• ×

07:59 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

أهمية الأمن للأوطان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ لله ربِّ العالمين،أحمده سبحانه وأشكرُه على نِعمةِ الأمن والإسلام،وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملك العلام،وأشهدُ أنَّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسولُه سيدُ الأنام صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام وسلَّم تسليما..أما بعد:أيُّها الناس اتقوا الله..
أعظم نعمةٍ من الله للإنسان بعد نعمة الدين هي نعمة الأمن والاستقرار(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف)إذا عَمّ الأمنُ البلادَ وألقى بظلّه على الناس،أَمِنَ الناسُ على دينهم،وعلى أنفسِهم وعقولهم وأمِنُوا على أموالهِم وأعراضِهم ومحارمهِم..ولو كتبَ اللهُ الأمنَ على أهل بلدٍ من البلادِ سارَ الناسُ ليلاً ونهارًا لا يخشون إلا الله..وفي رحابِ الأمنِ وظلّه تعُمّ الطمأنينةُ النفوسَ،ويسودُها الهدوءُ،وتعمُّها السعادةُ،قال صلى الله عليه وسلم(من أصبح آمنًا في سِرْبه معافًى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بحذَافِيرها)..أخرجه الترمذي..وكذلك العكسُ أيُّها الإخوة..فإذا سُلبَ الأمنُ من بلدٍ ما فتصوّر كيف يكونُ حالُ أهلهِ؟!وكم من البلاد حولنا الآن يعيشُ أهلُها في خوفٍ وذُعرٍ،في قلقٍ واضطرابٍ،لا يهنئون بطعامٍ،ولا يرتاحونَ بمنامٍ،كلٌ ينتظرُ حَتْفه بينَ لحظةٍ وأخرى،عَمّت بلادَهم الفوضى،لأن شرذمة باغية متطرفة أفسدت عليهم أو حاكم ظالم طغى فيهم فنسألُ اللهَ جل وعلا أن يرحمنا برحمته وإياهم،ونحن نخاف والله أن يدرِكَنَا ما أدركَهم..كيف ونحن نرى اليومَ بعضَ الناس يتهاونون بأمن بلادهم وحدودها،وإزهاق أرواح جنودها يزعمون أن ذلك رفعةً للإسلام،وهم يهدمون الإسلام بفعالهم وتطرفهم ..
أيّها المسلمون..بلادٌ الأمن فيها دعاءُ إبراهيمَ الخليل عليه السلام:ربِّ اجعل هذا البلدَ آمنًا،فاستجاب الله دعاءَه(وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)وفضَّل الله البيتَ الحرام(مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)هذه نعمةُ الأمن في بلادِنا ولله الحمد بعدما مرَّ عليها جوعٌ وخوف في عصورٍ سالفة..عاش ذلك أجدادُنا وروَوه وحدَّثوا به،وهذه النعمة لا يُسمحَ لأحدٍ أن يعبث فيها أو يُخلُّ بها بتطرفٍ أو غلوٍّ أو فساد دين وخلق يسبب العقوبات الإلهية..ولم نكن نتصور أن يخرجَ من شبابنا من يفسدُ الأمنَ بقتل نفسه والتعدّي على رجال أمن وتكفير وتطرف جعلهم ينفذون خطط أعدائنا علموا أم لم يعلموا..شبابٌ ولاؤُهم لغير بلادهم ولغير علمائهم وولاة أمرهم،لا يُحقِّقون إلا مصلحة الأعداء وقد حذّرَ صلى الله عليه وسلم من فعالهم وصفاتهم نسأل الله أن يهديَ ضالَّهم ويَكفيَنا شرّهم..وليس هكذا الإصلاح؟حتى لو وجدت أخطاء يرونها وتجاوزات مثل غيرنا لكننا نصلحها بتكاتفنا شعباً وقادةً وعلماء ومصلحين وبالتناصح والاحتساب بسلك الطرق الشرعية والحكمة والإصلاح أما هاوية التطرف والغلو والإفساد فلم تُحقِّق إصلاحاً ولا نماءً عبر التاريخ بل أراقت الدماء وأضاعت البلدان وأبدلت الأمن خوفاً وليس بعد ضياعِ الأمنِ شيء..فالإنسانُ يمكنُ أن يعيشَ فقيراً جائعاً لكنه لا يعيش مع الفوضى والقلاقل والاضطرابات والأمن مسؤولية الجميع ومن وسائل حفظ الأمن إقامة العدل بين الناس في الحكم والمعاملة فبالعدل تدوم الدول وغيابه سببٌ لزوالها!!ومن ذلك إقامة الحدود الشرعية(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)
أيها الأحبة..إذا اختلَّ الأمنُ تبدَّل الحالُ،ولم يهنأْ أحدٌ براحةِ بال،فيلحقُ الناسَ الفزعُ في عبادتهم، فتُهجَرُ المساجدَ ويمنَعُ المسلمُ من إظهارِ شعائرِ دينه..باختلالِ الأمنِ تُقتَلُ نفوسٌ بريئة،وتُرمَّلُ نِساءٌ، ويُيتَّم أطفال.ويفشوا الجهلُ ويشيعَ الظلمُ ويحل الخوف،(فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما يكون يصنعون)..لطلب الأمن لا بد من حفظ العقول من التصورات الفاسدة والأفكارِ المنُحرفةِ الضالة في التكفيرِ والتفجيرِ والتبديعِ والتصنيف والفسقِ والفجورِ..
ومن وسائل حفظ الأمن أن نوجد تعليماً يدركُ أهميةَ الواقع والمنافسة..والثقافة يتبناها مثقفون مُخلصون لدينِهم وأمتهِم وملتزمون بأخلاقهِم..وبمشاريعَ تنشرُ الخيرَ وتبذلُ النفعَ العامَّ للناس في حياتِهم وتعليمِهم وأخلاقِهم وعلاقتِهم فيما بينهم..
حفظ الأمن يكون بإعلامٍ يتجنب فساد الأخلاق وحفظ كيان الأسر التي هي منبع التربية والحفظ من الخطر..أما عرض الفساد والإفساد في الأخلاق والعقول وضياع الهوية وتأكيد التبعية للغير وتشويه جهات الدين والحسبة ينافي الانتماء للوطن ولا يحمي الدين ولا الأمن،
من وسائل حفظ الأمن أن نعلم أهمية رجال الأمن الذين يقومون بحماية البلاد وأن نعترف بجهودهم وننوّه بها وننظر للآثار الكبرى لهذه الجهات في حماية أمننا وحفظ البلاد وقيمها في هذا السبيل العظيم والمصلحة الكبرى وهذا الأمن يشملُ الحياةَ والأخلاقَ وإقامةَ النظام والمحافظةَ عليه ضد كل من يريد إفساده..كما ننظر لجهود جنودٍ مرابطين على الحدود هم الأبطال فعلاً؟
مما يؤثر بالأمن عباد الله الاستهانة بالدماء والقتل التي أصبحت من سمات الزمن فلم يرد بالقرآن تحذير من ذنب بعد الشرك كما ورد في القتل بغير حق،ويكفي أنَّ(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)وعظمه سُؤالِه صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد بعد أن قتل من تشهد بالتوحيد فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟))فقط لا إله إلا الله،فكيف بالصيام والصلاة والحج وأعمال ستكون خصيمك أمام الله؟و(لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)رواه البخاري وأعظم من القتل التكفير،الذي هو مدخلٌ لاستباحة الدماء والاستخفاف بها(وأَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ)متفق عليه ورسول الله-صلى الله عليه وسلم- لم يخرج مسلماً من الإسلام،حتى المنافقون أخذهم بظاهرهم وأمضى عقودهم ومعاملاتهم،ووكّل سرائرَهم إلى الله ليكون تشريعاً من بعده،وليس من حق أحد أن يصنف الآخرين ويكفرهم على هواه ورؤيته الضيّقة أو أن يزعمُ الخلافةَ بالأرض على هواه فالأوطانُ تتسعُ للناس ويشتركون بالحقوق والواجبات والمحن والآلام،وغرس الكراهية والتفرق يؤجج الفتن والحروب..أما السماحة والتسامح فهي التي تجمع القلوب..ندينُ العدوانَ على حياةِ الإنسان من أي أحدٍ ونبذ العنف أيّاً كان ممارسه..فكيف بهؤلاء وهم يستهدفون رجال الأمن بالقتل وهمَ موكلون بحماية البلاد.
فحافظوا إخوتي على هذه النعم في أوطانكم نعمةُ العقل والدين والأخلاق والأمن،حافظوا على عقولِ أولادكم من كُلِّ ما يضرها في دينها ودنياها،لننتبه للشباب بإقامة المحاضن التربوية والتعليمية التي توجههم نحو العلم والشرع وتحفظهم من الشبهات والشهوات ومن خفافيش الظلام عبر وسائل التواصل ولا حماية ولا مواجهه إلا بالعلم الشرعي لدى علماء ودعاة ثقاة..
إن الأمنَ يكون في ظل شريعةِ اللهِ حُكمًا وتَحاكمًا،ولقد امتنَّ الله بنعمةِ الأمن(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ)وببركةِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر تُمنَع الشرور والآفاتِ عن المجتمعات..وحِفظُ الأمن في بلادِ الحرمينِ ألزمُ،فعلى ثراها تنزَّل الوحي،فيها بيتُ الله قائم،ومسجدُ نبينا صلى الله عليه وسلم عامر والحكم معلن أنه بشريعة الله..وبالتمسك بالشريعة يسعَدُ الجميعُ بالأمن والرخاء مواطنين ومقيمين ورجال شرط لأن مظلةَ الأمن تُظلِّنا جميعاً بفضل الله فنتعاون كلنا لإقامتها وعدم الإخلال بها((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُون))..والحفاظ على أمن الوطن ومقدراته وبذل النصيحة والمناصحة مع الولاة والقادة هو الوطنية الحقة وهو احترام للوطن ومبادئ الدين فالوطن ليس شعارات ترفع ولا يُعرف معناها..اللهم إنا نعوذ بك من حال الفاسقين وألا تجعلنا من غير الآمنين واجعلنا من عبادك الصالحين يا أرحم الراحمين..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد..
عباد الله..إن ما حدث الأسبوع الماضي من جريمة التعدي على رجال الأمن ليدعونا للتفكير كيف بمآلات هذه الجريمة الشنيعة بالتعدي على رجال الأمن الذين هم موكّلون بحماية البلاد والعباد؟!وليس من جواب إلا أننا نقول يبدو أن هؤلاء بإجرامهم يُداروُنَ من قِبَلِ من يُريد إفسادَ بلادِنا وتشويَه دينِنا وقيمنا وإلا كيف يُتصوَّرُ أن يفعلَ شابٌ نشأ في كنف أسرة آمنة متديّنة والقرآن يُتلى والصلوات تقام ويرى تكاتفَ وتلاحمَ شعباً وقادةً مواطنين ومُقيمين ثم يأتيَ هذا الفعلُ الذي يتجاوزُ الدينَ والعقلَ والقيم..والمستفيدُ منه أعداء الملة والمتربصين ببلادنا إفساداً وعدواناً نسأل الله أن يهديَ ضال المسلمين ويكفينا شرَّ الغلاة والمتطرّفين فإن هذا الدين يُسر ولن يُشاد الدين أحدٌ إلا غلبة..
اللهم آمنا في أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان والسلامة والاطمئنان وارزقنا شكرها و المحافظة عليها..اللهم ارزق بلاد المسلمين الأمن والإيمان والحكم بشرعية الرحمان والنجاة من الظلمة والطغيان يا كريم يا منان يا أرحم الراحمين ..اللهم كن لإخواننا في بلاد الشام وفي مضايا فقد طال بهم البلاء وعظم الكرب وزاد الكرب فكن لهم يا ألله ناصراً ومعيناً ومؤيداً وظهيراً..فك حصارهم..وأطعم جائهم ولاتؤاخذنا بتقصيرنا يارب العالمين..

 0  0  699

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.