانَةِ بِالدَيْنِ وَرَدِّ تَعَالِيمِهِ وَأَحْكَامِهِ..التَّرَفُ دَاءٌ عُضَالٌ,وَمَرَضٌ مُهَلِكَ إِنْ اِسْتَشْرَى فِي أُمَّةٍ ذَهَبَ بِعِزِّهَا وَعَلَّقَهَا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا,إِذَا أَدْمَنْهُ شَخْصٌ كَانَ ضَعِيفًا وَاهِنًا..التَّرَفُ إِنْفَاقُ أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ فِي أُمُورٍ يَتَجَاوَزُ بِهَا المَرْءُ الحَدَّ المَعْقُولَ مِمَّا يُفْضِي لحَرَامٍ معَ كثْرَةِ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ ثُمَّ تَصْوِيرٌ وَتَفَاخَرٌ(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنَى)
التَّرَفُ إِخْوَتُي يُبَدِّدُ الأَمْوَالَ,وَيُضِيّعُ الهِمَّةَ وَالعَزِيمَةَ وَيُورِثُ العُجْبَ وَالغَفْلَةَ..وقد ذُكرَ بالقرآن بثمانيةِ مواضعٍ كلُّها في مقامِ الذمِّ لَه والتحذيرِ مِنهُ؛لأنَّهُ مُقْتَرنٌ غَالِباً بالتكْذِيّبِ بآياتِ اللهِ(وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)وأَصحابُ الشِّمالِ)إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ*وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ*وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)والمُترَفونُ بالقرآنِ حاربُوا دعواتِ الأنبياءِ فَنُوحٌ عليهِ السلام(قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)وبعد بِعْثَةِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم كان قومُه مكذبين(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا)وهكذا المترفون (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)وذَمَّ اللهُ التَّرَفَ والمُترَفين(حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ)وقال صلى الله عليه وسلم[فواللهِ ما الفَقْرَ أَخشَى عَليكم،ولكِنِّي أَخشَى عَليكم أنْ تُبسَط الدنيا كما بُسِطَت على من كان قبلَكم، فتنافَسُوها كما تنافَسُوها،وتُهلِكَكم كما أهلكَتْهم].. لقد مضَت سُنَّةُ اللهِ في المُترَفينَ أنْ يُهلِكَهم ويُذيقَهم العَذابَ،لأنَّهم كذَّبُوا رُسُلَ الله،وردُّوا دعوتهم(وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ*لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ نَهَتْ عَنْ التَّرَفِ وَحَذَّرَتْ مِنْ تَعَلُّقِ القَلْبِ بِهِ,وَمِنْ غِلُوِّ الإِنْسَانِ بالاِنْغِمَاسِ فِي مُتَعِ الحَيَاةِ وَمَلَذَّاتِهَا,وَتَحُثُّ عَلَى الاِنْصِرَافِ عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ فِي الدَّارَيْنِ..قَالَ عليه الصلاة والسلام"كُلُوا وَاِشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَاِلْبَسُوا مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مُخَيِّلَةً"رَوْاهُ اِبْنَ مَاجِه وَحَسَّنَه الأَلْبَانِي..
نشأ مُصعبُ بنُ عُميرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُتْرفاً,تَرَبَّى فِي رَّفاهيَةٍ وَنِعْمَةٍ,كَانَ فَتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجِمَالًا,وَكَانَتْ أُمُّهُ غنيّة, تَكْسُوهُ أَحْسَنَ الثِّيَابِ وَأَرَقَّهُا,وَكَانَ أعطرَ أَهْلِ مَكَّةَ أسلمَ رضيَ الله عنه وَلَمَا قُتِلَ فِي أُحُدٍ لَمْ يُوجد لَهُ شَيءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُردةٌ إِذَا وُضِعَتْ عَلى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ,وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَغَطَّوا بِهَا رَأْسَهُ, وَجعَلوُا عَلَى رِجْلَيْهِ الإذخِر..ثم قال صلى الله عليه وسلم والدموعُ تتحدّرُ من عينيه"لقد رأيتُك بمكَّةَ وما بها أَحدٌ أَرقَّ حُلَّةً ولا أَحسنَ لِمَّةً منك،وها أَنتَ شعْثُ الرأَس وقَرأَ قولَ الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)وهذا والله هو الفوز وليس المظاهر والترف..
الإغْرَاقُ في التَّرَفِ ومظَاهِرهِ يُورِثُ غُرورًا واسْتِعلاءً وظُلمًا وبَطشًا،ويجُرُّ لتكذيبِ الحَقِّ ورَفْضِ قُبولِه(وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)قد يَنسَى المُترَفُ فضلَ اللهَ وأَنَّهُ مُعطٍ مُتفضِّلٌ؛فَصاحِبُ الجنَّتينَ يقولُ لصاحبِه بكِبرٍ(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)نَسِيَ حالَ الدنيا ومَآلَها،وسُنَّةَ الله فيها(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا)بل نسِيَ القيامةَ والساعةَ وجزاءَ الله العاجِل(وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)قارونُ أُعطيَ كُنوزاً فطغى ونسيَ فضلَ اللهِ وقال(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) التَّرَفُ المُهلِكُ جعلَ فرعونَ يُؤلِّهُ نفسَه(يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)..
أَصْبَح التَّرَفُ عَادَةً لَدَى أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ مُحْتَاجِينَ وَمُكْتَفِينَ!!تَرَفٌ بِمَلْبَسٍ ومَأْكَلٍ وَمَنْزِلٍ وَمَرْكَبٍ وَأَعْرَاس وَكَثْرَةِ مُنَاسَبَاتِ!!تَكَلُّفٌ حَتَّى بِالعَزَاءِ فَمَا هَذَا عباد اللهِ؟..مَهْرَجَانَاتٌ مُتْرَفَةٌ تَكْثُرُ فِيهَا المُخَالَفَاتُ..كَثْرَةُ مطاعمٍ وبقالات وكماليات..وعدمُ اعتمادٍ على النفس بأقلِّ الحاجات..وَتَوْصِيلٌ دائمٌ لِلبُيُوتِ!!المَقَاهِي اِمْتَلَأَتْ بِهَا شَوَارِعِنَا وَعِنْدَ اِفْتِتَاحِهَا تَكْتظُّ بِأَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا فِي مُخَالَفَاتِ اِخْتِلَاطٍ وَتَبَرُّجٍ وسُفُورٍ وَغَلَاءِ أَسْعَارٍ وَتَوَسُّعٌ فِي المُبَاحَاتِ..يُقْلِقُ الآبَاءَ وَالمَسْؤُولِينَ وَالجِهَاتِ فَهَلْ هَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ?!إِنَّهُ تَرَفٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا شَكَّ وَعَادَاتٌ مَذْمُومَةٌ دِينًا لَا تُنَاسِبَ خُلْقًا وَلَا عَقْلًا..مَدْعُومَةٌ ومُسوّقَةٌ مِنْ مُرْتَزِقَةِ السّنَاب وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ أو دعايات قنوات الإعلام ممن يَقْبِضُونَ ثَمَنَ دِعَايَاتِهِمْ متلَاعِبِينَ بِعُقُولِ مُتَابِعِيهِمْ!!هَلْ نَنْتَظِرُ إِخْوَتَي التَّحْرِيمَ لِهَذِهِ المُمَارَسَاتِ كَيْ نَبْتَعِدَ عَنْ التَّرَفِ وَصَرْفِ الأَمْوَالِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ?فَكَيْفَ بِمُخَالَفَاتٍ مُحَرَّمَةٍ تُصَاحِبُ تِلْكَ المُمَارَسَاتِ وأسعارٍ عَالِيَة لِمَشْرُوبٍ أَوْ مَلْبَسٍ أَوْ لِمَرْكَبٍ أَوْ مُنَاسَبَةٌ وَاللهِ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (إِنَّ المُبَذِّرِينَ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينَ) فَاِتَّقَوْا اللهَ عُبَّادٌ اللهُ وَاُتْرُكُوا عَادَاتِ المُتْرَفِينَ فهُمْ والله سَبَبُ بَلَاءٍ وَعُقُوبَةٍ(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)..
مِنْ مَظَاهِرِ التَّرَفِ..تَعَلُّقٌ بالتوافِه,وَعَدَمُ حِرْصٍ عَلَى الطَّاعَةِ,توانِي عَما يُقَرِّبُ للآخِرَةِ,وَمَيْلٌ للدَّعَةِ والرَّاحَةِ, وَاِقْتِحَامُ سُبُلِ الشَّهَوَاتِ,وَعَدَمِ تَوَازُنٍ فِي الحَيَاةِ,تقليدٌ وتنافسٌ بائس,وَظُهُورُ عَجْزٍ وَكَسَلٍ فَيَكْثُرُ الفَقْرُ وَالإِسْرَافُ, وَيُنْهِكُ الاِقْتِصَادَ وَيُوجِدُ التَّضَخُّمَ وَيَضْعُفُ الإِنْتَاجُ وحَسَبَ الدِّرَاسَاتِ فإنَّ المُتْرَفِينَ يَعِيشُونَ فقط لِأَنْفُسِهمْ, وَلَايَحْفَظُونَ قَدْرَ أُمَّتِهِمْ وَحُقُوقَ مُجْتَمَعِهِمْ،لَا يُشَارِكُونَ فِي نَهْضَةٍ,وَلَا يُقَدِّمُونَ عَمَلًا يَرْقَى وَإِنْجَازًا يُنَمَّى. والتَّرَفُ إخوتي..يُورِّثُ جُبْنَاً,وَقِلَّةَ أَمَانَةٍ,وَبُخْلاً,وَإِمْسَاكِاً عَنْ البَذْلِ فِي وُجُوهِ الخَيْرِ وأَمْرَاضًا نَفْسِيَّةً..وَالمُتْرَفُ أَصْعبُ شَيْءٍ عَلَيْهِ بَذْلُ المَالِ زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً يَخْشَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ كَمَالِيَّاتِ حَيَاتِهِ,وَمُخَطَّطَاتِ مُسْتَقْبَلَه. وبعضُ المترفين يرى الصِّيَامَ والحجَّ عِبْأً ثَقِيْلاً يستكثرها ولا يرى مصاريف ترفه من سفرٍ وغيره..لَمْ يَقْتَصِرْ تُرَفُهُ عَلَى التَّقْصِيرِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ بَلْ هُوَ مُنْزَلِقٌ فِيما حَرُمَ عَلَيْهِ ليسْتَعَينَ بِمَالِ اللهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ يُحَقِّقُ رَغْبَتَهُ وَلَوْ أَضَرَّ بَدِينَهِ فَهُوَ يَشْتَرِي بِمَالِهِ مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا,فيَشْتَرِي بِمَالِهِ مَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا, وَيَشْتَرِي الحرامَ وَلَوْ أَذْهَبَ عَقْلَهَ وَقَضَى عَلَى مُرُوءْتِهِ,ولا يُقْدِّرون ما أنعم الله بهح، عليه..وَفِي هَؤُلَاءِ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ "رواه البخاري.
عباد الله..التَّرَفُ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِالغِنَى أو الفقر; فَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ شَاكِرٍ بَعِيدٍ عَنْ الإسراف والتَّرَفِ,وَمُتَرَفِّعٍ عَنْهُما, أَخَذَ المَالَ مِنْ حِلِّه,وَوَضَعَهُ فِي محِلِّه,قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نِعَمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلمَرءِ الصَّالِحِ. وَاللهِ جَمِيلُ يُحِبُّ الجَمَالَ وَيُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ.لكِنَّ العَجَبَ فَقِيرٌ يُمارسُ التَّرَفَ فَيَلْبَسُ غَيْرَ ثَوْبِهِ,وَيَشْتَرِيَ الأعلى مما لا يُناسبُ دخلَه!!وَيَتْصَرَّفُ كَالأَغْنِيَاءِ فِي أُمُورِ حَيَاتِهِ..فَيَضُرُّ نَفْسَهُ وَيُتْعِبُ حَالَهُ,وَيَتَحَمَّلُ أَعْبَاءً مَالِيَّةً, وَدُيُونًا ثَقِيلَةً فَيَكُونُ عَائِلًا مُسْتَكْبِرًا وَمَا أَكْثَرُهُمْ اليَوْمَ أَثْقَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِالدُّيُونِ وَيَتَسَوَّلُونَ الزَّكَاةَ وَبَعْضُهُمْ يَتَّخِذُ التَّرَفُ عَادَةً لَهُ وَلِأُسْرَتِهِ مَعَ الأَسَفِ!!( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)اللهم ارزقنا شكر نعمتك واجعلنا ممن يقدّرها..ويشكر فضلك واكفنا الفساد والسرف والترف والبطر يارب العالمين .. أقول ماتسمعون،،،،
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
يَا عَبْاد اللهِ من نساءٍ ورجال عَالَجَوا التَّرَفَ بِالتَّقْلِيلِ مِنْ مُتَعِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الذَّهَابُ يَوْمِيًّا لِلمَقَاهِي وَالمَطَاعِمِ أوتعدُّدُ الحَفَلَاتِ لِمُنَاسَبَةٍ وَاحِدَةٍ كما نراه اليوم وَلَا تُعَوِّدْ النَّفْسَ عَلَى الرَّاحَةِ والدَّعَة وَالبَذَخِ,وَتَقْصِيرِ الأَمَلِ تعرّفْوا عَلَى سِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ كَيْفَ تَرَكُوا بَعْضَ نَعِيمٍ يُصبَرُ عَلَيْهِ,مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ ثُمَّ شَارَكُوا الفُقَرَاءَ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى اِمْتِلَاكِ الدُّنْيَا كُلِّهَا أفلا نقتدي بهم؟! (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)هذا وصلوا وسلّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.....