الحمد لله المتفردُ بالعظمة والجلال،والمتفضل بجزيل النوال، وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال،وأشهدُ أن محمّداً عبده ورسوله دَعى للحق، وأنقذَ من الضلال صلى الله عليه وعلى الصحب والآل وسلم تسليماً.. أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير) سبحان من خلق الإنسان ضعيفًا ثم أمده بالصحة والعافية،فكان به حليمًا رحيمًا لطيفًا، يمتد العمر معه طفولةٌ فشباب ثم كهولةٌ تحتفظُ بذكريات الشباب يعيشُ بها أجملَ الأيام كأنها نسجُ خيال وقد ضعف بدنه وانتابته الأسقام والآلام،فأصبح حاله..
ولقد بكيتُ على الشبابِ ولُمَّتي مسودةٌ ولماءِ وجهي رونـقُ
حذِراً عليه قبلَ يومِ فـراقـهِ حتى لكدتُ بماءِ جفني أشرقُ
عباد الله..حديثُنا عن المُسنّين في مجتمعنا من أهل وأقارب وجيران ممن ووجودُهم والعناية بهم دليلُ خيرٍ وبركة فالله نظر إلى ضعفهم وقلّةَ حيلتهم فرحمهم وعفا عنهم(إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)
فأين نحن من حقوق للمُسنين تضُيِّع،ومشاعر وأحاسيس تجُرح، وواجباتٍ لهم تُهمل من أقرب الماس لهم فكيف بالبعيد عنهم فكثرت آلامهم وهمومهم ولم يُراعَ عمرُهم ولا شيبتُهم وأصبحوا غرباء حتى بين أهاليهم.. بل بعض مجتمعاتنا شابَه مجتمعاتٍ غربيّة تهمل المسنّين وأولادهم يرونهم قليلاً! نستغربُ في مجتمعنا المسلم أن ترى في مراكز المسنين حالات لآباء كبار أُهملوا من قبل أولادهم وأهلهم وباتوا في مركز الإيواء لا يسأل عنهم أحد بل بعض أولادهم يتبرأون منهم ويقصّرون في زيارتهم والتواصلِ معهم فرزقهم الله جهاتٍ حكومية ورجالٍ سخرهم الله للعناية بهم ورعاية بعضهم حتى في منازلهم.. بعد أن ابتعد أولادهم عنهم لا هون بدنياهم وهم بعجزهم وشيبتهم لايهتم به أحد..إنه منظر يُبكي القلب قبل العين رؤيةُ أبٍ مُسنٍّ يتشمشم زوّاره يظنّهم أبناءه يزورنه!!..ولسان حاله وهو بدار المسنين يقول..
أرسلتُ روحي إلى داري تطوف بها ... لمّا خــُــطانا إليها مالها سـبلُ
أن تســــــأَل الدار إن كانت تذكّرُنا ... أم أنّها نُســيت إذ أهلَها رحلوا
هيهاتُ يا دار أن تصفو الحياةُ بنا ... ويرجع الجمعُ بعد النأي مكتملُ
إن مِتُّ يا ولدي أو طال الفراق بـنا..فالصبر يا ولدي لايُضعفْ لنا أملُ
أصبح كبير السن اليوم ثقيلاً حتى بين أهلِه وأقاربه،إلا من رحم الله، لا يجالسه أحد! هذا إن كان معافى فكيف بغير ذلك.. وبعضُ صغارنا اليوم لا يُوقّرُ كبار السن فإذا تكلّم قاطعه وإذا أبدى رأيه سفَّهه.. فأصبحت حكمتُه وخبرتُه في الحياة ضياع وخسران.. ونحن هنا لا نُعمّم فلدينا أمثلةٌ رائعةٌ في البرّ والإحسان بالوالدين وكبار السن يرونَه ديناً وواجباً عليهم مما يثلجُ الصدر ويسعد القلب..
أيها الأحبة..كبارُنا خيارنا،أهل الفضل والحلم،قدوتُنا وأئمّتُنا إلى الطاعة والبر هم خبراتٌ تنتظرُ من يستفيد منها ويوظّفها لصالح العباد والبلاد بدلاً من إضاعتها سدى كإهمال خبرات المتقاعدين مثلاً لجهةٍ اجتماعية أو خيريّة! وقد اعتنت الدولُ بهذه المرحلة من عمر الإنسان فوُجد نظامُ التقاعد والتأميناتُ الاجتماعية، وتأسست بحمد الله جمعياتٌ خاصة بالمتقاعدين لخدمتهم وتلبية احتاجاتهم والاستفادة منهم وتوظيف خبراتهم والإسلام يؤكد على ضرورة العناية بكبار السن اقتصادياً واجتماعياً وطبياً ونفسياً واحترامهم..
معاشر كبار السن..الله يرحم ضعفكم,ويجبر كسركم،إنا لنعلم أنه قد تجعّد جلدكم، وثقُل سمعكم، وضعف بصركم،وتغيّر لونُ شعركم،ومع ذلك فأنتم كبارٌ في قلوبنا ونفوسنا,بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، فأنتم من علَّم وربىّ وضحى..ولئن نسي البعضُ فضلكم ومعروفَكم فالله لا ينسى، والمعروفُ لا يَبْلى,والخيرُ يدوم ويبقى،ثم إلى ربك المنتهى,وعنده الجزاء الأوفى! اصبروا على البلاء، واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء، فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء، وأمر المؤمن كله خيرٌ؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له,وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له فأحسنوا الظن بما تجدونه عند ربكم..كونوا حليمين وأبذلوا خبرتَكم ودعوا عنكم سرعة الغضب التي بها تخسرون من حولَكم واستمتعوا بحياتكم بالنافع المفيد والنزهة بدلا من الوحدة والعزلة ! وأنتم أيها الشباب،توقير الكبير وتقديره وخدمته من آداب الإسلام وسنةٌ للأنبياء(قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌفَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) ارحموا كبارَ السن وقدَّروهم ووقِّروهم وأجلُّوهم؛فالله يحب ذلك ويثني عليه خيرًا قال صلى الله عليه وسلم..(إن من إجلالِ الله إجلالَ ذي الشيبة المسلم) وقال عليه الصلاة والسلام..(ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا)..
إذا رأيتَ الكبير فارحم ضعفه،وأكبر شيبَهُ, وقدِّر منزلته وارفع درجته, وفرَّج كُربته يُعظُم الله لك الثواب.. جاء أبو بكر رضي الله عنه بأبيه أبي قحافة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة،يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فقال له..(لو أقررتَ الشيخ في بيته لأتيناه) أحسنوا لكبار السن،لا سيما الوالدين (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًاوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)أحسنوا للأقارب الكبار.. كم تجلسون مع الأصحاب والأحباب من ساعات وتباسطونهم!!فإذا جلستم مع الأقرباء الكبار مللْتُم وضقتم وسئمتُم.. فالله الله في ضعفهم، وما أجمل إسعادهم.. ما كان للكبار من حسناتٍ فانشروها واذكروها,وما كان من سيئات فاغفروها واستروها،فليسَ من البرِّ إظهارُ زلَّتِهم، ولا بتسمية الأب بالشايب أو الأم بالعجوز كما يفعل البعض فهذا قلةُ ذوق!! افتخر به وسَمِّه بأحسن الأسماء! سُئل بعض السلف عن أسعد الناس؟ فقال.. من ختم الله له بالخير..ومن حسُنت خاتمته,وجاءت على الخير قيامتُه,قال صلى الله عليه وسلم.. ((خيركم من طال عمره وحسن عمله, وشركم من طال عمره وساء عمله)).
أأنعمُ عيشاً بعد ما حلَّ عــارضي طلائعُ شيبٍ ليس يغني خضابهـا
وعزّةُ عمرِ المرءِ قبلَ مشيبـِــه وقد فنيت نفسٌ تولّي شبابهــا
إذا اصفرّ لونُ المرءِ وابيضّ شعرُه تنغّص من أيامه مستطابـُهــا
يا ابن آدم، إذا رقّ عظمُك وشاب شعرك فقد أتاك النذير(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ)كان بعض السلف رحمهم الله إذا بلغ أربعين سنة لزم المساجد وسأل الله العفو عما سلف،وكان يسأله الإحسان فيما بقي من عمره(حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوايُوعَدُونَ) إن من الحرمان بعض أبناء ستين وسبعين في الحياة يلهثون في غفلة ولهو وضياع وقت وإكثارِ مجالس الغيبة والنميمة!
واعلم أخي المُسن أنه لم ينته البذل لديك فابذله ولا تحرم الناس من خبرتك.. كن قدوةً لأولادك وأهلك,ومجتمعك،كن محافظًا على الخير والطاعات ليكرموك، وابتعد عن الخطأ فالصغار ينظرون إليك نظرة إجلال واقتداء، فاحذر من المخالفة والعصيان أو بتصرفات لاتليق بعمرك فلقد عابت العرب على الكبير سفاهته
وإن سفاه الشيخ لاحلم بعده وإن الفتى بعد السفاهة يحلُمِ
أحسنوا الختام,وأقبلوا على الله جل جلاله بسلام،وودِّعوا الدنيا بأحسن الأعمال وشيم الكرام، فالأعمال بالخواتيم..ومما يحفظُ الصحةَ والقوة مع كبر السن طاعةُ الله تعالى،وعدم استخدام الجوارح في معصيته، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم..(احفظ الله يحفظك) فمن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله.. كان صلى الله عليه وسلم قلّما يقوم من مجلس حتى يدعو الله..(اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك،ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا،ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا،واجعله الوارث منا)رواه الترمذي وهناك أعمالٌ بسببها يطول عمر الإنسان، كبرِّ الوالدين وصلة الأرحام وحسن الخلق وحسن الجوار وتقوى الله عز وجل وتعوّذ صلى الله عليه وسلم فقال..((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم)) رواه البخاري وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر وعدّها آخر مرحلةٍ قبل الموت، فقال(بادروا بالأعمال سبعًا..هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيا أو غنى مطغيا أو مرضًا مفسدا أو هرمًا مفندا أو موتًا مجهزا؟!))وإن من إكرام ذي الشيبة المسلم نشر الوعي لأولادهم وأقاربهم بفضل القيام عليهم أولا،ثم مساءلة من يتخلّى عن أحد والديه،كما أن من إكرامهم عمل أندية خاصة بهم، ومجالس تجمعهم تناسبهم كما تُقدمه بلديتنا مشكورةً بمنتديات الأحياء ومجلس (أبو علي) الذي يجمع بعضهم وكذلك خدمات الشؤون الاجتماعيّة.. بل يحتاجون أيضاً للمدافعةِ عن حقوقهم ومراعاتهم,وإنهاء إجراءاتهم..كما أن من إكرامهم مراعاتهم عند الحديث معهم فيما يعرفونه ويخبرونه فبعض الشباب يتكلم الساعات في أمور رياضية أو شبابية أو سياسية بحضور آبائهم وأجدادهم الذين لا يفقهون من حديثهم شيئاً وهذا خطأ ومن إكرامهم رفع روحهم المعنوية، بكلمات التشجيع والبر..وهو أقل الواجب نسأل الله طول العمر مع حسن العمل،كما نسأله صحةً في قلوبنا وصحة أبداننا وأن يختم لنا بخير اقول ماتسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
أيها المؤمنون..من رحمة الله بالمسنين اختصاصُهم ببعض الأحكام؛مراعاةً لحالتهم الصحية والبدنية فأُمرَ الإمامُ بتخفيف الصلاة مراعاة لهم،قال صلى الله عليه وسلم(إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) رواه البخاري..ويُحجُّ عن كبير السن غير القادر ويُعتمَر ولو كان حياً ويُرمى عنه،جاءت امرأةٌ من خثعم عام حجة الوداع قالت.. يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل أحج عنه؟قال..نعم) رواه البخاري.وإخواننا المقيمون الذين لايستطيع آباؤهم وأمهاتهم الكبار الحج يحجون عنهم..وإذا عجز الكبيرُ عن الصيام اُطْعِمَ عنه لكل يوم مسكينا.. والسنةُ تقديم الكبير بالسلام والطعام تقديراً لسنه، قال صلى الله عليه وسلم..(يسلم الصغيرُ على الكبير، والمارُّ على القاعد،والقليلُ على الكثير) رواه البخاري..وكان صلى الله عليه وسلم يقول..(ابدؤوا بالكبراء)وجاءه عيينة بن حصن فأجلسَه وقال..(إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه)..ومن رحمة الإسلام بالمسنين أنه شمل بها حتى غيرَ المسلمين فنهى عن قتل الشيخ الكبير من العدو الكافر في الجهاد،وأعفاه من الجزية لفقره بالصدقة عليه كما فعل عمر وخالد بن الوليد رضي الله عنه عندما صالح أهل الحيرة كتب..(وجعلت لهم أيُّما شيخٌ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًا فافتقر طرحتُ جزيتَه وعِيلَ من بيت مال المسلمين)فأين منظماتُ حقوقِ الإنسان اليوم عن مثل هذه الأحكام في الإسلام والعالم اليوم يدّعي الحقوق والتطوّر ثم يهملون كبار السن بل بعضهم يعتبرهم عبئاً فيُطالبُ لهم بما يسمّيه موتاً رحيماً لهم بإبر مُميتة حتى لا يكلّفهم علاجُه ورعايتُه..فقيمة الإنسان لديهم بقدرته على الإنتاج فقط..ومن لا ينتج فمصيره الموت هذه هي حضارتهم التي يُنادي بها ويُسوّقُ لها.. أما الإسلام فقد أعطانا نموذجاً للرحمة يَجِبُ أن نتعاملَ به ونلتزمُه بيننا مراعاةً للكبير والصغير والمرأةِ والفقير.اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها,وخير أعمارنا خواتمَها,وخير أيامنا يوم لقائك,اللهم ارحم كبارنا, ووفق للخير صغارنا..اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين،وأعلِ رايتي الحق و الدين،وكن لإخواننا المستضعفين في كل مكان،اللهم يا ذا القوة و المنة انصر جنودنا واخواننا في اليمن وسوريا وفلسطين، و أنعم علينا بالأمن والأمان يارب العالمين. اللهم اغثنا
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير) سبحان من خلق الإنسان ضعيفًا ثم أمده بالصحة والعافية،فكان به حليمًا رحيمًا لطيفًا، يمتد العمر معه طفولةٌ فشباب ثم كهولةٌ تحتفظُ بذكريات الشباب يعيشُ بها أجملَ الأيام كأنها نسجُ خيال وقد ضعف بدنه وانتابته الأسقام والآلام،فأصبح حاله..
ولقد بكيتُ على الشبابِ ولُمَّتي مسودةٌ ولماءِ وجهي رونـقُ
حذِراً عليه قبلَ يومِ فـراقـهِ حتى لكدتُ بماءِ جفني أشرقُ
عباد الله..حديثُنا عن المُسنّين في مجتمعنا من أهل وأقارب وجيران ممن ووجودُهم والعناية بهم دليلُ خيرٍ وبركة فالله نظر إلى ضعفهم وقلّةَ حيلتهم فرحمهم وعفا عنهم(إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)
فأين نحن من حقوق للمُسنين تضُيِّع،ومشاعر وأحاسيس تجُرح، وواجباتٍ لهم تُهمل من أقرب الماس لهم فكيف بالبعيد عنهم فكثرت آلامهم وهمومهم ولم يُراعَ عمرُهم ولا شيبتُهم وأصبحوا غرباء حتى بين أهاليهم.. بل بعض مجتمعاتنا شابَه مجتمعاتٍ غربيّة تهمل المسنّين وأولادهم يرونهم قليلاً! نستغربُ في مجتمعنا المسلم أن ترى في مراكز المسنين حالات لآباء كبار أُهملوا من قبل أولادهم وأهلهم وباتوا في مركز الإيواء لا يسأل عنهم أحد بل بعض أولادهم يتبرأون منهم ويقصّرون في زيارتهم والتواصلِ معهم فرزقهم الله جهاتٍ حكومية ورجالٍ سخرهم الله للعناية بهم ورعاية بعضهم حتى في منازلهم.. بعد أن ابتعد أولادهم عنهم لا هون بدنياهم وهم بعجزهم وشيبتهم لايهتم به أحد..إنه منظر يُبكي القلب قبل العين رؤيةُ أبٍ مُسنٍّ يتشمشم زوّاره يظنّهم أبناءه يزورنه!!..ولسان حاله وهو بدار المسنين يقول..
أرسلتُ روحي إلى داري تطوف بها ... لمّا خــُــطانا إليها مالها سـبلُ
أن تســــــأَل الدار إن كانت تذكّرُنا ... أم أنّها نُســيت إذ أهلَها رحلوا
هيهاتُ يا دار أن تصفو الحياةُ بنا ... ويرجع الجمعُ بعد النأي مكتملُ
إن مِتُّ يا ولدي أو طال الفراق بـنا..فالصبر يا ولدي لايُضعفْ لنا أملُ
أصبح كبير السن اليوم ثقيلاً حتى بين أهلِه وأقاربه،إلا من رحم الله، لا يجالسه أحد! هذا إن كان معافى فكيف بغير ذلك.. وبعضُ صغارنا اليوم لا يُوقّرُ كبار السن فإذا تكلّم قاطعه وإذا أبدى رأيه سفَّهه.. فأصبحت حكمتُه وخبرتُه في الحياة ضياع وخسران.. ونحن هنا لا نُعمّم فلدينا أمثلةٌ رائعةٌ في البرّ والإحسان بالوالدين وكبار السن يرونَه ديناً وواجباً عليهم مما يثلجُ الصدر ويسعد القلب..
أيها الأحبة..كبارُنا خيارنا،أهل الفضل والحلم،قدوتُنا وأئمّتُنا إلى الطاعة والبر هم خبراتٌ تنتظرُ من يستفيد منها ويوظّفها لصالح العباد والبلاد بدلاً من إضاعتها سدى كإهمال خبرات المتقاعدين مثلاً لجهةٍ اجتماعية أو خيريّة! وقد اعتنت الدولُ بهذه المرحلة من عمر الإنسان فوُجد نظامُ التقاعد والتأميناتُ الاجتماعية، وتأسست بحمد الله جمعياتٌ خاصة بالمتقاعدين لخدمتهم وتلبية احتاجاتهم والاستفادة منهم وتوظيف خبراتهم والإسلام يؤكد على ضرورة العناية بكبار السن اقتصادياً واجتماعياً وطبياً ونفسياً واحترامهم..
معاشر كبار السن..الله يرحم ضعفكم,ويجبر كسركم،إنا لنعلم أنه قد تجعّد جلدكم، وثقُل سمعكم، وضعف بصركم،وتغيّر لونُ شعركم،ومع ذلك فأنتم كبارٌ في قلوبنا ونفوسنا,بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، فأنتم من علَّم وربىّ وضحى..ولئن نسي البعضُ فضلكم ومعروفَكم فالله لا ينسى، والمعروفُ لا يَبْلى,والخيرُ يدوم ويبقى،ثم إلى ربك المنتهى,وعنده الجزاء الأوفى! اصبروا على البلاء، واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء، فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء، وأمر المؤمن كله خيرٌ؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له,وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له فأحسنوا الظن بما تجدونه عند ربكم..كونوا حليمين وأبذلوا خبرتَكم ودعوا عنكم سرعة الغضب التي بها تخسرون من حولَكم واستمتعوا بحياتكم بالنافع المفيد والنزهة بدلا من الوحدة والعزلة ! وأنتم أيها الشباب،توقير الكبير وتقديره وخدمته من آداب الإسلام وسنةٌ للأنبياء(قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌفَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) ارحموا كبارَ السن وقدَّروهم ووقِّروهم وأجلُّوهم؛فالله يحب ذلك ويثني عليه خيرًا قال صلى الله عليه وسلم..(إن من إجلالِ الله إجلالَ ذي الشيبة المسلم) وقال عليه الصلاة والسلام..(ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا)..
إذا رأيتَ الكبير فارحم ضعفه،وأكبر شيبَهُ, وقدِّر منزلته وارفع درجته, وفرَّج كُربته يُعظُم الله لك الثواب.. جاء أبو بكر رضي الله عنه بأبيه أبي قحافة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة،يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فقال له..(لو أقررتَ الشيخ في بيته لأتيناه) أحسنوا لكبار السن،لا سيما الوالدين (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًاوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)أحسنوا للأقارب الكبار.. كم تجلسون مع الأصحاب والأحباب من ساعات وتباسطونهم!!فإذا جلستم مع الأقرباء الكبار مللْتُم وضقتم وسئمتُم.. فالله الله في ضعفهم، وما أجمل إسعادهم.. ما كان للكبار من حسناتٍ فانشروها واذكروها,وما كان من سيئات فاغفروها واستروها،فليسَ من البرِّ إظهارُ زلَّتِهم، ولا بتسمية الأب بالشايب أو الأم بالعجوز كما يفعل البعض فهذا قلةُ ذوق!! افتخر به وسَمِّه بأحسن الأسماء! سُئل بعض السلف عن أسعد الناس؟ فقال.. من ختم الله له بالخير..ومن حسُنت خاتمته,وجاءت على الخير قيامتُه,قال صلى الله عليه وسلم.. ((خيركم من طال عمره وحسن عمله, وشركم من طال عمره وساء عمله)).
أأنعمُ عيشاً بعد ما حلَّ عــارضي طلائعُ شيبٍ ليس يغني خضابهـا
وعزّةُ عمرِ المرءِ قبلَ مشيبـِــه وقد فنيت نفسٌ تولّي شبابهــا
إذا اصفرّ لونُ المرءِ وابيضّ شعرُه تنغّص من أيامه مستطابـُهــا
يا ابن آدم، إذا رقّ عظمُك وشاب شعرك فقد أتاك النذير(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ)كان بعض السلف رحمهم الله إذا بلغ أربعين سنة لزم المساجد وسأل الله العفو عما سلف،وكان يسأله الإحسان فيما بقي من عمره(حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوايُوعَدُونَ) إن من الحرمان بعض أبناء ستين وسبعين في الحياة يلهثون في غفلة ولهو وضياع وقت وإكثارِ مجالس الغيبة والنميمة!
واعلم أخي المُسن أنه لم ينته البذل لديك فابذله ولا تحرم الناس من خبرتك.. كن قدوةً لأولادك وأهلك,ومجتمعك،كن محافظًا على الخير والطاعات ليكرموك، وابتعد عن الخطأ فالصغار ينظرون إليك نظرة إجلال واقتداء، فاحذر من المخالفة والعصيان أو بتصرفات لاتليق بعمرك فلقد عابت العرب على الكبير سفاهته
وإن سفاه الشيخ لاحلم بعده وإن الفتى بعد السفاهة يحلُمِ
أحسنوا الختام,وأقبلوا على الله جل جلاله بسلام،وودِّعوا الدنيا بأحسن الأعمال وشيم الكرام، فالأعمال بالخواتيم..ومما يحفظُ الصحةَ والقوة مع كبر السن طاعةُ الله تعالى،وعدم استخدام الجوارح في معصيته، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم..(احفظ الله يحفظك) فمن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله.. كان صلى الله عليه وسلم قلّما يقوم من مجلس حتى يدعو الله..(اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك،ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا،ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا،واجعله الوارث منا)رواه الترمذي وهناك أعمالٌ بسببها يطول عمر الإنسان، كبرِّ الوالدين وصلة الأرحام وحسن الخلق وحسن الجوار وتقوى الله عز وجل وتعوّذ صلى الله عليه وسلم فقال..((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم)) رواه البخاري وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر وعدّها آخر مرحلةٍ قبل الموت، فقال(بادروا بالأعمال سبعًا..هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيا أو غنى مطغيا أو مرضًا مفسدا أو هرمًا مفندا أو موتًا مجهزا؟!))وإن من إكرام ذي الشيبة المسلم نشر الوعي لأولادهم وأقاربهم بفضل القيام عليهم أولا،ثم مساءلة من يتخلّى عن أحد والديه،كما أن من إكرامهم عمل أندية خاصة بهم، ومجالس تجمعهم تناسبهم كما تُقدمه بلديتنا مشكورةً بمنتديات الأحياء ومجلس (أبو علي) الذي يجمع بعضهم وكذلك خدمات الشؤون الاجتماعيّة.. بل يحتاجون أيضاً للمدافعةِ عن حقوقهم ومراعاتهم,وإنهاء إجراءاتهم..كما أن من إكرامهم مراعاتهم عند الحديث معهم فيما يعرفونه ويخبرونه فبعض الشباب يتكلم الساعات في أمور رياضية أو شبابية أو سياسية بحضور آبائهم وأجدادهم الذين لا يفقهون من حديثهم شيئاً وهذا خطأ ومن إكرامهم رفع روحهم المعنوية، بكلمات التشجيع والبر..وهو أقل الواجب نسأل الله طول العمر مع حسن العمل،كما نسأله صحةً في قلوبنا وصحة أبداننا وأن يختم لنا بخير اقول ماتسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
أيها المؤمنون..من رحمة الله بالمسنين اختصاصُهم ببعض الأحكام؛مراعاةً لحالتهم الصحية والبدنية فأُمرَ الإمامُ بتخفيف الصلاة مراعاة لهم،قال صلى الله عليه وسلم(إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) رواه البخاري..ويُحجُّ عن كبير السن غير القادر ويُعتمَر ولو كان حياً ويُرمى عنه،جاءت امرأةٌ من خثعم عام حجة الوداع قالت.. يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل أحج عنه؟قال..نعم) رواه البخاري.وإخواننا المقيمون الذين لايستطيع آباؤهم وأمهاتهم الكبار الحج يحجون عنهم..وإذا عجز الكبيرُ عن الصيام اُطْعِمَ عنه لكل يوم مسكينا.. والسنةُ تقديم الكبير بالسلام والطعام تقديراً لسنه، قال صلى الله عليه وسلم..(يسلم الصغيرُ على الكبير، والمارُّ على القاعد،والقليلُ على الكثير) رواه البخاري..وكان صلى الله عليه وسلم يقول..(ابدؤوا بالكبراء)وجاءه عيينة بن حصن فأجلسَه وقال..(إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه)..ومن رحمة الإسلام بالمسنين أنه شمل بها حتى غيرَ المسلمين فنهى عن قتل الشيخ الكبير من العدو الكافر في الجهاد،وأعفاه من الجزية لفقره بالصدقة عليه كما فعل عمر وخالد بن الوليد رضي الله عنه عندما صالح أهل الحيرة كتب..(وجعلت لهم أيُّما شيخٌ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًا فافتقر طرحتُ جزيتَه وعِيلَ من بيت مال المسلمين)فأين منظماتُ حقوقِ الإنسان اليوم عن مثل هذه الأحكام في الإسلام والعالم اليوم يدّعي الحقوق والتطوّر ثم يهملون كبار السن بل بعضهم يعتبرهم عبئاً فيُطالبُ لهم بما يسمّيه موتاً رحيماً لهم بإبر مُميتة حتى لا يكلّفهم علاجُه ورعايتُه..فقيمة الإنسان لديهم بقدرته على الإنتاج فقط..ومن لا ينتج فمصيره الموت هذه هي حضارتهم التي يُنادي بها ويُسوّقُ لها.. أما الإسلام فقد أعطانا نموذجاً للرحمة يَجِبُ أن نتعاملَ به ونلتزمُه بيننا مراعاةً للكبير والصغير والمرأةِ والفقير.اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها,وخير أعمارنا خواتمَها,وخير أيامنا يوم لقائك,اللهم ارحم كبارنا, ووفق للخير صغارنا..اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين،وأعلِ رايتي الحق و الدين،وكن لإخواننا المستضعفين في كل مكان،اللهم يا ذا القوة و المنة انصر جنودنا واخواننا في اليمن وسوريا وفلسطين، و أنعم علينا بالأمن والأمان يارب العالمين. اللهم اغثنا