الحمد لله جمع شملنا ووّحد صفنا وبالإيمان رفعَ رايتنَا بالخير في الأوطان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له كَرّمَ الإنسانَ،وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه،نشر الحبَ في قلوب أمته،ودلَّنا لاتباعِ نهجِه والتزامِ سنته،اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آلِه وصحابتِه،ولا تحرمْنَا من قربِه ونيل شفاعته..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..حقّ عبادته واعلموا أن الإنسان فطر على حُبِّ موطنهِ الذي عاشَ فيهِ وتَرَعرعَ في أكنافِهِ وهي غَريزةٌ به تجعله يستريحُ للبقاءِ فيهِ،ويَحِنُ إليهِ إذا غاب،ويُدافعُ عنه إذا هُوجِم،ويغضبُ له إذا انتُقص..ومهما تركه فحنينُ الرجوعِ إليهِ يبقى مُعلقاً في ذاكرتِه..
وحبَّب أوطانَ الرِجَالِ إليــهمُ مآربٌ قَضّاها الشبابُ هُنالُلكا
إذا ذَكروا أوطانَهُم ذَكِّرتْهُـــمُ عُهودَ الِصَبا فيها فحنوا لذلك
وجَد ذلك محمدٌ صَلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ،فقال عند هجرته سكن مكة..(ما أَطيبكِ من بلدٍ،وما أَحَبَكِ إليَّ،ولولا أنَّ قومي أخَرجوني مِنكِ ما سَكنتُ غيركِ)لكن محبَّته لم تنسه همَّ دعوتِه فأحبَّ المدينةَ وألفها كما أَحَبَّ مَكةَ،وكان يدعو ربَّه أن يرزقهُ حُبَّها كما في البخاري..(اللهم حبب إلينا المدينةَ كَحُبنا مَكَةَ أو أشد)وكان عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفرٍ فأبصرَ درجاتِ المدينةِ أوضعَ نَاقتهُ ـ أي..أَسرعَ بِها وإذا كانت دابةً حَركهَا من حُبها-.رواه البخاري..علّق ابنُ حجر.."فيهِ دلالةٌ على فضلِ المدينةِ وعلى مشروعيةِ حُبِّ الوطنِ والحنينِ إليه".
عباد الله..حُبّ الوطَنِ والحنِينُ إليهِ سُنةٌ نبوية وغريزةٌ بشريةٌ وحُبُّ الوطَنِ والانتماءُ إليهِ بالشعورِ والتصرفاتِ وليس بالمظاهر والتفاهات..فهناك من يَدَّعي حُبَّ الوطَنِ وهُم أَضرَّ الناسِ على الوطنِ وأَهلهِ،يُريدونَ له الفسادَ وإثارةَ الفتنةِ فيه بإرهابٍ أو تخريب..فالانتماءُ للوطنِ دينٌ وإنسانٌ وقيم وآثار وحضارة منطلقة منه ورجالٌ بذلوا له من ولاة أمر وعلماء ورجال أمن وجيش ومثقفين وعامة..وأما حِسُّ الانتماءِ يكون بحرصِ الإنسانِ لعَدَمِ تَشويهِ بَلَدِهِ وجَلبِ السوءِ إليهِ بفكرهِ وفِعلِهِ وتَصَرفهِ وبَذلِ مَالِهِ لِجَلبِ الشُرورِ والفتن إليه أو التعاطفِ مع أعدائه وإضعافِ ما تميّز به من شريعةٍ وقيم وخلق.
حُبُّ البلادِ والانتماءُ إليهِا يَجعلُ الإنسانَ حَريصاً على رفَعِ سُمعتِها بالحقِ والبحثُ عن وسائِلَ تُمَيّزُهُا مِنْ خِلالِ فِعلِهِ وتصرفه..فهل من الوطنيةِ إفسَادُ الشَبابِ لينقلبَ ولاؤُهم من بُلدانِهم إلى بلدانٍ أُخرى يُعجبون برموزها ويقلدونهم ويُحبونهم ويتبعونهم بما يُفسد الولاء ويُضيّعُ الانتماءَ ويُفقدُ الهويَّةَ؟!هل من حُبِ الوطَنِ إفسادُ المرافق الرسمية وعبث بالمال العام وبمشاريع البلد ومقدراته من رشوةٍ وسرقةٍ وسوء تنفيذٍ من قبلِ ضعيف ذمةٍ ومُخالفٍ للأنظمة ومنتهكٍ لقوانينه ونظامِ مروره بسرعةٍ متهورةٍ أو مظاهرَ مائعةٍ وإفسادٍ ومُعاكساتٍ ونشرٍ للفوضى والمخدرات،وإلحادٍ وجريمة وجرأة على الدين والثوابت..ونيلٌ من ولاةِ أمرٍ وعُلَماءٍ،وسعيٌ للتفرقةِ والتصنيفِ والتخوينِ للناس بالكذبِ وتدليسٌ كما يَفعلهُ البعض؟!هل مِنْ حُسنِ الانتماءِ لبلادٍ أَعلنَت رايةَ التوحيدِ أن يوجد بها مَنْ يَتَبنّى الغلوَّ والتطرفَ كَقَاعِدةٍ يَزعُمُ الانطلاقَ بِها من بِلادٍ شعارها الوسطية والاعتدال ليُفسِدَ ويُخَرِّبَ في البلادِ العَامِرةِ أو يُسَافِرَ لينشُرَ الفِتَنَ والأفكار الضالة وينضمَّ لفرق الفتنةِ كداعش وغيرها لتشويهِ الجهادِ والبلادِ والمسلمين بِأَفعَالِهم أو يتجاوز بالنيل من ثوابت الدين..أو يتبِّع بولائِه مبتدعةً صوفيةً ورافضةً لا يريدون خيراً للبلاد..
هل مِنْ الوطَنيةِ طرحُ الإشاعات والمبَالغَةُ بِها لتشويه سمعة الناس بلا بيِّنةٍ والنيلُ من عُلَمَاءَ ومثقفين ونقدٌ غير بنَّاء لغرضِ التشَهيرِ والتَقريعِ ونشرُ ثقافة التغريب وليسَ الإصلاحُ!!فهل هذا حبُّ الوطن؟!هل من حب الشباب لوطنهم بطالةٌ يعيشونَها تاركين فرصاً عظيمةً للعملِ الشريف وبناء الوطن؟!وفراغٌ بالتوافهِ يقضونَه وقِلَّةَ طموحٍ يعيشونَه؟!وتسكعٌ بالطرقات والأسواق يُظهرونَه.. وعند احتفالِهم أو فرحتِهم يؤذونَ الغيرَ ويُثيرونَ الفوضى،ويتعدّون على الممتلكات وينتهكون الآدابَ العامة..ثم يدَّعون حب الوطن!!هل من حبِّ أوطاننا عدمُ حفاظنا على بيئته وإهمالِنا لنظافتهِ في احتطابٍ جائر لأرضنا وإفسادٍ للمراعي!!ورميٍ للمخلفاتِ وكثرةِ اختلافات!!هل حمَلُ رايةِ وطَنٍ بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يكونُ بلا مَعرفةٍ صادقةٍ واحترامٍ بيّن لشهادة التوحيد مكتوبةٍ بها،ومعرفةِ لوازمِها بولاءٍ للمؤمنين ووقوفٍ ضدَّ أعداء الدين قولاً وعملاً ..
إنَّ حبَّ البلاد الحقيقي يكون بلا مظاهرَ سيئة ولا أخلاقَ مذمومة ومن يفعل ذلك لم يُدركْ معنى حب الوطن الحقيقي،فهمه أَغانيَ وترانيمَ وشِعَاراتٍ ومظاهرَ يخالفونها بفوضويّة وتبعيّةٍ للغير لا ترتقي لوطنيةٍ صحيحةٍ،فنشأ حينذاك أجيالٌ هَزيلةً في ولاءاتها،ساذجةٌ في تعبيرها،تجدُ هم لايحترمون نظاماً..يفسدون المرافق العامة وأَجيالٌ متشدّدَةٌ تَلجأُ للتكفيرِ والتبديعِ بل وصلوا للتكفير وهزَّ الأمنِ لا يُقيمونَ حُرمَةً لاجتماعِ كلمةٍ ولا لوليِّ أمر أو عالم ولا لنظامٍ ولا احتسابٍ ولا لحدودِ بلدٍ وأمنه!!يُظهرون في وسائل التواصل أعمالاً تخالف الدين وتشوه الوطن الذي يحبون..الحبُّ الحقيقيُّ للوطن يُقدِّسُ عقيدةً قامَ عليها ويرسخها في الأَجيالِ،ويشكرُ لله نعمةَ الإيمانِ والأمنِ ويحافظُ عليهِ ويحترمُ رجالَهِ وينَشرُ الأخَلاقَ الحسنةِ ويُحَارَبُ السيئةَ،لتخلوَ أَرَضَهُم من مظاهرِ الشِركِ والبِدعةِ..ويحرصُ على وحدة الكلمةِ والسَمعِ والطاعةِ بالمعروفِ ولايُصنِّفُ المجتمعَ والناسَ ويُفرِّقهُم على هواه أو على عصبيةٍ قبليِّةٍ أو مناطقيِّةٍ..الحبُّ الحقيقي للوطن بِصناعةِ أَجيالٍ جادةٍ ومستقيمةٍ تعرفُ هدفَها بالحياةِ وتسعى لأجله..تتعلّمُ بجدٍ وتعملُ بطموحٍ،وتلهوَ بعقلٍ،وتخدمُ بإخلاص..وتُنافسُ بأَعلى المراتبِ العلميّةِ والعمليةِ والعالميّة لرفعة دينِهم وأوطانِهم..
الوطنيّةُ الحقةُ عَقِيدةٌ راسخةٌ ومُجتَمعٌ مُوحدٌ ومتكاتفٌ قيادةً وشعباً،والأمَنُ هو أَمنُ التوحِيدِ والإيمانِ وأَمنُ الأخلاقِ ونبذ الفساد وحفظ العِرضِ والدم(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)ورسوخُ حُبِّ العقيدةِ يحفظُ البلادَ من الخطرِ والتنازع ..
حَبُّ الوطنِ يتجلَّى في القضاءِ المُحَكَمِ على أَسبابِ الشَرِّ والرذيلةِ والفساد من رشوةٍ ومحسوبيِّةٍ وواسطةٍ ذميمةٍ وتستُّرٍ تجاري..حبُّ الوطن بالغيرة عليه من كلِّ ما يُفسدِه والدفاعِ عنه مع غرسِ حُبِّ الأرضِ والفداء عنه وعن دين أهله وأخلاقه وحدوده.
حُبُّ الوطنِ بنشرِ روحِ العلمِ والثقافةِ وقيامِ النَصيحةِ والتعاونِ والتكاتُفِ فَنحنُ دينٌ واحدٌ وبلدٌ واحدُ ولُغَةٌ واحدةٍ لا مكانَ فيهِ لتفرقَةِ اللونِ والشكلِ والقبيلة أو الفَقرِ والغنى والمواطنِ والمُقيم حبُّ الوطنِ بالمحُافَظَةِ على الآدابِ الشِرعيِّةِ والنُظُمِ العادِلَةِ المرعيِّةِ مما يجمعُ الكَلمةَ بين الراعي والرعيِّةِ،سمعًا وطاعةً بالمعروفِ، وأداءً للحقوقِ والواجباتِ كلٌ فيما لهُ وعليه..الوطنُ بقضاءٍ نزيهٍ عادل لا يُفرِّق بين أحدٍ وينجزُ معاملات الناس..وبمشاريعَ تعليميِّةٍ وتنمويِّةٍ واجتماعيِّةٍ للناس والمواطنةُ الصادقة برعاية الحقوقِ واجتنابِ الظُلمِ،واحترامِ حقِّ الغيرِ،والسعي لتأمينِ الآخرينَ على أموالِهم وأنفسِهِم،فالوطنُ حقًا إِنسانٌ كرَّمهُ اللهُ بالإِنسانيةِ..ليؤدي ما عليه من حقوق،من والدين وأرحام وولاة أمر وعلماء وجيران وأصحابَ ومارّة..واستخدامٌ أمثل للمرافق العامة يشتركُ في منافعها مواطنٌ ومُقيم..فلا يَظْلِم أو يُظلم ولا ينَهْبَ إذا وجد فرصةً ولا يتعدَّى على مالٍ عامٍ أو أراضي ويأخذها بغير وجه حقٍ بمكرٍ وخداع كأنَّه كلأٌ مُباحٌ أو فرصةٌ سانحةٌ لا تؤجل..فهذا إساءةٌ للدين والوطن..
إنَّ حُبَّ بلادَنا هنا ينطلقُ من دينٍ وأرضٍ عَاشَ فيها خَاتم الأنبياءِ والمرسلينَ ومعه الصحابةُ أجمعون وعلماءُ سابقون ولاحقون نشروا فيها دينَ الله وتعاليم للإسلامِ فزادت قيمةُ أرضنا التي كانت زمناً طويلاً جوعاً وخوفاً وتفرقة ثم اجتمعت فيها الكلمة وشاع الأمن وخرج الخير منها أرضها وعمَّتْ النعمُ بفضلِ الله ثم بدولة تُعلنُ الحكمَ بشرع الله وترفعُ رايةَ لا إله إلا الله محمد رسول الله..فيها الحرمانِ الشريفانِ وقبلةُ المسلمينُ والمأوى لهم والحجُّ والعمرةُ والزيارة..أَرضٌ تملؤها المساجدُ و يُرفعُ فيها الآذان فتقفَلُ المحلات لترى الناس فيها رُكَّعاً سجداً لله بالصلواتِ..فيها مناشطُ الدعوة وطلب العلم مما نريد الحفاظَ عليه وتميُّزَه عِلماً وعَملاً..وتذكرُه بشكر الله والمحافظة عليه..نسألُ الله دوامَ النعم..ولنربِّ أجيالَنا ونعلِّمَهَم ذلك بدلاً من إسرافهم واستهتارهم..إنها أَرضٌ غُرِسَ حُبُها في مواطِنيهِا والمقيمينَ فيها لعملٍ ساهموا فيه معنا ببناءِ حضارتِها ودولتها مُنذُ نَشأتِها فشاركونا هذا الفضلَ فواجبٌ علينا حِفظُ حقوقِهم كما أدَّوْا أعمالَهم المنوطةَ بهم..إنهُ وطنٌ يُحبنا ونُحبهُ ونَحميهِ ونُدافِعُ عنهُ ونتكاتَفُ مع بعضنا ونتناصحُ فيما بيننا وندعو لجنودنا المرابطين في الحدود فهذا واجبُهم علينا..لنقفَ معهم وننتصرَ لهم..
بلادٌ ألفاناها على كلِّ حــالـةٍ وقد يُؤلفُ الشيءُ الذي ليسَ بالحسنْ
ونستَعذِبُ الأَرضَ التي لا هوى بِها ولاماؤها عَذبٌ و لكنها وطـــنْ
اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين..واكفنا شر أعداء الدين واحم حوزة الإسلام والمسلمين..اللهم من أرادنا وبلاد المسلمين بِسوءٍ أو ضلالٍ وفِتنةٍ فأشغلهُ بنفسِهِ يا قويُّ يا عزيز..أقول ما تسمعون
الخطبة الثانية ..الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
أيها الأحبة. مَعْنَى حُبُّ الوطنِ واقترانُه بالإسلام ليس خاصاً بأرض واحدة بل يشملُ جميعَ بلادِ المسلمين فينبغي للجميع أن يَشعروا بما تكلّمْنَا عنه من قواعدَ وحفظٍ للبلدان والأمن ببلاد المسلمين فيحبونَنا ونُحبُّهم..ونأسَى لمصابِهم..ونحذرُ من المساهمة في التفريق وإثارةِ الفتنِ والتفرّقِ والمؤامراتِ بينَهم..مما يؤثِّرُ على حياةِ الناسِ فلا يمكنُ أن يقومَ دينٌ ولا حياةٌ حينما يُفقَدُ الأمنُ فينبغِي للجميع الشعورُ بنعمةِ الأمنِ والتكاتفُ بوحدةِ الكلمةِ والمحافظةِ عليها بالحقِّ والمعروفِ وإقامةِ الدين..والحذرُ ممن يريدُ إقامةَ الفتنِ بالتعدي على الدين والقيم وإفسادَ الأمنِ..نسألُ الله أن يحفظَنا وسائر بلاد المسلمين من الفتن والمؤامرات..اللهم اجمع كلمتنا على الحقِ ووحِّدْ صفَّنا واجمعْ شملَنا وتولَّ أمرنا واهدنا سُبلَ السلامِ والإيمانِ اللهم وفق ولاةِ أمورنا لما تُحبُ وترضى وخُذ بنواصيهم للبرِ والتقوى وارزقهم البطانَةَ الصالحةَ والصحةَ و العافيةَ..وجنبهم بطانةَ السوءِ يا عزيزُ يا كريم يا غفور يا رحيم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..
وحبَّب أوطانَ الرِجَالِ إليــهمُ مآربٌ قَضّاها الشبابُ هُنالُلكا
إذا ذَكروا أوطانَهُم ذَكِّرتْهُـــمُ عُهودَ الِصَبا فيها فحنوا لذلك
وجَد ذلك محمدٌ صَلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ،فقال عند هجرته سكن مكة..(ما أَطيبكِ من بلدٍ،وما أَحَبَكِ إليَّ،ولولا أنَّ قومي أخَرجوني مِنكِ ما سَكنتُ غيركِ)لكن محبَّته لم تنسه همَّ دعوتِه فأحبَّ المدينةَ وألفها كما أَحَبَّ مَكةَ،وكان يدعو ربَّه أن يرزقهُ حُبَّها كما في البخاري..(اللهم حبب إلينا المدينةَ كَحُبنا مَكَةَ أو أشد)وكان عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفرٍ فأبصرَ درجاتِ المدينةِ أوضعَ نَاقتهُ ـ أي..أَسرعَ بِها وإذا كانت دابةً حَركهَا من حُبها-.رواه البخاري..علّق ابنُ حجر.."فيهِ دلالةٌ على فضلِ المدينةِ وعلى مشروعيةِ حُبِّ الوطنِ والحنينِ إليه".
عباد الله..حُبّ الوطَنِ والحنِينُ إليهِ سُنةٌ نبوية وغريزةٌ بشريةٌ وحُبُّ الوطَنِ والانتماءُ إليهِ بالشعورِ والتصرفاتِ وليس بالمظاهر والتفاهات..فهناك من يَدَّعي حُبَّ الوطَنِ وهُم أَضرَّ الناسِ على الوطنِ وأَهلهِ،يُريدونَ له الفسادَ وإثارةَ الفتنةِ فيه بإرهابٍ أو تخريب..فالانتماءُ للوطنِ دينٌ وإنسانٌ وقيم وآثار وحضارة منطلقة منه ورجالٌ بذلوا له من ولاة أمر وعلماء ورجال أمن وجيش ومثقفين وعامة..وأما حِسُّ الانتماءِ يكون بحرصِ الإنسانِ لعَدَمِ تَشويهِ بَلَدِهِ وجَلبِ السوءِ إليهِ بفكرهِ وفِعلِهِ وتَصَرفهِ وبَذلِ مَالِهِ لِجَلبِ الشُرورِ والفتن إليه أو التعاطفِ مع أعدائه وإضعافِ ما تميّز به من شريعةٍ وقيم وخلق.
حُبُّ البلادِ والانتماءُ إليهِا يَجعلُ الإنسانَ حَريصاً على رفَعِ سُمعتِها بالحقِ والبحثُ عن وسائِلَ تُمَيّزُهُا مِنْ خِلالِ فِعلِهِ وتصرفه..فهل من الوطنيةِ إفسَادُ الشَبابِ لينقلبَ ولاؤُهم من بُلدانِهم إلى بلدانٍ أُخرى يُعجبون برموزها ويقلدونهم ويُحبونهم ويتبعونهم بما يُفسد الولاء ويُضيّعُ الانتماءَ ويُفقدُ الهويَّةَ؟!هل من حُبِ الوطَنِ إفسادُ المرافق الرسمية وعبث بالمال العام وبمشاريع البلد ومقدراته من رشوةٍ وسرقةٍ وسوء تنفيذٍ من قبلِ ضعيف ذمةٍ ومُخالفٍ للأنظمة ومنتهكٍ لقوانينه ونظامِ مروره بسرعةٍ متهورةٍ أو مظاهرَ مائعةٍ وإفسادٍ ومُعاكساتٍ ونشرٍ للفوضى والمخدرات،وإلحادٍ وجريمة وجرأة على الدين والثوابت..ونيلٌ من ولاةِ أمرٍ وعُلَماءٍ،وسعيٌ للتفرقةِ والتصنيفِ والتخوينِ للناس بالكذبِ وتدليسٌ كما يَفعلهُ البعض؟!هل مِنْ حُسنِ الانتماءِ لبلادٍ أَعلنَت رايةَ التوحيدِ أن يوجد بها مَنْ يَتَبنّى الغلوَّ والتطرفَ كَقَاعِدةٍ يَزعُمُ الانطلاقَ بِها من بِلادٍ شعارها الوسطية والاعتدال ليُفسِدَ ويُخَرِّبَ في البلادِ العَامِرةِ أو يُسَافِرَ لينشُرَ الفِتَنَ والأفكار الضالة وينضمَّ لفرق الفتنةِ كداعش وغيرها لتشويهِ الجهادِ والبلادِ والمسلمين بِأَفعَالِهم أو يتجاوز بالنيل من ثوابت الدين..أو يتبِّع بولائِه مبتدعةً صوفيةً ورافضةً لا يريدون خيراً للبلاد..
هل مِنْ الوطَنيةِ طرحُ الإشاعات والمبَالغَةُ بِها لتشويه سمعة الناس بلا بيِّنةٍ والنيلُ من عُلَمَاءَ ومثقفين ونقدٌ غير بنَّاء لغرضِ التشَهيرِ والتَقريعِ ونشرُ ثقافة التغريب وليسَ الإصلاحُ!!فهل هذا حبُّ الوطن؟!هل من حب الشباب لوطنهم بطالةٌ يعيشونَها تاركين فرصاً عظيمةً للعملِ الشريف وبناء الوطن؟!وفراغٌ بالتوافهِ يقضونَه وقِلَّةَ طموحٍ يعيشونَه؟!وتسكعٌ بالطرقات والأسواق يُظهرونَه.. وعند احتفالِهم أو فرحتِهم يؤذونَ الغيرَ ويُثيرونَ الفوضى،ويتعدّون على الممتلكات وينتهكون الآدابَ العامة..ثم يدَّعون حب الوطن!!هل من حبِّ أوطاننا عدمُ حفاظنا على بيئته وإهمالِنا لنظافتهِ في احتطابٍ جائر لأرضنا وإفسادٍ للمراعي!!ورميٍ للمخلفاتِ وكثرةِ اختلافات!!هل حمَلُ رايةِ وطَنٍ بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يكونُ بلا مَعرفةٍ صادقةٍ واحترامٍ بيّن لشهادة التوحيد مكتوبةٍ بها،ومعرفةِ لوازمِها بولاءٍ للمؤمنين ووقوفٍ ضدَّ أعداء الدين قولاً وعملاً ..
إنَّ حبَّ البلاد الحقيقي يكون بلا مظاهرَ سيئة ولا أخلاقَ مذمومة ومن يفعل ذلك لم يُدركْ معنى حب الوطن الحقيقي،فهمه أَغانيَ وترانيمَ وشِعَاراتٍ ومظاهرَ يخالفونها بفوضويّة وتبعيّةٍ للغير لا ترتقي لوطنيةٍ صحيحةٍ،فنشأ حينذاك أجيالٌ هَزيلةً في ولاءاتها،ساذجةٌ في تعبيرها،تجدُ هم لايحترمون نظاماً..يفسدون المرافق العامة وأَجيالٌ متشدّدَةٌ تَلجأُ للتكفيرِ والتبديعِ بل وصلوا للتكفير وهزَّ الأمنِ لا يُقيمونَ حُرمَةً لاجتماعِ كلمةٍ ولا لوليِّ أمر أو عالم ولا لنظامٍ ولا احتسابٍ ولا لحدودِ بلدٍ وأمنه!!يُظهرون في وسائل التواصل أعمالاً تخالف الدين وتشوه الوطن الذي يحبون..الحبُّ الحقيقيُّ للوطن يُقدِّسُ عقيدةً قامَ عليها ويرسخها في الأَجيالِ،ويشكرُ لله نعمةَ الإيمانِ والأمنِ ويحافظُ عليهِ ويحترمُ رجالَهِ وينَشرُ الأخَلاقَ الحسنةِ ويُحَارَبُ السيئةَ،لتخلوَ أَرَضَهُم من مظاهرِ الشِركِ والبِدعةِ..ويحرصُ على وحدة الكلمةِ والسَمعِ والطاعةِ بالمعروفِ ولايُصنِّفُ المجتمعَ والناسَ ويُفرِّقهُم على هواه أو على عصبيةٍ قبليِّةٍ أو مناطقيِّةٍ..الحبُّ الحقيقي للوطن بِصناعةِ أَجيالٍ جادةٍ ومستقيمةٍ تعرفُ هدفَها بالحياةِ وتسعى لأجله..تتعلّمُ بجدٍ وتعملُ بطموحٍ،وتلهوَ بعقلٍ،وتخدمُ بإخلاص..وتُنافسُ بأَعلى المراتبِ العلميّةِ والعمليةِ والعالميّة لرفعة دينِهم وأوطانِهم..
الوطنيّةُ الحقةُ عَقِيدةٌ راسخةٌ ومُجتَمعٌ مُوحدٌ ومتكاتفٌ قيادةً وشعباً،والأمَنُ هو أَمنُ التوحِيدِ والإيمانِ وأَمنُ الأخلاقِ ونبذ الفساد وحفظ العِرضِ والدم(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)ورسوخُ حُبِّ العقيدةِ يحفظُ البلادَ من الخطرِ والتنازع ..
حَبُّ الوطنِ يتجلَّى في القضاءِ المُحَكَمِ على أَسبابِ الشَرِّ والرذيلةِ والفساد من رشوةٍ ومحسوبيِّةٍ وواسطةٍ ذميمةٍ وتستُّرٍ تجاري..حبُّ الوطن بالغيرة عليه من كلِّ ما يُفسدِه والدفاعِ عنه مع غرسِ حُبِّ الأرضِ والفداء عنه وعن دين أهله وأخلاقه وحدوده.
حُبُّ الوطنِ بنشرِ روحِ العلمِ والثقافةِ وقيامِ النَصيحةِ والتعاونِ والتكاتُفِ فَنحنُ دينٌ واحدٌ وبلدٌ واحدُ ولُغَةٌ واحدةٍ لا مكانَ فيهِ لتفرقَةِ اللونِ والشكلِ والقبيلة أو الفَقرِ والغنى والمواطنِ والمُقيم حبُّ الوطنِ بالمحُافَظَةِ على الآدابِ الشِرعيِّةِ والنُظُمِ العادِلَةِ المرعيِّةِ مما يجمعُ الكَلمةَ بين الراعي والرعيِّةِ،سمعًا وطاعةً بالمعروفِ، وأداءً للحقوقِ والواجباتِ كلٌ فيما لهُ وعليه..الوطنُ بقضاءٍ نزيهٍ عادل لا يُفرِّق بين أحدٍ وينجزُ معاملات الناس..وبمشاريعَ تعليميِّةٍ وتنمويِّةٍ واجتماعيِّةٍ للناس والمواطنةُ الصادقة برعاية الحقوقِ واجتنابِ الظُلمِ،واحترامِ حقِّ الغيرِ،والسعي لتأمينِ الآخرينَ على أموالِهم وأنفسِهِم،فالوطنُ حقًا إِنسانٌ كرَّمهُ اللهُ بالإِنسانيةِ..ليؤدي ما عليه من حقوق،من والدين وأرحام وولاة أمر وعلماء وجيران وأصحابَ ومارّة..واستخدامٌ أمثل للمرافق العامة يشتركُ في منافعها مواطنٌ ومُقيم..فلا يَظْلِم أو يُظلم ولا ينَهْبَ إذا وجد فرصةً ولا يتعدَّى على مالٍ عامٍ أو أراضي ويأخذها بغير وجه حقٍ بمكرٍ وخداع كأنَّه كلأٌ مُباحٌ أو فرصةٌ سانحةٌ لا تؤجل..فهذا إساءةٌ للدين والوطن..
إنَّ حُبَّ بلادَنا هنا ينطلقُ من دينٍ وأرضٍ عَاشَ فيها خَاتم الأنبياءِ والمرسلينَ ومعه الصحابةُ أجمعون وعلماءُ سابقون ولاحقون نشروا فيها دينَ الله وتعاليم للإسلامِ فزادت قيمةُ أرضنا التي كانت زمناً طويلاً جوعاً وخوفاً وتفرقة ثم اجتمعت فيها الكلمة وشاع الأمن وخرج الخير منها أرضها وعمَّتْ النعمُ بفضلِ الله ثم بدولة تُعلنُ الحكمَ بشرع الله وترفعُ رايةَ لا إله إلا الله محمد رسول الله..فيها الحرمانِ الشريفانِ وقبلةُ المسلمينُ والمأوى لهم والحجُّ والعمرةُ والزيارة..أَرضٌ تملؤها المساجدُ و يُرفعُ فيها الآذان فتقفَلُ المحلات لترى الناس فيها رُكَّعاً سجداً لله بالصلواتِ..فيها مناشطُ الدعوة وطلب العلم مما نريد الحفاظَ عليه وتميُّزَه عِلماً وعَملاً..وتذكرُه بشكر الله والمحافظة عليه..نسألُ الله دوامَ النعم..ولنربِّ أجيالَنا ونعلِّمَهَم ذلك بدلاً من إسرافهم واستهتارهم..إنها أَرضٌ غُرِسَ حُبُها في مواطِنيهِا والمقيمينَ فيها لعملٍ ساهموا فيه معنا ببناءِ حضارتِها ودولتها مُنذُ نَشأتِها فشاركونا هذا الفضلَ فواجبٌ علينا حِفظُ حقوقِهم كما أدَّوْا أعمالَهم المنوطةَ بهم..إنهُ وطنٌ يُحبنا ونُحبهُ ونَحميهِ ونُدافِعُ عنهُ ونتكاتَفُ مع بعضنا ونتناصحُ فيما بيننا وندعو لجنودنا المرابطين في الحدود فهذا واجبُهم علينا..لنقفَ معهم وننتصرَ لهم..
بلادٌ ألفاناها على كلِّ حــالـةٍ وقد يُؤلفُ الشيءُ الذي ليسَ بالحسنْ
ونستَعذِبُ الأَرضَ التي لا هوى بِها ولاماؤها عَذبٌ و لكنها وطـــنْ
اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين..واكفنا شر أعداء الدين واحم حوزة الإسلام والمسلمين..اللهم من أرادنا وبلاد المسلمين بِسوءٍ أو ضلالٍ وفِتنةٍ فأشغلهُ بنفسِهِ يا قويُّ يا عزيز..أقول ما تسمعون
الخطبة الثانية ..الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
أيها الأحبة. مَعْنَى حُبُّ الوطنِ واقترانُه بالإسلام ليس خاصاً بأرض واحدة بل يشملُ جميعَ بلادِ المسلمين فينبغي للجميع أن يَشعروا بما تكلّمْنَا عنه من قواعدَ وحفظٍ للبلدان والأمن ببلاد المسلمين فيحبونَنا ونُحبُّهم..ونأسَى لمصابِهم..ونحذرُ من المساهمة في التفريق وإثارةِ الفتنِ والتفرّقِ والمؤامراتِ بينَهم..مما يؤثِّرُ على حياةِ الناسِ فلا يمكنُ أن يقومَ دينٌ ولا حياةٌ حينما يُفقَدُ الأمنُ فينبغِي للجميع الشعورُ بنعمةِ الأمنِ والتكاتفُ بوحدةِ الكلمةِ والمحافظةِ عليها بالحقِّ والمعروفِ وإقامةِ الدين..والحذرُ ممن يريدُ إقامةَ الفتنِ بالتعدي على الدين والقيم وإفسادَ الأمنِ..نسألُ الله أن يحفظَنا وسائر بلاد المسلمين من الفتن والمؤامرات..اللهم اجمع كلمتنا على الحقِ ووحِّدْ صفَّنا واجمعْ شملَنا وتولَّ أمرنا واهدنا سُبلَ السلامِ والإيمانِ اللهم وفق ولاةِ أمورنا لما تُحبُ وترضى وخُذ بنواصيهم للبرِ والتقوى وارزقهم البطانَةَ الصالحةَ والصحةَ و العافيةَ..وجنبهم بطانةَ السوءِ يا عزيزُ يا كريم يا غفور يا رحيم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..