الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً أما بعد..فاتقوا الله عباد الله..
هو سبب نهضة الأمم!!فالبشرية منذ خلق الله آدم عليه السلام قُرنت بالعلم..خلقه الله فعلَّمه الأسماء كلَّها..وأنبياءُ الله ورسله يُبعثون ويُجاهدون ويصبرون ويُصابرون على العلم وإيصاله((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ))
لهداية النَّاسِ في الظلمات،رغم ما يلقونه ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم كان أولَ وحيِّهِ أَن سما بقدْرِ القَلمِ،ونوَّهَ بقيمةِ العلْمِ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))ودعى عليه الصلاة والسلام ربَّه((وقل ربِّ زدني علماً))ويسمو القرآن الكريم بالعلم وأهله((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ))وأمة الإسلام رفع الله شأنها بالعلم وتبليغه،والأوطان تُبنى بالتعليم لأن العلمَ هدفٌ لها والجهلَ سببٌ لضعفها والتعاسة والتخلُّف حين ينحرفُ التعليم بها ليكون سبباً في هدمها،ولذلك تُولي الدولُ المتقدمةُ والمجتمعاتُ المتحضرةُ التعليمَ كلَّ رعايتِها،وجُلَّ اهتمامها،فهو أساسُ الهوية ومرتكزُ الشخصيِّة،والسبب الأول بعد توفيق الله لإعطاء الأمة مكانةً مرموقةً وكلمةً مسموعة..إن اهتمت به ستبني صروحَ عزٍّ شامخة وترفعُ مآذنَ مجدٍ شاهقةً،وإن أهملته ظلمَت نفسها،وخسرت أجيالَها، وأضاعت رسالتَها..أدرك ذلك غيرُنا فتقدّموا تقنياً والأولى بالمسلم أن يتقدّمَ بدينه وعقيدته وتاريخه وحضارته وسبق ذلك التقدّم لنا بمكةَ والمدينة ودمشق والقاهرة ومرّاكش والزيتونة وبغداد والأندلس والدرعيّة..كلّها قدمت للعالم عبرالتاريخ توحيداًوتعليماًوقيماًوحضارة!
العلمُ إخوتي ينطلق من عقيدة الأمة منسجماً مع أهدافها وآدابها.. والعلوم تُصبغُ بصبغة الإيمان،وتُؤخذ العقول بميزان الدنيا والآخرة، ومناهجُ التربية والتعليم للإيمان قائدةٌ،تُصلحُ النفسَ،وتُهذّبُ الخلُقَ مع التطوير والتحديث..وتُحصّنُ الناشئةَ بالثوابت المُجمع عليها،وتُبعدهم عن الخلافات والفتن والحزبيات والعصبيّات ليكونوا خيرَ ممثّلٍ لدينهم وأمتهم.. مع إبعادهم عن ثقافاتٍ متناقضة وعلوم متنافرة وجدل عقيم.. النجاحُ في العلم ليس بمعرفةِ القراءةِ والكتابةِ،وثقافةِ التلقينِ وليس دليلَ التفوقِ كثرةُ دورِ العلم ومباني المدارس،وأفواج الخريجين، وأعداد الجامعات..فالمسجد النبوي المبني من طين وعريش خرّج أعظمَ الأجيال عبر التاريخ..وحقيقةُ العلم نُصرةُ الدين وفهمُه ووجودُ التقنية المفيدة وتطويرُ المجتمعات وازدهارُ الوطن وحمايةُ الشباب من غلوِّ التطرْف ووحْل الإلحاد..وتحصينُهم من كلِّ فكرٍ سيّءٍ دخيل.. وكيدِ خائن عميل..وخلقٍ عن الحق يميل..
مبادئُ التعليم وأصولُه لاتستورد كالبَضَائعِ والصناعات،بل تُكتسبُ بفهمٍ صحيح ودينٍ قويم،أما التبعية والتقليد للضلال والفساد فهي هدمٌ ودمار وضياعٌ للهويّة والقيم!!فكلُّ أمةٍ تسعى لإعدادِ جيلها بتأصيل عقيدتها وبناء ثقافتها وقيمها والمحافظة على أمنها وحدودها والارتباط بقادتها وعلمائها.. فلا فائدةَ من علمٍ بلا خُلقٍ أو ثقافة،ولا جدوى من تربيةٍ لا تثمر عملاً صالحاً وتحظى بجدارة،لا خير في معارفَ تورِّث بلبلاتٍ فكرية،أو تطرّفٍ وغلوٍّ ولا نفع بثقافاتٍ تشكِّكُّ في صحيح المعتقدات..وإذا كان العلمُ الشرعي ما قرّره الله ورسوله وفهمَه صحابتُه وسلفُنا الأخيار فهو يُقدَّم مع فهمٍ للواقع وقبولٍ للرأي الآخر ومشاركةٍ مع الجميع لبناء المجتمع ونأخذَ من غيرنا العلمَ المفيد والحديث..ولنستفدْ من تجربة آبائنا وأجدادنا وبعضُهم أُمِّيٌ لا يقرأ ولا يكتب لكنهم رغم ذلك ربَّوا بقِيمٍ يعرفونها وأخلاقٍ تربوا عليها جيلاً كاملاً رأينا منجزاتهم،والمؤسف أن بعضَ أجيالنا الآن لم يصل لمستواهم!
أيها الإخوة..مناهج التعليم لاتُملى من الغير وإنما هي تؤكِّد على الكيف لا الكم،تقومُ على التجديد والإبداع وليس الاجترار والتكرار.. تنطلق من الثوابت ولاتتبدل حسب الظروف والأحوال..علمٌ يسعى للمضمون لا الشكل..وللثقافة لا الشهادة..ويجعلُ الوظيفةَ وسيلةً للتطوّر وخدمةً للوطن ويقودُ إلى الحضارة وكما يركّزُ على العلوم الشرعية من توحيدٍ وفقهٍ يُقيمُ دينَ الناس فهو ينافسُ بالعلومِ الطبيعية من طبٍ وعلوم وفيزياء وتقنية لأنها ضرورات للعصر..
إن العلمَ الذي نريده في مدارسنا ونسعى إليه والمناهجَ التي نطمح إليها هي مَن تُربّي لنا نشأً هم غرس تعاليم الإسلام وجيلاً يريدُ إقامة الدين ويؤمنُ بسماحته وحسن تعامله،لتبقى محصنةً بدينها، متماسكةً بقوته، مرتبطةً بحبله،لا تنالُ من تعاليم دينها ولا تخون أوطانها بعيدةً عن كل فوضى فكرية أو صراعاتٍ مذهبيَّة طائفيةٍ، أو فوضى أمنيَّة، نقيةً من عوامل الفساد وأسباب الزيغ والإلحاد، واتجاهات الزندقة والتغريب الذي يُراد..مع احترامٍ للآخر ورأيه وحقوقهِ،ومحافظةٍ على تماسك الوطن وحمايةً للبيئة ومحافظةً على النظافة..نفتخرُ بحمد الله في تعليمنا بإنجازاتٍ تحقّقت للمحافظة على أصالة بلدنا ومعتقده وقيمه بجهود مؤسسين وقائمين علموا أن فلاحَ الأمة في صلاح أعمالها، وصلاحُ أعمالها في صحة علومها وفي مناهج صحيحة تجمع بين الأصالة والتطوّر لتُنتج رجالاً أمناءَ أوفياءَ ذوي نصحٍ وإخاءٍ لا سيّما واليوم أجيالنا تتهدّدُها هجماتٌ لنزع القيم وإضعاف الولاء للدين والقيم والأوطان وتميّزُ التعليم مطلوبٌ لنحميَ أجيالنا..فالدولة وفقها الله تُخصِّصُ للتعليم أعلى أرقام ميزانيتها السنوية وتسعى لتطويره،وكما هي مسؤولةٌ عن إصلاحه وتقدّمه فإن رجالاتِ التعليم كباراً وصغاراً على عاتقهم أعظمُ مسؤوليةٍ في إعداد الجيل وحمايته علماً وعملاً ونفعاً لهم ولدينهم ووطنهم..وإضعافُ المناهجِ وتشويهُ تعليمِنا واتهامه بنسبةِ التطرف إليه وهو منه براء سببٌ للضعفِ والبلبلةِ والتشويه.. والجرأةُ على مخالفةِ الدين والقيم ضررٌ على أجيالِ الأمة وهدمٌ للمجتمع وتميزه الذي ما زلنا نفاخر به ..
عباد الله..مع بداية عامٍ دراسيٍّ جديد فالمطلوبُ إحساسُ الجميع بأهميةِ دورِ التعليمِ والجدِّ بأوّلِه كي لا نندم في نهايته فنجاحُ المُعلم بقوة المعرفة والشخصية،وحسنِ النيَّةِ والقصدِ والتوجيه،ونيّته بتعليمه الإحسانَ إلى طلبته بإرشادهم لما ينفعُهم في أمور دينهم ودنياهم،يكونُ قدوةً بالأخلاقِ الفاضلةِ والآدابِ العالية،مبدعاً في المنهج..حواريَّ الطابع.. يجعلُ الفصلَ قاعةَ بحثٍ لا غرفةَ حبس،جادٌ بحضوره وعدم غيابه وليعلم أن الطلبة سيحفظون له تميّزه كما عرفنا معلمين لنا أمواتاً وأحياءً..وأنتم أيها المتعلّمون ابذلوا الجهد من أول العام ليَثبتَ العلمُ في قلوبكم وينعكسَ في قيمكم..أما الإهمال والتهاون فإنه يورّثُ العجزَ والقصور والندم..ومن الخسارة أن لا تتميزَ بالتعليم وتُنمي مواهبَك من خلاله..ولا يكن هدفَك نيلُ وظيفة أو شهادة..بل أعل همّتك لتخدمَ أمتك ودينك ووطنك وإذا كان رائدك إخلاص النية لله فستنال التوفيق والأجر..ووالأسرةُ تُكملُ ذلك الدورَ المهم بتفقّدِ أولادهم ومعرفةِ سْيرهُم ونهْجَهُم العلميَّ والفكريَّ والخلقيَّ،يبحثون معهم جهدهم ويتفقدون صحبتهم ودراستهم ويتواصلون مع المدرسة ودراستهم أما إهمالهم فهو ضياعٌ لهم وظلم،فهم رعيّةٌ يجب أن يرْعوها حقَّا والضياعُ سببٌ للندم ولنعلم أن تشويهَ دور المعلّم واتهامه لايُساهم ببناء وطن ولاحضارة وهؤلاء الذين يتجاوزون بالتعميم والاتهام إنما يهدمون ولا يبنون حتى ولو كانوا يستهزئون فليتقوا الله فيما يقولون
قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا" " كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي. " يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا؟
أيه الإخوة كما أن المدارسَ ودورَ التعليم محاضنُ الجيل،فهي حصنٌ للبلد تحميه وتحافظ على أصالته وبقائه..وإذا ضعفت مخرجات التعليم وحلق العلم فذلك سبُ تصنيف وإقصاء وثقافةُ كراهية وغلو وإلحاد وسببٌ للمتربصين بالوطن وشبابه لنشر سمومه من فكرٍ ضالٍ وخلقٍ ضار.. وموالاةٍ للعدوِّ وجفاءٍ للصديق..فضعف التعليم لا يُساعد على صناعة جيل وتعليم أمة بل يُخرِّجُ شهاداتٍ لا يُعمل بها ولا يُؤبه لها.. ويضيِّعُ هممَ الشباب لترى الخمولَ والإهمالَ وهذا يدعونا للاهتمام لتوفير بيئةٍ دراسيةٍ مشجعةٍ وطريقةٍ علميةٍ نافعةٍ،وتسليةٍ مقبولةٍ راشدةٍ تجعل الطلبةَ مُقبلين بشغفٍ ورغبةٍ للتعلّم والمعرفة ونحن لدينا بحمد الله كوادر علمية نفخر بها،وإنتاجٌ مدرسي نفاخر فيه لكننا نطمح لزيادته لدينا موهوبون نريدُ العناية بهم،وإبرازهم ليكونوا قدوة لزملائهم..وبراءاتُ اختراع وشهاداتٌ وعقولٌ شهدَ لها غيرُنا أكثر منا.. أليس خللاً أن يهتمّ مجتمعُنا ويحتفي بموهبة رياضة أو غناء أكثر من موهوب ومخترع..فمدارسنا تحوي أثمنَ ما تملكه الأمة، تحتضن فلذات الأكباد ورجال الغد وجيل المستقبل،وتلك ثروةٌ تتضاءل أمامَها كنوزُ الأرضِ جميعاً..واعلموا يا رجال التعليم وطلاَّبَه،ويا آباء وأمهات أنه إذا حُفظت العقولُ والأخلاقُ،وأُحيط التعليم بسياج الدين ورباط العقيدة الوثيق، والفهم العميق فلسوف تصحُّ المناهج،وينفعُ العلم،وتثبتُ الأصالة،ويتضحُ السبيلُ،وترتفع الراية ويحصل التمكين..
واعلموا أن الجاهزيّةَ للتعليم ليس بما غلا ثمنه من حقائب وقرطاسية وإنما بما سيلقاهُ أولادُكم من قيم أخلاقيةٍ ومعلوماتٍ دراسية..تساهم في بناء شخصيته وتنمية خلقه وعقله..وهذا يحتاج متابعةً بالنومِ المبكر والغذاء الصحي والفهم السليم والبعد عن السهر والإهمال والرفقة السيئة والمتابعة مع المدرسة..انتبهوا أيها الأولياء من المغالاة بأثمان التجهيزات الدراسية وليتق اللهَ المعلّمونَ وخاصةً المعلمات في طلباتهم التي قد تثقل كاهلَ أكثرِ الأسر وليس لها من هدفٍ إلا التقليد والمنافسة واتباع الموضة..نسأل الله أن يوفق أولادنا والقائمين عليهم في المدارس،وأن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً..(( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) أقول قولي هذا
الخطبة الثانية
..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
أيها الإخوة المؤمنون..ونحن نعيش ولله الحمد نعمة الأمن والإيمان مع ما نراه حولنا يتهدّدُ البلدان..فاللهَ الله في أداءِ الواجب المُلقى على عواتقِنا جميعًا،في معالجة ظواهر خطِرة ومحرّمة على مجتمعاتِنا باستئصال شأفتِها،وأن نكون يدًا واحدة وعينًا ساهرة في الحفاظ على دين الأمّة وأمنِها وبلادها وأن نحذر من الفتن بالابتعاد عن المشاركة بقولٍ أو فعلٍ أو اتهام وتصنيف أو حثٍ وتأييد للمحرضين لما في ذلك من مفاسد مؤثرة على الفرد والمجتمع عندنا،ولنكن لحمة واحدة مع العلماء وولاة الأمور والناصحين بالتعاون على المناصحة والإصلاح ونبذ مجاملة وفساد يضرُّ الأمةَ ويودي بها إلى متاهات سحيقة.. ولنحذر ببلادنا من فتنٍ وبلبلةٍ وإشاعاتٍ مُغرضة ودعوةٍ للمظاهراتِ وارتباطٍ فكريٍّ بالانحراف والأحزاب مما يؤدي لمفاسد مترتبة ويُفسد مصالحَ قائمة وطرقُ الإصلاح كثيرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة بالحكمة والموعظة الحسنة أما الفوضى وإثارة الفتن فشرٌّ عظيم ولنحمد الله على اجتماع الكلمة وتوحيد الصف والتعاون على البر والتقوى ولنوقن أن النصيحة واجبةٌ لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم..
ولنعلم أن هناك غششةً للأمة من مداحين ومرتزقة يريدون تشويه الأمور وتسويغ الفساد وهذا من الضلال..ولنكن جميعاً متواصلين على حماية أمن أوطاننا من الفتن المحدقة بنا والفساد الذي يراد بها، وكذلك حل المظالم ونصرة المظلومين،بالتعاون على الإصلاح والمناصحة والتواصل مع ولاة الأمر ونبذ المجاملة.وإذا كان هناك أخطاء تحتاج لإصلاح أو مكلومون ومظلومون يريدون إيصال صوتهم المشروع وطرحه فهناك أساليب بلا فتن يمكن ممارستها وتواصل مع المسؤول ونصح نتمكن به جميعاً من بناء مجتمع متماسك متناصح..
نسأل الله أن يُعزَّ بلادنا بالإسلام وسائر بلاد المسلمين وأن يحمي حوزة الحق والدين وأن يديم علينا نعمة الاستقرار والأمان والإيمان ويكفينا شر المفسدين ويوفق ولاة أمرنا لكل مافيه نصرة الدين وينصر جندنا المرابطين وأن يجمع كلمتنا على الحق والدين..اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك رضاك يا أرحم الراحمين ..
هو سبب نهضة الأمم!!فالبشرية منذ خلق الله آدم عليه السلام قُرنت بالعلم..خلقه الله فعلَّمه الأسماء كلَّها..وأنبياءُ الله ورسله يُبعثون ويُجاهدون ويصبرون ويُصابرون على العلم وإيصاله((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ))
لهداية النَّاسِ في الظلمات،رغم ما يلقونه ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم كان أولَ وحيِّهِ أَن سما بقدْرِ القَلمِ،ونوَّهَ بقيمةِ العلْمِ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))ودعى عليه الصلاة والسلام ربَّه((وقل ربِّ زدني علماً))ويسمو القرآن الكريم بالعلم وأهله((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ))وأمة الإسلام رفع الله شأنها بالعلم وتبليغه،والأوطان تُبنى بالتعليم لأن العلمَ هدفٌ لها والجهلَ سببٌ لضعفها والتعاسة والتخلُّف حين ينحرفُ التعليم بها ليكون سبباً في هدمها،ولذلك تُولي الدولُ المتقدمةُ والمجتمعاتُ المتحضرةُ التعليمَ كلَّ رعايتِها،وجُلَّ اهتمامها،فهو أساسُ الهوية ومرتكزُ الشخصيِّة،والسبب الأول بعد توفيق الله لإعطاء الأمة مكانةً مرموقةً وكلمةً مسموعة..إن اهتمت به ستبني صروحَ عزٍّ شامخة وترفعُ مآذنَ مجدٍ شاهقةً،وإن أهملته ظلمَت نفسها،وخسرت أجيالَها، وأضاعت رسالتَها..أدرك ذلك غيرُنا فتقدّموا تقنياً والأولى بالمسلم أن يتقدّمَ بدينه وعقيدته وتاريخه وحضارته وسبق ذلك التقدّم لنا بمكةَ والمدينة ودمشق والقاهرة ومرّاكش والزيتونة وبغداد والأندلس والدرعيّة..كلّها قدمت للعالم عبرالتاريخ توحيداًوتعليماًوقيماًوحضارة!
العلمُ إخوتي ينطلق من عقيدة الأمة منسجماً مع أهدافها وآدابها.. والعلوم تُصبغُ بصبغة الإيمان،وتُؤخذ العقول بميزان الدنيا والآخرة، ومناهجُ التربية والتعليم للإيمان قائدةٌ،تُصلحُ النفسَ،وتُهذّبُ الخلُقَ مع التطوير والتحديث..وتُحصّنُ الناشئةَ بالثوابت المُجمع عليها،وتُبعدهم عن الخلافات والفتن والحزبيات والعصبيّات ليكونوا خيرَ ممثّلٍ لدينهم وأمتهم.. مع إبعادهم عن ثقافاتٍ متناقضة وعلوم متنافرة وجدل عقيم.. النجاحُ في العلم ليس بمعرفةِ القراءةِ والكتابةِ،وثقافةِ التلقينِ وليس دليلَ التفوقِ كثرةُ دورِ العلم ومباني المدارس،وأفواج الخريجين، وأعداد الجامعات..فالمسجد النبوي المبني من طين وعريش خرّج أعظمَ الأجيال عبر التاريخ..وحقيقةُ العلم نُصرةُ الدين وفهمُه ووجودُ التقنية المفيدة وتطويرُ المجتمعات وازدهارُ الوطن وحمايةُ الشباب من غلوِّ التطرْف ووحْل الإلحاد..وتحصينُهم من كلِّ فكرٍ سيّءٍ دخيل.. وكيدِ خائن عميل..وخلقٍ عن الحق يميل..
مبادئُ التعليم وأصولُه لاتستورد كالبَضَائعِ والصناعات،بل تُكتسبُ بفهمٍ صحيح ودينٍ قويم،أما التبعية والتقليد للضلال والفساد فهي هدمٌ ودمار وضياعٌ للهويّة والقيم!!فكلُّ أمةٍ تسعى لإعدادِ جيلها بتأصيل عقيدتها وبناء ثقافتها وقيمها والمحافظة على أمنها وحدودها والارتباط بقادتها وعلمائها.. فلا فائدةَ من علمٍ بلا خُلقٍ أو ثقافة،ولا جدوى من تربيةٍ لا تثمر عملاً صالحاً وتحظى بجدارة،لا خير في معارفَ تورِّث بلبلاتٍ فكرية،أو تطرّفٍ وغلوٍّ ولا نفع بثقافاتٍ تشكِّكُّ في صحيح المعتقدات..وإذا كان العلمُ الشرعي ما قرّره الله ورسوله وفهمَه صحابتُه وسلفُنا الأخيار فهو يُقدَّم مع فهمٍ للواقع وقبولٍ للرأي الآخر ومشاركةٍ مع الجميع لبناء المجتمع ونأخذَ من غيرنا العلمَ المفيد والحديث..ولنستفدْ من تجربة آبائنا وأجدادنا وبعضُهم أُمِّيٌ لا يقرأ ولا يكتب لكنهم رغم ذلك ربَّوا بقِيمٍ يعرفونها وأخلاقٍ تربوا عليها جيلاً كاملاً رأينا منجزاتهم،والمؤسف أن بعضَ أجيالنا الآن لم يصل لمستواهم!
أيها الإخوة..مناهج التعليم لاتُملى من الغير وإنما هي تؤكِّد على الكيف لا الكم،تقومُ على التجديد والإبداع وليس الاجترار والتكرار.. تنطلق من الثوابت ولاتتبدل حسب الظروف والأحوال..علمٌ يسعى للمضمون لا الشكل..وللثقافة لا الشهادة..ويجعلُ الوظيفةَ وسيلةً للتطوّر وخدمةً للوطن ويقودُ إلى الحضارة وكما يركّزُ على العلوم الشرعية من توحيدٍ وفقهٍ يُقيمُ دينَ الناس فهو ينافسُ بالعلومِ الطبيعية من طبٍ وعلوم وفيزياء وتقنية لأنها ضرورات للعصر..
إن العلمَ الذي نريده في مدارسنا ونسعى إليه والمناهجَ التي نطمح إليها هي مَن تُربّي لنا نشأً هم غرس تعاليم الإسلام وجيلاً يريدُ إقامة الدين ويؤمنُ بسماحته وحسن تعامله،لتبقى محصنةً بدينها، متماسكةً بقوته، مرتبطةً بحبله،لا تنالُ من تعاليم دينها ولا تخون أوطانها بعيدةً عن كل فوضى فكرية أو صراعاتٍ مذهبيَّة طائفيةٍ، أو فوضى أمنيَّة، نقيةً من عوامل الفساد وأسباب الزيغ والإلحاد، واتجاهات الزندقة والتغريب الذي يُراد..مع احترامٍ للآخر ورأيه وحقوقهِ،ومحافظةٍ على تماسك الوطن وحمايةً للبيئة ومحافظةً على النظافة..نفتخرُ بحمد الله في تعليمنا بإنجازاتٍ تحقّقت للمحافظة على أصالة بلدنا ومعتقده وقيمه بجهود مؤسسين وقائمين علموا أن فلاحَ الأمة في صلاح أعمالها، وصلاحُ أعمالها في صحة علومها وفي مناهج صحيحة تجمع بين الأصالة والتطوّر لتُنتج رجالاً أمناءَ أوفياءَ ذوي نصحٍ وإخاءٍ لا سيّما واليوم أجيالنا تتهدّدُها هجماتٌ لنزع القيم وإضعاف الولاء للدين والقيم والأوطان وتميّزُ التعليم مطلوبٌ لنحميَ أجيالنا..فالدولة وفقها الله تُخصِّصُ للتعليم أعلى أرقام ميزانيتها السنوية وتسعى لتطويره،وكما هي مسؤولةٌ عن إصلاحه وتقدّمه فإن رجالاتِ التعليم كباراً وصغاراً على عاتقهم أعظمُ مسؤوليةٍ في إعداد الجيل وحمايته علماً وعملاً ونفعاً لهم ولدينهم ووطنهم..وإضعافُ المناهجِ وتشويهُ تعليمِنا واتهامه بنسبةِ التطرف إليه وهو منه براء سببٌ للضعفِ والبلبلةِ والتشويه.. والجرأةُ على مخالفةِ الدين والقيم ضررٌ على أجيالِ الأمة وهدمٌ للمجتمع وتميزه الذي ما زلنا نفاخر به ..
عباد الله..مع بداية عامٍ دراسيٍّ جديد فالمطلوبُ إحساسُ الجميع بأهميةِ دورِ التعليمِ والجدِّ بأوّلِه كي لا نندم في نهايته فنجاحُ المُعلم بقوة المعرفة والشخصية،وحسنِ النيَّةِ والقصدِ والتوجيه،ونيّته بتعليمه الإحسانَ إلى طلبته بإرشادهم لما ينفعُهم في أمور دينهم ودنياهم،يكونُ قدوةً بالأخلاقِ الفاضلةِ والآدابِ العالية،مبدعاً في المنهج..حواريَّ الطابع.. يجعلُ الفصلَ قاعةَ بحثٍ لا غرفةَ حبس،جادٌ بحضوره وعدم غيابه وليعلم أن الطلبة سيحفظون له تميّزه كما عرفنا معلمين لنا أمواتاً وأحياءً..وأنتم أيها المتعلّمون ابذلوا الجهد من أول العام ليَثبتَ العلمُ في قلوبكم وينعكسَ في قيمكم..أما الإهمال والتهاون فإنه يورّثُ العجزَ والقصور والندم..ومن الخسارة أن لا تتميزَ بالتعليم وتُنمي مواهبَك من خلاله..ولا يكن هدفَك نيلُ وظيفة أو شهادة..بل أعل همّتك لتخدمَ أمتك ودينك ووطنك وإذا كان رائدك إخلاص النية لله فستنال التوفيق والأجر..ووالأسرةُ تُكملُ ذلك الدورَ المهم بتفقّدِ أولادهم ومعرفةِ سْيرهُم ونهْجَهُم العلميَّ والفكريَّ والخلقيَّ،يبحثون معهم جهدهم ويتفقدون صحبتهم ودراستهم ويتواصلون مع المدرسة ودراستهم أما إهمالهم فهو ضياعٌ لهم وظلم،فهم رعيّةٌ يجب أن يرْعوها حقَّا والضياعُ سببٌ للندم ولنعلم أن تشويهَ دور المعلّم واتهامه لايُساهم ببناء وطن ولاحضارة وهؤلاء الذين يتجاوزون بالتعميم والاتهام إنما يهدمون ولا يبنون حتى ولو كانوا يستهزئون فليتقوا الله فيما يقولون
قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا" " كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي. " يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا؟
أيه الإخوة كما أن المدارسَ ودورَ التعليم محاضنُ الجيل،فهي حصنٌ للبلد تحميه وتحافظ على أصالته وبقائه..وإذا ضعفت مخرجات التعليم وحلق العلم فذلك سبُ تصنيف وإقصاء وثقافةُ كراهية وغلو وإلحاد وسببٌ للمتربصين بالوطن وشبابه لنشر سمومه من فكرٍ ضالٍ وخلقٍ ضار.. وموالاةٍ للعدوِّ وجفاءٍ للصديق..فضعف التعليم لا يُساعد على صناعة جيل وتعليم أمة بل يُخرِّجُ شهاداتٍ لا يُعمل بها ولا يُؤبه لها.. ويضيِّعُ هممَ الشباب لترى الخمولَ والإهمالَ وهذا يدعونا للاهتمام لتوفير بيئةٍ دراسيةٍ مشجعةٍ وطريقةٍ علميةٍ نافعةٍ،وتسليةٍ مقبولةٍ راشدةٍ تجعل الطلبةَ مُقبلين بشغفٍ ورغبةٍ للتعلّم والمعرفة ونحن لدينا بحمد الله كوادر علمية نفخر بها،وإنتاجٌ مدرسي نفاخر فيه لكننا نطمح لزيادته لدينا موهوبون نريدُ العناية بهم،وإبرازهم ليكونوا قدوة لزملائهم..وبراءاتُ اختراع وشهاداتٌ وعقولٌ شهدَ لها غيرُنا أكثر منا.. أليس خللاً أن يهتمّ مجتمعُنا ويحتفي بموهبة رياضة أو غناء أكثر من موهوب ومخترع..فمدارسنا تحوي أثمنَ ما تملكه الأمة، تحتضن فلذات الأكباد ورجال الغد وجيل المستقبل،وتلك ثروةٌ تتضاءل أمامَها كنوزُ الأرضِ جميعاً..واعلموا يا رجال التعليم وطلاَّبَه،ويا آباء وأمهات أنه إذا حُفظت العقولُ والأخلاقُ،وأُحيط التعليم بسياج الدين ورباط العقيدة الوثيق، والفهم العميق فلسوف تصحُّ المناهج،وينفعُ العلم،وتثبتُ الأصالة،ويتضحُ السبيلُ،وترتفع الراية ويحصل التمكين..
واعلموا أن الجاهزيّةَ للتعليم ليس بما غلا ثمنه من حقائب وقرطاسية وإنما بما سيلقاهُ أولادُكم من قيم أخلاقيةٍ ومعلوماتٍ دراسية..تساهم في بناء شخصيته وتنمية خلقه وعقله..وهذا يحتاج متابعةً بالنومِ المبكر والغذاء الصحي والفهم السليم والبعد عن السهر والإهمال والرفقة السيئة والمتابعة مع المدرسة..انتبهوا أيها الأولياء من المغالاة بأثمان التجهيزات الدراسية وليتق اللهَ المعلّمونَ وخاصةً المعلمات في طلباتهم التي قد تثقل كاهلَ أكثرِ الأسر وليس لها من هدفٍ إلا التقليد والمنافسة واتباع الموضة..نسأل الله أن يوفق أولادنا والقائمين عليهم في المدارس،وأن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً..(( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) أقول قولي هذا
الخطبة الثانية
..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
أيها الإخوة المؤمنون..ونحن نعيش ولله الحمد نعمة الأمن والإيمان مع ما نراه حولنا يتهدّدُ البلدان..فاللهَ الله في أداءِ الواجب المُلقى على عواتقِنا جميعًا،في معالجة ظواهر خطِرة ومحرّمة على مجتمعاتِنا باستئصال شأفتِها،وأن نكون يدًا واحدة وعينًا ساهرة في الحفاظ على دين الأمّة وأمنِها وبلادها وأن نحذر من الفتن بالابتعاد عن المشاركة بقولٍ أو فعلٍ أو اتهام وتصنيف أو حثٍ وتأييد للمحرضين لما في ذلك من مفاسد مؤثرة على الفرد والمجتمع عندنا،ولنكن لحمة واحدة مع العلماء وولاة الأمور والناصحين بالتعاون على المناصحة والإصلاح ونبذ مجاملة وفساد يضرُّ الأمةَ ويودي بها إلى متاهات سحيقة.. ولنحذر ببلادنا من فتنٍ وبلبلةٍ وإشاعاتٍ مُغرضة ودعوةٍ للمظاهراتِ وارتباطٍ فكريٍّ بالانحراف والأحزاب مما يؤدي لمفاسد مترتبة ويُفسد مصالحَ قائمة وطرقُ الإصلاح كثيرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة بالحكمة والموعظة الحسنة أما الفوضى وإثارة الفتن فشرٌّ عظيم ولنحمد الله على اجتماع الكلمة وتوحيد الصف والتعاون على البر والتقوى ولنوقن أن النصيحة واجبةٌ لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم..
ولنعلم أن هناك غششةً للأمة من مداحين ومرتزقة يريدون تشويه الأمور وتسويغ الفساد وهذا من الضلال..ولنكن جميعاً متواصلين على حماية أمن أوطاننا من الفتن المحدقة بنا والفساد الذي يراد بها، وكذلك حل المظالم ونصرة المظلومين،بالتعاون على الإصلاح والمناصحة والتواصل مع ولاة الأمر ونبذ المجاملة.وإذا كان هناك أخطاء تحتاج لإصلاح أو مكلومون ومظلومون يريدون إيصال صوتهم المشروع وطرحه فهناك أساليب بلا فتن يمكن ممارستها وتواصل مع المسؤول ونصح نتمكن به جميعاً من بناء مجتمع متماسك متناصح..
نسأل الله أن يُعزَّ بلادنا بالإسلام وسائر بلاد المسلمين وأن يحمي حوزة الحق والدين وأن يديم علينا نعمة الاستقرار والأمان والإيمان ويكفينا شر المفسدين ويوفق ولاة أمرنا لكل مافيه نصرة الدين وينصر جندنا المرابطين وأن يجمع كلمتنا على الحق والدين..اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك رضاك يا أرحم الراحمين ..