الحمدُ لله وحده،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له،وأشهدُ أنَّ مُحَّمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد..فيا أَيُّهَا النَّاسُ اتقوا الله تعالى..
أَيُّهَا الإِخوةُ المؤمنون..في هذهِ الأيامِ المباركة ومع واقعٍ مؤلم تعيشُه أمتُنا، قد يجلبُ اليأسَ في قلوب البعض ممن لا يعرف تاريخاً مجيداً للإسلام في رمضان لكن الأُمَّةَ عرفته عَبرَ تَاريخِهَا مَوسماً للطاعةِ وشهراً للعزَّةِ..وهذا التاريخ سيظلُّ بإذن الله سبباً لبعث الأمل في الحياة فالخيرُ موجودٌ في هذه الأمة إلى قيامَ الساعةِ..مهما كاد المنافقون وأرجفوا..وشوّه الغلاة وتطرّفوا..
هناك أناسٌ-إخوتي-ما عرفُوا رَمضانَ إلا فُرصةً للكسلِ والنومِ، وموسماً للإسرافِ في الأكلِ والشربِ وفرصةً للهوٍ وسَهرٍ على برامجِ القنوات ومُسابقاتِها..مع أن مسيرةَ الأمة في رمضان كانت مِنحاً متوالية،وأَفضالاً مُتتالية،ومواقفَ من الحق والخيرِ حَاسمة ففيه نزلَ القرآنُ ليُصلح البشرية،وفيه غزوة بدر أولُ جَولةٍ من جولاتِ الحربِ بين الحقِّ والباطلِ،وبينَ الإيمانِ والكُفرِ وقعت في مثلِ هذا الشهرِ الكريم..
إذا قامت الدنيا تعدُّ مَفَاخِراً فتاريخُنا الوضَّاحُ من بدرِ ابتدا
قامَت غَزوةُ بدرٍ في السابع عشر من رمضان والتوقعاتُ بالنصرِ للمشركينَ مما اِستغلَّه المنافقونَ كعادتهم عند كلِّ أزمة يغمزونَ المؤمنين، ويُشجعون الكافرين ويمُرِّرون الشُبه،فأحَقَّ اللهُ الحقَّ بكلماتِه ووعْدِه ونصْرِه..وتبيَّن منها عُمقُ وفاءِ المؤمنينَ لدينهم ونصرتُهم لَهُ والتضحيةُ من أجله. يشاورهم عليه الصلاة والسلام قبل المعركةِ فيقولون:{امضِ يا رسولَ الله لما أمركَ الله فنحنُ معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضْتَه لخضناه معك،وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوَّنا غَداً إن لَصُبرٌ في الحرب صُدُقٌ عند اللقاء فلعلَّ الله أن يُريَك منا ما تقرَّ به عُينُك يا رسولَ الله:صِلْ حبالَ من شئت واقطعْ حبالَ من شئت،وسالِمْ من شئت وحاربْ من شئت،وما أخذتَ منا كان أحبَّ إلينا مما أعطيت}ولاءً ونصرةً لله ورسولهِ، وقولُ من صَدَقَ الإيمانُ في قلوبِهم فبذلُوا له أرواحهَم فيبشرّهم عليه الصلاة والسلام:{سيرُوا وابشروا فإن الله وَعدني إحدى الطائفتين} والله لكأنِّي أنظرُ إلى مصارعِ القوم (هذا مصرعُ فلانٍ وهذا مصرعُ فلان:ويضعُ يدَه على الأرضِ هاهُنا وهاهُنا}يقول راوي الحديث: فو الله ما ماطَ أحدُهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم.. ثم يكملُ جهده عليه الصلاة والسلام بالدعاء:{اللهم أنجز لي ما وعدتني ثلاثاً،اللهم إن تهلك هذه العُصَابة لا تُعبدُ على وجهِ الأرض ويرفَعُ يديه إلى السماءِ لاجَّ اللسانِ بالدعاءِ فيقول له أبو بكر رضي الله عنه يا رسولَ الله "بعضَ مناشدتك ربِّك فإنه منجزٌ لك ما وعدك" فيلتفتُ متهلِّلَ الوجهِ لأبي بكرٍ قائلاً:"أبشرْ"أتاكَ نصرُ الله هذا جبريلُ آخذٌ بعنانِ فَرسهِ على ثنايا النقع((إذ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ))وبفضلٍ من الله ثم بتلكَ النفوس وذَلكَ الدعاء تساقَطَت رؤوسُ الكفرِ،وتحطَّمت أصنامُ الظلمِ والطغيانِ فيطرحُهم رسولُ الله في القليبِ فيتذكرُ كم ناشدَهم الله وتلى عليهم قرآنه؟ كم أنذرَهم ووعدَهم فيناديهم وهم في القليب موتى بأسمائِهم فيقول: هل وجدتمُ ما وعدكم ربُّكم حقاً فإني وجدتُ ما وعدَني ربي حقاً؟! فيعجبُ الصحابةُ منه ويقولون يا رسول الله:أتنادي جِيَفاً؟! فيقولُ
{والله ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم ولكنَّهم لا يستطيعون جواباً}
نتذكر برمضان أيضاً فَتحَ مكة حين خالف المشركون عهدَ صلحِ الحديبيةِ فجهَّز عليه الصلاة والسلام جيشَه لفتحِ مكة وتطهّيرها من الشركِ وأوثانِ الضلالةِ التي أحاطت بالكعبة وجاء الفتحُ بعد كيد لقريش سنينَ طويلة وتمكَّن بقوى عظيمةٍ وظنوا أنهم سيوقفون مدَّ الإسلام لكنَّ الله جَلَّ وعلا الذي تكفَّل بنصر دينهِ ردَّ كيدهم في نُحورِهم ومكَّن النصر والفتحَ للمسلمين وتحقَّق موعودُ اللهِ لهم فدخلَ صلى الله عليه وسلم مكةَ فاتحاً فتوجَّه إلى بيتِ الله الحرام،عليه هيبة التواضع والخضوع لله فهدم الأصنام ثم قامَ على باب الكعبة وقد تعلّقت أنظار قريش به وقد وَجِموا،يتذكرون المواقفَ المخزية منه ومن دعوته،وأذيتهم له ولصحابتِه،ومحاصرتَه بالشِعب والتآمرَ بِه لقتلِه، وإخراجِه من بلدِه ثم محاربتُه..فكيف سيحكم عليهم هذا النبي الذي بُعث رحمة وليس عذاباً وحرقاً وإثارةً للفتن وتفجيراً وتكفيراً؟!!يخطب صلى الله عليه وسلم فيقول:{لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له،صَدقَ وعّدَه،ونصرَ عبْدَه وهَزمَ الأحزابَ وحْدَه ثم قالَ:يا معْشَر قريش ما تظنُّون أَنَّي فاعلٌ بكم؟قالوا:خيراً:أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم قال:فإني أقول لكم كما قال يوسفُ لإخوته:لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء}لقد كانَ صلى الله عليه وسلم قادِراً أن ينتقم لكنه بُعثَ رحمة،وقدِرَ فعفا ليكونَ العفوُ بلسماً للجراحِ الأليمةِ،وهَدَأَت النفوسُ المتوتِّرة،وسَكَنَت القلوبُ الواجفةُ،وسادَ الناسَ الحبُّ والبّرُ والوفاءُ فأصبح مسلموا الفتح بناةً لدولة الإسلام..وما أَحوجَنَا إِخوتي، إلى مَبدأِ التسامحِ والعفوِ والتعايش فيما بيننا، ونَبتعدُ عن إِساءَةِ الظنونِ،والغلو والتصنيف الذي يثير الفتن والشقاق..
ثم يقفز التاريخ بنا لذكرى أخرى برمضان لمرحلة تشبه واقعنا حين تَسلّطَ النصارى الصليبيونَ على الأُمّةِ فساموها سوءَ العذاب وسيْطَروَا على"بيت المقدس"وما حولها فنهض قادة الأمة كعماد الدين ونور الدين محمود فبثّوا روح النصر والعلم فيها من جديد فيخرج من ثمرتهم قائدٌ ملهم وهو صلاح الدين الأيوبي فَيُحرّرَ القدسَ في مَعركةٍ حَاسمةٍ معركة حطينَ في رمضانَ سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة للهجرة..وانتصار حطّين يبين أن النصر ليس مرتبطاً بزمن الرسول وصحابته وأنَّ الأمةَ ما عقمت مع نصر الله عز وجل لدينه ومقدساته مَهْمَا ظَهرَ الباطلُ ونما وسوَّق له المبطلون فسيبقى نقاءُ الإسلام مهما شوّهوه..وذكرى حطين تؤكدُ لنا أن فلسطينَ أَرضٌ قدسَّها اللهُ وحماها المسلمون على مرِّ التاريخ،وبذلُوا من أجلها الغالي والنفيس فلا يتسرَّبُ اليأسُ إلى قلوبِنا بأنَّها قد ضاعت حين سيطرَ عليها شرذمةٌ يهودٍ أشغلت الأمة عنها بالتطرف والتكفير والتفجير والخلاف مع غفلةٍ للعالم..ولن ننسى فلسطين لأنها..مسْرَى الأنبياء..والأرضُ التي باركها الله وحماها على مرّ التاريخ وعائدةٌ بإذن الله إلى حوزةِ الإِسلامِ مَهَمَا كِيْدَ لها وحُوربَ أَهلُها..
ذكرى أخرى عظيمة برمضان في معركةٍ خاضَها المسلمون مع التتار الذين انطلَقُوا من مشرقِ الأرضِ فدمَّرُوا دولَ الإسلام وأهانوا أهلَه وقتلَوا وسلَبوا وشرَّدوا وأَسقطُوا الخلافةَ العباسيةَ في بَغداد وسارَت جحافلُهم تُدمر وتقتل حتى خاضَ المسلمونَ معهم معركةَ "عين جالوت "بالعشْر الأواخرِ في رمضان من سنةِ ثمانٍ وخمسينِ وستمائةِ من الهجرة بعد أن ظنَّ الناسُ أنَّ التتار قوة لا تقهر فكبتَ الله عدوَّه وقادَ المظفر نورُ الدينِ قُطز ومعَه الظاهِر بيبرس والمسلمون من مصرَ والشام مواجهة التتار وأظهرُوا شَجاعةً عظيمةً شجَّعت المسلمينِ وقَوَّت نفوسَهم،فانتصرَ المسلمون،واندحرَ التتارُ في أول هزيمةٍ لهم حصلت في هذا الشهر الكريم..وكان للعلماء الذين آمنوا بدورهم مهمة عظيمة في تشجيع الأمة وحمايتها كالعز بن عبد السلام ودورٌ آخر للعالم الفذ ابن تيمية رحمه الله الذي شارك المسلمين في معركة (شقحب) بجوار دمشق في غرة رمضان سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة..يقول ابنُ كثير رحمة الله:- عندما توجَّه التتارُ إلى دمشق حدثَ فيها ذعرٌ عظيمٌ ورجفةٌ في الناسِ،وتحملَّ بعضُهم إلى مصر واليمن فوقفَ شيخُ الإسلامِ حينئذٍ تقي الدين ابنُ تيمية في الناسِ يثِّبتُهم ويربطُ على قلوبهم،وتوجَّه إلى الحكّامِ يستنهضُ عزائمَهم حتى قررُّوا نُصْرَتَه،وكان يعُدهم بالنصر تحقيقاً لثقتهِ باللهِ..وخاضَ ابُن تيميةِ المعركة في المقدمة معلناً الفطر في رمضان حتى تمَّ النصرُ بحمد الله..وهذا هو دور العلماء وأثرهم في الأمة ويسعى لإصلاحِ حاِلهم وحَملِ همومهم وقضاءِ حوائجِهم،والأمة ستحفظ لهم ذلك وتقدّره يقول ابن كثير:[حين عاد المسلمون منصورين إلى دمشق فَدخلَ ابنُ تيميّةَ إليها عاليةً كَلمتهُ..قائمةً حجتُه..مَقبولةً شفاعتُه..مُجَابةً دعوتُه..مكرّماً معظّماً..يحيطُ به الناسُ إحَاطةَ الهالةِ بالقمرِ يرونه رجلَهم الذي أنقذ اللهُ به بلادَ الشام..
ثم تنتقل الذكرى ليوم العاشر في رمضان سنة 1393هجرية حين تكاتفت الدول العربية مع مصر للقضاء على أسطورة الصهاينة وعبور خط العدو الصهيوني ليثبتوا أننا متى ما اجتمعت الكلمة للمسلمين واتفقوا انتصروا وهذا ما أدركه أعداؤنا فعملوا على تفريق الكلمة والتنازع لإفشالنا وإيجاد الفرق المتطرفة لتشويه الدين وخلاياهم المنافقة لتخريب المسلمين وتشويه المنتسبين إليه واستغلال الرافضة المجوس الذين يعلمون لمصلحة العدو فهاهي إسرائيل مسكوتٌ عنها والجهاد شوّهه الغلاة المتطرّفون والرافضة بتطرفهم يذبحون.. وبالقنوات والإعلام الفاسد مرجفون..
أيها الأحبة..ومن معاني العزة في رمضان ما نراه الآن من جنودٍ لنا مرابطين يحمون حدودنا..ورجالَ أمنٍ بمواقعهم يُضحّون بأنفسهم لحماية أمننا..نرى بطولاتهم في رمضان وغيره لتُنبئنا بأن الأمة إلى خير وعلى خيرٍ عظيم..صائمون قائمون بواجبهم يقاومون في ثغورنا أعداء الخارج من حوثيين رافضة وخونة متعاونين معهم..ومثلهم رجالُ الأمن ممن يحمون البلاد بتوفيق الله من الغلاة والمتطرّفين وأتباع المجوس الرافضة الذين يريدون إثارة الفوضى والقلاقل في مدننا الآمنة.. إنها جهود وحماية حدود أقل ما نقدمه لها هو تضامننا بالشعور بحالهم وأن نعلم أننا في مرحلة تتطلّب منا التضامن معهم بالجدية ونبذ ما يؤثر على النصر من مخالفات الدين،وأن نشعرَ بالتهديد لبلدنا وعقيدتنا وقيمنا وكذلك أن نُحسّ بجهود رجال أمننا في حماية البلد وخدمة الحرمين وزوارهما والحفاظ على أمن مدننا.. كل هذه الجهود لا أقلَّ لا أقلَّ من أن نقدم لها الدعاء لحفظ الدين والبلاد والعباد..اللهم احفظ جنودنا واحم حدودنا وكن لرجال أمننا واحفظ علينا ديننا وقيمنا واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار
عباد الله..هذا تاريخُنا في رمضان عرفته الأمة عزةً ورفعةً ونصراً للأمة ولن يتسع المقام لذكره هذا كلّه يؤكد أن رمضان عرفته الأمة مَلاحمَ عظيمة أعادتْ مْجَدها وسطرت في التاريخ ومواقفَ رائعةِ للعبْرةِ والعظةِ..فَهلاَّ استحضرت أمة الإسلام تاريخاً فيه صفاتُ العزةِ والكرامةِ والأُمَّةَ أحوجُ ما تكون الآن إلى فكرٍ وعلمٍ يبعث بها العزَّةَ والكرامة..وبَذلُ الجهدِ منا..والنَّصرُ من عِند الله..والكبت والخسران للظلمةِ والطغيانِ..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
ما أسرع أيامِ الخير مُضياً على من يشتاق إليها..بالأَمس كنا ننتظرك يا رمضان وعشناك..ثم ها نحن أقبلنا على عشرك الأخير..فمنا من استغل أيامك ولياليك فقام وبذل وأعطى،فيا من فرّط وأضاع، ويا من تعبّد وأطاع اعلم أن شهرك قد مضى وانقضت أيامُه وانصرمت لياليه ونحن في عَشرهِ الأَواخِر فمن كان محسناً في أوله فليستمر على إحسانه وليضاعف من اجتهاده ليزداد خيراً على خير،ومن كان مُفرطاً في العَمل فيما مضى فليستدرك بقيتهُ فيما بقى وليتب إلى الله من تفريطه وغفلته،والأعمالُ بالخواتيم فأنتم في أفضل ليالي العمر أَجرها كبير كان صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد عبادة،واجتهاد ويعتكف في المسجد للعبادة فأين من يرغب بالحسنات؟!ويطمح للمغفرة والعتق من النار وفي الجنة عالي الدرجات؟!فليستغل مواسم الخيرات..
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والطاعات..ونسأل الله جلَّ وعلا أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام والصدقات وأن يجعل ذلك في ميزان الحسنات..اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المستضعفين..اللهم وفق ولي أمرنا وأولياء عهده لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه..اللهم انصر جنودنا واحم حدودنا واجمع على الحق كلمتنا وجنبنا الخلاف والشقاق والتطرّف والنفاق وارزق بلادنا الأمن والإيمان والسلامة والاطمئنان ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أكمل الصلوات،،،
أَيُّهَا الإِخوةُ المؤمنون..في هذهِ الأيامِ المباركة ومع واقعٍ مؤلم تعيشُه أمتُنا، قد يجلبُ اليأسَ في قلوب البعض ممن لا يعرف تاريخاً مجيداً للإسلام في رمضان لكن الأُمَّةَ عرفته عَبرَ تَاريخِهَا مَوسماً للطاعةِ وشهراً للعزَّةِ..وهذا التاريخ سيظلُّ بإذن الله سبباً لبعث الأمل في الحياة فالخيرُ موجودٌ في هذه الأمة إلى قيامَ الساعةِ..مهما كاد المنافقون وأرجفوا..وشوّه الغلاة وتطرّفوا..
هناك أناسٌ-إخوتي-ما عرفُوا رَمضانَ إلا فُرصةً للكسلِ والنومِ، وموسماً للإسرافِ في الأكلِ والشربِ وفرصةً للهوٍ وسَهرٍ على برامجِ القنوات ومُسابقاتِها..مع أن مسيرةَ الأمة في رمضان كانت مِنحاً متوالية،وأَفضالاً مُتتالية،ومواقفَ من الحق والخيرِ حَاسمة ففيه نزلَ القرآنُ ليُصلح البشرية،وفيه غزوة بدر أولُ جَولةٍ من جولاتِ الحربِ بين الحقِّ والباطلِ،وبينَ الإيمانِ والكُفرِ وقعت في مثلِ هذا الشهرِ الكريم..
إذا قامت الدنيا تعدُّ مَفَاخِراً فتاريخُنا الوضَّاحُ من بدرِ ابتدا
قامَت غَزوةُ بدرٍ في السابع عشر من رمضان والتوقعاتُ بالنصرِ للمشركينَ مما اِستغلَّه المنافقونَ كعادتهم عند كلِّ أزمة يغمزونَ المؤمنين، ويُشجعون الكافرين ويمُرِّرون الشُبه،فأحَقَّ اللهُ الحقَّ بكلماتِه ووعْدِه ونصْرِه..وتبيَّن منها عُمقُ وفاءِ المؤمنينَ لدينهم ونصرتُهم لَهُ والتضحيةُ من أجله. يشاورهم عليه الصلاة والسلام قبل المعركةِ فيقولون:{امضِ يا رسولَ الله لما أمركَ الله فنحنُ معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضْتَه لخضناه معك،وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوَّنا غَداً إن لَصُبرٌ في الحرب صُدُقٌ عند اللقاء فلعلَّ الله أن يُريَك منا ما تقرَّ به عُينُك يا رسولَ الله:صِلْ حبالَ من شئت واقطعْ حبالَ من شئت،وسالِمْ من شئت وحاربْ من شئت،وما أخذتَ منا كان أحبَّ إلينا مما أعطيت}ولاءً ونصرةً لله ورسولهِ، وقولُ من صَدَقَ الإيمانُ في قلوبِهم فبذلُوا له أرواحهَم فيبشرّهم عليه الصلاة والسلام:{سيرُوا وابشروا فإن الله وَعدني إحدى الطائفتين} والله لكأنِّي أنظرُ إلى مصارعِ القوم (هذا مصرعُ فلانٍ وهذا مصرعُ فلان:ويضعُ يدَه على الأرضِ هاهُنا وهاهُنا}يقول راوي الحديث: فو الله ما ماطَ أحدُهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم.. ثم يكملُ جهده عليه الصلاة والسلام بالدعاء:{اللهم أنجز لي ما وعدتني ثلاثاً،اللهم إن تهلك هذه العُصَابة لا تُعبدُ على وجهِ الأرض ويرفَعُ يديه إلى السماءِ لاجَّ اللسانِ بالدعاءِ فيقول له أبو بكر رضي الله عنه يا رسولَ الله "بعضَ مناشدتك ربِّك فإنه منجزٌ لك ما وعدك" فيلتفتُ متهلِّلَ الوجهِ لأبي بكرٍ قائلاً:"أبشرْ"أتاكَ نصرُ الله هذا جبريلُ آخذٌ بعنانِ فَرسهِ على ثنايا النقع((إذ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ))وبفضلٍ من الله ثم بتلكَ النفوس وذَلكَ الدعاء تساقَطَت رؤوسُ الكفرِ،وتحطَّمت أصنامُ الظلمِ والطغيانِ فيطرحُهم رسولُ الله في القليبِ فيتذكرُ كم ناشدَهم الله وتلى عليهم قرآنه؟ كم أنذرَهم ووعدَهم فيناديهم وهم في القليب موتى بأسمائِهم فيقول: هل وجدتمُ ما وعدكم ربُّكم حقاً فإني وجدتُ ما وعدَني ربي حقاً؟! فيعجبُ الصحابةُ منه ويقولون يا رسول الله:أتنادي جِيَفاً؟! فيقولُ
{والله ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم ولكنَّهم لا يستطيعون جواباً}
نتذكر برمضان أيضاً فَتحَ مكة حين خالف المشركون عهدَ صلحِ الحديبيةِ فجهَّز عليه الصلاة والسلام جيشَه لفتحِ مكة وتطهّيرها من الشركِ وأوثانِ الضلالةِ التي أحاطت بالكعبة وجاء الفتحُ بعد كيد لقريش سنينَ طويلة وتمكَّن بقوى عظيمةٍ وظنوا أنهم سيوقفون مدَّ الإسلام لكنَّ الله جَلَّ وعلا الذي تكفَّل بنصر دينهِ ردَّ كيدهم في نُحورِهم ومكَّن النصر والفتحَ للمسلمين وتحقَّق موعودُ اللهِ لهم فدخلَ صلى الله عليه وسلم مكةَ فاتحاً فتوجَّه إلى بيتِ الله الحرام،عليه هيبة التواضع والخضوع لله فهدم الأصنام ثم قامَ على باب الكعبة وقد تعلّقت أنظار قريش به وقد وَجِموا،يتذكرون المواقفَ المخزية منه ومن دعوته،وأذيتهم له ولصحابتِه،ومحاصرتَه بالشِعب والتآمرَ بِه لقتلِه، وإخراجِه من بلدِه ثم محاربتُه..فكيف سيحكم عليهم هذا النبي الذي بُعث رحمة وليس عذاباً وحرقاً وإثارةً للفتن وتفجيراً وتكفيراً؟!!يخطب صلى الله عليه وسلم فيقول:{لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له،صَدقَ وعّدَه،ونصرَ عبْدَه وهَزمَ الأحزابَ وحْدَه ثم قالَ:يا معْشَر قريش ما تظنُّون أَنَّي فاعلٌ بكم؟قالوا:خيراً:أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم قال:فإني أقول لكم كما قال يوسفُ لإخوته:لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء}لقد كانَ صلى الله عليه وسلم قادِراً أن ينتقم لكنه بُعثَ رحمة،وقدِرَ فعفا ليكونَ العفوُ بلسماً للجراحِ الأليمةِ،وهَدَأَت النفوسُ المتوتِّرة،وسَكَنَت القلوبُ الواجفةُ،وسادَ الناسَ الحبُّ والبّرُ والوفاءُ فأصبح مسلموا الفتح بناةً لدولة الإسلام..وما أَحوجَنَا إِخوتي، إلى مَبدأِ التسامحِ والعفوِ والتعايش فيما بيننا، ونَبتعدُ عن إِساءَةِ الظنونِ،والغلو والتصنيف الذي يثير الفتن والشقاق..
ثم يقفز التاريخ بنا لذكرى أخرى برمضان لمرحلة تشبه واقعنا حين تَسلّطَ النصارى الصليبيونَ على الأُمّةِ فساموها سوءَ العذاب وسيْطَروَا على"بيت المقدس"وما حولها فنهض قادة الأمة كعماد الدين ونور الدين محمود فبثّوا روح النصر والعلم فيها من جديد فيخرج من ثمرتهم قائدٌ ملهم وهو صلاح الدين الأيوبي فَيُحرّرَ القدسَ في مَعركةٍ حَاسمةٍ معركة حطينَ في رمضانَ سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة للهجرة..وانتصار حطّين يبين أن النصر ليس مرتبطاً بزمن الرسول وصحابته وأنَّ الأمةَ ما عقمت مع نصر الله عز وجل لدينه ومقدساته مَهْمَا ظَهرَ الباطلُ ونما وسوَّق له المبطلون فسيبقى نقاءُ الإسلام مهما شوّهوه..وذكرى حطين تؤكدُ لنا أن فلسطينَ أَرضٌ قدسَّها اللهُ وحماها المسلمون على مرِّ التاريخ،وبذلُوا من أجلها الغالي والنفيس فلا يتسرَّبُ اليأسُ إلى قلوبِنا بأنَّها قد ضاعت حين سيطرَ عليها شرذمةٌ يهودٍ أشغلت الأمة عنها بالتطرف والتكفير والتفجير والخلاف مع غفلةٍ للعالم..ولن ننسى فلسطين لأنها..مسْرَى الأنبياء..والأرضُ التي باركها الله وحماها على مرّ التاريخ وعائدةٌ بإذن الله إلى حوزةِ الإِسلامِ مَهَمَا كِيْدَ لها وحُوربَ أَهلُها..
ذكرى أخرى عظيمة برمضان في معركةٍ خاضَها المسلمون مع التتار الذين انطلَقُوا من مشرقِ الأرضِ فدمَّرُوا دولَ الإسلام وأهانوا أهلَه وقتلَوا وسلَبوا وشرَّدوا وأَسقطُوا الخلافةَ العباسيةَ في بَغداد وسارَت جحافلُهم تُدمر وتقتل حتى خاضَ المسلمونَ معهم معركةَ "عين جالوت "بالعشْر الأواخرِ في رمضان من سنةِ ثمانٍ وخمسينِ وستمائةِ من الهجرة بعد أن ظنَّ الناسُ أنَّ التتار قوة لا تقهر فكبتَ الله عدوَّه وقادَ المظفر نورُ الدينِ قُطز ومعَه الظاهِر بيبرس والمسلمون من مصرَ والشام مواجهة التتار وأظهرُوا شَجاعةً عظيمةً شجَّعت المسلمينِ وقَوَّت نفوسَهم،فانتصرَ المسلمون،واندحرَ التتارُ في أول هزيمةٍ لهم حصلت في هذا الشهر الكريم..وكان للعلماء الذين آمنوا بدورهم مهمة عظيمة في تشجيع الأمة وحمايتها كالعز بن عبد السلام ودورٌ آخر للعالم الفذ ابن تيمية رحمه الله الذي شارك المسلمين في معركة (شقحب) بجوار دمشق في غرة رمضان سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة..يقول ابنُ كثير رحمة الله:- عندما توجَّه التتارُ إلى دمشق حدثَ فيها ذعرٌ عظيمٌ ورجفةٌ في الناسِ،وتحملَّ بعضُهم إلى مصر واليمن فوقفَ شيخُ الإسلامِ حينئذٍ تقي الدين ابنُ تيمية في الناسِ يثِّبتُهم ويربطُ على قلوبهم،وتوجَّه إلى الحكّامِ يستنهضُ عزائمَهم حتى قررُّوا نُصْرَتَه،وكان يعُدهم بالنصر تحقيقاً لثقتهِ باللهِ..وخاضَ ابُن تيميةِ المعركة في المقدمة معلناً الفطر في رمضان حتى تمَّ النصرُ بحمد الله..وهذا هو دور العلماء وأثرهم في الأمة ويسعى لإصلاحِ حاِلهم وحَملِ همومهم وقضاءِ حوائجِهم،والأمة ستحفظ لهم ذلك وتقدّره يقول ابن كثير:[حين عاد المسلمون منصورين إلى دمشق فَدخلَ ابنُ تيميّةَ إليها عاليةً كَلمتهُ..قائمةً حجتُه..مَقبولةً شفاعتُه..مُجَابةً دعوتُه..مكرّماً معظّماً..يحيطُ به الناسُ إحَاطةَ الهالةِ بالقمرِ يرونه رجلَهم الذي أنقذ اللهُ به بلادَ الشام..
ثم تنتقل الذكرى ليوم العاشر في رمضان سنة 1393هجرية حين تكاتفت الدول العربية مع مصر للقضاء على أسطورة الصهاينة وعبور خط العدو الصهيوني ليثبتوا أننا متى ما اجتمعت الكلمة للمسلمين واتفقوا انتصروا وهذا ما أدركه أعداؤنا فعملوا على تفريق الكلمة والتنازع لإفشالنا وإيجاد الفرق المتطرفة لتشويه الدين وخلاياهم المنافقة لتخريب المسلمين وتشويه المنتسبين إليه واستغلال الرافضة المجوس الذين يعلمون لمصلحة العدو فهاهي إسرائيل مسكوتٌ عنها والجهاد شوّهه الغلاة المتطرّفون والرافضة بتطرفهم يذبحون.. وبالقنوات والإعلام الفاسد مرجفون..
أيها الأحبة..ومن معاني العزة في رمضان ما نراه الآن من جنودٍ لنا مرابطين يحمون حدودنا..ورجالَ أمنٍ بمواقعهم يُضحّون بأنفسهم لحماية أمننا..نرى بطولاتهم في رمضان وغيره لتُنبئنا بأن الأمة إلى خير وعلى خيرٍ عظيم..صائمون قائمون بواجبهم يقاومون في ثغورنا أعداء الخارج من حوثيين رافضة وخونة متعاونين معهم..ومثلهم رجالُ الأمن ممن يحمون البلاد بتوفيق الله من الغلاة والمتطرّفين وأتباع المجوس الرافضة الذين يريدون إثارة الفوضى والقلاقل في مدننا الآمنة.. إنها جهود وحماية حدود أقل ما نقدمه لها هو تضامننا بالشعور بحالهم وأن نعلم أننا في مرحلة تتطلّب منا التضامن معهم بالجدية ونبذ ما يؤثر على النصر من مخالفات الدين،وأن نشعرَ بالتهديد لبلدنا وعقيدتنا وقيمنا وكذلك أن نُحسّ بجهود رجال أمننا في حماية البلد وخدمة الحرمين وزوارهما والحفاظ على أمن مدننا.. كل هذه الجهود لا أقلَّ لا أقلَّ من أن نقدم لها الدعاء لحفظ الدين والبلاد والعباد..اللهم احفظ جنودنا واحم حدودنا وكن لرجال أمننا واحفظ علينا ديننا وقيمنا واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار
عباد الله..هذا تاريخُنا في رمضان عرفته الأمة عزةً ورفعةً ونصراً للأمة ولن يتسع المقام لذكره هذا كلّه يؤكد أن رمضان عرفته الأمة مَلاحمَ عظيمة أعادتْ مْجَدها وسطرت في التاريخ ومواقفَ رائعةِ للعبْرةِ والعظةِ..فَهلاَّ استحضرت أمة الإسلام تاريخاً فيه صفاتُ العزةِ والكرامةِ والأُمَّةَ أحوجُ ما تكون الآن إلى فكرٍ وعلمٍ يبعث بها العزَّةَ والكرامة..وبَذلُ الجهدِ منا..والنَّصرُ من عِند الله..والكبت والخسران للظلمةِ والطغيانِ..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
ما أسرع أيامِ الخير مُضياً على من يشتاق إليها..بالأَمس كنا ننتظرك يا رمضان وعشناك..ثم ها نحن أقبلنا على عشرك الأخير..فمنا من استغل أيامك ولياليك فقام وبذل وأعطى،فيا من فرّط وأضاع، ويا من تعبّد وأطاع اعلم أن شهرك قد مضى وانقضت أيامُه وانصرمت لياليه ونحن في عَشرهِ الأَواخِر فمن كان محسناً في أوله فليستمر على إحسانه وليضاعف من اجتهاده ليزداد خيراً على خير،ومن كان مُفرطاً في العَمل فيما مضى فليستدرك بقيتهُ فيما بقى وليتب إلى الله من تفريطه وغفلته،والأعمالُ بالخواتيم فأنتم في أفضل ليالي العمر أَجرها كبير كان صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد عبادة،واجتهاد ويعتكف في المسجد للعبادة فأين من يرغب بالحسنات؟!ويطمح للمغفرة والعتق من النار وفي الجنة عالي الدرجات؟!فليستغل مواسم الخيرات..
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والطاعات..ونسأل الله جلَّ وعلا أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام والصدقات وأن يجعل ذلك في ميزان الحسنات..اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المستضعفين..اللهم وفق ولي أمرنا وأولياء عهده لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه..اللهم انصر جنودنا واحم حدودنا واجمع على الحق كلمتنا وجنبنا الخلاف والشقاق والتطرّف والنفاق وارزق بلادنا الأمن والإيمان والسلامة والاطمئنان ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أكمل الصلوات،،،