الحَمْدُ لله القَوِيِّ المَتِينِ ذِي العِزِّ وَالتَّمْكِينِ,لَا إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهِ لَا شَرِيكَ لَهُ الحَقُّ المُبِينُ,وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَه وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ,وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ,وَمِنْ تَبَعِهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ,وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا أَمَّا بَعْدُ..فَاِتَّقَوْا اللهَ عِبَادَ الهو وَتُوبُوا إِلَيْهِ واعلموا أنَّ طَبَائِعَ النُّفُوسِ وَأَخْلَاقِ النَّاسِ وَتَصَرُّفَاتُهِمْ بَلْ وَمَعَاشُهِمْ فِي كَسْبِهِمْ وَخَسَارَتُهِمْ تقفُ وَرَاءَه طَبِيعَةٌ هَامَّةٌ,وَخَصْلَةٌ شَرِيفَةٌ, وَخُلْقٌ رَفِيعٌ..إِنَّهَا عُلُوُّ الهِمَّةِ وَالعَزِيمَةِ..فَالنَّاسُ إِنَّمَا تَعْلُو أَقْدَارُهمْ وَتَحْسُنُ أَخْلَاقَهُمْ,وَتَرْتَفِعُ مَنَازِلُهُمْ بِحَسَبِ عُلُوِّ الهِمَّةِ,وَشَرَفِ المَقْصَدِ..فَمَنْ عَلَتْ هِمَّتُهُ اِتَّصَفَ بِكُلِّ جَمِيلٍ,وَمَنْ دَنَتْ هِمَّتُهُ اِتَّصَفَ بِالقبيحِ?وَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ تَرَضَى مِنْ الأَشْيَاءِ بأَعَلَاهَا كما النُفُوسُ الدَّنِيَّةُ تَحُومُ حَوْلَ الدناءاتِ..
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها
الهِمَّةُ العَالِيَةُ تَرْفَعُ القَوْمَ مِنْ سُقُوطٍ,فَتُبَدِّلُهُمْ بِالخُمُولِ نَبَاهَةً ورِفْعَةً,وَبِالاِضْطِهَادِ حُرِّيَّةً،وَبِالطَّاعَةِ العَمْيَاءِ شَجَاعَةً أَدَبِيَّةً,وتدعُوهم للمَعَالِي,وَالتَّرَفُّع عَنْ الدَّنَايَا,وَالصَّغَائِرِ,ومُحَقِّراتِ الأُمُورُ..
هُنَاكَ مَنْ ضَاعَتْ أَعْمَارُهُمْ وَذَهَبَتْ مَوَاهِبَهُمْ هَبَاءًا,وَتَحَوَّلَتْ قُدْرَاتُهُمْ غُثاءً وَأَصْبَحُوا عَلَى المُجْتَمَعِ عَالَةً لِضَعْفِ هِمَمِهم وَعَلَى النَّقِيضِ هُنَاكَ مَنْ يَمْلِكُ قُدْرَةً قَلِيلَةً وَمَوْهِبَةً بَسِيطَةً لَكُنَّ عُلُوَّ هِمَّتِهِ وَطُمُوحَهِ جَعْلَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ يُحْصِّلُ أَعْلَى المَرَاتِبِ وَيَتَّصِفُ بِأَحْسَنِ الصِفاتِ فيُقَدِّمُ لِدِينِهِ وَوَطَنِهِ وَمُجْتَمَعِهِ كُلَّ الخِدْمَاتِ..إِذَاً فَعُلُوُّ الهِمَّةِ مَطْلَبٌ لِلاِسْتِفَادَةِ مِنْ عُمْرِ الإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا وَنِيلِ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ فِي الأُخْرَى قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشرَافَهَا،وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا]رواهُ الطَبْرَانِي وحَسَّنهُ الألباني..والله يقول(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)ويقول(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً)ولما وَصَفَ الجَنَّةَ وعَملهَا المُؤْهِّل لها قال(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ)والنَّاسُ يختلفونَ فِي هِمَّمِهِمْ بل إنَّ ضَعْفَ الهِمَّةِ بَاتَ مُنْتَشِرًا فِي أَوْسَاطِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى رَأْيِنَاهَا تَقِفُ عِنْدَ السَّفَاسِفِ,وَعَزَائِمُهُم تَطْلُبُ أَسْرَعَ النَّتَائِجِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى حِسَابِ نَفْسِهِ وَدِيْنِهِ وَمَشَارِيعِ الخَيْرِ بِبَلَدِهِ,نَرَاهُمْ مُتَخَاذِلِينَ ضُعَفَاءَ عَنْ الحَقِّ وَنُصَّرَتْهِ مُنساقِينَ شَاؤُوا أَمْ أَبَوْا لنُصْرَةِ البَاطِلِ بِوَاقِعِهِمْ وَحُضُورِهِمْ وَمُشَارَكَتِهِمْ..بَعْضُهُمْ لَا يُبَالِيْ بدنيء الأَفْعَالِ وَالمَكْسَبِ مِنْ دُنُوِّ هِمَّتْهِ وَضَعَّفِ عَزِيمَتِهِ,مِنْهُمْ مِنْ قَعُدَتْ بِهِ هِمَّتُهُ،فَلَا يَتطَلَّعُ لشَرَفٍ أَوْ يَطمعُ إِلَى قِمَّةٍ ..
وَمَنْ يَتَهَيَّبْ صُعُودَ الْجِبَال *** يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الْحُفَرْ
بَعْضُهُمْ إِنْ حَرَّضْتَهُ عَلَى طَلَبِ عِلْمٍ وَدَعْوَةٍ وَنُصْحٍ لَمْ تَجِدْ أَمَامَكَ هِمَّةً عَالِيَةٍ,وَإِنْ وُجِدَ عَمَلٌ تَطَوُّعِيٌّ أَوْ خَيِّرِيٌّ بَخِلَ بِنَفْسِهُ وَجُهْدِهُ عَنْهُ والأسوء من يُثبطُ الناسَ عن الخير..هنا من لَوْ تَحُثُّهُ عَلَى تِجَارَةٍ رَابِحَةٍ,أَوْ عَلَى صِنَاعَةٍ,أَوْ عَلَى اِخْتِرَاعٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ,وَجَدَتَهُ قَاعِدَ الهِمَّةِ مُنْخَفِضًا,يُقَيِّدُ نَفْسَهُ بالكَسَلِ..نرى النبيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّ صحابتهَ لِلهِمَّةِ العَالِيَةِ فَيَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ[إِذَا سَأَلْتُمْ اللهَ الجَنَّةَ فَاِسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى]أي لا تطلبوا،الجَنَّةَ فَقَطْ وَإِنَّمَا أَفَضَّلَ مَا فِيهَا الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى,قَالَ:"فَإِنَّهُ أَعْلَى الجَنَّةِ,وَأَوْسَطِ الجَنَّةِ"نَسْأَلُ اللهَ لِنَّا وَلَكُمْ وَلِوَالِدِيكُمْ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى مِنْ الجَنَّةِ.وَلِمَا وَصَفَ اللهُ عُبَّادُ الرَّحْمَنِ بالفرقان(الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)ذكر دعاءهم وهمتهم(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)فَلَمْ يطلبوا أن يكونوا من المتقين,وَإِنَّمَا أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً لهم,يَقْتَدِي الناسُ بِهِمُ فِي دِينِهِمْ وَفِي إِصْلَاحِهِمْ وَبَذْلِهِمْ لِلخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ.. عُمْرُ بِن عَبْدِ العَزِيز يَقُولُ[إِنَّ لِي نَفْسًا تَواقَةً تَاقَتْ إِلَى الإِمَارَةِ فَنَالَتْهَا ثُمَّ تَاقَتْ إِلَى الخِلَافَةِ فَنُلْتهَا,ثُمَّ تَاقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الجَنَّةِ,وَأَرْجُو بِإِذْنِ الله تَعَالَى أَنْ أَنَالَهَا]وَعَبْد الله بِنْ عَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لَمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلٌّم وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغِ الحُلْمَ قَالَ لِغُلَامٍ مثله هَلُمَّ لِنُصْبِحَ عُلَمَاءَ!فَرْدَ عَلَيْهِ الغُلَامُ,وكيف تُصْبِحُ عَالَمًا وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعَمْر وَعُثمَانَ وَعَلَيّ,فَتَرَكَهُ لِيَتَعَلَّمَ صَنْعَةً وَمَضَى اِبْنُ عَبَّاسٍ فِي طَلَبِ العِلَمِ فَلَمْ يَبْلُغَ الثَّلَاثِينَ حَتَّى أَصْبَحَ حَبْرَ الأُمَّةِ وَتُرْجُمَانَ القُرْآنِ وَالكُلُّ يَسْأَلُهُ..وَرَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَطْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنٍ جَاءٍ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمُ اِتَّبَعُوا المُرْسِلِينَ..عَبْد الرَحْمَنِ السميط رَحِمَهُ الله رَجُلٌ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيّهِ أَكْثَرُ مِنْ أحد عشر مِلْيُونِ شَخْصٍ.. وأَغَاثَ النَّاسَ وَأَطْعَمَهُمْ وعالَجهم ولقد رأينا جمعياتٍ نشأت من خلالِ فِكْرةٍ وبرامج تطورت بهمِّةٍ عالية للفقراء وذوي الإعاقة والتطوع وحمايةِ البيّئْةِ والنظافة أصبحت بعد توفيق الله ثمَ بِعُلُوِّ الهمة صُرُوحاً ماثلةً ومشاريعَ قائمة،وكذلك مشاريع للدول والمؤسسات والمؤلفات بدأت بفكرةٍ ثم بهمةٍ فتحولت لعمل ورؤية..مخترعون مثقفون بدأوا بهمةٍ ونشاطٍ أخذوا أعلى الشهادات..وَكَمَا الهِمَّةُ العَالِيَةُ لِلَجْنَةٍ وَالعِلْمِ وَالعِبَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ أيضاً فِي الخُلْقِ الحَسَنِ وَالبِرِّ وَخِدْمَةِ المُجْتَمَعِ وَالوَطَنِ ويا ألله مَا أَكْثَرُ فُرَصِ الخير في الحياة تَحْتَاجُ فقط لهمةِ العمل بها والإقدام عليها لِمَنْ وَفْقَهُ اللهُ إليهَا قَدْ تَجِدُ مُعَاقَ الأَطْرَافِ يُنَافِسُ بِهِمَّتِهِ الأَصِحَّاءَ أَوْ كَبِيرَ السِنِّ رَجُلٌ أَو اِمْرَأَةٌ اِمْتَدَّ العُمَرُ بِهِمَّتِهِ العَالِيَةِ لِخِدْمَةِ أَهْلِهِ وَمُجْتَمَعَهِ إِذًا هِيَ هِمَّةٌ تَنْطَلِقُ مِنْكِ أَخِي فَبَادَرَ إِلَيْهَا!!
دبَبْتَ لِلْمَجْدِ والسَّاعُون قد بلَغُوا *** جَهْدَ النفوسِ وألقَوْا دونه الأُزُراَ
فكابَروا المجدَ حتَّى ملَّ أكثرُهم *** وعانق المجدَ مَن أوفَى ومَنْ صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمراً أنتَ آكلُهُ *** لن تبلغ المجدَ حتى تلْعَقَ الصَّـبِرا
إِذَا أَرَدْتِ أَنْ تَكُونَ هِمَّتُكَ عَالِيَةً فرافق أَصْحَابَ الهِمَمِ العَالِيَةِ,والمَرْءُ عَلَى دَيْنِ خَلِيلِهِ فَلِيَنْظُرَ أَحَدُكُمْ مِنْ يخالل,صاحبْ عَالِيَ الهِمَّةِ وَالطَّمُوحِ تصِيرُ مِثْلَهُ,وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ يَقُولُ عَمْر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ" إِنَّي لِأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ سبهللاً لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمَرَّ دِينُهُ وَلَا فِي أَمْرِ دُنْيَاهِ"..وأَوْصَى اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَلَاةُ وَالسَلَامُ(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)وَمِمَّا يَعين عَلَى علوِّ الهمةِ أن ننْبَرِيَ لِاِسْتِنْهَاضِ الهِمَمِ وَبَعَثِ العَزَائِمِ وَأَنْ نكُونَ سِبَاقَيْنِ لَمَّا يُصْلِحُ المُجْتَمَعُ ونبذِ السِّلْبِيَّةِ وَالعُزْلَةِ فَالإِسْلَامُ يَحُضُّ عَلَى عُلُوِّ الهِمَّةِ وَيَحُثُّنا على كسبها بالحديث(المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ المُؤْمِنِ الضَّعِيفُ وَفِي كُلِّ خَيْرٌ وَأَحْرِصُ عَلَى مَا يِنْفَعكِ وَاِسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تُعَجِّزَ)وَيِقُول جِلٌّ وَعُلَا(خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّةٍ)صِدْقُ العَقِيدَةِ وَوُضُوحَهَا وَطِيبَةُ القَلْبِ وَحُسْنِ الخُلْقِ تبين همةً عاليةَ لصاحبها تثمر قوة تَظْهَرُ فِي أَعْمَالِهِ كُلِّهَا فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ وَاثِقًا,وَإِذَا عَمَلَ كَانَ ثَابِتًا,وَإِذَا جَادْلَ كَانَ وَاضِحًا,وَإِذَا فَكْرَ كَانَ مُطْمَئِنًّا,حميدَ الخِصَالَ عزيزَ النفس وعفيفَ اليدِ واللسان وتعلو همَّتُه وتسَمُّو مكَانَتَهُ بقدرِ عزيمته على الخَلْقِ النَّبِيلِ.
والخلدُ في الدنيا وليس بهين عُليَا المراتبِ لم تُتَحْ لجبانِ
قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه[لا تَصْغُرَنَّ همَّتُكُم فإنِّي لم أرَ أقعدَ عن المكرماتِ من صغيرِ الهمم]علُّوُّ الهمةِ توفيقٌ من ربِّ العالمين فهي تُكْسَبُ بِالمُجَاهَدَةِ وَالمُمَارَسَةِ(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[إِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ, وَإِنَّمَا الحُلْمُ بالتحلُّم وَمَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرُ يُعْطِهُ وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرُّ يُوَقِّهُ]ومن أسبابِ علوِّ الهمة أن تكون طَبِيعَةُ الإِنْسَانِ مَجْبُولَةٌ عَلَى الرفعة فَلَا يَرْضَى بِالدُّونِ وَلَا يَقْنَعُ بِالقَلِيلِ وَلَا يَلَتفِّتُ لِلصَّغَائِرِ,ولِلوَالِدِينِ وَالمُجْتَمَعِ تَأْثِيرٌ فِي تربيةٍ صَحِيحَةٍ وَتَنْشِئَةِ الوَلَدِ عَلَى كْرِيمِ الخِلَالِ وَحَمِيدِ الخِصَالِ مَعَ تَجْنِيبِهِمْ مساوئِ الأَخْلَاقِ وَمَرْذُولِ الأَعْمَالِ فَهُنَاكَ مَنْ يُهمِلُهُمْ لِيَكُونُوا عَالَةً عَلَى أُسَرِهِمْ وَالمُجْتَمَعِ أما الأَسْوَأُ مِنْ يُرَبِّي وَلَدَاً تَكُونُ هِمَّتُهِ فِي مُخَالَفَةِ النِّظَامِ وَالإِسْرَافِ والمهايط وَالعَبَثِ وَالخَطَرِ يَظُنُّونَ ذَلِكَ رُجُولَةً..أليس لنا قدوة بتربيته الصحابة؟!لأَوْلَادِهُمْ؟!عَبْد الله بِنْ الزُّبَيْرُ كَانَ خَلْفَ وَالِدَه يُحَضِّرُهُ إِلَى المَعَارِكِ وَفِي المَحَافِلِ وَهُوَ صَغِيرٌ بَيْنَمَا أُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى آخَرَ حَيَاتِهِ تَحُثُّهُ أَنَ يَظَلَّ رَافِعَ الرَّأْسِ عَالِي الهِمَّةِ قَوّي العَزِيمَةَ تِلْكَ بَوَاعِثُ الهِمَّةِ وَمُهَيِّئَاتُ النُّبُوغِ وَفِي قِصَصِ التَّارِيخِ بَيَانُ ذَلِكَ..كما أنه دورٌ للمعلمين والمثقفين والرِّجالِ العُقلاءِ وكلّ المجتمع ممن يستحضر عظم المسؤوليةِ ويبتسمُ ببُعدِ النَّظْرَةِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ،وسِعَةِ الأُفْقِ وجّهُوهم التَّوْجيهَ السَّليمُ راعوا ميولَهم وللإعلامِ دورٌ كبير في توعيةِ النَّاس وإعلاء مناراتِ الهُدى ورفع ألويةِ الفضيلةِ وحمايةِ المجتمعاتِ من عواملِ الفسادِ والفتن..
إِنَّ قُوَّةَ العَزمِ وَعُلُوَّ الهِمَّةِ بالأَخْذِ بِالأَسْبَابِ عَلَى وَجْهِهَا مما يَجْعَلُ المُؤْمِنَ يَسْتَجْمِعُ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ غَايَاتِهِ ويبذلُ قُصَارَى جُهْدِهِ فِي بُلُوغِ مَآرِبِهِ غَيْرَ مُسْتَسْلِمٍ لِلحُظُوظِ.. اِسْتَعَنَّ بِاللهِ وَلَا تُعَجِّزُ فالتردُّدُ والاستسلام لليأس والهواجس وتغلِيبُ جوانب الرِّيْبِ والتشاؤم من ضعفِ الهِمَةِ فَالقُوَّةُ فِي الجَزْمِ وَالهِمَّةُ فِي الحَزْمِ,وَالأَخْذُ بِكُلِّ العَزْمِ.
ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محببُ
وأَعْظَمُ المَصَائِبِ الهَدَّامَةِ العَجزُ وَالكَسَلُ وَالجُبْنُ وَالبُخْلُ لأنها صُورٌ للضَّعْفِ وَالخَوْرِ يستعيذ منها دوماً نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[اَللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ آلِهِمْ وَالحُزْنِ وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الجُبْنِ وَالبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدِّينِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ]
فَاِتَّقَوْا اللهَ رَحِمُكُمْ اللهِ وَاِسْتَمْسَكُوا بِعُرَى دِينِكُمْ وَخُذُوا أَمْرَكُمْ بِقُوَّةٍ وَهِمَّةٍ عَالِيَةٍ, وَسِيرُوا فِي دَرْبِ الحَقِّ بِعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ. متوكلين عَلَى رَبِّكُمْ مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ تَكُونُوا مِنْ الرَّاشِدِينَ..أَقُولُ قُولِي هَذَا
الخطبة الثانية ..الحمد لهُ وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
وَهِمَّةُ المُؤْمِنِ أو نيّته خيرٌ مِنْ عَمَلِهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(مَنْ سَأَلَ اللّه تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَات عَلَى فِرَاشِهِ)رَوْاهُ مُسْلِمَ وبالحديث(إنما الدنيا لأربعة نفر:عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصِلُ فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل،وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته،فأجرهما سواء،وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبِط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا،فهذا بأخبث المنازل،وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء) رواه الترمذي وقال:حسن صحيح.
.وَمِنْ نَوَى العَمَلِ الصَّالِحِ بِهِمَّتِهِ نَالَ الأَجْرَ وَلَوْ لَمْ يَعْمَلُهُ فأصلحوا نياتكم إخوتي وأعلوا هممكم تنالوا الأجر وتصلوا للقمم بتوفيق الها نسأل الهق أن يعلي هممنا للخير ويوفقنا للبر والعمل الصالح..
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها
الهِمَّةُ العَالِيَةُ تَرْفَعُ القَوْمَ مِنْ سُقُوطٍ,فَتُبَدِّلُهُمْ بِالخُمُولِ نَبَاهَةً ورِفْعَةً,وَبِالاِضْطِهَادِ حُرِّيَّةً،وَبِالطَّاعَةِ العَمْيَاءِ شَجَاعَةً أَدَبِيَّةً,وتدعُوهم للمَعَالِي,وَالتَّرَفُّع عَنْ الدَّنَايَا,وَالصَّغَائِرِ,ومُحَقِّراتِ الأُمُورُ..
هُنَاكَ مَنْ ضَاعَتْ أَعْمَارُهُمْ وَذَهَبَتْ مَوَاهِبَهُمْ هَبَاءًا,وَتَحَوَّلَتْ قُدْرَاتُهُمْ غُثاءً وَأَصْبَحُوا عَلَى المُجْتَمَعِ عَالَةً لِضَعْفِ هِمَمِهم وَعَلَى النَّقِيضِ هُنَاكَ مَنْ يَمْلِكُ قُدْرَةً قَلِيلَةً وَمَوْهِبَةً بَسِيطَةً لَكُنَّ عُلُوَّ هِمَّتِهِ وَطُمُوحَهِ جَعْلَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ يُحْصِّلُ أَعْلَى المَرَاتِبِ وَيَتَّصِفُ بِأَحْسَنِ الصِفاتِ فيُقَدِّمُ لِدِينِهِ وَوَطَنِهِ وَمُجْتَمَعِهِ كُلَّ الخِدْمَاتِ..إِذَاً فَعُلُوُّ الهِمَّةِ مَطْلَبٌ لِلاِسْتِفَادَةِ مِنْ عُمْرِ الإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا وَنِيلِ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ فِي الأُخْرَى قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشرَافَهَا،وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا]رواهُ الطَبْرَانِي وحَسَّنهُ الألباني..والله يقول(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)ويقول(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً)ولما وَصَفَ الجَنَّةَ وعَملهَا المُؤْهِّل لها قال(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ)والنَّاسُ يختلفونَ فِي هِمَّمِهِمْ بل إنَّ ضَعْفَ الهِمَّةِ بَاتَ مُنْتَشِرًا فِي أَوْسَاطِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى رَأْيِنَاهَا تَقِفُ عِنْدَ السَّفَاسِفِ,وَعَزَائِمُهُم تَطْلُبُ أَسْرَعَ النَّتَائِجِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى حِسَابِ نَفْسِهِ وَدِيْنِهِ وَمَشَارِيعِ الخَيْرِ بِبَلَدِهِ,نَرَاهُمْ مُتَخَاذِلِينَ ضُعَفَاءَ عَنْ الحَقِّ وَنُصَّرَتْهِ مُنساقِينَ شَاؤُوا أَمْ أَبَوْا لنُصْرَةِ البَاطِلِ بِوَاقِعِهِمْ وَحُضُورِهِمْ وَمُشَارَكَتِهِمْ..بَعْضُهُمْ لَا يُبَالِيْ بدنيء الأَفْعَالِ وَالمَكْسَبِ مِنْ دُنُوِّ هِمَّتْهِ وَضَعَّفِ عَزِيمَتِهِ,مِنْهُمْ مِنْ قَعُدَتْ بِهِ هِمَّتُهُ،فَلَا يَتطَلَّعُ لشَرَفٍ أَوْ يَطمعُ إِلَى قِمَّةٍ ..
وَمَنْ يَتَهَيَّبْ صُعُودَ الْجِبَال *** يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الْحُفَرْ
بَعْضُهُمْ إِنْ حَرَّضْتَهُ عَلَى طَلَبِ عِلْمٍ وَدَعْوَةٍ وَنُصْحٍ لَمْ تَجِدْ أَمَامَكَ هِمَّةً عَالِيَةٍ,وَإِنْ وُجِدَ عَمَلٌ تَطَوُّعِيٌّ أَوْ خَيِّرِيٌّ بَخِلَ بِنَفْسِهُ وَجُهْدِهُ عَنْهُ والأسوء من يُثبطُ الناسَ عن الخير..هنا من لَوْ تَحُثُّهُ عَلَى تِجَارَةٍ رَابِحَةٍ,أَوْ عَلَى صِنَاعَةٍ,أَوْ عَلَى اِخْتِرَاعٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ,وَجَدَتَهُ قَاعِدَ الهِمَّةِ مُنْخَفِضًا,يُقَيِّدُ نَفْسَهُ بالكَسَلِ..نرى النبيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّ صحابتهَ لِلهِمَّةِ العَالِيَةِ فَيَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ[إِذَا سَأَلْتُمْ اللهَ الجَنَّةَ فَاِسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى]أي لا تطلبوا،الجَنَّةَ فَقَطْ وَإِنَّمَا أَفَضَّلَ مَا فِيهَا الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى,قَالَ:"فَإِنَّهُ أَعْلَى الجَنَّةِ,وَأَوْسَطِ الجَنَّةِ"نَسْأَلُ اللهَ لِنَّا وَلَكُمْ وَلِوَالِدِيكُمْ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى مِنْ الجَنَّةِ.وَلِمَا وَصَفَ اللهُ عُبَّادُ الرَّحْمَنِ بالفرقان(الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)ذكر دعاءهم وهمتهم(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)فَلَمْ يطلبوا أن يكونوا من المتقين,وَإِنَّمَا أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً لهم,يَقْتَدِي الناسُ بِهِمُ فِي دِينِهِمْ وَفِي إِصْلَاحِهِمْ وَبَذْلِهِمْ لِلخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ.. عُمْرُ بِن عَبْدِ العَزِيز يَقُولُ[إِنَّ لِي نَفْسًا تَواقَةً تَاقَتْ إِلَى الإِمَارَةِ فَنَالَتْهَا ثُمَّ تَاقَتْ إِلَى الخِلَافَةِ فَنُلْتهَا,ثُمَّ تَاقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الجَنَّةِ,وَأَرْجُو بِإِذْنِ الله تَعَالَى أَنْ أَنَالَهَا]وَعَبْد الله بِنْ عَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لَمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلٌّم وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغِ الحُلْمَ قَالَ لِغُلَامٍ مثله هَلُمَّ لِنُصْبِحَ عُلَمَاءَ!فَرْدَ عَلَيْهِ الغُلَامُ,وكيف تُصْبِحُ عَالَمًا وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعَمْر وَعُثمَانَ وَعَلَيّ,فَتَرَكَهُ لِيَتَعَلَّمَ صَنْعَةً وَمَضَى اِبْنُ عَبَّاسٍ فِي طَلَبِ العِلَمِ فَلَمْ يَبْلُغَ الثَّلَاثِينَ حَتَّى أَصْبَحَ حَبْرَ الأُمَّةِ وَتُرْجُمَانَ القُرْآنِ وَالكُلُّ يَسْأَلُهُ..وَرَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَطْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنٍ جَاءٍ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمُ اِتَّبَعُوا المُرْسِلِينَ..عَبْد الرَحْمَنِ السميط رَحِمَهُ الله رَجُلٌ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيّهِ أَكْثَرُ مِنْ أحد عشر مِلْيُونِ شَخْصٍ.. وأَغَاثَ النَّاسَ وَأَطْعَمَهُمْ وعالَجهم ولقد رأينا جمعياتٍ نشأت من خلالِ فِكْرةٍ وبرامج تطورت بهمِّةٍ عالية للفقراء وذوي الإعاقة والتطوع وحمايةِ البيّئْةِ والنظافة أصبحت بعد توفيق الله ثمَ بِعُلُوِّ الهمة صُرُوحاً ماثلةً ومشاريعَ قائمة،وكذلك مشاريع للدول والمؤسسات والمؤلفات بدأت بفكرةٍ ثم بهمةٍ فتحولت لعمل ورؤية..مخترعون مثقفون بدأوا بهمةٍ ونشاطٍ أخذوا أعلى الشهادات..وَكَمَا الهِمَّةُ العَالِيَةُ لِلَجْنَةٍ وَالعِلْمِ وَالعِبَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ أيضاً فِي الخُلْقِ الحَسَنِ وَالبِرِّ وَخِدْمَةِ المُجْتَمَعِ وَالوَطَنِ ويا ألله مَا أَكْثَرُ فُرَصِ الخير في الحياة تَحْتَاجُ فقط لهمةِ العمل بها والإقدام عليها لِمَنْ وَفْقَهُ اللهُ إليهَا قَدْ تَجِدُ مُعَاقَ الأَطْرَافِ يُنَافِسُ بِهِمَّتِهِ الأَصِحَّاءَ أَوْ كَبِيرَ السِنِّ رَجُلٌ أَو اِمْرَأَةٌ اِمْتَدَّ العُمَرُ بِهِمَّتِهِ العَالِيَةِ لِخِدْمَةِ أَهْلِهِ وَمُجْتَمَعَهِ إِذًا هِيَ هِمَّةٌ تَنْطَلِقُ مِنْكِ أَخِي فَبَادَرَ إِلَيْهَا!!
دبَبْتَ لِلْمَجْدِ والسَّاعُون قد بلَغُوا *** جَهْدَ النفوسِ وألقَوْا دونه الأُزُراَ
فكابَروا المجدَ حتَّى ملَّ أكثرُهم *** وعانق المجدَ مَن أوفَى ومَنْ صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمراً أنتَ آكلُهُ *** لن تبلغ المجدَ حتى تلْعَقَ الصَّـبِرا
إِذَا أَرَدْتِ أَنْ تَكُونَ هِمَّتُكَ عَالِيَةً فرافق أَصْحَابَ الهِمَمِ العَالِيَةِ,والمَرْءُ عَلَى دَيْنِ خَلِيلِهِ فَلِيَنْظُرَ أَحَدُكُمْ مِنْ يخالل,صاحبْ عَالِيَ الهِمَّةِ وَالطَّمُوحِ تصِيرُ مِثْلَهُ,وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ يَقُولُ عَمْر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ" إِنَّي لِأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ سبهللاً لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمَرَّ دِينُهُ وَلَا فِي أَمْرِ دُنْيَاهِ"..وأَوْصَى اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَلَاةُ وَالسَلَامُ(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)وَمِمَّا يَعين عَلَى علوِّ الهمةِ أن ننْبَرِيَ لِاِسْتِنْهَاضِ الهِمَمِ وَبَعَثِ العَزَائِمِ وَأَنْ نكُونَ سِبَاقَيْنِ لَمَّا يُصْلِحُ المُجْتَمَعُ ونبذِ السِّلْبِيَّةِ وَالعُزْلَةِ فَالإِسْلَامُ يَحُضُّ عَلَى عُلُوِّ الهِمَّةِ وَيَحُثُّنا على كسبها بالحديث(المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ المُؤْمِنِ الضَّعِيفُ وَفِي كُلِّ خَيْرٌ وَأَحْرِصُ عَلَى مَا يِنْفَعكِ وَاِسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تُعَجِّزَ)وَيِقُول جِلٌّ وَعُلَا(خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّةٍ)صِدْقُ العَقِيدَةِ وَوُضُوحَهَا وَطِيبَةُ القَلْبِ وَحُسْنِ الخُلْقِ تبين همةً عاليةَ لصاحبها تثمر قوة تَظْهَرُ فِي أَعْمَالِهِ كُلِّهَا فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ وَاثِقًا,وَإِذَا عَمَلَ كَانَ ثَابِتًا,وَإِذَا جَادْلَ كَانَ وَاضِحًا,وَإِذَا فَكْرَ كَانَ مُطْمَئِنًّا,حميدَ الخِصَالَ عزيزَ النفس وعفيفَ اليدِ واللسان وتعلو همَّتُه وتسَمُّو مكَانَتَهُ بقدرِ عزيمته على الخَلْقِ النَّبِيلِ.
والخلدُ في الدنيا وليس بهين عُليَا المراتبِ لم تُتَحْ لجبانِ
قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه[لا تَصْغُرَنَّ همَّتُكُم فإنِّي لم أرَ أقعدَ عن المكرماتِ من صغيرِ الهمم]علُّوُّ الهمةِ توفيقٌ من ربِّ العالمين فهي تُكْسَبُ بِالمُجَاهَدَةِ وَالمُمَارَسَةِ(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[إِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ, وَإِنَّمَا الحُلْمُ بالتحلُّم وَمَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرُ يُعْطِهُ وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرُّ يُوَقِّهُ]ومن أسبابِ علوِّ الهمة أن تكون طَبِيعَةُ الإِنْسَانِ مَجْبُولَةٌ عَلَى الرفعة فَلَا يَرْضَى بِالدُّونِ وَلَا يَقْنَعُ بِالقَلِيلِ وَلَا يَلَتفِّتُ لِلصَّغَائِرِ,ولِلوَالِدِينِ وَالمُجْتَمَعِ تَأْثِيرٌ فِي تربيةٍ صَحِيحَةٍ وَتَنْشِئَةِ الوَلَدِ عَلَى كْرِيمِ الخِلَالِ وَحَمِيدِ الخِصَالِ مَعَ تَجْنِيبِهِمْ مساوئِ الأَخْلَاقِ وَمَرْذُولِ الأَعْمَالِ فَهُنَاكَ مَنْ يُهمِلُهُمْ لِيَكُونُوا عَالَةً عَلَى أُسَرِهِمْ وَالمُجْتَمَعِ أما الأَسْوَأُ مِنْ يُرَبِّي وَلَدَاً تَكُونُ هِمَّتُهِ فِي مُخَالَفَةِ النِّظَامِ وَالإِسْرَافِ والمهايط وَالعَبَثِ وَالخَطَرِ يَظُنُّونَ ذَلِكَ رُجُولَةً..أليس لنا قدوة بتربيته الصحابة؟!لأَوْلَادِهُمْ؟!عَبْد الله بِنْ الزُّبَيْرُ كَانَ خَلْفَ وَالِدَه يُحَضِّرُهُ إِلَى المَعَارِكِ وَفِي المَحَافِلِ وَهُوَ صَغِيرٌ بَيْنَمَا أُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى آخَرَ حَيَاتِهِ تَحُثُّهُ أَنَ يَظَلَّ رَافِعَ الرَّأْسِ عَالِي الهِمَّةِ قَوّي العَزِيمَةَ تِلْكَ بَوَاعِثُ الهِمَّةِ وَمُهَيِّئَاتُ النُّبُوغِ وَفِي قِصَصِ التَّارِيخِ بَيَانُ ذَلِكَ..كما أنه دورٌ للمعلمين والمثقفين والرِّجالِ العُقلاءِ وكلّ المجتمع ممن يستحضر عظم المسؤوليةِ ويبتسمُ ببُعدِ النَّظْرَةِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ،وسِعَةِ الأُفْقِ وجّهُوهم التَّوْجيهَ السَّليمُ راعوا ميولَهم وللإعلامِ دورٌ كبير في توعيةِ النَّاس وإعلاء مناراتِ الهُدى ورفع ألويةِ الفضيلةِ وحمايةِ المجتمعاتِ من عواملِ الفسادِ والفتن..
إِنَّ قُوَّةَ العَزمِ وَعُلُوَّ الهِمَّةِ بالأَخْذِ بِالأَسْبَابِ عَلَى وَجْهِهَا مما يَجْعَلُ المُؤْمِنَ يَسْتَجْمِعُ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ غَايَاتِهِ ويبذلُ قُصَارَى جُهْدِهِ فِي بُلُوغِ مَآرِبِهِ غَيْرَ مُسْتَسْلِمٍ لِلحُظُوظِ.. اِسْتَعَنَّ بِاللهِ وَلَا تُعَجِّزُ فالتردُّدُ والاستسلام لليأس والهواجس وتغلِيبُ جوانب الرِّيْبِ والتشاؤم من ضعفِ الهِمَةِ فَالقُوَّةُ فِي الجَزْمِ وَالهِمَّةُ فِي الحَزْمِ,وَالأَخْذُ بِكُلِّ العَزْمِ.
ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محببُ
وأَعْظَمُ المَصَائِبِ الهَدَّامَةِ العَجزُ وَالكَسَلُ وَالجُبْنُ وَالبُخْلُ لأنها صُورٌ للضَّعْفِ وَالخَوْرِ يستعيذ منها دوماً نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[اَللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ آلِهِمْ وَالحُزْنِ وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الجُبْنِ وَالبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدِّينِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ]
فَاِتَّقَوْا اللهَ رَحِمُكُمْ اللهِ وَاِسْتَمْسَكُوا بِعُرَى دِينِكُمْ وَخُذُوا أَمْرَكُمْ بِقُوَّةٍ وَهِمَّةٍ عَالِيَةٍ, وَسِيرُوا فِي دَرْبِ الحَقِّ بِعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ. متوكلين عَلَى رَبِّكُمْ مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ تَكُونُوا مِنْ الرَّاشِدِينَ..أَقُولُ قُولِي هَذَا
الخطبة الثانية ..الحمد لهُ وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
وَهِمَّةُ المُؤْمِنِ أو نيّته خيرٌ مِنْ عَمَلِهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(مَنْ سَأَلَ اللّه تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَات عَلَى فِرَاشِهِ)رَوْاهُ مُسْلِمَ وبالحديث(إنما الدنيا لأربعة نفر:عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصِلُ فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل،وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته،فأجرهما سواء،وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبِط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا،فهذا بأخبث المنازل،وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء) رواه الترمذي وقال:حسن صحيح.
.وَمِنْ نَوَى العَمَلِ الصَّالِحِ بِهِمَّتِهِ نَالَ الأَجْرَ وَلَوْ لَمْ يَعْمَلُهُ فأصلحوا نياتكم إخوتي وأعلوا هممكم تنالوا الأجر وتصلوا للقمم بتوفيق الها نسأل الهق أن يعلي هممنا للخير ويوفقنا للبر والعمل الصالح..