• ×

02:49 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

حبيبي يا رسول الله

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله ميَّز أهل السنة بالاتباع والتسليم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمرنا بالاقتداء بسيد المرسلين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله،دعا للحق والهدى والدين القويم.صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً إلى يوم الدين .. أما بعد –فاتقوا الله عباد الله..
كانت ولادةُ مشهودة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من ربيعٍ الأول..وقيل في التاسع وقيل غيره فلم يثبت له تاريخ معين لأن الصحابة والتابعين لم يعبأوا أو يحتفلوا بتاريخ مولده قد اهتمامهم باتباع سنته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم والمحافظة على تعاليمه من التحريف والبدعة،إنه محمد صلى الله عليه وسلم دعوةُ نبينا إبراهيم(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ)وبشارةُ عيسى برسولٍ يأتي من بعده؟!بل استبشرت الدنيا كلها بقدومه صلى الله عليه وسلم؟لأنه ميلادٌ دعويٌ..ومِيلادُ أُمةٍ كانت قبل ولادتِه في جاهلية وثنيةٍ تعبدُ الصنمَ من الحَجرِ والشَجَرِ أو التمر وتَتَقاتَلُ فيما بينها لأتفهِ الأسباب فمقتهم الله..ميلادُ أُمةٍ جاءَها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي التوحيد اللهِ النقي من الشرك فأَعزّها بعد مذلّته..
ولد الهدى فالكائناتُ ضياءُ وفم الزمانِ تبسم و ثناءُ

الروحُ و الملأ الملائِكُ حولهُ للدين والدنيا بِه بُشراء

يا خيرَ من جاءَ الوجودَ تحيةً من مرسلينَ إلى الهدى بك جاءوا

بِكَ بَشرَ اللهُ السماءَ فزُيِّنت وتضَوَّعت مِسكاً بِك الغبراءُ

ميلادٌ من ضلالٍ لهدى..ومن ذِلةٍ لرِفعةٍ..ومن عبيدِ الفُرسِ والرومِ إلى سادةِ الدنيا و حضارتِها..هذا ما نتذكره..وليس ما نبتدعه..باحتفالات نُخالف به نهجه ونهج صحابته..
سَرَت بَشائِرُ باِلهادي وَمَولِدِه في الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ في الظُلَم

أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِمْ إِلا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ

وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَورًا مُسَخَّرَةٌ لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ

مُسَيطِرُ الفُرسِ يَبغي في رَعِيَّتِهِ وَقَيصَرُ الرومِ مِن كِبرٍ أَصَمُّ عَمِ

جَاءت دعوتُه سِراجاً منيراً..استنارتْ بِه الأرضُ بعد ظُلمتِها،وصراطاً مستقيماً جمعَ اللهُ عليه الأمةَ بعد شَتَاتِها،واهتدتَ بِه البشريةُ بعد حيرتها..

لما أَطَـــلَّ مُحَمدٌ زَكت الرُبى و اخضرَّ فيِّ البستانِ كُلُ هَشيمِ

بمبعثِهِ بالتوحيد ولِدتِ الحياةُ..وارتوى الناسُ بعد الظمأ فدخلوا في دينِ اللهِ أفواجاً..وذلكم هو الميلادُ الحقيقيِّ حين أَحبوهُ صلى الله عليه وسلم فاتبعوا منهجَهُ وقاموا بِرسالتِه وطبقوا أَوامِرهُ واجتنبوا نواهِيهِ فالمحبة للرسول ابتاع وليس ابتداع فهناك من يتغنَّى بِميلادهِ ويُضَيِّعُ شريعتَهُ ويحرِّف معنى مَحَبَتِهِ بل يشرك بها حين يصفه بصفاتٍ لله كعلم الغيب واللوح والقلمِ..والحديث عنه صلى الله عليه وسلم ليسَ عن مولده بل عمّن أطلّ على الكونِ بتوحيده ودعوته وخُلقه..وعن مِلةٍ عظيمةٍ أظلَّت جزيرةَ العربِ خاصةً والعالمَ عامةً بِما حملتُه من قيمٍ عظيمةٍ..نزل عليه الوحي بالقرآن..واهتم برفعة الإنسان..ولن تدرك الأمة فضله بأبي هو وأمي..رسول الله نقل العرب بدعوته من التفكيرِ بِنصبِ الخِيَمِ إلى بِناءِ القيم..ومن تواصُلِ الحروبِ و سَفكِ الدماءِ إلى السلامِ القائِمِ على الحقِ و الواجب وبدعوة وإِخوّةٍ شَمِلَت الناس..ضحّى وحاربَ صلى الله عليه وسلم لنشرِ الدينِ رغم ما لقِي وواجه..وأَنشأ حضارةً عظيمةً للعرب بَشراً وحَجراً وشَجراً..فميلادُ الأُمَةِ بِرسالةِ مُحَمدِ صلى الله عليه وسلم للناسِ كآفة وذلك هو الميلادُ التاريخي الذي نتذكره(إن الدين عند الله الإسلام)

بعثتُه صلى الله عليه وسلم نعمةٌ كُبرى ومِنَّةٌ عُظمى بالهدى ودينِ الحق؛ليُخرجَ الناسَ من الظلماتِ إلى النورِ،ويهديهم بِه سُبلَ السلام،ويَضعُ عنهم آصارَ وأغلالَ،بالخير والفضيلة والبعد عن الشر والرذيلة..وليُسعدهم بتوفيق الله في الدنيا والآخرة رحمةً للخلقِ كَافةً ونِعمةً على البَشرِ قَاطبةً)وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(يُربِّي صحابتَه رضي الله عنهم أجمعين ممن عاش جاهليةً فكانوا من عجائب الدهر ديناً وخلقاً وعلماً..أَخرجَهُم من عِبَادةِ العِبادِ لعِبادِة ربِ العباد ومن ضيقِ الدنيا لسِعَةِ الآخرةِ،فكانوا أَبَرَّ الناس قلوباً،وأَعمقَهم عِلماً..يصف عروةُ بن مسعود رضي الله عنه حبَّهم له عليه الصلاة والسلام فيقول[والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك،فما رأيت أحداً يُعظِّمه أصحابه كما يُعظِم أَصحابُ محمّدٍ محمّدًا،واللهِ ما يُحدِّونَ النظرَ إليهِ تعظيمًا له..وإذا تكلم كأن على رؤوسهم الطير]

أتى رجلٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال:والله إنك لأَحبُ إليَّ من نفسي ومن أَهلي وولدي،وإِني لأكونُ في البيتِ فأَذكُركَ فَما أَصبر حتى آتيكَ فأَنظر إليكَ،وإذا ذَكرت موتي وموتَك عرفتُ أَنك إذا دَخلتَ الجَنةَ رُفعتَ مع النَبيِّين،وإذا دَخلتَ الجنةَ خَشيتُ أن لا أراكَ، فلم يَردَّ صلى الله عليه وسلم فنزلَ قوله تعالى(وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا)ففرح الصحابة بهذه البشرى.. وآخرُ يقول يا رسول الله،الرجلُ يُحب القوم ولماَّ يلحق بهم؟قال عليه الصلاة والسلام(المرء مع من أحب)رواه البخاري.هَكذا كانَ حُب صحابتهِ له،وترجموه بإتباعه وإتباع سُنتهِ وتطبيقِ أَوامِره واجتنابِ نواهيهُ،لم يجعلوا حبهم له صلى الله عليه وسلم تعظيماً بدعياً فكان يعلمهم أنه بشرٌ مثلهم ولذلك لعدة قرون لم نسمع عن اهتمامٍ بتأريخ مولده والاحتفاء به تقليداً لدياناتٍ أخرى!!وعندما ضَعفُ نورُ النبوةِ في حَياةِ الأُمةِ وقلّ تمسكها بكتابِ ربِها وسُنةِ نبيِّها ضَعفُ هذا التَعظيمِ في حياةِ الأُمةِ فحُرِّفت محبته صلى الله عليه وسلم بإيجاد حفلات المولد بعد 300 سنة من وفاته صلى الله عليه وسلم ومَنْ قبلهم لم يفعلها لكن سوق الجهلِ والعاطفة الخاطئة لما راج في الأُمةِ زمنَ سيطرةِ الدولةِ العبيديِّةِ الرافضة المسماةِ الفاطميَّة..وأُهمل العُلماءُ وهُمِّشَ دورهم، فكانَ الأَثرُ على أَمةِ الإسلامِ واضحًا في انتشارِ البدع ورواجِها،حيث ساهم الرافضةُ بإقامةِ الموالد واختصروا محبة رسول الأمة بمُجردَ كَلماتٍ مدائح يَتغنى بِها المنشدونَ من غير أن يكونَ لها أَثرٌ بعملٍ واتباع لمن يزعمونَ محبتهُ وتَعظيمهِ وإقامةِ المولد له،بل قد يفعلون فيها ما يخالف التوحيد وسنته،وكلما اشتد الجهلُ والغفلةُ والادعاءِ وُجد الغلو والانحرافُ مما حذر منه صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم،فإنما أنا عبد،فقولوا: عبد الله ورسوله)أخرجه البخاري لقد أصبح حبُّ النبي صلوات ربي وسلامه عليه زائفاً ومُحرفاً عند البعض واتخذوا تلك الموالد مظاهر للاحتفالات والبدع والإجازات بأشكال ووسائلَ شَعبيةٍ،وقد يشتملُ بَعضُهَا على مخالفاتٍ كاختلاطِ الرجالِ بِالنساءِ والرقصِ والغِناءِ والتطبيلِ والمزمارِ،أو شِركٍ واستغاثةِ من دون الله وإدعاء حضوره والوقوف لذلك..وهي مواسمُ ارتزاقٍ لبعضِ المنتَفَعِينَ ومُناخٍ لنشرِ البدعةِ،ويَستغِلّهُ بَعضُ المغرضينَ يَظنُّ بعضُ الطيبينَ أَنَّها فرصةٌ للدعوةِ إلى الدينِ..لقد عرفنا مدائح النبي صلى الله عليه وسلم في الشعر في قصائد حسان وابن رواحة وهم صحابة فلم نرى فيها غلوّاً ولا شركاً لكن بعضُ قصائد هذه الموالد اشتملت على غلوٍّ مع الأسف!!

عباد الله..إنَّ صِدقَ الاحتفاءِ بالرسول صلى الله عليه وسلم بمتابعةِ طريقتهِ والاقتداء بسيرته وكيف عاش عليه الصلاة والسلام للدعوةِ وسَخّر لها حَياتَهُ، حامياً لها منافحاً عنها والله جلَّ جلاله وضح محَبته صلى الله عليه وسلم(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)محبةٌ تقتضي الإتباعَ والإبداع وليسَ الإحداثَ والابتداعَ، وإتباعُه صلى الله عليه وسلم في أقوالهِ وأفعالهِ أَحد ركائزِ دينِ الإسلامِ وأساسياتهِ ومن أعظم مُسلماتِ الشريعةِ والأَمورِ المعلومةِ منها بالضرورة)وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)وإذا كنا ننكر الغلو بالمحبّة لرسول الله بتلك المظاهر والموالد فإننا نستنكر أيضاً الجفاءَ في محبته صلى الله عليه وسلم بحيث لا يُعظّم ولايكثر البعض من ذكر سيرته والغفلة عن كثرة الصلاة عليه وذكر مآثره..نستَنكرُ أن يُنالَ من عِرضه و تشويهِ صورتهِ عليه الصلاة و السلام ثم لا تجدُ من يدافعُ عنه و يُبينُ فضله نستنكر عدم تربية الأجيال وتعليمها بأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم رؤوف رحيم بالمؤمنينَ،هداهم إلى الصراطِ المستقيمِ، ولم يترك سَبيلاً لهدايتهم إلا سلكه،ولا عِلمًا إلا بذله،فصلوات ربي وسلامه عليه..ومعرفةُ حَقِّه واجبٌ على كل مسلم والدفاعُ عَنهُ وعن عرضِه واجبٌ عظيم، لا ينبغي تركه وإهماله..((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))أقول

الخطبة الثانية الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده وبعد ..

أَيُّها الإخوة الكرام ..تمجيد الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم والثناءُ العاطر بإعلاء قَدْره، وأن تكون له المكانة السامية على جميع الأنبياء والمرسلين، ورفع ذكره في الأرض وفي السماء ..

أَغَـرُّ عليـه للنبوّة خـاتَمٌ من الله مشهودٌ يلـوح ويُشْهدُ

وضمّ الإلهُ اسمَ النبيِّ إلى اسمهِ إذا قال في الخمسِ المؤذنُ أَشْهدُ

فكلما ذُكرَ اللهُ تعالى ذُكِرَ معه في الأذان والإقامة والتشهد، وفي يومِ الجمعة على المنابر ولو أن رجلاً عبدَ اللهَ جل ثناؤه وصدّقَ بالجنة والنار وبكل شيء ولم يشهد أن محمدًا رسولُ الله لم ينتفع بشيء وكان كافرًا..فاعرفوا يا عباد الله مقامَه وآمنوا به وعَزِّرُوهُ وانصرُوه ووقّروه وعظموه واتبعوا النورَ الذي أنزل معه، وإياكم والغلو فإنّ الانتسابَ الحقَ لدين الله والحبَ الصادقَ لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يتحقق إلا بالتأسي به وتحكيمِ شرعه والتزامِ واتباع سنته،ومن فرطَ في ذلك وتنصّلَ وقصرَ فقد انقطع بالرسول سببه ولو قال المدائحَ وأقام الحفلات ونمّق الكلمات,اللهم اجعلنا قائمين بتوحيدك متبعين لنبيك صلى الله عليه وسلم وملتزمين بهديه وفائزين بشفاعته واحشرنا في زُمرتهِ واسقنا من حوضهِ الشريف شربةً لا نظمأ بعدها أبدا..اللهم انصر جندنا المرابطين ووفق ولاة أمور المسلمين وانصر إخواننا المستضعفين في كل مكان..اللهم فك حصارهم وأمن روعهم واحفظ عليهم دينهم وأرضهم ونساءهم وأولادهم وهيئ المسلمين قادةً وشعوباً لنصرتهم يارب العالمين ..اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد..

 0  0  612

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.