الحمد لله جَعل الحياءَ أعظم الأخلاق،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شركاء له ولا أنداد،وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله،أشرف الخلق وخير العباد،صلِّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الرشاد،وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم التناد..أما بعد فاتقوا الله أيُّها العباد..
الآدابُ والأخلاقُ عنوانُ صلاحِ الأُممِ والمجتمعاتِ،وتتصل بمبادئِ الأُمة وقيمها،ودليل تمسّكِها بعقيدتها،ورمز التزامها بالمنهجِ السليمِ والصراطِ المستقيمِ،وحسن الخُلاقِ بترويضِ النفسِ على نبيلِ الصفاتِ وكريمِ السجايا والعادات،تعليمًا وتهذيبًا واقتداءً وتقويمًا ورقابةً ذاتيةً من الإنسان لنفسه يخافُ اللهَ في تصرّفه..فليس ما يمنعه من سوء الأخلاق والمجاهرة بسوء التصرفات نظام أو مرحلة زمنية بل دينٌ يؤمن به وخوفٌ من الله يردعُه وحياءُه من الناس والإسلامُ أمر بالمحافظة على الأخلاق الحسنة وجعلها صلى الله عليه وسلم مهمةَ بعثتِه وهدفَ رسالته بقوله..(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا استغربت سوءَ الأفعال والجرأة على القيمِ والأخلاق والتطاولَ على ثوابت الدين بالتصرفات فأرجعه لضعف الدين وتهميشه عن حياة من يفعلُ ذلك متناسياً تعاليمَ القرآن والسنة..
أيها المسلمون..بابٌ عظيم للأخلاق الفاضلة والخصال الحسنة..معيارُ جميل الخلق وقبيحه،ألا وهو خلق الحياء،من الله ومن الناس،مرَّ صلى الله عليه وسلم على رجلٍ يعظُ أخاه في الحياء،فقال..(دعه؛فإنَّ الحياء من الإيمان)،وقال صلى الله عليه وسلم(الحياء لا يأتي إلا بخير)وفي روايةٍ لمسلم..(الحياءُ خير كله)وقال صلى الله عليه وسلم(الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبة،أفضلها لا إله إلا الله،وأدناها إماطة الأذى عن الطريق،والحياء شعبة من الإيمان)،وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حَياءً من العذراء في خدرها،فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه..هذا هو الحياءُ عبادَ الله خُلقُ الإسلام الفاضل يحملُ على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال،ويمنع التقصيرَ في حق الله ذي الجلال..
الحياءُ إخوتي هو امتناعُ النفس عن فعل ما يُعاب،وترك شيءٍ يُعقِبُه ذَمٌّ ولوم..والتخلّقُ بالحياء بالامتناعِ عن كلِّ معصيةٍ وشرٍ،فالحياءُ خُلّةٌ من خلالِ الخير،وشُعبةٌ من شُعَبِ الإيمان،وعليه مدارُ كثير من أحكام الإسلام..قال الفضيل بن عياض رحمه الله.."من علامات الشقوة القسوة في القلب،وجمود العين،وقلة الحياء،والرغبة في الدنيا،وطول الأمد"والحياءُ أصلُ الخيرِ والعقل،وتركهُ أصل شرٍّ وجهل،وهو دليلُ كمالِ عقلِ صاحبه،ففيه الخير كله، ومتى فارقه الحياء قادته نفسه وشيطانه إلى الهلاك المحتوم، وأرداه موارد الفساد.
إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ فلا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ
حياءَك فاحفظْه عليك فإنَّما يدلُّ على فضلِ الكريمِ حياؤهُ
بالهيبة والحياء ـ عباد الله ـ تُعمرُ القلوب، وتزكو النفوس، فإذا ذهبا لم يبق فيه خير،وقلِّةُ الحياءِ موتٌ للقلبِ والروح.
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ولم تستحِ فاصنعْ ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ ويبقَى العودُ ما بقي اللِّحاءُ
من قويَ حياؤُه صانَ عِرْضَه،ودَفَنَ مساوئِه،ونَشَرَ محاسنَه،وكان ذكرهُ عند الناس محمودًا وعند الله مرفوعًا.ومن ذهبَ حياؤه،وظهَرت مساووئه،ودُفِنَتْ محاسُنه،وكان عند الناس مُهانًا وعند الله ممقوتًا وتلك رسالةٌ لمن يُظهرون مساوئهم ويجاهرون بمعصيتهم عبر وسائل التواصل كما نراه مؤخراً من رجالٍ ونساءٍ وحفلات استحوا من الله ومن الناس لاتسيئون لدينكم وأوطانكم بالمجاهرة بتصرفاتٍ لاتليق..وعندما ترى الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي ويكسو الخجلُ وجههَ إذا بدر ما لا يليق،فاعلم أنَّه مؤمنٌ حيُّ الضمير،أما إذا رأيته صفيقاً،بليد الشعور،معوج السلوك..فليس لديه حياءٌ يمنعه..ولا وازعٌ يمنعه في الحديث مرفوعاً وموقوفاً..(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا)أخرجه ابن ماجه وغيره..والحياءُ والإيمانُ مُقترنان إذا نُزع أحدُهما تبعَهُ الآخر.يقول عمر رضي الله عنه (من استحيا اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وَقَى)وكما يستحيي المسلم من الخَلْق فلا يكشف لهم عورة ولا يُقصر بحقوقهم ولا يُنكر لهم معروفًا ولا حقوقاً فإن عليه الحياء من الخالق سبحانه،فلا يُقصّر في طاعته،ولا بشكرِ نعمتِه،لما يرى من قدرته عليه وعلمِه به،فاللهُ أحقُّ أن يُستحيى منه،ومن استحيى من الله حقَّ الحياء حفظَ الرأسَ وما وعى،والبطنَ وما حوى،وذكرَ الموتَ والبِلَى،وترك زينةَ الحياة الدنيا،وشكرَ نعمةَ الله تعالى عليه،وأدركَ عظمتَه وعِلْمَه بخائنةِ الأعينِ وما تُخفِي الصدور،ثم يُحاسب نفسه على التقصير،فلا يراه الله حيث نهاه، ولا يفقدُه حيثُ أمرَه،وثمرة الحياءِ العفةُ والوفاء،فمن اتصفَ بالحياءِ صارَ عفيفًا وفيًا بعيدًا عن كل منقصة،قريبًا من كل فضيلة وفَقْدُ الحياءِ هبوطٌ لمَيدانِ الرذيلة،ودركاتِ الحماقةِ والوقاحةِ..والجرأةُ على الثوابت ومخالفةُ الأخلاق والشيم من ضعف الدين والخُلقُ وذلك يقودُ من سيئةٍ لأخرى حتى يفعل القبائح رقصٌ للنساء واختلاط مع الرجال..تهاون بالحجاب والشباب يتميعون وللنظام يخالفون وبالمعاصي يجاهرون..قال صلى الله عليه وسلم(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى..إذا لم تستح فاصنع ما شئت)رواه البخاري،فمن ذهب حياؤه ذهبت مروءته،ومن ذهبت مروءته قَلَّ إحساسُه،فلم يدْرِ عيبَ الناس وانتقاصهم.
وَرُبَّ قَبيحَةٍ ما حالَ بَيني وَبَينَ رُكوبِها إِلّا الحَياءُ
وَكانَ هُوَ الَّذي أَلهى وَلكِن إِذا ذَهَبَ الحَياءُ فَلا دَواءُ
يومَ ضاعَ الحياء،استبيحت المحرمات،وجُوهر الرذيلةُ،وأُقصيت الفضيلةُ بدعوى حضارةٍ وتمدّن وتقليدٍ على غيرِ هدى!!ضَعُفَ أثرُ الصلوات وتغيَّرتْ أحكامُ الدين يوم قَلَّ الحياء من الله وابتعد الناس عنه؟!وقعوا في المعصية وجعلوا الله أهونَ الناظرين إليهم؟!تجدهم بجوار المسجد يلعبون ولا يصلون يظهرون نساءهم متبرجات ولايُبالون..على المال العام يتطاولون وفسادٌ في الجرائم يقعون وللقوانين يتجاوزون وللبيئة يفسدون..وللناس يزعجون وللنعم يسرفون..أين الحياء ممن ضَيّعَ بنينَ وبنات يخالطون قرناءَ سوء ومخدرات..أين الحياء من موظفٍ يستهتر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ويتعامل مع المراجعين بكل صلف ورعونة؟!ويقول راجعنا بعدين!!تاجرٌ يخدع الناس ويَغشُّ في السلع ويكذب في المعاملة؟!كل هؤلاء فقدوا الحياء،وصدق صلى الله عليه وسلم(إذا لم تستح فاصنع ما شئت)والحياءُ يوجد حين يُطَالِعُ العبدُ نِعمَ الله عليه،فيعرف قدرها ويشكرها،ثم يراجعُ نفسَه ويحاسبُها على التقصير، ويخجلُ من ربِّه ومن الناس فيما يفعل،وطهارةُ اللسانِ من فحشٍ ومعيب لفظ،ومن الحياء القصدُ في الحديث في المجالس،وأن يتحاشى الإنسانُ أن يُعرفَ بسوءٍ،أو تتلطخَ سمعتُه بما لا يليق،يبتعد عن مواردِ الشُبه ومواطنِ الإشاعات السيئة.ومن الحياء محافظةُ المرأة على كرامتِها وحشمتِها،ومراقبةِ ربها،وحفظِ حَقِّ زوجها،والبعدِ عن مسالك الريبة ومواطن الرذيلة،استُشْهِدَ لإحدى الصحابيات ولدٌ في بعض الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت تبحث عنه بين القتلى وهي منتقبة فقيل لها.. تبحثين عنه وأنت منتقبة متحجبة؟فأجابت..لأن أرزأَ ولدي فلن أرزأَ حيائي!!والعفافُ والحياءُ خيرٌ وأبقى)أخرجه أبو داوود..ومن الحياء إنزالُ الناسِ منازلهم ومعرفةُ كُلِّ ذي فضلٍ فضله..فالابنُ يوقِّرُ أباه،والتلميذُ يحترمُ المعلم،والصغير يتأدب مع الكبير..قال صلى الله عليه وسلم(الحياءُ من الإيمان،والإيمان في الجنة،والبذاءُ من الجفاء،والجفاء في النار)رواه أحمد منزوعُ الحياءِ لا تراه إلا على قبح،ولا تسمع منه إلا لغواً وتأثيماً،عينٌ غمازة،ونفسٌ همَّازَة،ولسانٌ بذيءٌ؛يتركُه الناس اتقاءَ فُحشِه.مجالسته شر،وصحبتُه ضُرّ،وفعله عدوان،يظن ذلك جرأةً،ومن لاحياء له لا إيمان له..فالتزموا الحياءَ والعفافَ،فهو باعثٌ لفعلِ الطاعاتِ وتركِ القبائحِ والمنكرات(يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ ٱلْحَقّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـٰعاً فَٱسْـئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)أقول ما تسمعون.
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد...
إذا كانَ الحياءُ محمودًا والوقاحةُ مذمومةً فإنه لا حياءَ في الدين،فإنه لايمنعُ من قول الحق أو طلب العلم أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..تقول عائشة رضي الله عنها.. يرحم اللهُ نساءَ الأنصار؛لم يمنعْهُنَّ الحياءُ أن يتعلَّمْنَ أمورَ دينهن..ولم يمنع الحياءُ أم سُلَيم الأنصارية رضي الله عنها أن تقول.. يا رسول الله،إن الله لا يستحيي من الحق،فهل على المرأةِ غسلٌ إذا هي احتلمت؟فقال(نعم،إذا رأت الماء)فاتقوا الله رحمكم الله،واعلموا أن الحياء الممدوح يكفُّ صاحبهَ عن مساوئ الأخلاق،ويحملُه على فعلِ ما يُجمِّلُه ويزينهُ،أما الحياءُ الذي يمنع صاحبه من السعي فيما ينفعه دنيا وأخرى فإنه حياء مذموم، وتخذيل من الشيطان..اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق وجنبنا مساوئها..
الآدابُ والأخلاقُ عنوانُ صلاحِ الأُممِ والمجتمعاتِ،وتتصل بمبادئِ الأُمة وقيمها،ودليل تمسّكِها بعقيدتها،ورمز التزامها بالمنهجِ السليمِ والصراطِ المستقيمِ،وحسن الخُلاقِ بترويضِ النفسِ على نبيلِ الصفاتِ وكريمِ السجايا والعادات،تعليمًا وتهذيبًا واقتداءً وتقويمًا ورقابةً ذاتيةً من الإنسان لنفسه يخافُ اللهَ في تصرّفه..فليس ما يمنعه من سوء الأخلاق والمجاهرة بسوء التصرفات نظام أو مرحلة زمنية بل دينٌ يؤمن به وخوفٌ من الله يردعُه وحياءُه من الناس والإسلامُ أمر بالمحافظة على الأخلاق الحسنة وجعلها صلى الله عليه وسلم مهمةَ بعثتِه وهدفَ رسالته بقوله..(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا استغربت سوءَ الأفعال والجرأة على القيمِ والأخلاق والتطاولَ على ثوابت الدين بالتصرفات فأرجعه لضعف الدين وتهميشه عن حياة من يفعلُ ذلك متناسياً تعاليمَ القرآن والسنة..
أيها المسلمون..بابٌ عظيم للأخلاق الفاضلة والخصال الحسنة..معيارُ جميل الخلق وقبيحه،ألا وهو خلق الحياء،من الله ومن الناس،مرَّ صلى الله عليه وسلم على رجلٍ يعظُ أخاه في الحياء،فقال..(دعه؛فإنَّ الحياء من الإيمان)،وقال صلى الله عليه وسلم(الحياء لا يأتي إلا بخير)وفي روايةٍ لمسلم..(الحياءُ خير كله)وقال صلى الله عليه وسلم(الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبة،أفضلها لا إله إلا الله،وأدناها إماطة الأذى عن الطريق،والحياء شعبة من الإيمان)،وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حَياءً من العذراء في خدرها،فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه..هذا هو الحياءُ عبادَ الله خُلقُ الإسلام الفاضل يحملُ على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال،ويمنع التقصيرَ في حق الله ذي الجلال..
الحياءُ إخوتي هو امتناعُ النفس عن فعل ما يُعاب،وترك شيءٍ يُعقِبُه ذَمٌّ ولوم..والتخلّقُ بالحياء بالامتناعِ عن كلِّ معصيةٍ وشرٍ،فالحياءُ خُلّةٌ من خلالِ الخير،وشُعبةٌ من شُعَبِ الإيمان،وعليه مدارُ كثير من أحكام الإسلام..قال الفضيل بن عياض رحمه الله.."من علامات الشقوة القسوة في القلب،وجمود العين،وقلة الحياء،والرغبة في الدنيا،وطول الأمد"والحياءُ أصلُ الخيرِ والعقل،وتركهُ أصل شرٍّ وجهل،وهو دليلُ كمالِ عقلِ صاحبه،ففيه الخير كله، ومتى فارقه الحياء قادته نفسه وشيطانه إلى الهلاك المحتوم، وأرداه موارد الفساد.
إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ فلا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ
حياءَك فاحفظْه عليك فإنَّما يدلُّ على فضلِ الكريمِ حياؤهُ
بالهيبة والحياء ـ عباد الله ـ تُعمرُ القلوب، وتزكو النفوس، فإذا ذهبا لم يبق فيه خير،وقلِّةُ الحياءِ موتٌ للقلبِ والروح.
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ولم تستحِ فاصنعْ ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ ويبقَى العودُ ما بقي اللِّحاءُ
من قويَ حياؤُه صانَ عِرْضَه،ودَفَنَ مساوئِه،ونَشَرَ محاسنَه،وكان ذكرهُ عند الناس محمودًا وعند الله مرفوعًا.ومن ذهبَ حياؤه،وظهَرت مساووئه،ودُفِنَتْ محاسُنه،وكان عند الناس مُهانًا وعند الله ممقوتًا وتلك رسالةٌ لمن يُظهرون مساوئهم ويجاهرون بمعصيتهم عبر وسائل التواصل كما نراه مؤخراً من رجالٍ ونساءٍ وحفلات استحوا من الله ومن الناس لاتسيئون لدينكم وأوطانكم بالمجاهرة بتصرفاتٍ لاتليق..وعندما ترى الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي ويكسو الخجلُ وجههَ إذا بدر ما لا يليق،فاعلم أنَّه مؤمنٌ حيُّ الضمير،أما إذا رأيته صفيقاً،بليد الشعور،معوج السلوك..فليس لديه حياءٌ يمنعه..ولا وازعٌ يمنعه في الحديث مرفوعاً وموقوفاً..(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا)أخرجه ابن ماجه وغيره..والحياءُ والإيمانُ مُقترنان إذا نُزع أحدُهما تبعَهُ الآخر.يقول عمر رضي الله عنه (من استحيا اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وَقَى)وكما يستحيي المسلم من الخَلْق فلا يكشف لهم عورة ولا يُقصر بحقوقهم ولا يُنكر لهم معروفًا ولا حقوقاً فإن عليه الحياء من الخالق سبحانه،فلا يُقصّر في طاعته،ولا بشكرِ نعمتِه،لما يرى من قدرته عليه وعلمِه به،فاللهُ أحقُّ أن يُستحيى منه،ومن استحيى من الله حقَّ الحياء حفظَ الرأسَ وما وعى،والبطنَ وما حوى،وذكرَ الموتَ والبِلَى،وترك زينةَ الحياة الدنيا،وشكرَ نعمةَ الله تعالى عليه،وأدركَ عظمتَه وعِلْمَه بخائنةِ الأعينِ وما تُخفِي الصدور،ثم يُحاسب نفسه على التقصير،فلا يراه الله حيث نهاه، ولا يفقدُه حيثُ أمرَه،وثمرة الحياءِ العفةُ والوفاء،فمن اتصفَ بالحياءِ صارَ عفيفًا وفيًا بعيدًا عن كل منقصة،قريبًا من كل فضيلة وفَقْدُ الحياءِ هبوطٌ لمَيدانِ الرذيلة،ودركاتِ الحماقةِ والوقاحةِ..والجرأةُ على الثوابت ومخالفةُ الأخلاق والشيم من ضعف الدين والخُلقُ وذلك يقودُ من سيئةٍ لأخرى حتى يفعل القبائح رقصٌ للنساء واختلاط مع الرجال..تهاون بالحجاب والشباب يتميعون وللنظام يخالفون وبالمعاصي يجاهرون..قال صلى الله عليه وسلم(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى..إذا لم تستح فاصنع ما شئت)رواه البخاري،فمن ذهب حياؤه ذهبت مروءته،ومن ذهبت مروءته قَلَّ إحساسُه،فلم يدْرِ عيبَ الناس وانتقاصهم.
وَرُبَّ قَبيحَةٍ ما حالَ بَيني وَبَينَ رُكوبِها إِلّا الحَياءُ
وَكانَ هُوَ الَّذي أَلهى وَلكِن إِذا ذَهَبَ الحَياءُ فَلا دَواءُ
يومَ ضاعَ الحياء،استبيحت المحرمات،وجُوهر الرذيلةُ،وأُقصيت الفضيلةُ بدعوى حضارةٍ وتمدّن وتقليدٍ على غيرِ هدى!!ضَعُفَ أثرُ الصلوات وتغيَّرتْ أحكامُ الدين يوم قَلَّ الحياء من الله وابتعد الناس عنه؟!وقعوا في المعصية وجعلوا الله أهونَ الناظرين إليهم؟!تجدهم بجوار المسجد يلعبون ولا يصلون يظهرون نساءهم متبرجات ولايُبالون..على المال العام يتطاولون وفسادٌ في الجرائم يقعون وللقوانين يتجاوزون وللبيئة يفسدون..وللناس يزعجون وللنعم يسرفون..أين الحياء ممن ضَيّعَ بنينَ وبنات يخالطون قرناءَ سوء ومخدرات..أين الحياء من موظفٍ يستهتر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ويتعامل مع المراجعين بكل صلف ورعونة؟!ويقول راجعنا بعدين!!تاجرٌ يخدع الناس ويَغشُّ في السلع ويكذب في المعاملة؟!كل هؤلاء فقدوا الحياء،وصدق صلى الله عليه وسلم(إذا لم تستح فاصنع ما شئت)والحياءُ يوجد حين يُطَالِعُ العبدُ نِعمَ الله عليه،فيعرف قدرها ويشكرها،ثم يراجعُ نفسَه ويحاسبُها على التقصير، ويخجلُ من ربِّه ومن الناس فيما يفعل،وطهارةُ اللسانِ من فحشٍ ومعيب لفظ،ومن الحياء القصدُ في الحديث في المجالس،وأن يتحاشى الإنسانُ أن يُعرفَ بسوءٍ،أو تتلطخَ سمعتُه بما لا يليق،يبتعد عن مواردِ الشُبه ومواطنِ الإشاعات السيئة.ومن الحياء محافظةُ المرأة على كرامتِها وحشمتِها،ومراقبةِ ربها،وحفظِ حَقِّ زوجها،والبعدِ عن مسالك الريبة ومواطن الرذيلة،استُشْهِدَ لإحدى الصحابيات ولدٌ في بعض الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت تبحث عنه بين القتلى وهي منتقبة فقيل لها.. تبحثين عنه وأنت منتقبة متحجبة؟فأجابت..لأن أرزأَ ولدي فلن أرزأَ حيائي!!والعفافُ والحياءُ خيرٌ وأبقى)أخرجه أبو داوود..ومن الحياء إنزالُ الناسِ منازلهم ومعرفةُ كُلِّ ذي فضلٍ فضله..فالابنُ يوقِّرُ أباه،والتلميذُ يحترمُ المعلم،والصغير يتأدب مع الكبير..قال صلى الله عليه وسلم(الحياءُ من الإيمان،والإيمان في الجنة،والبذاءُ من الجفاء،والجفاء في النار)رواه أحمد منزوعُ الحياءِ لا تراه إلا على قبح،ولا تسمع منه إلا لغواً وتأثيماً،عينٌ غمازة،ونفسٌ همَّازَة،ولسانٌ بذيءٌ؛يتركُه الناس اتقاءَ فُحشِه.مجالسته شر،وصحبتُه ضُرّ،وفعله عدوان،يظن ذلك جرأةً،ومن لاحياء له لا إيمان له..فالتزموا الحياءَ والعفافَ،فهو باعثٌ لفعلِ الطاعاتِ وتركِ القبائحِ والمنكرات(يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ ٱلْحَقّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـٰعاً فَٱسْـئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)أقول ما تسمعون.
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد...
إذا كانَ الحياءُ محمودًا والوقاحةُ مذمومةً فإنه لا حياءَ في الدين،فإنه لايمنعُ من قول الحق أو طلب العلم أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..تقول عائشة رضي الله عنها.. يرحم اللهُ نساءَ الأنصار؛لم يمنعْهُنَّ الحياءُ أن يتعلَّمْنَ أمورَ دينهن..ولم يمنع الحياءُ أم سُلَيم الأنصارية رضي الله عنها أن تقول.. يا رسول الله،إن الله لا يستحيي من الحق،فهل على المرأةِ غسلٌ إذا هي احتلمت؟فقال(نعم،إذا رأت الماء)فاتقوا الله رحمكم الله،واعلموا أن الحياء الممدوح يكفُّ صاحبهَ عن مساوئ الأخلاق،ويحملُه على فعلِ ما يُجمِّلُه ويزينهُ،أما الحياءُ الذي يمنع صاحبه من السعي فيما ينفعه دنيا وأخرى فإنه حياء مذموم، وتخذيل من الشيطان..اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق وجنبنا مساوئها..