• ×

02:53 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

لتكن الإعاقة انطلاقة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله جعل لكل شيء قدرا،وأحاط بكل شيءٍ علما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بالرفق والرحمة والتيسير والمثُلِ العليا..أما بعد فاتقوا الله عباد الله.. الشريعةُ الإسلاميةُ اهتمّت بأفرادها،ولم تُميّز بينهم إلا بالتقوى، أمرت بالعدل، وأعطت كلَّ ذي حقٍّ حقه..والفرد جزءٌ من المجتمع، يتمتّعُ بكاملِ حقوقٍ وضعها له الإسلام وزاد اهتمامُه بذوي الضعف والإعاقة إنسانيّةً ورحمةً فهم شريحةٌ من المجتمع وفئةٌ عزيزة منه،لهم سائرُ الحقوق التي للفرد الصحيح،وانفردوا بأخرى مراعاةً لحاجاتهم..إنهم الأشخاصُ ذوي الإعاقة كما يُسمّوْن..يرحمُهم الإسلام ويضعُ عنهم الحرجَ كالأعمى والأعرج والأبتر والمشلول وغيرهم هكذا جاء الإسلام في وقتٍ كانت حضارات سابقة يتبرّمون ويتخلّصون منهم لأنهم يرونهم عالةً على المجتمع لا يُنتجون وللمال يستنزفون..
عباد الله..المعاقون في العالم الآن يزدادون وبلغوا ما يقارب مليار معاق(80%)منهم بالدول النامية نسبة البطالة بينهم(90%) بينما بطالتهم تقلُّ بدول غربية لـ(50%)والمعاقون في بلدنا تقريبا مليون شخص ٤٠٪‏ منهم فقط يستفيدون من الخدمات المخصصة لهم مما يُوجبُ علينا التنبه لهم،ووضع حلولٍ مناسبةٍ لخدمتهم وتأهيلهم ليشاركوا مع مجتمعهم !وحقُّ المعاق يبدأ من أُسرةٍ ولد فيها، ونشأَ بها، وتربّى لديها، والفحوص قبل الزواج سببٌ بإذن الله للحمايةِ فأمراضُ الوراثة من أكثر مُسبّباتِ الإعاقة، وإذا قدّر الله ولادة المعاق فيجب خدمتَه وتأهيلَه..وضعفُ إعاقته سببٌ لخدمته يقول صلى الله عليه وسلم (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)رواه النسائي..والإسلامُ اهتمَّ بالمولودِ واعتنى به ببطن أمه،بتجنيبه أسباب الإعاقة،فأباح للحامل الفطرَ برمضان إذا خافت عل جنينها وتبتعد عن كل ضررٍ وإضِرار، يؤثِّر بنموِّه وتكوينه، كتدخين ومخدرات وعقاقيرَ بلا استشارة قد تعرِّضُه لأضرارٍ ومُؤثِّراتٍ ليُولدَ مُعاقًا أو مُشوهًا،وواجبُ الوالدين الحرصُ على حماية الجنين..وإذا رُزقا بولدٍ كتب الله أن يكون مُعاقًا فليبشرا بمزيد أجرٍ بالعنايةِ به،وحسنِ تربيته،والاهتمامِ بشؤونه وتأهيله، ودورُ المجتمع تذليلُ الصعاب له؛ليكونَ عضوًا فاعلاً فيه..

أيها الأحبة..روي في الحديث أن امرأةً كان في عقلها شيءٌ كأنه جنون أمسكت بالنبي وقالت..يا رسول الله إن ليَ حاجةً أتريد أن تقضيَها لي فأمسكها الرحيمُ صلى الله عليه وآله وسلم – وقال..امشِ بي في أي مكان في المدينة أقض لك حاجتك)..وعاتبه ربه بقرآنٍ يُتْلَى لمّا تولّى عن الأعمى وانصرف للزعماء(عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6)وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى(7)وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى(9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهم خلفاء أنهم يخدمون المعاقين ويرعوْن شؤونهم في خفيةٍ رغبةً بالأجر..والخليفةُ عمرُ بنُ عبدِالعزيزِ كتبَ لأمرائِهِ أنْ يُحصُوا لهُ ذوِي الإعاقة،وأمرَ لكلِّ أعمَى بقائدٍ يَدُلُّهُ علَى الطريقِ..
عبادَ اللهِ..فِي زمانِنَا يعيشُ بينَنا فئةٌ منْ ذوِي الإعاقة،كالأعمَى والأصمِّ وقليلِ الإدراكِ وضعيفِ الحركةِ،وذوي التوحّدِ غيرُ قادرين عَلَى العطاءِ إلا بتعاونِنَا معَهمْ،والتكاتفِ بخدمتِهم وإقامة حقوقهم ورعايةِ مصالحهم وذَلكَ أجرٌ عظيم،قَالَ صلى الله عليه وسلم«أَبْوَابُ الْخَيْرِ كَثِيرَةٌ.. تَّسْبِيحٌ وَتَّحْمِيدٌ وَتَّكْبِيرٌ وَتَّهْلِيلٌ..وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ،وَتَهْدِي الأَعْمَى،وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَتِهِ،وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ مَعَ اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ،وَتَحْمِلُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ، فَهَذَا كُلُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ»أخرجه البخاري فهذَا الحديثُ وغيرُهُ أحاديثُ كثيرةٌ تفتحُ بابَ خيرٍ ورَّحمةٍ ونفعٍ للناس خاصةً المحتاج فلكُلِّ مَنْ أكرمَهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ بوجودِ ذوِي الإعاقة بينَهُمْ مِنْ آباءَ وأمَّهاتٍ ومُعلِّمينَ ومدربينَ وأطباءَ وممرضينَ؛مما يدفَعُهُمْ إلَى بذلِ المزيدِ مِنَ الرِّعايةِ والعنايةِ بِهمْ؛وخدمتِهِمْ وإدخالِ السُّرورِ علَى نفوسِهِمْ وذلك مِنْ أحبِّ الأعمالِ إلَى اللهِ تعالَى،بالحديث..(خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهم للناس(
إن قضاءَ حاجةِ المعاقين بالإسلام مُقدَّمٌ على حاجة من ليس معاقاً، وإذا كان الغربُ اليوم يهتمُّ بالمعاق فيقيمون مراكزَ تأهيليّة ومدارسَ خاصةٍ له ونقلاً عامّاً ميسّراً وموقفاً لسيّارته مخصّصاً وحماماً خاصاً وخدماتٍ أخرى تُمكّنُه لأن يتعايشَ طبيعيّاً..فنحن أولى بهذا الاهتمام الذي يأمر به ديننا وتحث عليه القيم.. بدعم وإنشاء جمعياتٍ ترعى شؤونَهم وخدماتٍ تُيسّرُ أمرَهم..ومهنةً تناسبهم وتدمجهم بالمجتمع.. فالنبيُّ-صلى الله عليه وآله وسلم–أدمجَ من يستطيعُ العملَ منهم بالمجتمع وشجّعهم فيُكلَّفُ ابنَ أمِّ مكتوم الأعمى ليخلفَه حاكماً على المدينة مرتين ومؤذناً في المسجد وقبِل عبدَالله بن عمرو بن الجموح الأعرج في الجهاد وغيرهم..فلِمَ إذن نراهم اليوم في دولنا الإسلاميّة للتسوّل والفقر والإهمال،بلا قيمة ولا دورٍ لهم ولا إنتاجَ لأوطانهم إلا قلةً منهم وجدوا رعايةً واهتماماً فأبدعوا!!
إن الأشخاصَ ذوي الإعاقة يحتاجون لعنايةٍ ورعايةٍ خاصة ابتداءً من أوليائهم لا أن يُهملوا ويُهجروا فذلك خطأ وعقوق..بل بعضُ الأسر إذا كان لديهم معاقاً تخجل من وضعه وتحتار به إن لم تهملْه أو تؤذيه عياذاً بالله..أوترميه في دور الرعاية ولاتسأل عنه.. وهذا ظلمٌ يزيد إعاقتَه فهو إنسانٌ رغمَ إعاقته والله يُنمِّي له قدراتٍ أخرى..انظروا للأعمى كيف تقوى حافظته ويزيدُ إبداعه..وامتلأَ تاريخُنا بمعاقين برزوا بالعلم والمعرفة فأبدعوا..فربعيُّ بن عامر أعرجٌ زلزلَ إيوانَ رستمَ بخطابِه، وإبَّان بن عثمان مشلولاً من فقهاء التابعين وعطاءُ بن أبي رباح العالم وموسى بن نصير القائد كانا أعرجين والعالم حاتم الأصم والترمذي أعمى والمفسر قتادة ضرير أبكم،والأعمش سليمانُ بن مهران وابن باز وأحمد ياسين..وعددٌ من علماءَ وشعراءَ وقادةٍ لم تمنعهم إعاقتهم فقدّموا عِلماً غزيراً وفهماً عميقاً وخدمةً كبرى قديماً وحديثاً.. ألا نرى في العالم ممن أُقعد ولا يستطيع الحركة ثم يكون مُبدعاً ومُخترعاً أفضلَ مما كان صحيحاً سليماً..هؤلاء أحبتي حينما اعتُنيَ بهم اكتُشفت قدراتُهم التي وهبهم الله تعالى إياها وعوَّضهم عما أخذ منهم من النعم.. ويجبُ أن نعترف أننا لانزال نحتاج جهداً وفهماً ووعياً للنهوض بالمعاقين وتأهيلهم..ولا تزال الإعاقات عائقاً من خدمة بعضهم وتأهيله رغمَ حثِّ ديننا على ذلك وتشجيعه بالصبر والأجر على مّا ابتلاه الله به يقول صلى الله عليه وسلم(إن الله قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه(عينيه)فصبر عوضته منهما الجنة)ويزورُ عليه الصلاة والسلام عِتبانَ بنِ مالك رضي الله عنه أعمى لا يستطيع الذهاب للمسجد فطلب منه أن يأتيَ إليه ليُصلّيَ في بيته ليتخذه مصلى فأجاب الدعوة! وكان يدعو لهم ويُعطيهم الأمل لئلا يَحسُّوا بالبعد عن مجتمعاتهم فإذا ضعفُوا فواجبٌ على المجتمع مساعدتهم، والضعيفُ أمير الركب ويُراعى حتى بالصلاة..
أيُّهَا الأحبة..إنَّ وجودَ ذوِي الإعاقةِ يدعُو لتوفيرِ جميعِ سبلِ التعليمِ والتعلّمِ والجمعيّات لهمْ بالوسائلِ الحديثةِ والمتاحةِ ليكونُوا لبنةً فِي بناءِ وطنِهِمْ، وهذَا تَمَّ بحمد الله بإنشاء جمعيات في عدد من بلداننا ولنا الفخر بحمد الله أن وُجدت في محافظتنا هنا جمعيةُ(تأهيل) متخصصة بذوي الإعاقة منذُ صغره وحتى توظيفُه بل وتزويجُه..أسّسها خيّرون وقام عليها مجتهدون وطوّرها محترفون وأعانهم في ذلك باذلون فتحصّلت هذه الجمعيّة على جوائزَ وحققت نتائج باهرة ومشاريعَ مُتقدّمة بشهادة متخصصين زاروها.. وكانت مع جهات شاركتْها هذا العمل الإنساني والهمَّ الخيريَّ سببَ فخرٍ لنا لنكونَ محافظةُ الإنسانيّة بمشاريع ومراكزَ متعدّدة تخدمُ الإنسان كما شهد بذلك أمير المنطقة وفقه الله..فواجبٌ دعمُها والمشاركةُ بعملِها ومعرفة جهودها فهاهي جمعية عنيزة للتنمية والخدمات الإنسانيّة تعقد المؤتمر الدولي الثالث للمهتمين بالإعاقة ودراساتها وخبرائها لإعداد البرامج المتقدّمة لتأهليهم لأنّ العالمَ كلَّ يوم يكتشفُ مزيداً من العلاج والتأهيل لأنواع الإعاقة المتعدّدة..وفقهم الله وسدّدهم لمزيدٍ من الإنجاز والتأهيل لذوي الإعاقة وجزى اللهُ القائمينَ والداعمين لهذهِ المؤسساتِ كلَّ خيرٍ، وأخلفَ عليهِمْ، وزادَهُمْ بالإحسانِ إحساناً وعفواً وغفراناً وجنَّةً ونعيمًا (إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)وواجبُنَا تشجيعُ ذوِي الإعاقة للانضمامِ إلَى هذهِ المؤسساتِ لينالُوا حظَّهُمْ مِنَ التعليمِ والرعايةِ والتأهيل كبقيةِ أفرادِ المجتمعِ، فالدراساتُ والبحوثُ بيّنت أنَّ الاكتشافَ المبكّرَ للإعاقة يساهمُ بشكلٍ كبيرٍ فِي علاجِهَا وتخفيف أثرها، وعلينَا أنْ نربِّيَ أولادَنا وطلاّبَنَا علَى حُسْنِ معاملتِهِمْ ومصاحبتِهِمْ بالمعروفِ، وإتاحةِ المشاركةِ لهمْ فِي جميعِ جوانبِ الحياةِ المجتمعيةِ، وواجبُ المؤسساتِ المختلفةِ توفيرُ فُرصِ العملِ المناسبةِ لهمْ، وتشجيعُهُمْ علَى العطاءِ، فلِسانُ الحالِ والمقالِ منهُمْ يقولُ..أعطنِي فرصةً لأثبتَ كفاءَتِي ولا تحرمْني بسبب إعاقتي! لنحترم المعاقين وحقوقَهم ونوفّرَ الممرّات والمواقفّ لهم ودوراتِ المياه الخاصة بهم وتلك أبسطُ حقوقهم..نسأل الله جل وعلا أن يأجرَهم على ما ابتلاهم وأن يوفّقنا لأجر خدمتهم ورعايتهم اللهم عافنا في أبداننا ومتِّعَنا بأسماعنا وأبصارنا واحفظ علينا ديننا وعقولنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا وارحمنا يا ألله بكبَرِنا كما قوّيْتنا بصغرنا واهدنا جميعاً للتكاتف فيما بيننا..أقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
الإعاقةُ الحقيقية-أخي-هي التي تعيقك عن طريق الهدى والخير والرشاد فأكثرُ الجنِّ والإنس(لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ولَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعون بها أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) ومن يُغفلُ الحقَّ ولا يتخذُه معاقٌ سلِمت حواسه وأطرافُه وغاب عقله وضلَّ قلبه،وعميت بصيرته،وصُمّتْ أُذنُه عن الحقِّ، يسعى بقدميه إلى كل شيء إلا الحلال(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)وإذا نزلت بالإنسان بليةٌ في جسده أو ماله أو صحته أو ولده أو عمله أو ظروف حياة تذكّرَ تلك النعم وعادَ إلى الله..
والمعاقون لو وقفوا أمام إعاقتهم لتحجزَهم عن الإنجاز ما سَجّلت لهم البشريةُ تاريخاً عظيماً يُذكر فوقَ المنابر وتتكلمُ عنهم المحابر.
أنت-بإذن الله- قادرٌ أخي المعاق بجسده فالله،كرّمَ بني آدم وجعلَ فيهم من الخصائص والصفات ما فاقت كلَّ المخلوقات،ويكفي أن بين جنبيكَ عقلاً يُفكرُ وقلباً يهدي بك إلى النور،فارسم لنفسك هدفاً في الحياة وانطلق..واجعل من الإعاقة إنطلاقة فالمُقعدُ من قَعُدت به همته..أسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلَنا دائمًا وأبدًا من أصحابِ الهممِ العالية والعزائمِ الصادقة..
[/size]

 0  0  1026

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.