الحمد لله أهل الحمد ومستحقه لا إله غيرهُ وربَّ سواه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في علاه،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ولاه وسلم تسليماً أما بعد.. فيا عباد الله اتقوا الله الذي يقول(( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا))يوم يبعثر ما في القبور..ويحصل ما في الصدور((يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلاْرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً))
عباد اللهِ..رقابةُ البشرِ على البشرِ قاصرة،والإنسان يحملُ همَّ المحافظة على بيته وأولاده من الوقوع بمساوئ الأخلاق والأقوال خاصة مع أجهزة أصبحت بمتناول اليد وصعبة الرقابة..والحلُّ الأكمل للنجاة والحفظ هو في زرع شعور الرقابةِ الذاتية من لدن الإنسان نفسه وربِّه..وخلقِه وقيمه وتلك مرتبة عظيمة أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..البشرُ يغفل..وأما رقابة البشر فناقصة،وتبقى رقابةُ الله الكاملة تمنعُ الإنسان من الوقوع في الخطأ إن آمن بها والتزمها..وهي إذا وُجدت أراحت من رقابة البشر وعقوبة النظام والمسؤول..فمن يخلو ويسافر فليستحضر رقابة الله..وليعلم أنه تجاوز لأنه غافل ربِّ يعلم الظاهر والسرّ وما أخفى وأنه يعلم ويرى فتساهلوا بما يعملونه في الخفاء والله يعلم ذلك وما هو أعلى منه((وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ)) ((إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْء فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء))..يعلمُ ما تُسرُّه الآنَ في سرائرنا ومن بجوارنا لا يعلمُ ذلك..يعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد أعوام وأنت لا تعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد دقائق أو ساعات..((يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)) ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ)) يعلم ويسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.((مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ))كم تآمر المتآمرون وظنوا أنهم يتصرفون كما يشاؤون ويخططون متناسين رباً لا يخفى عليه شيءٌ يسمع ما يقولون ويبطل كيدَهم فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين كم من صاحبِ سلطة أو متسلّط يظلم ويشي ويظنّ أن الله غافلٌ((وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ((
فإذا لقيت يا عبد الله عنتاً ومشقة وسخرية واستهزاء وإصراراً واستكباراً فلا تحزن ولا تأسَ فإن الله يعلم وإليه يرد كل شيء،لا إله إلا هو..يامن وضعَ قدمَه على أول طريقٍ للهداية،وترك المنكرات والأخطاء فسمع مَنْ يسخرُ به،ويُقاطعه ويغريه بالمعصية اثبت وأعلم علم اليقين أنك بين يدي ربٍ يسمع ما تقول،ويساعدك على الثبات ويهديك للتوبة ويا مرتكبَ المعاصي عن أعينَ الخلق إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت.وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجترئُ عليه،وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك؟نسأل الله ألا يؤاخذنا بذنوبنا وأن يعفو عنا((يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً))فيا منتهكاً حرماتِ الله في الظلمات،والخلوات،بعيداً عن أعين المخلوقات،أين الله؟ هل سألت نفسكَ هذا السؤال.روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال))لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتون بحسناتٍ كأمثالِ الجبال بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثوراً قال ثوبان..صفهم لنا،جلّهم لنا أن لا نكون منهم يا رسول الله قال..أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون،لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها))نسأل الله السلامة والعافية وأن يستر علينا دنيا وآخرة..فيامَنْ يملأُ ليله وعينَه وأذنه ويضيعُ وقتَه بمعاصي الله،أين الله؟ أين الله عنك؟
وإذا خلوت بريبة في ظلمة ********والنفس داعية إلى العصيان
فاستحِ من نظر الإله وقل لها********إن الذي خلق الظلام يراني
عمرُ بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعسُ ليلةً من الليالي في المدينة يتتبّعُ أحوالَ الأمة،فإذا بامرأة تقولُ لابنتها..اخلطي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع.فقالت البنت..إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يخلط اللبنَ بالماء..فقالتِ الأم..يا ابنتي قومي فإن عمر لا يرانا..فقالتِ من تستشعر رقابة الله ونحتاج لزرع ذلك في أولادنا لأنها قالت أي أماه فأين الله؟واللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملأ،وأعصيه في الخلاء.فما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فإن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا..فأنعم بها من مراقبة وأنعم بها من امرأة.ولو راقبنا الله حق المراقبة لصلح الحال،واستقامت أمور حياتنا كلها فمبادئُ ديننا وأخلاقِنا نطبقها لنكون قدوات صالحة فيا أيها المؤمن،إن عينَ اللهِ تلاحقُك أينما ما ذهبت،فهل علمتَ ذلك،واستشعرتَه فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطناً، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك؟!يقولُ أحمد بن حنبل رحمه الله..دخلت أحد مساجد بغداد فوجدت شيخاً كبيراً قد اتكأ على جدار فقلت لعله يروي لي حديثاً عن صحابي أو تابعي فلما سألته أنشدني
خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ إذا ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً، فلا تَقُلْ
وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة
ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَتْ
ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى ،
إن اللهَ رقيب حسيب،لا ملجأ منه إلا إليه،هو الشهيدُ وكفى به شهيداً،جعلَ علينا شهوداً لإقامةِ الحجُةِ فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم شاهد ((وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))الملائكةُ شهداء وكفى باللهِ شهيداً،((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ*كِرَاماً كَـٰتِبِينَ*يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)) الكتابُ سيشهد عليك((وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا))وأرضٌ ذلَّلَها الله عز وجل ستشهدُ بما عملناه على ظهرها من خيرِ أو شر (إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلاْرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتِ ٱلارْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا لَهَا *يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا *بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا))ستحدث بما عُمل على ظهرها إذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده،بكاه ممشاه إلى الصلاة،بكاه مصعد عمله إلى السماء.وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقو (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ))والخلقُ أيضا سيشهدون وكفى باللهِ شهيداً..لطالما تفكَّهَ الإنسانُ بين الخلقِ ووقع في أعراضِ المسلمينَ وفضح ما سترَه اللهُ عليه من معاصي وبعضُهم يصوّر فعلَه وينشرُه وما علم أن كلَّ من رآه سيشهدون على ما فعل..مرَّت جنازة عليه صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في نفر من أصحابه فأثني عليها الناس خيراً فقال..((وجبت)).وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوءً فقال.. ((وجبت)).فيتساءل الصحابة؟فيقول صلى الله عليه وسلم.. ((أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة،وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار،أنتم شهداء الله في أرضه،أنتم شهداء الله في أرضه)). رواه مسلم وسيشهدُ عليك يا عبد الله ما هو أقربُ من هذا..فجوارح جسدك ستشهد يدك ورجلك ولسانك وجلدك((ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) ((وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ*حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ*وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ*وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ ٱلُخَـٰسِرِينَ*فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ))اللهم اجعلنا ممن حسنت عملهم ظاهراً وباطناً ورضيت عنهم أقول ...
الخطبة الثانية ..الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..
أيها الأحبة..هذا التناقض التي تعيشه مجتمعات المسلمين بين مبادئ يعرفونها وتصرفاتٍ يُمارسونها من ضعفِ إيمانهم برقابة الله عليهم فتجد بعضنا يطرح نظريات وقوانين لكنه يخالفها بفهمه ويبتعد عن مبادئ الدين الصريح والخلق الصحيح بتعامله ليس في دينه فحسب بل حتى بالتعامل وتطبيق النظام فكثرة الفساد المالي والإداري في بلدان العالم الإسلامي تدلُّ على تناقض صارخ بين ما نؤمن به وبين ما نفعله وأننا نتركُ رقابة الله أولاً ثم نخالف الأنظمة؟!انظروا مثلاً عدم الاهتمام بالنظافة في بلداننا الإسلامية وهي مبدأ عظيم في ديننا الإسلامي بل حتى ممارساتنا بمساجدنا ومواقف سياراتنا بل وترتيب أحذيتنا أكرمكم الله..تدلك على خطأ كبير في التصور والمفهوم..إذا كانت ليس هناك رقابة ساهر قطعنا الإشارة وأسرعنا وغفلنا عن الرقابة الذاتية ما أسرعنا لمخالفة النظام وسلب الحقوق والاعتداء على الأراضي إذا لم يعلم بنا أحد أجهزة التواصل بين يدينا نطالع فيها المحرّم في غفلة عن رقابة الله نسأل الله أن يعفو عنا..وهذا خللٌ كبير أدَّى لتأخَّرِ المسلمين وتخلّفِهم عن الركب فترانا نتعلمُ من قرآننا وسنةِ رسولنا صلى الله عليه وسلم وآثار علمائنا وتربية وآبائنا مبادئَ عظيمةٍ في الدين والأخلاق لكننا نُخالفُها بتصرفاتِنا وسلوكِنا في تناقضٍ بين ما نؤمن به و ما نفعله..لا يعني هذا أن البشر خلقوا كاملين من الخطأ فكلنا خطَّاءٌ وخيرُ الخطّائين التوابون وهذا تناقضٌ يثمرُ نفاقاً اجتماعياً عاماً يصبح طابعاً للمجتمعات ويورث ضرراً عظيماً على الأجيال وينشأون وهم يشاهدون تناقضاً بين القول والفعل ويفتقدون قدوة صالحةً من آبائهم ومن حولهم..فاحرصوا على زرع القدوة في أنفسكم ومن حولكم ربُّوهم على خوفٍ من الله قبل العقوبة والتهديد وعلى أهمية الرقابة على النفس فهذا يغني عن محاضرات ولا غنى لنا عن العظات..ولكن شعورَ الرقابةِ على النفس أعظمُ ولا شك وسيثمر صلاحاً للفرد والأمة والوطن والمجتمع بإيجاد أناسٍ باطنها خير من ظاهرها وأكثر أثراً من نظام يعاقب.
نسأل الله جلَّ و علا أن يرزقنا الإيمان به في الظاهر والخلوات والخوف منه في السر والعلن والتوبة من الخطأ في كل ما نأتيه و نذر و أن يختم لنا بخاتمة الإيمان و يجنبنا الكفر و الفسوق و العصيان.
عباد اللهِ..رقابةُ البشرِ على البشرِ قاصرة،والإنسان يحملُ همَّ المحافظة على بيته وأولاده من الوقوع بمساوئ الأخلاق والأقوال خاصة مع أجهزة أصبحت بمتناول اليد وصعبة الرقابة..والحلُّ الأكمل للنجاة والحفظ هو في زرع شعور الرقابةِ الذاتية من لدن الإنسان نفسه وربِّه..وخلقِه وقيمه وتلك مرتبة عظيمة أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..البشرُ يغفل..وأما رقابة البشر فناقصة،وتبقى رقابةُ الله الكاملة تمنعُ الإنسان من الوقوع في الخطأ إن آمن بها والتزمها..وهي إذا وُجدت أراحت من رقابة البشر وعقوبة النظام والمسؤول..فمن يخلو ويسافر فليستحضر رقابة الله..وليعلم أنه تجاوز لأنه غافل ربِّ يعلم الظاهر والسرّ وما أخفى وأنه يعلم ويرى فتساهلوا بما يعملونه في الخفاء والله يعلم ذلك وما هو أعلى منه((وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ)) ((إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْء فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء))..يعلمُ ما تُسرُّه الآنَ في سرائرنا ومن بجوارنا لا يعلمُ ذلك..يعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد أعوام وأنت لا تعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد دقائق أو ساعات..((يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)) ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ)) يعلم ويسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.((مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ))كم تآمر المتآمرون وظنوا أنهم يتصرفون كما يشاؤون ويخططون متناسين رباً لا يخفى عليه شيءٌ يسمع ما يقولون ويبطل كيدَهم فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين كم من صاحبِ سلطة أو متسلّط يظلم ويشي ويظنّ أن الله غافلٌ((وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ((
فإذا لقيت يا عبد الله عنتاً ومشقة وسخرية واستهزاء وإصراراً واستكباراً فلا تحزن ولا تأسَ فإن الله يعلم وإليه يرد كل شيء،لا إله إلا هو..يامن وضعَ قدمَه على أول طريقٍ للهداية،وترك المنكرات والأخطاء فسمع مَنْ يسخرُ به،ويُقاطعه ويغريه بالمعصية اثبت وأعلم علم اليقين أنك بين يدي ربٍ يسمع ما تقول،ويساعدك على الثبات ويهديك للتوبة ويا مرتكبَ المعاصي عن أعينَ الخلق إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت.وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجترئُ عليه،وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك؟نسأل الله ألا يؤاخذنا بذنوبنا وأن يعفو عنا((يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً))فيا منتهكاً حرماتِ الله في الظلمات،والخلوات،بعيداً عن أعين المخلوقات،أين الله؟ هل سألت نفسكَ هذا السؤال.روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال))لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتون بحسناتٍ كأمثالِ الجبال بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثوراً قال ثوبان..صفهم لنا،جلّهم لنا أن لا نكون منهم يا رسول الله قال..أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون،لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها))نسأل الله السلامة والعافية وأن يستر علينا دنيا وآخرة..فيامَنْ يملأُ ليله وعينَه وأذنه ويضيعُ وقتَه بمعاصي الله،أين الله؟ أين الله عنك؟
وإذا خلوت بريبة في ظلمة ********والنفس داعية إلى العصيان
فاستحِ من نظر الإله وقل لها********إن الذي خلق الظلام يراني
عمرُ بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعسُ ليلةً من الليالي في المدينة يتتبّعُ أحوالَ الأمة،فإذا بامرأة تقولُ لابنتها..اخلطي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع.فقالت البنت..إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يخلط اللبنَ بالماء..فقالتِ الأم..يا ابنتي قومي فإن عمر لا يرانا..فقالتِ من تستشعر رقابة الله ونحتاج لزرع ذلك في أولادنا لأنها قالت أي أماه فأين الله؟واللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملأ،وأعصيه في الخلاء.فما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فإن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا..فأنعم بها من مراقبة وأنعم بها من امرأة.ولو راقبنا الله حق المراقبة لصلح الحال،واستقامت أمور حياتنا كلها فمبادئُ ديننا وأخلاقِنا نطبقها لنكون قدوات صالحة فيا أيها المؤمن،إن عينَ اللهِ تلاحقُك أينما ما ذهبت،فهل علمتَ ذلك،واستشعرتَه فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطناً، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك؟!يقولُ أحمد بن حنبل رحمه الله..دخلت أحد مساجد بغداد فوجدت شيخاً كبيراً قد اتكأ على جدار فقلت لعله يروي لي حديثاً عن صحابي أو تابعي فلما سألته أنشدني
خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ إذا ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً، فلا تَقُلْ
وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة
ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَتْ
ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى ،
إن اللهَ رقيب حسيب،لا ملجأ منه إلا إليه،هو الشهيدُ وكفى به شهيداً،جعلَ علينا شهوداً لإقامةِ الحجُةِ فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم شاهد ((وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))الملائكةُ شهداء وكفى باللهِ شهيداً،((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ*كِرَاماً كَـٰتِبِينَ*يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)) الكتابُ سيشهد عليك((وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا))وأرضٌ ذلَّلَها الله عز وجل ستشهدُ بما عملناه على ظهرها من خيرِ أو شر (إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلاْرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتِ ٱلارْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا لَهَا *يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا *بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا))ستحدث بما عُمل على ظهرها إذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده،بكاه ممشاه إلى الصلاة،بكاه مصعد عمله إلى السماء.وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقو (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ))والخلقُ أيضا سيشهدون وكفى باللهِ شهيداً..لطالما تفكَّهَ الإنسانُ بين الخلقِ ووقع في أعراضِ المسلمينَ وفضح ما سترَه اللهُ عليه من معاصي وبعضُهم يصوّر فعلَه وينشرُه وما علم أن كلَّ من رآه سيشهدون على ما فعل..مرَّت جنازة عليه صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في نفر من أصحابه فأثني عليها الناس خيراً فقال..((وجبت)).وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوءً فقال.. ((وجبت)).فيتساءل الصحابة؟فيقول صلى الله عليه وسلم.. ((أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة،وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار،أنتم شهداء الله في أرضه،أنتم شهداء الله في أرضه)). رواه مسلم وسيشهدُ عليك يا عبد الله ما هو أقربُ من هذا..فجوارح جسدك ستشهد يدك ورجلك ولسانك وجلدك((ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) ((وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ*حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ*وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ*وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ ٱلُخَـٰسِرِينَ*فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ))اللهم اجعلنا ممن حسنت عملهم ظاهراً وباطناً ورضيت عنهم أقول ...
الخطبة الثانية ..الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..
أيها الأحبة..هذا التناقض التي تعيشه مجتمعات المسلمين بين مبادئ يعرفونها وتصرفاتٍ يُمارسونها من ضعفِ إيمانهم برقابة الله عليهم فتجد بعضنا يطرح نظريات وقوانين لكنه يخالفها بفهمه ويبتعد عن مبادئ الدين الصريح والخلق الصحيح بتعامله ليس في دينه فحسب بل حتى بالتعامل وتطبيق النظام فكثرة الفساد المالي والإداري في بلدان العالم الإسلامي تدلُّ على تناقض صارخ بين ما نؤمن به وبين ما نفعله وأننا نتركُ رقابة الله أولاً ثم نخالف الأنظمة؟!انظروا مثلاً عدم الاهتمام بالنظافة في بلداننا الإسلامية وهي مبدأ عظيم في ديننا الإسلامي بل حتى ممارساتنا بمساجدنا ومواقف سياراتنا بل وترتيب أحذيتنا أكرمكم الله..تدلك على خطأ كبير في التصور والمفهوم..إذا كانت ليس هناك رقابة ساهر قطعنا الإشارة وأسرعنا وغفلنا عن الرقابة الذاتية ما أسرعنا لمخالفة النظام وسلب الحقوق والاعتداء على الأراضي إذا لم يعلم بنا أحد أجهزة التواصل بين يدينا نطالع فيها المحرّم في غفلة عن رقابة الله نسأل الله أن يعفو عنا..وهذا خللٌ كبير أدَّى لتأخَّرِ المسلمين وتخلّفِهم عن الركب فترانا نتعلمُ من قرآننا وسنةِ رسولنا صلى الله عليه وسلم وآثار علمائنا وتربية وآبائنا مبادئَ عظيمةٍ في الدين والأخلاق لكننا نُخالفُها بتصرفاتِنا وسلوكِنا في تناقضٍ بين ما نؤمن به و ما نفعله..لا يعني هذا أن البشر خلقوا كاملين من الخطأ فكلنا خطَّاءٌ وخيرُ الخطّائين التوابون وهذا تناقضٌ يثمرُ نفاقاً اجتماعياً عاماً يصبح طابعاً للمجتمعات ويورث ضرراً عظيماً على الأجيال وينشأون وهم يشاهدون تناقضاً بين القول والفعل ويفتقدون قدوة صالحةً من آبائهم ومن حولهم..فاحرصوا على زرع القدوة في أنفسكم ومن حولكم ربُّوهم على خوفٍ من الله قبل العقوبة والتهديد وعلى أهمية الرقابة على النفس فهذا يغني عن محاضرات ولا غنى لنا عن العظات..ولكن شعورَ الرقابةِ على النفس أعظمُ ولا شك وسيثمر صلاحاً للفرد والأمة والوطن والمجتمع بإيجاد أناسٍ باطنها خير من ظاهرها وأكثر أثراً من نظام يعاقب.
نسأل الله جلَّ و علا أن يرزقنا الإيمان به في الظاهر والخلوات والخوف منه في السر والعلن والتوبة من الخطأ في كل ما نأتيه و نذر و أن يختم لنا بخاتمة الإيمان و يجنبنا الكفر و الفسوق و العصيان.