• ×

07:35 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

أم الكتاب

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله سامع الأصوات باختلاف اللغات،وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الأسماء الحسنى والصفات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالآيات البينات،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي العلوم الزاهرات،وعلى أزواجه الطيبات الطاهرات،أمهات المؤمنين والمؤمنات وسلم تسليماً كثيراً.. أم بعد..
أيها الإخوة..المسلمون في أصقاع الأرض في كل يوم وليلة يصلون خمس صلوات فريضةً من الله غير النوافل،في كل ركعة منها قراءةُ خيرُ سورةٍ في القرآن،يحفظها جميع المسلمين بحمد الله..ألا وهي سورة الفاتحة امتدحها الله ورسوله لعظيم المعاني،وأُودعت أجزل وأخصر المباني..ومن أهميتها أن من ترك قراءتها بطلت صلاته وهي وجديرةٌ بالتعلّم والتدّبر،ومعرفة تفسيرِها،وفهم معانيها،ومن الخطأ أن يظلَّ المسلمُ يُردِّدُ سورةً عشرات المرات وهو لا يُحسن تفسيرها، ولا يدري ما لمراد منها رغم أنها ركنٌ للصلاة!!فما أسماؤها؟وما فضلها؟ثم ما معناها وتفسيرها؟.
فكتابُ الله افتُتح بها، ومن أسمائها أمُّ الكتاب، وأمُّ القرآن؛ وكذلك تسمى بالحمد، وتسمى بالصلاة، والشفاء، وبالرقية، وأساسِ القرآن،والكافية،والواقية.والسبع المثاني وقراءتها في الصلاة السرية واجبة وفي الجهرية مع الإمام على خلاف وهي رقيةٌ للمريض نفسيًا أو عضويًا تُغني عن الدواء بإذن الله كما ثبت في الصحيحين عن في قصة الرجل اللديغ حين قُرِئت عليه فقام كأن لم يكن به شيء؟
عباد الله..معرفةُ معاني الفاتحة وتفسيرها مطلوب..كيف لا وهي تقرأ في الصلوات والمناسبات..فتعالوا بنا نستلهم بعضًا من هدايات هذه السورة التي قال صلى الله عليه وسلم عنها (والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان ـ أي.. القرآن ـ مثلها، إنها السبع المثاني)رواه أحمد والترمذي قال ابن القيم في مدارج السالكين "أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب، جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع معاني القرآن في المفصل،وجمع معاني المفصل في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في قوله تعالى..(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)وبالحديث قال صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل..قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين،ولعبدي ما سأل،فإذا قال..(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)قال الله..حَمِدَنِي عبدي،وإذا قال..(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)،قال الله..أثنى علي عبدي، وإذا قال..(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)قال الله مجّدني عبدي، فإذا قال..(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)قال..هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل،فإذا قال..(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)قال الله..(هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)رواه مسلم وعن أبي سعيد بن المُعلَّى رضي الله عنه قال..كنت أصلي فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه حتى صليت..قال.. فأتيته، فقال.. "ما منعك أن تأتيني؟" قال قلت.. يا رسول الله! إني كنت أصلي، فقال -صلى الله عليه وسلم-.. "ألم يقل الله تعالى.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ) ثم قال.. "لأعلمنَّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد"قال..فأخذ بيدي،فلما أراد أن يخرج قلت..يا رسول الله!إنك قلتَ"لأعلمنك أعظم سورة في القرآن"!قال..نعم.."الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته".رواه البخاري
واعلموا إخوتي إن معرفة معاني فاتحة الكتاب وتدبر آياتها يعين على مدافعة الغفلة والسهو المفرط في الصلاة،مما يتشكّى منه بعض المصلين،وتدّبرها سببٌ للخشوعِ الذي هو روحُ الصلاة..
عباد الله..اختلف في البسملة بالفاتحة..(بسم الله الرحمن الرحيم)هل هي جزء من الفاتحة أم آية في القرآن لاتشملها الفاتحة وللعلماء في ذلك أقوال متعدّدة..وأما تفسير آياتها(الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ) معنى "الحمد" هو الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل فله، الحمد الكامل بجميع الوجوه..والحمد أوسع الصفات وأعمُّ المدائح وجميع أسماء الله تبارك وتعال حمْد وصفاته حمد وأحكامه حمد والخلق والأمر إنما قام ووُجد بحمده..فحمدُ الله روحُ كل شيء سبحانه وبحمده.."رب العالمين" الرب هو المربِّي جميع العالمين، وهم مَن سِوى الله، وتربيته لهم بخلقهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء. (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) "المالك" هو من المتصف بالملك يأمرُ وينهي،ويثيبُ ويعاقب،ويحي ويميت وجميع أنواع التصرفات وأضاف المُلك ليوم الدين وهو يوم القيامة يوم يُدان الناس بأعمالهم، أي يُجازون عليها؛ والسببُ في إضافة الملك ليوم الدين أن في ذلك اليوم يظهر للخلق كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأمراء.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، فتقديم كلمة إياك على نعبد وعلى نستعين يفيد الحصر واختصاص العبادة لله،فكأنه قال.. نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك وهذه الآية جمعت معاني التوحيد..(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي.. دلنا وأرشدنا ووفِّقنا للصراط المستقيم،وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته،والصراط المستقيم بمعرفةِ الحق والعمل به،وهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد،ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو به في كل ركعة من صلاته لضرورته(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم)في كل ركعة،ليجدِّد حاجته وافتقاره لمولاه أن يهديه،وطلب الهداية هنا يتضمن الهداية ممن هو قادر عليها،وهي بيده جل وعلا،إن شاء أعطاها عبدَه،وإن شاء منعه إياها،ولولا شدة حاجة المسلم عباد الله المتجددة يوميًا بل متجددة أثناء اليوم الواحد،لولا شدة حاجته للهداية وأنه عرضة للوقوع فيما وقع فيه الضلّال والخاطئون،ولولا أن ذلك خطرٌ قد يداهمه لَما فَرَضَ الله عليه أن يدعو ربه بهذا الدعاء،ولما اختار له مولاه أن يتضرع إليه في اليوم سبع عشرة مرة على الأقل..وهاهنا تأكيدٌ على أنَّ الهداية للصراط المستقيم ممن أنعم الله عليهم (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)وجماهيرُ علماء التفسير على أن المغضوب عليهم.. اليهود، والضالون.. النصارى،هذا في أم الكتاب الفاتحة تأكيد عبر التاريخ ووصف لهم يتكرر إلى يوم القيامة ولن يتغير مهما حصل وليرسخ في ذهن المسلم وعلمه بتكرار ووصف يتردد عنهم بالليل والنهار أنهم مغضوب عليهم وضالون كفار!!سأل عدي بن حاتم رضي الله عنه في قصة إسلامه،قال..رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)فقال..(اليهود)،(وَلا الضَّالِّينَ)قال..(النصارى هم الضالون)قال ابن كثير رحمه تعالى.."وكلٌ من اليهود والنصارى ضالٌ مغضوبٌ عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب لأن الله تعالى قال عنهم..(مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ)وقوله عنهم..(وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ)وقوله..(وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)وأخص أوصاف النصارى الضلال،كما قال الله تعالى عنهم..(قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)هذه الآية محكمة في وصفهم لايعطلها ويغيرها تاريخ ولا ضعف أو قوة هكذا حكم الله عليهم ووصفهم ومن انهزم في فكره ودينه وفهمه للقرآن يحرفه كما يشاء فيوالي ويعادي حسب مصالحه ولا حول ولا قوة إلا بالله..واعلم -أخي المسلم- أنك إذا قرأت الآيات الأخيرة من الفاتحة فقد دعوت الله بدعاء عظيم، فلذلك ناسب أن يقول الإمام والمأموم بعده آمين. يعني.. اللهم استجب وبالحديث قال صلى الله عليه وسلم(إذا أمّن الإمام فأمّنوا فإنه مَنْ وافقه تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه)رواه البخاري ..( حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
عندما تبدأ في صلاتك فتذكَّر أنك أمام الله تبارك وتعالى، لذا فألزم نفسك بالخشوع، وأجبرها على التذلل والخضوع،وسمِّ الله معلناً أنك مستعينٌ به على قراءتك وعلى أداء صلاتك، ثم اشرع في تلاوة السورة الكريمة ذات الآيات العظيمة.
تذكر نعم الله عليك،تذكر أن الله قد أنعم عليك بنِعَم لا تحصى،فنعمة الإسلام،ونعمة الصحة،ونعمة الطعام والشراب،والخير العظيم.
تذكر أقواماً يئنُّون على فرشهم في المستشفيات وأنت في صحة وعافية، وتذكر عدداً من البيوت تعيش أياماً حزينة مليئة بالبكاء والنحيب لفقد أم أو أب أو ولد في سن الصبا أو في ريعان الشباب، تذكر مساجين ومساكين أهلكتهم الحروب،ثم عبّر عن شكرك على نعمة الله،وأطلقْها كلمة عظيمة..(الحمد لله رب العالمين).ثم أثنِ على ربك بقولك..(الرحمن الرحيم)،ومجّده -سبحانه-وقل..(مالك يوم الدين)واعترف بالعبودية والذل والضعف بقولك.. (إياك نعبد وإياك نستعين). ثم ادع بالهداية التامة قائلاً..(اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)..وإذا استشعرت هذه المعاني شعرت بحلاوة القرآن، ولذة العبادة، وأحسست بنعيم الخشوع،ورفعة الخضوع، ووالله إن ذلك لمن أعظم المطالب..وأم الكتاب اشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة، وهم المغضوب عليهم والضالون، أمرنا بقراءتها في كل ركعة من الصلاة فرضاً أو نافلة، فلنحرص على فهم معانيها وتدبرها والعمل بها دوماً وهي على قصرها حَوَتْ معانيَ القرآن،واشتملت على مقاصده بالإجمال،تناولت أصولَ الدينِ وفروعهِ،وتناولت العقيدة والعبادة والتشريع، والاعتقاد الجازم باليوم الآخر، وإفراد الله -عز وجل- بالعبادة،والاستعانة به،وطلب الهداية منه..اللهم اهدنا للحق والصراط المستقيم واكفنا شرَّ المغضوب عليهم والضالين أجمعين يا أرحم الراحمين..




 0  0  583

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.