• ×

06:28 صباحًا , الإثنين 21 جمادي الثاني 1446 / 23 ديسمبر 2024

ترفق بالوداع يا رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط


‏‫الحمد لله أودع شهر رمضان مزيد فضل وأجر،أحمده سبحانه وأشكره على التوفيق للصيام والقيام وليلة القدر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الخلق والأمر،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.أما بعد..فاتقوا الله عباد الله

يا خير من نزلَ النفوسَ أراحلٌ بالأمسِ جئتَ فكيفَ كيفَ سترحلُ



بكتِ القلوبُ على وداعك حُرقةً. كيف العيونُ إذا رحلتَ ستفعلُ



ما بال شهر الصومِ يمضي مسرعاً. وشهورُ باقي العام كم تتمهّلُ



فعساكَ ربي قد قبلت صيامنا. وعساكَ كُلَّ قيامنا تتقبَّلُ



يا ليلة القدر المُعظَّمِ أجرُها. هل اسمنا في الفائزينَ مسجّلُ؟



عباد الله..سعادةٌ غامرة ملأت جوانحنا إذ بُلِّغنا هذا الشهر العظيم، والقلوبُ بين خوفٍ ورجاءٌ،والألسنُ تلهج بالدعاء ليتقبّلَ الله ما عملناه من صيامٍ وقيامٍ وصدقةٍ وقراءةِ قرآن وأن يتقبل الله منا ما مضى، ويبارك لنا فيما بقى،فطوبى لمن اغتُفِرت زلتهُ،وتُقُبّلت توبتُه، وأقيلت عثرته.في نهاية الشهر العظيم نشكره سبحانه شكر من وفقه الله للصيام والقيام،وأعانهم عليه رجاء الفوز بالأجر والعتق من النار.. مضت الليالي مسرعة،بالأمس كنا نستقبل رمضان،واليوم نودِّعه، ولا ندري هل نستقبله عاماً آخر أم أن الموت أسبق إلينا منه، نسأل الله أن يعيده علينا وعليكم أعواماً عديدة وأزمنة مديدة..

الاستغفارُ – عباد الله – ختامُ الأعمال الصالحة،تُختَمُ به الصلاةُ والحج وقيام الليل والمجالس،وكذلك به الصيام،لنقوّم به ما فاتنا من غفلةٍ ونسيان،ونمحوَ به شوائب التقصير والعصيان،فالاستغفار يدفع عن النفس الشعور بالكبر والزهو بالنفس والعجب بالأعمال،ويورثها الشعور بالتقصير،وهذا الإحساس يدفع لمزيد عملٍ بعد رمضان، فتزداد الحسنات ويثقل الميزان..اللهم فإنا نستغفرك إنك كنت غفاراً..اغفر ذنوبنا واستر عوراتنا وتقبل توبتنا واغسل حوبتنا..

أيها الأحبة..إذا كنا نودّع رمضان فليس ذلك آخرَ عهد المؤمن بالطاعة والعبادة،بل سيوثِّق العهدَ مع ربه،ويقوي الصلةَ مع خالقه ليبقى نبعُ الخير متدفقاً،أما مَن ينَقضُون عهد الله،ويهجرون المساجدَ مع العيد،فبئسَ القومَ لا يعرفون الله إلا في رمضان وهو المعبودُ كل زمن ((قُلْ إِنَّ صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين))وقال صلى الله عليه وسلم((أحبُّ العمل إلى الله أدومه و إن قل))فداوم على قراءة القرآن والصدقة وشيء من القيام وبعض الصيام وبكّر للمساجد وامكث بها..

يا أهل الطاعة،الغرض من العبادة التقوى والخشية..((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ)) لقد غرس رمضان في نفوسنا خيراً عظيماً،أحيا القلوب،وأيقظ الضمائر، طهّر النفوس وأعطى البشائر،ومن علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن علامات بطلان العمل العودة إلى المعاصي بعد الطاعات، فاجعل– أخي الصائم – من رمضان مفتاحَ خيرٍ لسائرِ العام، احرص على برِّ الوالدين،وصلة الجيران،وزيارة الإخوان، انصر المظلومين، وتلذذ بمسحِ رأس اليتيم،أصلح ذات البين،وأطعم المحرومين،واجبر نفوس المنكسرين،ساهم في زرع السعادة على شفاه المصابين والمبتلين,ادخل عليهم الفرح بالعيد،صل رحمك،احفظ عِرْضَ إخوانك،كن نبعاً متدفقاً بالخير كما كنت في رمضان.

لقد تعلّمنا في مدرسة رمضان كيف نقاوم نزغات الشيطان،وهوى النفس الأمارة بالسوء..نتواصل ونصل الرحم فيه،اهتزت جنبات المساجد،ولهجت الألسنُ بالتهليل والتحميد والدعاء،فليدم هذا الجلال والجمال بعد رمضان،ذلٌّ وخضوع،وسكينة،وقارٌ وخشية.

عباد الله،للصائم فرحةٌ عند فطره،وفرحةٌ عند لقاء ربه،فرحةٌ في الدنيا العاجلة،وفرحةٌ في الآخرة الباقية،لمن داوم على العبادة والطاعة،حيث ينالُ المتعةَ الكبرى والنّعمة العُظمى،ألا وهي الجنَّة، حيثُ ما لا عين رأت،ولا أُذن سمعت،ولا خطر على قلب بشر،وكأني بأقوامٍ من بيننا سينادون..((كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ))،وينادوْن..((وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))،((تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً))جعلني الله وإياكم من أهلها.وممن رُفع لهم عَلَم الجنة فشمَّروا إليه،وممّن ربحوا إذا حشروا إلى الرحمن وفدا،((جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً))قال صلى الله عليه وسلم..((ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيُصبغ صبغةً في الجنة فيُقال له..يا ابن آدم،هل رأيت بؤساً قط؟!هل مر بك شدة قط؟!فيقول..لا والله، يا رب ما مرّ بي بؤسٌ قط،ولا رأيت شدةً قط))اللهم اجعلنا ووالدينا وذرياتنا من أهلها وسكانها..وارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة و لا فتنةٍ مضلة

رمضـان ولـى دَاوِنِـيْ يا راقـي. وأرح فؤاديَ من لظى الأشواق

شهر الصيـام مضى فأعقب لوعة. في خاطري تسعى إلى إحراقي

شـهر إذا ما هـلّ أشـرق نـوره. في العالمين وفـي ذُرا الآفاق

ورأيت حكـم الله يجمـع شملنا. لا حكم ذي نسـب ولا أعـراق

أيها الصائمون،هاهي الأمة تودّع رمضان،لكنها لم تودِّع مآسيها الدامية وآلامها المبرحة،يمر بنا رمضان باستمرارٍ ونحن نرى واقعاً يرتدُّ الطرف عنه حائراً من خلافاتٍ وتنازعٍ وثوراتٍ ودماء تُراق في بعض بلاد المسلمين..ومستضعفين خائفين ونقص أمنٍ وتطرف وتكفيرٍ وتصنيف فرّقنا واتهامٍ!!ونشرٍ لقنوات الإفساد والفجور فما أحلم الله علينا..الأطفال والنساء والشيوخ جوعى وخائفون يُبادون والأمة عنهم غافلةٌ لاهية ولا حول ولا قوة إلا بالله..

وإنَّ الأُمةَ وهي تَرى جراحها هذه وترى الحرب الشرسة لتنحيةِ الإسلام،وتجفيفَ منابعهِ وترى التجاوز على كل الحدود والأعراف والقيم والأخلاق فلا حل لها إلا باللجوء إلى الله،والتحلّي بالصبر وضبط النفس،وحماية الأمن والحرص على اجتماع الكلمة ونبذ الفُرقة والإخلاصِ في الدعاءِ،والاستعانة بالله لتنقشعَ الغمة وينكشف الكرب ((وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ))إنّه واقعٌ حاضر في الذهن بعقولنا وهمُّهُ بقلوبنا في رمضان وغيره حتى ضاقت الصدور إلا من الأمل بالله والتفاؤل بنصره الموعود..ومن لم يعشْ هم أُمته ووطنهِ وإخوانهِ المسلمين فكيف يكون منهم؟إنه وداعٌ حزينٌ مُثقلٌ بالأنين لرمضان الطاعات،والأجواء الروحانية التي عشناها في بيوتنا ومساجدنا.. والسعادة بأملٍ عظيمٍ بالله بالقبول والغفران فنسأل الله القبول والإخلاص والمغفرةَ والعتق من النيران

يا شهرَ رمضانَ ترفَّق،دموعُ المحبّين تدفَّق، قلوبُهم من ألم الفِراق تَشقّق،عسى وقفةُ الوداعِ تطفئ من نار الشوق ما تحرَّق،عسى ساعةُ توبةٍ وإقلاع تُرقِّع من الصيام ما تخرَّق،عسَى منقطِعٌ عن ركب المقبولين يلحَق،عسى أسيرُ الأوزار يُطلَق،عسى من استوجبَ النار يُعتَق. فاللّهمّ اجبر كسرَنا على فراقِ شهرنا،واكتبنا فيه من المقبولين، ولا تجعلنا فيه محرومين مطرودين.بارك الله لي ولكم بالفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما أقول هذا القول، وأستغفر ..

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد

فاتقوا الله تعالى ...

تحتفل الأمة قريباً بنعمة إتمام شهر رمضان،بالعيد الذي تفرح به.. وهناك عاداتٌ توارثها الناس للاحتفال قبل العيد في أيام العشر تُسبب الغفلة فاجتنبوها فبعض ممارساتها يفسد أجواء رمضان وعبادته..وإذا جاء العيد فأظهروا عباد الله الفرح فيه وأحيوا مناسباته اجتمعوا مع الناس وافرحوا بمن زاركم من أقارب من أماكن بعيدة حتى ولو أجلتم صيام السنن فإن إظهار الفرح في العيد عبادة إذا نوى الإنسان النية الطيبة،ومما يشرع في ليلة العيد ويومه،التكبيرُ من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، وصفة التكبير(الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) يُسنّ جهر الرجال في المساجد والأسواق والبيوت إعلاناً بتعظيم الله، وإظهاراً لعبادته وشكره.

أخي المسلم،شرع لك مولاك عز وجل زكاة الفطر وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين،صاعٌ من شعير أو تمر أو بر أو أرز أو نحوه من الطعام،عن الصغير والكبير،والذكر والأنثى ،وأفضلُ وقتٍ لإخراجها قبل صلاة العيد، ويجوز قبل يوم العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد بغير عذر.. وجمعية البر الخيرية والمستودع الخيري يستقبلون بعدة مواقع زكاة الفطر لتوزيعها بجودة واستحقاق على الفقراء..

ويستحبُّ يوم العيد الاغتسال والتطيب للرجال قبل الخروج للصلاة، صح عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال.. (سنة العيد ثلاث.. المشي والاغتسال والأكل قبل الخروج).والتجمل بأحسن الملابس، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيد وفي يوم الجمعة وصح أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يلبس للعيد أجمل ثيابه ومن العادات الحسنة اجتماع الناس في الأحياء للتهنئة بالعيد وتناول طعام العيد المتبادل بين المنازل بلا إسراف وقد اختار أكثر العلماء وجوب شهود صلاة العيد مع المسلمين..أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن للمصلى أمام الرجال ويسن أكلُ تمراتٍ وترا قبل الذهاب إلى المصلى،لما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه..قال..كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً))والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحُيّض، ولكن الحيّض يعتزلن المسجد،ويشهدن الخير ودعوة المسلمين.. وستقام صلاة العيد في المصليات وعدد من الجوامع وسنصلي هنا صلاة العيد بإذن الله وسيكون دخول الإمام الساعة (5.30)اللهم اعد علينا رمضان أعواماً عديدةً وأزمنة مديدة واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين برضوانك والعتق من النار يا أرحم الراحمين.. اللهم انصر جنودنا واحم حدودنا..اللهم ووفق ولي أمرنا لكل خير ووفق ولي عهده لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى واجعلهم سبب خير وهدى وصلاح لبلادنا ولبلاد المسلمين ..اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..

..

 0  0  1080

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.