الحمد لله أعز المسلم بإسلامه،وجعل الكرامة بالتقوى لعباده،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى..
واحدٌ من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم الكرام تجسَّد فيه الإسلام بعظمته،وتجلى فيه بمساواته فهو قبْلَ دين الله لم يكن شيئاً مذكوراً بل كان مَتاعاً مهملاً،بالإسلامِ ارتفعَ اسمُه،وبالإيمانِ عَلا في العالمين ذكرُه،مئاتُ ملايين من المسلمين يعرفون اسمَه كما يعرفون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي..صحابيٌّ جليل أحبه الله ورسولهُ صلى الله عليه وسلم،إنه سيّدُنا بلال من رباح الذي أعتقه سيدنا أبو بكر كما يحلو لعمر بن الخطاب قولَ ذلك رضي الله عنهم أجمعين..بلالٌ رضي الله عنه،صوت نتذكره بالآذان،وُلدَ مولىً وأُخذ لمكة،عاش فيها عبداً ذليلاً،راعياً لأجل لقيمات،سمع بدعوةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم للإسلام،فأحبه،وشهدَ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،انتشرَ إسلامُه فغضبَ منه أسيادُه،ممن عاشوا الكِبْرَ والغرور فسيدهُ أميةُ بنُ خلف حبسه وأذاقَه أليمَ العذاب ليتركَ دينَه فأبى،ضربوه،قيدوه بالحبال،جروه من قدميه والصخرُ على ظهره ألقوْه في الصحراء بِحَرِّ الظهيرة،ليعود للكفر،فأبى،وقالها كلمةً خالدة أبدية،أحدٌ أحد،ضربوه بالسياط فتمزّقَ جلدُه وهو يقول..أحدٌ أحد..بإرادةٍ عالية وتلك معجزة الإيمان إذا تمكَّنَ في القلبِ..ورقَّ بعضُهم لحاله فقالوا نُخلي سبيلكَ وتذكرُ آلهتَنا بخير ولو بكلمة واحدة،فيقولُ لهم بإصرار المؤمن[لساني لا يُحسن ذلك]ويمرُّ أبو بكر رضي الله عنه أمامَ بلالٍ وهو يُعذّب،فقال لأميَّةَ بن خلف..أشتريه منك،فقال..خذه ولو بعشرة دنانير،قال أبو بكر.. والله لو قلتَ مائة ألف دينار لاشتريته منك،فاشتراه وأعتقه لوجه الله فأنزل الله قوله..(وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ)أعتقه الصديق فذهبَ به لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُمزَّقَ الثيابِ يتساقطُ دمُه ولحمُه من شدة التعذيب،فأخذه واحتضنه،فصار بلالٌ سابعَ سبعةٍ في الإسلام..ثم كانَ أوَّلَ المهاجرين للمدينة وعيّنه صلى الله عليه وسلم أوَّلَ مؤذنٍ في التاريخ،فانتشر ذكرُه في الآفاق منذ أذانه إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.كان قبْلَ الإسلام عبداً رقيقاً راعياً على حفناتٍ من التمر،لكن الإسلام الذي آمن به أعطاهُ مكانةً فاقت مكانةَ وذكرَ كثيرٍ من عليةِ البشر وذوي الجاه..عيّنَه صلى الله عليه وسلم مؤذناً للصلاة كأهمِ شعيرةٍ في الإسلام ليَرْكزَ في سَمْعِ الناسِ وعقلهِم خاصةً العرب مبدأَ السواسية ونبذَ العصبيةِ..
أيها المسلمون..بلالٌ رضي الله عنه كلما سمعَ مدحاً وثناءً يَحني رأسهَ ويغضُّ طرْفَه ويقول..إنما أنا حبشي كنتُ بالأمسِ عبداً واليوم مؤذناً..يأتيه أحدهم فيقول له..أنت أفضلُ من أبي بكرٍ فيقول له مُؤنِّباً..كيف تُفضِّلُني عليه وأنا حسنةٌ من حسناته!!إذا حانَ وقتُ الصلاة قام بلال يهتف..الله أكبر الله أكبر،فتنتفضُ أجسادُ المؤمنين من صوته،وكلما أهمَّه صلى الله عليه وسلم أمرٌ،نادى(يا بلال أرحنا بها)فيُؤِّذنُ للصلاة،يأتي رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم بماءِ الوُضوء ويأخذ حذاءَه ويرى ذلكَ شرفاً عظيماً عظيم فيحّبهُ صلى الله عليه وسلم ويُدنيه منه،ذاتَ يومٍ بعدَ صلاة الصبح قال عليه الصلاة والسلام لبلال يُبشّرُه..(حَدثني بأرجى عملٍ عملتَه في الإسلام فإني سمعت دُفَّ نَعْلَيْكَ بين يديَّ في الجنة)فيقولُ(يا رسول الله ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهرْ طَهوراً في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ إلا صليتُ ركعتين)متفقٌ عليه لاحظ لم يتفق ملايين لكنها ركعتان فقط بإخلاص بعد وضوء تؤدي للجنة نسأل الله من فضله!! وكّلَه صلى الله عليه وسلم مرةً بحراسةِ الجيشِ والإيقاظِ للصلاةِ فنامَ الجيش وبلالٌ يسهرُ فتعبَ ونامَ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائمٌ مع الجيش حتى طلعت الشمس وكانَ أولَ منَ استيقظ بعد طلوع الشمس أبو بكر ثم عمر رضي الله عنه فيقول صلى الله عليه وسلم لبلال(ما أيقظتَنا)،قال..يا رسول الله أَخذَ بعيني الذي أخذ بعينك، فتبسَّمَ صلى الله عليه وسلم ثم أمره أن يؤذن بعد طلوع الشمس وصلَّى بأصحابه..
يُعيِّرُه مرةً أبو ذر رضي الله فيقول..يا ابن السوداء! فيخبرُ بلالٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الذي غضب كثيراً فقال..(أعيّرتَه بأمِّه؟إنك امرؤٌ فيكَ جاهلية)فيضعُ أبو ذرٍ خده في الأرض ويطلبُ من بلال أن يطأه ليزيلَ عنه رواسب الجاهلية فعفى عنه. فأينَ..أينَ اليومَ أناسٌ من بيننا يتحدَّثُون في مجالسهم ويُعيِّرون الناس بقبائلهم وأصولهم وألوانهم وضعفهم إنهم أناسٌ فيهم جاهلية..
ثم تمضِي الأيامُ والمؤذنُ الأوَّلُ بلالٌ يزدادُ رفعةً ومحبةً عنده صلى الله عليه وسلم الذي،يُصلِّي العيدَ فيتكئُ على بلال ويذهبُ فيخطبُ في النساء.وعندَ فتحِ مكة،يدخلُها صلى الله عليه وسلم مُنتصراً فيهدمُ الأصنامَ المحيطةَ بالكعبة وعند صلاة الظهر يجلسُ الناسُ أمامَ الكعبة فنادى عليه الصلاة والسلام بلالاً وقال..(اصعدِ الكعبةَ وأذَّن)فيقومُ مَنْ كان يُعذَّبُ سابقاً في مكة،ويُلقي الصخر على ظهره،وأمام صناديد قريش،ممن شارك بتعذيبه ليعتليَ بيتَ الله بأقدامِه ثم يهتفُ بالآذان،أين أبو جهل؟!أين أبو لهب؟وأميةُ بن خلف؟!إنهم في النار! وهم ذو الحسب والنسب وصعدَ بلالٌ الحبشي واستوى على الكعبة،فلما أذَّنَ بلالٌ بَكَى الناس،وبَكَى مَعهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تذكَّروا المعاناةَ،والأيامَ العصيبة،تذكَّروا فضلَ الله عليهم وإنعامَه بهذا النصر المبين..ولما رجع الصحابُة بعد الفتحِ للمدينة تمضي الأيام ويموتُ صلى الله عليه وسلم،يموتُ الإمامُ فيحزنُ عليه المؤذن حُزناً شديداً،حتى أظلمت الدنيا في عينه،أمات رسول الله؟نعم،لكنَّ دينَه حيٌّ،وعلى المؤذن أن يستكملَ الطريق،ومع بزوغ فجر وفاته صلى الله عليه وسلم قام بلالٌ ليؤذن،الله أكبر الله أكبر،فينظرُ للمحراب فيجدْه خالياً من الإمام،فكيف يستطيعُ أن يُكملَ أذانـه؟فيتحاملُ على نفسه حتى قال.. أشهد أن محمداً،فبكَى بكاءً شديداً،وبكَى الناس جميعاً في بيوتهم في المدينة،محبةً وفقداً لرسول الله وهل يلامون؟!!بكى المؤذن،فلم يستطع أن يُكمل فنـزلَ ورمَى بجسمه على الأرض،فسأله الصحابة لما رأوه..مالك يا بلال،قال..لا أؤذن، أتاه أبو بكر فقال..مالك يا بلال،قال..لا أؤذنُ لأحدٍ بعدَه صلى الله عليه وسلم..
بنتُم وبنّا فمـا ابتلت جوانحنا شـوقاً إليكـم ولا جفـت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنـا يقضـي علينا الأسى لولا تأسّينـا
إن كان قد عزّ في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
ثمَّ يأتي بلالٌ لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال له..إني سمعتُه صلى الله عليه وسلم يقول..(أفضل عملُ المؤمنِ الجهادُ في سبيل الله)وإني أريد الرباطَ في سبيل الله حتى الموت.قال أبو بكر..بل أريدك معي بالمدينة،فقال بلال..أأعتقتني لله أو لنفسِك؟قال أبو بكر..بل لله،قال..فائذن لي في الغزو،فأذن له،فذهب للشام والتحق هناك بجيوش المسلمين.ونذرَ نفسَه للجهاد،ويُعلِّمُ الناسَ دينَهم..ثم تأتي خلافة عمر وبلالٌ ما يزالُ مرابطاً في الشام مع جيوش المسلمين،فيأتي الفاروقُ عُمر رضي الله عنه خليفة المسلمين ليستلمَ مفاتيحَ بيت المقدس،فيدخلها ويجتمع الصحابة فيقول عمرٌ لبلال..أسألك بالله يا بلال أن تؤذن لنا،فقام بلالٌ الشيخ الكبير يتحاملُ على جسمه،وارتفع صوته بالأذان،فإذا بصوت عمر رضي الله عنه يُسابقه بالبكاء،ثم بكى الصحابةُ،وارتجَّ المسجد الأقصى بالبكاء فقد ذكّرهم معنىً عظيماً وتاريخاً ومُعلِّمَاً وقائداً أحبَّوْه حُباً جماً..وبينما هو نائم ذات يوم،إذ به يرى حبيبَه ونبيَّه صلى الله عليه وسلم في المنام،رآه ببشاشته يعاتبه..هجْرتَنا يا بلال،فاستيقظَ وسطَ الليل وتوضَّأَ وصلَّى ركعتين ثم أسرجَ راحلته،فيسافرُ للمدينة ليزورَ مسجدَه صلى الله عليه وسلم،وَصَلَ إليها ليلاً فوجدَ الناسَ نياماً فأتى الروضةَ الشريفةَ بالمسجد،ثم توجَّهَ لقبره صلى الله عليه وسلم فسلَّم وبكى،فحان أذانُ الفجر،فتأخّرَ المؤذن قليلاً،فصعد بلالٌ المنارةَ وأذنَ للصلاة الله أكبر..الله أكبر،حتى إذا وصل إلى محمد رسول الله انفجر بالبكاء،وقام الناسُ في المدينة على صوتِ بلالٍ لا يُصدّقون نعم إنه بلال بن رباح،فأخذوا يبكون معه ثم عادَ بعد ذلك إلى الشام وهناك أتته المنية رضي الله عنه،ولما حضرتْه الوفاة كان يقول..غداً نلقى الأحبة،محمداً وصحبه..اشتياقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه..فرضي الله عنه وأرضاه فهو السيد الحرُّ المؤمن المجاهد عاش بضعاً وستين سنة،وإن سوادَ بَشرتهِ وتواضعَ حسبهِ وهوانَهُ على الناس كعبدٍ رقيق لم يمنْعه حين رضيَ بالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً أن يتبوأَ المكانَ الأرفعَ والمقامَ الأسمى،ماتَ رضي الله عنه سنة عشرين من الهجرة،في بلادِ الشامِ مُرابطاً في سبيل الله كما أراد(يأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةًفَٱدْخُلِى فِى عِبَادِىوَٱدْخُلِى جَنَّتِى)اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..أقول.
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
الأذان عبادة عظيمة وهو على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة،فأوله الله أكبر المتضمن لوجود الله وكماله وعظمته وفيه الشهادتان التي لا يدخل العبد بالإسلام إلا بهما وفيه الدعوة لأعظم العبادات البدنية وفيه ذكر الفلاح المتضمن إثبات المعاد والجنة والنار.
وشرع الله الأذان والإقامة للجماعات في السفر والحضر وجمهور أهل العلم على أن الأذان والإقامة من فروض الكفايات لجماعة الرجال في السفر والحضر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فعن مالك بن الحويرث قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا فلما أردنا السفر قال..ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم..
والآذان طردٌ للشيطان وداعٍ للرحمن وأعد الله للمؤذنين أجراً عظيماً فهم كما في الحديث أطولُ الناس أعناقاً يوم القيامة وإذا أذَّنَ المؤذن يشهدُ له بالخير كل من سمعه من بشرٍ وحجرٍ وشجرٍ فلا تفرطوا بالأجر إخوتي خاصة إذا خرجتم للبراري..ويجب على المؤذن تحسين صوته بالآذان وليس المقصود هنا المدود الزائدة والتلحين الزائد..ويشرع إجابة المؤذن فإذا انتهى يقول بعد الصلاة على النبي اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وكذلك بعد الآذان من مواطن إجابة الدعاء ..
[/font][/size][/justify]واحدٌ من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم الكرام تجسَّد فيه الإسلام بعظمته،وتجلى فيه بمساواته فهو قبْلَ دين الله لم يكن شيئاً مذكوراً بل كان مَتاعاً مهملاً،بالإسلامِ ارتفعَ اسمُه،وبالإيمانِ عَلا في العالمين ذكرُه،مئاتُ ملايين من المسلمين يعرفون اسمَه كما يعرفون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي..صحابيٌّ جليل أحبه الله ورسولهُ صلى الله عليه وسلم،إنه سيّدُنا بلال من رباح الذي أعتقه سيدنا أبو بكر كما يحلو لعمر بن الخطاب قولَ ذلك رضي الله عنهم أجمعين..بلالٌ رضي الله عنه،صوت نتذكره بالآذان،وُلدَ مولىً وأُخذ لمكة،عاش فيها عبداً ذليلاً،راعياً لأجل لقيمات،سمع بدعوةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم للإسلام،فأحبه،وشهدَ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،انتشرَ إسلامُه فغضبَ منه أسيادُه،ممن عاشوا الكِبْرَ والغرور فسيدهُ أميةُ بنُ خلف حبسه وأذاقَه أليمَ العذاب ليتركَ دينَه فأبى،ضربوه،قيدوه بالحبال،جروه من قدميه والصخرُ على ظهره ألقوْه في الصحراء بِحَرِّ الظهيرة،ليعود للكفر،فأبى،وقالها كلمةً خالدة أبدية،أحدٌ أحد،ضربوه بالسياط فتمزّقَ جلدُه وهو يقول..أحدٌ أحد..بإرادةٍ عالية وتلك معجزة الإيمان إذا تمكَّنَ في القلبِ..ورقَّ بعضُهم لحاله فقالوا نُخلي سبيلكَ وتذكرُ آلهتَنا بخير ولو بكلمة واحدة،فيقولُ لهم بإصرار المؤمن[لساني لا يُحسن ذلك]ويمرُّ أبو بكر رضي الله عنه أمامَ بلالٍ وهو يُعذّب،فقال لأميَّةَ بن خلف..أشتريه منك،فقال..خذه ولو بعشرة دنانير،قال أبو بكر.. والله لو قلتَ مائة ألف دينار لاشتريته منك،فاشتراه وأعتقه لوجه الله فأنزل الله قوله..(وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ)أعتقه الصديق فذهبَ به لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُمزَّقَ الثيابِ يتساقطُ دمُه ولحمُه من شدة التعذيب،فأخذه واحتضنه،فصار بلالٌ سابعَ سبعةٍ في الإسلام..ثم كانَ أوَّلَ المهاجرين للمدينة وعيّنه صلى الله عليه وسلم أوَّلَ مؤذنٍ في التاريخ،فانتشر ذكرُه في الآفاق منذ أذانه إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.كان قبْلَ الإسلام عبداً رقيقاً راعياً على حفناتٍ من التمر،لكن الإسلام الذي آمن به أعطاهُ مكانةً فاقت مكانةَ وذكرَ كثيرٍ من عليةِ البشر وذوي الجاه..عيّنَه صلى الله عليه وسلم مؤذناً للصلاة كأهمِ شعيرةٍ في الإسلام ليَرْكزَ في سَمْعِ الناسِ وعقلهِم خاصةً العرب مبدأَ السواسية ونبذَ العصبيةِ..
أيها المسلمون..بلالٌ رضي الله عنه كلما سمعَ مدحاً وثناءً يَحني رأسهَ ويغضُّ طرْفَه ويقول..إنما أنا حبشي كنتُ بالأمسِ عبداً واليوم مؤذناً..يأتيه أحدهم فيقول له..أنت أفضلُ من أبي بكرٍ فيقول له مُؤنِّباً..كيف تُفضِّلُني عليه وأنا حسنةٌ من حسناته!!إذا حانَ وقتُ الصلاة قام بلال يهتف..الله أكبر الله أكبر،فتنتفضُ أجسادُ المؤمنين من صوته،وكلما أهمَّه صلى الله عليه وسلم أمرٌ،نادى(يا بلال أرحنا بها)فيُؤِّذنُ للصلاة،يأتي رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم بماءِ الوُضوء ويأخذ حذاءَه ويرى ذلكَ شرفاً عظيماً عظيم فيحّبهُ صلى الله عليه وسلم ويُدنيه منه،ذاتَ يومٍ بعدَ صلاة الصبح قال عليه الصلاة والسلام لبلال يُبشّرُه..(حَدثني بأرجى عملٍ عملتَه في الإسلام فإني سمعت دُفَّ نَعْلَيْكَ بين يديَّ في الجنة)فيقولُ(يا رسول الله ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهرْ طَهوراً في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ إلا صليتُ ركعتين)متفقٌ عليه لاحظ لم يتفق ملايين لكنها ركعتان فقط بإخلاص بعد وضوء تؤدي للجنة نسأل الله من فضله!! وكّلَه صلى الله عليه وسلم مرةً بحراسةِ الجيشِ والإيقاظِ للصلاةِ فنامَ الجيش وبلالٌ يسهرُ فتعبَ ونامَ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائمٌ مع الجيش حتى طلعت الشمس وكانَ أولَ منَ استيقظ بعد طلوع الشمس أبو بكر ثم عمر رضي الله عنه فيقول صلى الله عليه وسلم لبلال(ما أيقظتَنا)،قال..يا رسول الله أَخذَ بعيني الذي أخذ بعينك، فتبسَّمَ صلى الله عليه وسلم ثم أمره أن يؤذن بعد طلوع الشمس وصلَّى بأصحابه..
يُعيِّرُه مرةً أبو ذر رضي الله فيقول..يا ابن السوداء! فيخبرُ بلالٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الذي غضب كثيراً فقال..(أعيّرتَه بأمِّه؟إنك امرؤٌ فيكَ جاهلية)فيضعُ أبو ذرٍ خده في الأرض ويطلبُ من بلال أن يطأه ليزيلَ عنه رواسب الجاهلية فعفى عنه. فأينَ..أينَ اليومَ أناسٌ من بيننا يتحدَّثُون في مجالسهم ويُعيِّرون الناس بقبائلهم وأصولهم وألوانهم وضعفهم إنهم أناسٌ فيهم جاهلية..
ثم تمضِي الأيامُ والمؤذنُ الأوَّلُ بلالٌ يزدادُ رفعةً ومحبةً عنده صلى الله عليه وسلم الذي،يُصلِّي العيدَ فيتكئُ على بلال ويذهبُ فيخطبُ في النساء.وعندَ فتحِ مكة،يدخلُها صلى الله عليه وسلم مُنتصراً فيهدمُ الأصنامَ المحيطةَ بالكعبة وعند صلاة الظهر يجلسُ الناسُ أمامَ الكعبة فنادى عليه الصلاة والسلام بلالاً وقال..(اصعدِ الكعبةَ وأذَّن)فيقومُ مَنْ كان يُعذَّبُ سابقاً في مكة،ويُلقي الصخر على ظهره،وأمام صناديد قريش،ممن شارك بتعذيبه ليعتليَ بيتَ الله بأقدامِه ثم يهتفُ بالآذان،أين أبو جهل؟!أين أبو لهب؟وأميةُ بن خلف؟!إنهم في النار! وهم ذو الحسب والنسب وصعدَ بلالٌ الحبشي واستوى على الكعبة،فلما أذَّنَ بلالٌ بَكَى الناس،وبَكَى مَعهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تذكَّروا المعاناةَ،والأيامَ العصيبة،تذكَّروا فضلَ الله عليهم وإنعامَه بهذا النصر المبين..ولما رجع الصحابُة بعد الفتحِ للمدينة تمضي الأيام ويموتُ صلى الله عليه وسلم،يموتُ الإمامُ فيحزنُ عليه المؤذن حُزناً شديداً،حتى أظلمت الدنيا في عينه،أمات رسول الله؟نعم،لكنَّ دينَه حيٌّ،وعلى المؤذن أن يستكملَ الطريق،ومع بزوغ فجر وفاته صلى الله عليه وسلم قام بلالٌ ليؤذن،الله أكبر الله أكبر،فينظرُ للمحراب فيجدْه خالياً من الإمام،فكيف يستطيعُ أن يُكملَ أذانـه؟فيتحاملُ على نفسه حتى قال.. أشهد أن محمداً،فبكَى بكاءً شديداً،وبكَى الناس جميعاً في بيوتهم في المدينة،محبةً وفقداً لرسول الله وهل يلامون؟!!بكى المؤذن،فلم يستطع أن يُكمل فنـزلَ ورمَى بجسمه على الأرض،فسأله الصحابة لما رأوه..مالك يا بلال،قال..لا أؤذن، أتاه أبو بكر فقال..مالك يا بلال،قال..لا أؤذنُ لأحدٍ بعدَه صلى الله عليه وسلم..
بنتُم وبنّا فمـا ابتلت جوانحنا شـوقاً إليكـم ولا جفـت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنـا يقضـي علينا الأسى لولا تأسّينـا
إن كان قد عزّ في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
ثمَّ يأتي بلالٌ لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال له..إني سمعتُه صلى الله عليه وسلم يقول..(أفضل عملُ المؤمنِ الجهادُ في سبيل الله)وإني أريد الرباطَ في سبيل الله حتى الموت.قال أبو بكر..بل أريدك معي بالمدينة،فقال بلال..أأعتقتني لله أو لنفسِك؟قال أبو بكر..بل لله،قال..فائذن لي في الغزو،فأذن له،فذهب للشام والتحق هناك بجيوش المسلمين.ونذرَ نفسَه للجهاد،ويُعلِّمُ الناسَ دينَهم..ثم تأتي خلافة عمر وبلالٌ ما يزالُ مرابطاً في الشام مع جيوش المسلمين،فيأتي الفاروقُ عُمر رضي الله عنه خليفة المسلمين ليستلمَ مفاتيحَ بيت المقدس،فيدخلها ويجتمع الصحابة فيقول عمرٌ لبلال..أسألك بالله يا بلال أن تؤذن لنا،فقام بلالٌ الشيخ الكبير يتحاملُ على جسمه،وارتفع صوته بالأذان،فإذا بصوت عمر رضي الله عنه يُسابقه بالبكاء،ثم بكى الصحابةُ،وارتجَّ المسجد الأقصى بالبكاء فقد ذكّرهم معنىً عظيماً وتاريخاً ومُعلِّمَاً وقائداً أحبَّوْه حُباً جماً..وبينما هو نائم ذات يوم،إذ به يرى حبيبَه ونبيَّه صلى الله عليه وسلم في المنام،رآه ببشاشته يعاتبه..هجْرتَنا يا بلال،فاستيقظَ وسطَ الليل وتوضَّأَ وصلَّى ركعتين ثم أسرجَ راحلته،فيسافرُ للمدينة ليزورَ مسجدَه صلى الله عليه وسلم،وَصَلَ إليها ليلاً فوجدَ الناسَ نياماً فأتى الروضةَ الشريفةَ بالمسجد،ثم توجَّهَ لقبره صلى الله عليه وسلم فسلَّم وبكى،فحان أذانُ الفجر،فتأخّرَ المؤذن قليلاً،فصعد بلالٌ المنارةَ وأذنَ للصلاة الله أكبر..الله أكبر،حتى إذا وصل إلى محمد رسول الله انفجر بالبكاء،وقام الناسُ في المدينة على صوتِ بلالٍ لا يُصدّقون نعم إنه بلال بن رباح،فأخذوا يبكون معه ثم عادَ بعد ذلك إلى الشام وهناك أتته المنية رضي الله عنه،ولما حضرتْه الوفاة كان يقول..غداً نلقى الأحبة،محمداً وصحبه..اشتياقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه..فرضي الله عنه وأرضاه فهو السيد الحرُّ المؤمن المجاهد عاش بضعاً وستين سنة،وإن سوادَ بَشرتهِ وتواضعَ حسبهِ وهوانَهُ على الناس كعبدٍ رقيق لم يمنْعه حين رضيَ بالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً أن يتبوأَ المكانَ الأرفعَ والمقامَ الأسمى،ماتَ رضي الله عنه سنة عشرين من الهجرة،في بلادِ الشامِ مُرابطاً في سبيل الله كما أراد(يأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةًفَٱدْخُلِى فِى عِبَادِىوَٱدْخُلِى جَنَّتِى)اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..أقول.
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
الأذان عبادة عظيمة وهو على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة،فأوله الله أكبر المتضمن لوجود الله وكماله وعظمته وفيه الشهادتان التي لا يدخل العبد بالإسلام إلا بهما وفيه الدعوة لأعظم العبادات البدنية وفيه ذكر الفلاح المتضمن إثبات المعاد والجنة والنار.
وشرع الله الأذان والإقامة للجماعات في السفر والحضر وجمهور أهل العلم على أن الأذان والإقامة من فروض الكفايات لجماعة الرجال في السفر والحضر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فعن مالك بن الحويرث قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا فلما أردنا السفر قال..ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم..
والآذان طردٌ للشيطان وداعٍ للرحمن وأعد الله للمؤذنين أجراً عظيماً فهم كما في الحديث أطولُ الناس أعناقاً يوم القيامة وإذا أذَّنَ المؤذن يشهدُ له بالخير كل من سمعه من بشرٍ وحجرٍ وشجرٍ فلا تفرطوا بالأجر إخوتي خاصة إذا خرجتم للبراري..ويجب على المؤذن تحسين صوته بالآذان وليس المقصود هنا المدود الزائدة والتلحين الزائد..ويشرع إجابة المؤذن فإذا انتهى يقول بعد الصلاة على النبي اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وكذلك بعد الآذان من مواطن إجابة الدعاء ..