الحمدُ للهِ جعلَ الليلَ والنهارَ خلفةً لمن أراد أن يذكرَ أو أراد شكوراً،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله و صحبه وسلم تسليماً..أمَّا بعد..((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))
أيّها المسلمون..الشهورُ والأعوامُ والليالي والأيام مواقيتُ الأعمالِ ومقاديرُ الآجال،تنقضِي جميعًا وتمضِي سريعًا،واللّيلُ والنهارُ يتَعاقبان لا يفتُران،فكم من مستقبِل يومًا لا يستكمِلُه،وكم مِن مؤَمِّلٍ لغدٍ لا يدركه((وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا))وهذا عامٌ مِن أعمارِكم قد انقضت أيامُه،وقُوِّضَت خِيامه،إيذانًا بأنَّ هذه الدنيا ليست بدارِ قَرار،وأن ما بعدَها جنة أو النار،فاحذروا الدنيا ومكائِدَها،فكم غرَّت من مُخلَّدٍ فيها،وصرعت من مُكِبّ عليها،عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال.. أخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَنكبي فقال..((كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل))،وكان ابن عمر يقول.. (إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباح،وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء،وخذ من صحتك لمرضك،ومن حياتِك لموتك) أخرجه البخاري .
قال علي رضي الله عنه..{ارتحلت الدنيا مدبرةً،وارتحلت الآخرةُ مقبلةً،ولكلٍّ منهما بنون،فكونوا من أبناء الآخرة،ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليومَ عملٌ ولا حساب،وغداً حسابٌ ولا عمل}
نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ
وأعمارُنا تُطوى وهنَّ مراحلُ
ترحَّّلَ من الدنيا بزادٍ من التقى
فعمركَ أيـامٌ وهُنَّ قلائِــلُ
معاشر المسلمين..رحل عام 1435هـ وطوى بساطه،وشدّ رحالَه ((وكلُّ الناسِ يغدو،فبائعٌ نفسهُ، فمُعتِقُها أو موبِقُها)) عامٌ كاملٌ،تصرمت أيامهُ وتفرقت أوصاله،وقد حوى بين جنبيهِ حِكماً وعِبراً، وأحداثاً وعِظات،فلا إِلهَ إِلا الله،كم شقيَ فيه مِن أُناسٍ؟!،ولا إِله إلا الله كم سَعدَ فيهِ من آخرين؟ كم من طفلٍ قد تَيَّتَم؟!وكم من امرأةٍ قد تَرمَّلَت؟!،وكم من مُتأهِّلٍ قد تأيَّم؟!لا إِله إلا الله كم من أهلِ بيتٍ يُشيِّعون ميتَهم،وآخرون يزفون عروسهم؟!لا إِله إلا الله دارٌ تفرحُ بمولودٍ،وأُخرى تُعزى بمفقود،أيامٌ تمر على أصحابِها كالأعوام،وأعوامٌ تمر على أصحابِها كالأيام.
وكم من مات وزال ملكه فلا إله إلا الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاءُ وينزع الملكَ ممن يشاء ويُعزُّ من يشاء ويذلُّ من يشاء بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير..
كم تدمى جراح المسلمين الذين تسلط عليهم الظلم وتجبر في فلسطين وأرض الشام..ولا حول ولا قوة إلا بالله،ولم ينتهِ العام إلا واليهود الصهاينة يرتكبون مجزرة أخرى بغزة يستهدفون المجاهدين والمدنيين مع سكوت مشين بل وتأييد من العالم ودوله المنحازة لليهود قاتلهم الله أنى يؤفكون والدم المسلم يسير هدراً..
إنَّها علاماتٌ لهذا العام وهي من تقديرِ العزيزِ الحكيمِ اللطيفِ بعبادهِ..فواجبٌ على العبدِ أخذُ العبرةِ والعظةِ من مثلِ هذهِ الأحداث والخوف العظام..رأينا الفيضاناتِ والأعاصير والفتنَ والأحداث أصاب اللهُ بها أقواماً ونحنُ سالمين آمنين بحمد الله..رأينا كثرةَ تعدِّد الحوادثِ بالسياراتِ والحرائقِ والوفياتِ التي تتكرَّرُ كُلَّ عام بسببِ الإهمالِ وضعف الاهتمام بالسلامة وانتشار الرشوةِ والفسادِ وضياعِ تربيةِ الآباءِ لأولادهم بالسياراتِ وهذا كلُّه يدعونا للعبرة والمراجعة..والاستفادة من تلك الحوادث والفتن..
رأينا موسماً للحجِّ خالٍ ولله الحمد من الأمراض وإثارةِ القلاقل وفيه استتبابٌ للأمن وخدمة للمجتمع نسأل الله للجميع التوفيق والسداد..
أيها المسلمون..ذهبَ عامُكم هذا شاهدًا لكم أو عليكم،فاحتقِبوا زادًا كافيًا،وأعِدّوا جوابًا شافيًا، واستكثِروا في أعمارِكم من الحسناتِ،وتدارَكوا ما مضَى من الهفَواتِ،قبلَ أن يفجَأكم هادم اللّذاتِ،قال..صلى الله عليه وسلم هو يَعِظُ رجلاً..((اغتنم خمسًا قبلَ خمسٍ..شبابَك قبل هرَمِك،وصحَّتَك قبل سقمَك،وغِناك قبل فقرك،وفراغك قبلَ شُغلك،وحياتك قبل مَوتِك،فما بعد الدنيا من مستَعتَب،ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار)) أخرجه الحاكم إنها دعوة للاهتمام بالوقت الذي يضيّعه الكثيرون ولا يهتمون به.
تَختلفُ رغباتُ الناس عند انسلاخِ العام،فمنهم من يفرحُ،ومنهم من يحزن،ومنهم من يكونُ بين ذلك سبيلاً.فالسجينُ يفرحُ بانقضاء عامه؛لأن ذلك مما يقرّبُ موعد خروجهِ وفرجهِ.
أَعدُّ اللياليَ ليلةً بعد ليلةٍ
وقد عِشتُ دَهراً لا أَعدُّ اللياليا
وآخرُ يفرحُ بانقضاءِ العامِ،ليقبضَ أُجرةَ مساكنٍ وممتلكاتٍ أجّرَها حتى يستثمرَ ريعَها وأرباحَها. وآخر يفرحُ بانقضاءِ عامهِ من أجلِ ترقيةٍ وظيفيةٍ..إلى غير ذلك من مقاصد تَفتَقِرُ إلى المقصدِ الأسمى فالفرحُ بقطعِ الأيامِ والأعوامِ دونَ اعتبارٍ وحسابٍ لما كان فيها وبعدها هو من البيعِ المغبون.
إنا لنفرحُ بالأيامِ نَقْطَعُهَــــا
وكُلُّ يومٍ مضـى يدني من الأَجلِ
فاعملْ لنفسكَ قبلَ الموتِ مجتهداً
فإنما الرِبحُ والخسرانُ في العمـلِ
فالعاقلُ من اتعظَ بأمسهِ،واجتهدَ في يومهِ،واستعدَّ لغدهِ.
..إن تَعاقبَ الشهورِ والأعوامِ علينا قد يكون نعمة أو نقمة،فطول العمرِ ليس نعمةً إذا لم يعمر بالخير فإنما هو يستكثرُ من حُجَجِ اللهِ تعالى عليه،عن أبي بكرة رضي الله عنه قال..قال صلى الله عليه وسلم..((خيرُ الناس من طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عمله،وشَرُ الناسِ من طَالَ عُمرهُ وساءَ عمله)) رواه أحمد و الترمذي فيا من قد بَقِي من عمُره القليل،ولا يدرِي متى يقَعُ الرّحيل..يا مَن تُعدّ عليه أنفاسُه استدرِكْها..يا من ستفوتُ أيامُه أدرِكها،نفسُك أعزُّ ما عليك فلا تُهلِكها..وقتك أكثره بالاستراحة ،وبيتك وعيالك يُلقون على غيابك الملامة،ومشاكلهم بفقدك تزداد بصراحة..ويا من أقعدَه الحِرمانُ،وضرّه العصيان،كم ضيّعتَ من أعوام،وقضيتَها في اللّهوِ والمنام؟!كم أغلقتَ بابًا على قبيح؟!،كم أعرضتَ عن قول النصيح؟!كم صَلاةٍ تركتَها؟!ونظرةٍ أصبْتَها؟!وحقوقٍ أضعتْها؟!وشرورٍ نشَرتْها؟!،أنسيتَ ساعةَ الاحتضار،حين يثقُل منك اللِّسان،وترتخي اليّدان،وتَشخصُ العينان،ويبكي عليكَ الأهلُ والجيران؟!هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وليس أكرَمَ على الله من رسولِه،حين حضرتْه الوفاةُ كان يُدخلُ يدَه في الماءِ فيمسَحُ بها وجْهَه ويقول..((لا إله إلا الله،إنَّ للموتِ سكرات اللهم أعني على سكرات الموت)) أخرجه البخاري
أؤملُ أن أحيا وفي كلِّ ساعةٍ
تمرُّ بي الموتى تُهزُّ نعُوشُها
وهل أنا إلا منهمُ غيرَ أن لي
بقايا ليالٍ في الزمان أعيشُها
أيها المسلمون..أين مَن عاشَرناه كثيرًا وألفنا؟!كم أغمَضْنا من أحبابِنا جَفْنًا؟!،كَم عزيزٍ دفنّاه وانصَرَفْنا؟!،كم قريبٍ أضجعنَاه في اللّحد وما وقفْنا؟!،فهل رحِم الموتُ منَّا مريضًا لضعفِ حالهِ وأوصالِه؟!هل أمهَلَ ذا عِيال من أجلِ عِياله؟!أين من كانوا معَنا في الأعوام الماضية؟!أتَاهم هادِمُ اللذات وقاطعُ الشهوات ومُفَرّقُ الجماعات،فأخْلى منهم المجالِسَ والمساجد،تراهُم في بطونِ الألحادِ صرعَى،لا يجِدون لما هم فيه دَفعًا،ولا يملِكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا،ينتظِرُون يومًا الأمَمُ فيه إلى ربها تُدعَى،والخلائقُ تُحشرُ إلى الموقف وتْسعَى،والفرائِصُ ترعدُ من هولِ ذلكَ اليوم والعيونُ تذرف دَمعًا،والقلوبُ تتصدَّعُ من الحسابِ صَدعًا.(( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ))
أين أنتَ أيُّها الرجلُ الكبير يا مَن شابَ شعرُهُ وضعفت قُواه ويرى أصحابَه تجاوزُوه بالموت وهو لازال لم يُجدِّدِ التوبةَ ويتركِ الهفوةَ ويُقبلْ على الطاعةِ؟!وأنت أيُّهَا الشاب يا مَنْ غرَّتْك قُواك وتجرَّأتَ على الحرامِ هل يا تُرى يحميكَ عمرُك من الموتِ وأنتَ غارقٌ في الآثام؟!ألم تر كيف الحوادث والأمراضُ تحصدُ الشبابَ عاماً بعد عام؟؟!
فيا من تمرُّ عليه سنَةٌ بعدَ سنة وهو في نومِ الغَفْلةِ والسِنة،يا من يأتي عليه عام بعدَ عامٍ وقد غَرقَ في بحرِ الخطايا والأوهام،قل لي بربِّك..لأيِّ يومٍ أخَّرتَ توبتك؟!ولأيِّ عام ادَّخرْتَ أَوبَتك؟!فبادِر التوبةَ واحذرِ التسويف والغفلة،وأصلحْ من قلبِك ما فسَد،وكُنْ من أَجَلِكَ على رَصَد،والعمرُ أمانَةٌ،سيُسألُ عنه المرءُ يومَ القيامة((فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ(41)أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ(42)فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(43)وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)) قال صلى الله عليه وسلم..((لن تزول قدما ابنِ ادم يوم القيامة من عند ربِّه حتى يُسأل عن خمس..عن عمره فيم أفناه؟وعن شبابِه فيم أبلاه؟وعن مالِه من أين اكتسبه؟وفيمَ أنفقه؟وماذا عمِل فيما علِم؟)) أخرجه الترمذي،ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه..(ما ندمتُ على شيء ندَمي على يومٍِ غرُبَت شمسُه نَقَص فيه أَجلي ولم يزِد فيه عملي).
ليحاسِبْ كلُّ واحدٍ منا نفسَه،فقد سعِدَ من لاحظَها وحاسبَها،وفازَ من تابعها وعاتَبها،وهلمّوا إلى دارٍ لا يموتُ سُكّانها،ولا يخرَب بُنيانُها،ولا يهرَمُ شَبَابها،ولا يتغيَّرُ حُسنُها وحسانها،يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم..((من يدخلِ الجنة ينعم لا يبأس،لا تبلى ثيابُه ولا يفنى شبابُه)) أخرجه مسلم..اللهم إنا نسألك الجنة..اللهم إنا نسألك الجنة ..ونعوذ بك من النار..
يا عبدَ الله،واستدركْ من العمر ذاهبًا،ودعِ اللهوَ جانبًا،وقم في الدُّجى نادِبًا،وقفْ على الباب تائبًا،قال صلى الله عليه وسلم..((إنَّ الله عزّ وجلّ يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيء النهار،ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل،حتى تطلعَ الشمس من مغربها)) أخرجه مسلم فمن الواجبِ علينا أن نستقبلَ أعوامنا بطاعةِ ربِّنا،ومحاسبةِ أَنفُسنا وإصلاحِ ما فَسُدَ من أَعمالِنا.
قطعتَ شهور العام لهوًا وغفلةً
ولم تحـترمْ فيـما أتيت المحـرَّمـا
فلا رجبًا وافـيت فيه بحـقِّه
ولا صمت شهرَ الصوم صومًا متمِّما
فهل لك أن تمحو الذنوبَ بعبْرةٍ
وتبكي عليها حـسرة وتنــدُّما
وتستقبل العام الجديدَ بتوبــةٍ
لعلَّك أن تمحـو بها مـا تقـدَّما
فأحسنوا التوبة وحاذروا الغفلة((يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحًا فَمُلَـٰقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا*وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا*وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا*إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُورًا*إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا)) اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمهَاوخير أعمالنا أواخرها وخيرَ أيامِنا يومَ لقائك،اجعلْ الحياة زيادةً لنا من كلًَّ خير والموتَ راحةً لنا من كلِّ شر،واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية ..الحمد لله و حده أما بعد ..فاتقوا الله عباد الله
أيّها المسلمون..مع بدايةِ عامٍ هجريٍّ جديد نتذكر أنَّ المسلمينَ لم يكونوا يعملوا بالتاريخ السنوي في أوَّل الأمر حتَّى كانت خلافةُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،فإنَّه جمعَ الناسَ فاستشارهُم،فاختلفوا كيف يؤرخون وهل يقلدون الفرس والروم فقال بعضُهُم..أرِّخوا من مولده صلى الله عليه وسلم قال آخرون..بل من مبعثهِ،وقال آخرونَ..بل من مهاجرهِ،فقال عمر بن الخطاب وكان مُلهَمًا..الهجرةُ فرَّقت بين الحقِّ والباطلِ،فأرِّخوا بِها.فأرخوا بسنة وقوعها وبدأوا من شهر الله المحرم..
واليومَ ـ نرى معظمَ الأمَّةِ الإسلاميَّة ـ استبدلت التاريخ الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الجريجوري،نسبةً إلى البابا جريجوري،وهو تاريخٌ كما لا يخفى لا يَمتُّ إلى ديننا بصلة..ولكن انتشرَ بعد الاستعمارِ الذي حكم كثيراً من بلادِ العالم الإسلامي..قال تعالى(( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ))فقوله((ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ))هذا هو الشَرعُ المستَقيم،فالعجبُ مِن أمَّةِ الإسلامِ تتركُ هذا الشرعَ القويم في بابِ التوريخ،وهذه أمَّةُ اليهودِ لا تزالُ تُورِّخُ بِتاريخها مُنذ أزيدَ من خمسةِ آلافِ سنة،وهذهِ النصارى لا تُورِّخ إلا بتاريخها منذ ألفي عام،مع ما في تواريخهم من اختلال علميٍ وديني..وكذلك الصينيونَ والفُرسُ كلهم يحافظون على تواريخهم إلا نحن المسلمين مع الأسف.
وإنَّ من بديعِ حِكمَةِ اللهِ أن جعلَ طرفي العامِ شهرينِ محرَّمين،شهر ذي الحجةِ في خاتمةِ العامِ وشهرِ المحرَّم في فاتحةِ العام،فكأنَّ في ذلك إشعارًا للمؤمنِ بأن يختم عَملهَ بالخيرِ ويفتتحه بالخيرِ،فقد هيَّأ الله له في فاتحةِ كُلِّ عام وفي خاتمتهِ شَهرًا محرَّمًا تعظُمُ فيهِ الأجورُ على الطاعات،وتُعظَّم فيه الحرمات.
والله نسأل أن يبارك لنا في عامنا الجديد ويرزقنا فيه الخير ويحفظنا من سيئ الأدواء والأنواء،ومن الغلاء والوباء،والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن..اللهم اغفر لنا في عامنا الماضي ما سلف وكان من الآثام والعصيان واجعل عامنا القادم عام نصرٍ وعزٍ وتمكين وهداية لبلادنا وولادتنا وسائر بلاد وولاة المسلمين،اللهم وعجل بنصل إخواننا المستضعفين في أرض سوريا وفلسطين على الطغاة أجمعين..واجمع كلمتهم ومقاومتهم على الحق والدين..اللهم تقبل من مات منهم شهيدا واحم أطفالهم ونساءهم وأعراضهم يارب العالمين..
الاستغاثة
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
أيّها المسلمون..الشهورُ والأعوامُ والليالي والأيام مواقيتُ الأعمالِ ومقاديرُ الآجال،تنقضِي جميعًا وتمضِي سريعًا،واللّيلُ والنهارُ يتَعاقبان لا يفتُران،فكم من مستقبِل يومًا لا يستكمِلُه،وكم مِن مؤَمِّلٍ لغدٍ لا يدركه((وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا))وهذا عامٌ مِن أعمارِكم قد انقضت أيامُه،وقُوِّضَت خِيامه،إيذانًا بأنَّ هذه الدنيا ليست بدارِ قَرار،وأن ما بعدَها جنة أو النار،فاحذروا الدنيا ومكائِدَها،فكم غرَّت من مُخلَّدٍ فيها،وصرعت من مُكِبّ عليها،عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال.. أخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَنكبي فقال..((كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل))،وكان ابن عمر يقول.. (إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباح،وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء،وخذ من صحتك لمرضك،ومن حياتِك لموتك) أخرجه البخاري .
قال علي رضي الله عنه..{ارتحلت الدنيا مدبرةً،وارتحلت الآخرةُ مقبلةً،ولكلٍّ منهما بنون،فكونوا من أبناء الآخرة،ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليومَ عملٌ ولا حساب،وغداً حسابٌ ولا عمل}
نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ
وأعمارُنا تُطوى وهنَّ مراحلُ
ترحَّّلَ من الدنيا بزادٍ من التقى
فعمركَ أيـامٌ وهُنَّ قلائِــلُ
معاشر المسلمين..رحل عام 1435هـ وطوى بساطه،وشدّ رحالَه ((وكلُّ الناسِ يغدو،فبائعٌ نفسهُ، فمُعتِقُها أو موبِقُها)) عامٌ كاملٌ،تصرمت أيامهُ وتفرقت أوصاله،وقد حوى بين جنبيهِ حِكماً وعِبراً، وأحداثاً وعِظات،فلا إِلهَ إِلا الله،كم شقيَ فيه مِن أُناسٍ؟!،ولا إِله إلا الله كم سَعدَ فيهِ من آخرين؟ كم من طفلٍ قد تَيَّتَم؟!وكم من امرأةٍ قد تَرمَّلَت؟!،وكم من مُتأهِّلٍ قد تأيَّم؟!لا إِله إلا الله كم من أهلِ بيتٍ يُشيِّعون ميتَهم،وآخرون يزفون عروسهم؟!لا إِله إلا الله دارٌ تفرحُ بمولودٍ،وأُخرى تُعزى بمفقود،أيامٌ تمر على أصحابِها كالأعوام،وأعوامٌ تمر على أصحابِها كالأيام.
وكم من مات وزال ملكه فلا إله إلا الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاءُ وينزع الملكَ ممن يشاء ويُعزُّ من يشاء ويذلُّ من يشاء بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير..
كم تدمى جراح المسلمين الذين تسلط عليهم الظلم وتجبر في فلسطين وأرض الشام..ولا حول ولا قوة إلا بالله،ولم ينتهِ العام إلا واليهود الصهاينة يرتكبون مجزرة أخرى بغزة يستهدفون المجاهدين والمدنيين مع سكوت مشين بل وتأييد من العالم ودوله المنحازة لليهود قاتلهم الله أنى يؤفكون والدم المسلم يسير هدراً..
إنَّها علاماتٌ لهذا العام وهي من تقديرِ العزيزِ الحكيمِ اللطيفِ بعبادهِ..فواجبٌ على العبدِ أخذُ العبرةِ والعظةِ من مثلِ هذهِ الأحداث والخوف العظام..رأينا الفيضاناتِ والأعاصير والفتنَ والأحداث أصاب اللهُ بها أقواماً ونحنُ سالمين آمنين بحمد الله..رأينا كثرةَ تعدِّد الحوادثِ بالسياراتِ والحرائقِ والوفياتِ التي تتكرَّرُ كُلَّ عام بسببِ الإهمالِ وضعف الاهتمام بالسلامة وانتشار الرشوةِ والفسادِ وضياعِ تربيةِ الآباءِ لأولادهم بالسياراتِ وهذا كلُّه يدعونا للعبرة والمراجعة..والاستفادة من تلك الحوادث والفتن..
رأينا موسماً للحجِّ خالٍ ولله الحمد من الأمراض وإثارةِ القلاقل وفيه استتبابٌ للأمن وخدمة للمجتمع نسأل الله للجميع التوفيق والسداد..
أيها المسلمون..ذهبَ عامُكم هذا شاهدًا لكم أو عليكم،فاحتقِبوا زادًا كافيًا،وأعِدّوا جوابًا شافيًا، واستكثِروا في أعمارِكم من الحسناتِ،وتدارَكوا ما مضَى من الهفَواتِ،قبلَ أن يفجَأكم هادم اللّذاتِ،قال..صلى الله عليه وسلم هو يَعِظُ رجلاً..((اغتنم خمسًا قبلَ خمسٍ..شبابَك قبل هرَمِك،وصحَّتَك قبل سقمَك،وغِناك قبل فقرك،وفراغك قبلَ شُغلك،وحياتك قبل مَوتِك،فما بعد الدنيا من مستَعتَب،ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار)) أخرجه الحاكم إنها دعوة للاهتمام بالوقت الذي يضيّعه الكثيرون ولا يهتمون به.
تَختلفُ رغباتُ الناس عند انسلاخِ العام،فمنهم من يفرحُ،ومنهم من يحزن،ومنهم من يكونُ بين ذلك سبيلاً.فالسجينُ يفرحُ بانقضاء عامه؛لأن ذلك مما يقرّبُ موعد خروجهِ وفرجهِ.
أَعدُّ اللياليَ ليلةً بعد ليلةٍ
وقد عِشتُ دَهراً لا أَعدُّ اللياليا
وآخرُ يفرحُ بانقضاءِ العامِ،ليقبضَ أُجرةَ مساكنٍ وممتلكاتٍ أجّرَها حتى يستثمرَ ريعَها وأرباحَها. وآخر يفرحُ بانقضاءِ عامهِ من أجلِ ترقيةٍ وظيفيةٍ..إلى غير ذلك من مقاصد تَفتَقِرُ إلى المقصدِ الأسمى فالفرحُ بقطعِ الأيامِ والأعوامِ دونَ اعتبارٍ وحسابٍ لما كان فيها وبعدها هو من البيعِ المغبون.
إنا لنفرحُ بالأيامِ نَقْطَعُهَــــا
وكُلُّ يومٍ مضـى يدني من الأَجلِ
فاعملْ لنفسكَ قبلَ الموتِ مجتهداً
فإنما الرِبحُ والخسرانُ في العمـلِ
فالعاقلُ من اتعظَ بأمسهِ،واجتهدَ في يومهِ،واستعدَّ لغدهِ.
..إن تَعاقبَ الشهورِ والأعوامِ علينا قد يكون نعمة أو نقمة،فطول العمرِ ليس نعمةً إذا لم يعمر بالخير فإنما هو يستكثرُ من حُجَجِ اللهِ تعالى عليه،عن أبي بكرة رضي الله عنه قال..قال صلى الله عليه وسلم..((خيرُ الناس من طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عمله،وشَرُ الناسِ من طَالَ عُمرهُ وساءَ عمله)) رواه أحمد و الترمذي فيا من قد بَقِي من عمُره القليل،ولا يدرِي متى يقَعُ الرّحيل..يا مَن تُعدّ عليه أنفاسُه استدرِكْها..يا من ستفوتُ أيامُه أدرِكها،نفسُك أعزُّ ما عليك فلا تُهلِكها..وقتك أكثره بالاستراحة ،وبيتك وعيالك يُلقون على غيابك الملامة،ومشاكلهم بفقدك تزداد بصراحة..ويا من أقعدَه الحِرمانُ،وضرّه العصيان،كم ضيّعتَ من أعوام،وقضيتَها في اللّهوِ والمنام؟!كم أغلقتَ بابًا على قبيح؟!،كم أعرضتَ عن قول النصيح؟!كم صَلاةٍ تركتَها؟!ونظرةٍ أصبْتَها؟!وحقوقٍ أضعتْها؟!وشرورٍ نشَرتْها؟!،أنسيتَ ساعةَ الاحتضار،حين يثقُل منك اللِّسان،وترتخي اليّدان،وتَشخصُ العينان،ويبكي عليكَ الأهلُ والجيران؟!هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وليس أكرَمَ على الله من رسولِه،حين حضرتْه الوفاةُ كان يُدخلُ يدَه في الماءِ فيمسَحُ بها وجْهَه ويقول..((لا إله إلا الله،إنَّ للموتِ سكرات اللهم أعني على سكرات الموت)) أخرجه البخاري
أؤملُ أن أحيا وفي كلِّ ساعةٍ
تمرُّ بي الموتى تُهزُّ نعُوشُها
وهل أنا إلا منهمُ غيرَ أن لي
بقايا ليالٍ في الزمان أعيشُها
أيها المسلمون..أين مَن عاشَرناه كثيرًا وألفنا؟!كم أغمَضْنا من أحبابِنا جَفْنًا؟!،كَم عزيزٍ دفنّاه وانصَرَفْنا؟!،كم قريبٍ أضجعنَاه في اللّحد وما وقفْنا؟!،فهل رحِم الموتُ منَّا مريضًا لضعفِ حالهِ وأوصالِه؟!هل أمهَلَ ذا عِيال من أجلِ عِياله؟!أين من كانوا معَنا في الأعوام الماضية؟!أتَاهم هادِمُ اللذات وقاطعُ الشهوات ومُفَرّقُ الجماعات،فأخْلى منهم المجالِسَ والمساجد،تراهُم في بطونِ الألحادِ صرعَى،لا يجِدون لما هم فيه دَفعًا،ولا يملِكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا،ينتظِرُون يومًا الأمَمُ فيه إلى ربها تُدعَى،والخلائقُ تُحشرُ إلى الموقف وتْسعَى،والفرائِصُ ترعدُ من هولِ ذلكَ اليوم والعيونُ تذرف دَمعًا،والقلوبُ تتصدَّعُ من الحسابِ صَدعًا.(( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ))
أين أنتَ أيُّها الرجلُ الكبير يا مَن شابَ شعرُهُ وضعفت قُواه ويرى أصحابَه تجاوزُوه بالموت وهو لازال لم يُجدِّدِ التوبةَ ويتركِ الهفوةَ ويُقبلْ على الطاعةِ؟!وأنت أيُّهَا الشاب يا مَنْ غرَّتْك قُواك وتجرَّأتَ على الحرامِ هل يا تُرى يحميكَ عمرُك من الموتِ وأنتَ غارقٌ في الآثام؟!ألم تر كيف الحوادث والأمراضُ تحصدُ الشبابَ عاماً بعد عام؟؟!
فيا من تمرُّ عليه سنَةٌ بعدَ سنة وهو في نومِ الغَفْلةِ والسِنة،يا من يأتي عليه عام بعدَ عامٍ وقد غَرقَ في بحرِ الخطايا والأوهام،قل لي بربِّك..لأيِّ يومٍ أخَّرتَ توبتك؟!ولأيِّ عام ادَّخرْتَ أَوبَتك؟!فبادِر التوبةَ واحذرِ التسويف والغفلة،وأصلحْ من قلبِك ما فسَد،وكُنْ من أَجَلِكَ على رَصَد،والعمرُ أمانَةٌ،سيُسألُ عنه المرءُ يومَ القيامة((فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ(41)أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ(42)فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(43)وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)) قال صلى الله عليه وسلم..((لن تزول قدما ابنِ ادم يوم القيامة من عند ربِّه حتى يُسأل عن خمس..عن عمره فيم أفناه؟وعن شبابِه فيم أبلاه؟وعن مالِه من أين اكتسبه؟وفيمَ أنفقه؟وماذا عمِل فيما علِم؟)) أخرجه الترمذي،ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه..(ما ندمتُ على شيء ندَمي على يومٍِ غرُبَت شمسُه نَقَص فيه أَجلي ولم يزِد فيه عملي).
ليحاسِبْ كلُّ واحدٍ منا نفسَه،فقد سعِدَ من لاحظَها وحاسبَها،وفازَ من تابعها وعاتَبها،وهلمّوا إلى دارٍ لا يموتُ سُكّانها،ولا يخرَب بُنيانُها،ولا يهرَمُ شَبَابها،ولا يتغيَّرُ حُسنُها وحسانها،يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم..((من يدخلِ الجنة ينعم لا يبأس،لا تبلى ثيابُه ولا يفنى شبابُه)) أخرجه مسلم..اللهم إنا نسألك الجنة..اللهم إنا نسألك الجنة ..ونعوذ بك من النار..
يا عبدَ الله،واستدركْ من العمر ذاهبًا،ودعِ اللهوَ جانبًا،وقم في الدُّجى نادِبًا،وقفْ على الباب تائبًا،قال صلى الله عليه وسلم..((إنَّ الله عزّ وجلّ يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيء النهار،ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل،حتى تطلعَ الشمس من مغربها)) أخرجه مسلم فمن الواجبِ علينا أن نستقبلَ أعوامنا بطاعةِ ربِّنا،ومحاسبةِ أَنفُسنا وإصلاحِ ما فَسُدَ من أَعمالِنا.
قطعتَ شهور العام لهوًا وغفلةً
ولم تحـترمْ فيـما أتيت المحـرَّمـا
فلا رجبًا وافـيت فيه بحـقِّه
ولا صمت شهرَ الصوم صومًا متمِّما
فهل لك أن تمحو الذنوبَ بعبْرةٍ
وتبكي عليها حـسرة وتنــدُّما
وتستقبل العام الجديدَ بتوبــةٍ
لعلَّك أن تمحـو بها مـا تقـدَّما
فأحسنوا التوبة وحاذروا الغفلة((يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحًا فَمُلَـٰقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا*وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا*وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا*إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُورًا*إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا)) اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمهَاوخير أعمالنا أواخرها وخيرَ أيامِنا يومَ لقائك،اجعلْ الحياة زيادةً لنا من كلًَّ خير والموتَ راحةً لنا من كلِّ شر،واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية ..الحمد لله و حده أما بعد ..فاتقوا الله عباد الله
أيّها المسلمون..مع بدايةِ عامٍ هجريٍّ جديد نتذكر أنَّ المسلمينَ لم يكونوا يعملوا بالتاريخ السنوي في أوَّل الأمر حتَّى كانت خلافةُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،فإنَّه جمعَ الناسَ فاستشارهُم،فاختلفوا كيف يؤرخون وهل يقلدون الفرس والروم فقال بعضُهُم..أرِّخوا من مولده صلى الله عليه وسلم قال آخرون..بل من مبعثهِ،وقال آخرونَ..بل من مهاجرهِ،فقال عمر بن الخطاب وكان مُلهَمًا..الهجرةُ فرَّقت بين الحقِّ والباطلِ،فأرِّخوا بِها.فأرخوا بسنة وقوعها وبدأوا من شهر الله المحرم..
واليومَ ـ نرى معظمَ الأمَّةِ الإسلاميَّة ـ استبدلت التاريخ الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الجريجوري،نسبةً إلى البابا جريجوري،وهو تاريخٌ كما لا يخفى لا يَمتُّ إلى ديننا بصلة..ولكن انتشرَ بعد الاستعمارِ الذي حكم كثيراً من بلادِ العالم الإسلامي..قال تعالى(( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ))فقوله((ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ))هذا هو الشَرعُ المستَقيم،فالعجبُ مِن أمَّةِ الإسلامِ تتركُ هذا الشرعَ القويم في بابِ التوريخ،وهذه أمَّةُ اليهودِ لا تزالُ تُورِّخُ بِتاريخها مُنذ أزيدَ من خمسةِ آلافِ سنة،وهذهِ النصارى لا تُورِّخ إلا بتاريخها منذ ألفي عام،مع ما في تواريخهم من اختلال علميٍ وديني..وكذلك الصينيونَ والفُرسُ كلهم يحافظون على تواريخهم إلا نحن المسلمين مع الأسف.
وإنَّ من بديعِ حِكمَةِ اللهِ أن جعلَ طرفي العامِ شهرينِ محرَّمين،شهر ذي الحجةِ في خاتمةِ العامِ وشهرِ المحرَّم في فاتحةِ العام،فكأنَّ في ذلك إشعارًا للمؤمنِ بأن يختم عَملهَ بالخيرِ ويفتتحه بالخيرِ،فقد هيَّأ الله له في فاتحةِ كُلِّ عام وفي خاتمتهِ شَهرًا محرَّمًا تعظُمُ فيهِ الأجورُ على الطاعات،وتُعظَّم فيه الحرمات.
والله نسأل أن يبارك لنا في عامنا الجديد ويرزقنا فيه الخير ويحفظنا من سيئ الأدواء والأنواء،ومن الغلاء والوباء،والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن..اللهم اغفر لنا في عامنا الماضي ما سلف وكان من الآثام والعصيان واجعل عامنا القادم عام نصرٍ وعزٍ وتمكين وهداية لبلادنا وولادتنا وسائر بلاد وولاة المسلمين،اللهم وعجل بنصل إخواننا المستضعفين في أرض سوريا وفلسطين على الطغاة أجمعين..واجمع كلمتهم ومقاومتهم على الحق والدين..اللهم تقبل من مات منهم شهيدا واحم أطفالهم ونساءهم وأعراضهم يارب العالمين..
الاستغاثة
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،