الحمد لله وحده أحمده سبحانه وأشكره على نعمه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.أما بعد فاتقوا الله عباد الله.. واعلموا أن الإسلامَ دينُ الاستقامة والعدالة،تتجلَّى في أحكامِه حِكَمُه! وفي تشريعاتِه محاسِنُه وفي تكاليفِه آثارُه ومقاصده وفي أركانه عظَمَتُه ورِفعتُه..
نتحدّثُ اليوم عن ثالِثِ أركان الإسلام ومبانِيهِ العِظام، فريضةٌ واجِبة وحقٌ معلوم للسائل والمحروم..إنها الزكاة أوجبها الله على كلِّ من ملَك نصابًا،وِقايةً للمالِ من الآفات،وسَببًا للزيادة والتَّضعيف وحصولِ البركات..هي مواساةٌ للفقراء ومَعونةٌ للبُؤَساء والضعفاء وصِلةٌ بين المحتاجين والأغنياء وعونٌ على مجانبة البخل والشّحِّ عن العطاء، كم فرَّجت عن مُعسِرٍ وفقير،فضائلُها لا تُعَدّ وبَركاتُها لا تُحَدّ والزكاةُ دعامةٌ أساسيةٌ من دعائم الإسلام العظيمة..عبادةٌ مالية اجتماعية قرنها الله سبحانه وتعالى بالصلاةِ في القرآن بلفظ الزكاة أو الصدقة أو الإنفاق.. فرضَها الله تعالى بجميع الشرائع السماوية في وصاياه إلى رسله ولأممهم،فيقول عن إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوب..(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلوٰة وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانُواْ لَنَا عَـٰبِدِينَ)وامتدح بها إسماعيل بقوله..(وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيًّا)وعيسى يقول(وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً )وهي عنوان الدخول في الإسلام((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ))والزكاةُ بُرهانٌ وعنوانٌ على صِدق الإيمان، وفُرقانٌ بين المنافقِ الجَموع المَنوع وبين المؤمن الخاضِعِ للحقِّ الواجِبِ المشروعِ.
الزكاةُ عباد الله تُخرجُ علَى الفَور في مواضِعها ومصارِفها لتصلَ لمستحقِّيها وهم ثمانِيَةُ أصناف ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))ومَن جحَد وجوبَها كفَر، ومن منعها أُخِذَت منه قَهرًا،ولذلك حارب أبو بكر الصديق والصحابةُ معه من منعها وقال كلمته المشهورة [لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عُقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه]ومَن حبسها تهاونًا وأمسَكَها تكاسلاً وكتمَها بُخلاً وغيَّبها شُحًّا أو أنقَصَها أو أخَّرها عن وقت وُجوبها مع إمكانِ أدائها فهو عاصٍ وآثم ومُعتدٍ وظالمٌ،وتوبتُه بإخراجِ ما وجَب في ذمّتِه منها وتعلَّق بماله من حقِّها.ومَن مضَت عليه سنوات لم يؤدِّ زكاتَها لزِمَه إخراجُ الزكاةِ عن جميعِها والتّوبةُ والاستغفار عن تأخيرِها ومن مات ولم يُزكّ فهي دين عليه مع الإثم ويجب على ورثته إخراجها عنه!! والزكاةُ ليست تبرّعًا يتفضّلُ به غنيٌ على فقير،وإنما هي حقٌ في أموال الأغنياء،يُدفعُ للمستحقين إلزاماً.
والإسلامُ حدّدَ الأموالَ التي تجبُ فيها الزكاة،ومتى تجب على المال، ومقدارَ إخراجها فهناك مالٌ يجب فيه العُشر كزروع يُخرجها الله من الأرض بغير جهد للإنسان،فإن كانت تُسقى بالآلات ففيها نصف العُشر.. وأما الأموالُ النقدية ففيها ربعُ العشر..2.5 بالمائة،كالنقدين الذهب والفضة وهي نسبةٌ ضئيلة بحمد الله تُعتبرُ حقاً لله المنعم المتفضل عليك بهذا المال..وهذا النصاب خلافٌ للمبتدعة الذي يرونه خُمس المال أو غيرهم..والزكاةُ تجبُ في المال كلما حال عليه الحول، وهناك زكاةٌ على الحيوانات كالإبلِ والبقر والغنم، وعروض التجارة وغيرها مما وضع لها الإسلام نظامًا خاصًا منضبطًا..ينبغي أن يعرفه ويستَفتي عنه العلماء من يتعامل به ليُخرجَ زكاتَه الواجبة.
فيا مَن جمع المال وأوعَاه ومنَع حقَّ الله فيه اقرأ قولَ الله ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍيَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ))وقال صلى الله عليه وسلم..((من آتَاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه مُثِّل له يومَ القيامة شجاعًا أقرَع له زبيبتان، يُطوّقه يومَ القيامة،ثمّ يأخذ بلهزمَتَيه يعني بشِدقَيه ثم يقول..أنا مالُك أنا كنزك))،ثم تلا..((وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أخرجه البخاري وقال عليه الصلاة والسلام..(ما مِن صاحبِ ذهبٍ ولا فضّة لا يؤدِّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحَت له صفائِحُ من نار فأحمِي عليها في نار جهنَّم، فيُكوَى بها جَنْبُه وجبينُه وظهره، كلَّما رُدَّت أُعيدت له،في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنة،حتى يُقضَى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار،ولا صاحبِ إبل لا يؤدي منها حقَّها،ومن حقِّها،حلبُها يومَ وردها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاعٍ قرقر أوفر ما كانت،لا يفقد منها فصيلاً واحداً،تطؤه بأخفافها،وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولُها، رُدّ عليه آخرها،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،حتى يُقضي بين العباد،فيرى سبيله،إما إلى الجنة وإما إلى النار))أخرجه مسلم فيا لها من عقوبةٍ مغلَّظة ترجُف منها القلوبُ المؤمِنة!! فيا مانِع الزَّكاة،أنسِيتَ أن الأموالَ عارِيَّةٌ عند أربابها وودِيعةٌ عند أصحابها؟!أنَسيتَ أنّ الزّكاة نفعُها عليك وثوابُها راجعٌ إليك؟!فحذارِ أن تكونَ ممّن يراها نقصًا ويعدُّها غُرمًا وخسارًا،فلا ينفِقُ إلاّ كُرهًا،فزكِّ مالَك بإخلاصٍ واحتساب،وبانشراحٍ وطِيب نفسٍ رجاءَ الثّواب!!
فارحموا السائلَ المحروم،وأَعطوا الفقيرَ المعدوم، وتصدَّقوا على المسكين المهموم الذي لا يجِد كفايتَه ولاما يقوم به وابشروا يا أهلَ البَذل والسّخاء والإنفاق والعَطاء،أبشِروا بحسنِ الجزاءِ والخَلَف والبركة والنّماء(وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه ) ويقول صلى الله عليه وسلم ..(( ما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده بل تزده!! ))
عباد الله..الزكاة من أوجب واجبات الإخوة والتكافل في الإسلام..وكما أنها عبوديّة لله فهي تحمي من الفقر الذي هو سببٌ للمشكلات الكبرى على الدول والمجتمعات فهل تعلمون عباد الله أن مبالغَ الزكاة الواجبة للمسلمين في العالم تقدر بحوالي مائة وخمسون مليار ريال لو أخرجت هذه المبالغ وصُرفت بحق لأقامت دولاً ومشاريع جبَّارة ولما أبقت فقيراً لكن التهاون بإخراجها أو منعها أو تشويه صرفها جعل بلدان العالم الإسلامي أفقرَ بلاد العالم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كما يُستحَبّ للمسلِم أن يوزّع زكاتَه بنفسِه،وله أن يَعهَد بتوزيعها إلى مَن يثِق به مِن الأُمَناء الأقوياء،تطوّعاً أو يعطيها جمعيات الفقراء التي تعرفهم وتبحث حالاتهم وتنظم الصرف عليهم ولا يجوز للوكِيلِ التفريط أو التهاون بصرفها وتأجيله فيجب عليه سرعة إخراجه للمستحقين،ولا يجوز له تأخيرُه بلا مَصلَحةٍ معتبرة..كما أن الزكاة إخوتي ليست عادةً كما يُسمِّيها البعض فيأخذها وهو غير مستحقٍ لها فمن أخذها وهو غير مستحق فهو يأخذ حراماً يأثم عليه ويجبُ التحري بدقة عن مستحقي الزكاة واحذروا ممن يستغل عاطفة المُزكِّين فيتسولُ الزكاة وهو غير مستحق أو أخرق التصرّف ممن يُسرف ثم يطلب الزكاة أو ممن يغرقونَ في الديون باستهتار ثم يبحث عن الزكاة وغير ذلك من مظاهر صرنا نراها مؤخراً تنبهنا للتحرّي في دفع الزكاة وإذا كنت غير قادر فالجمعيات الرسمية المتنوعة لديها ضوابط في تنظيم صرفها فادفعها إليهم واختر من المشاريع أحوجها وأنفعها لتحصّل بذلك الأجر العظيم..
أيّها المسلمون،الزّكاةُ أنواع وأقسامٌ ومسائِل وأحكام،وهي من أمور دينكم وركن للإسلام فاسأَلوا أهلَ العلم عمَّا أشكَل،واشكروا الله الذي وهبكم المال وجعلكم تتصدقون وتنفقون وأنتم ترون حال العالم اليوم كيف يئنُّ من الفقرِ والجوع والمسغبة ونحن في خير ونعمة وقد كنا في تاريخنا مثلهم جوع ومسغبة وترد إلينا الزكاة من الهند والعراق والشام بل ومن الصومال فالحمد لله على نعمائه ونسأل الله دوامها وأن يرزقنا شكرها وأداء حقها ويعيذنا من التقصير والبخل في أداء حقّها((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ))اللهم ارزقنا شكر نعمتك والقيام بحقك وعبادتك على الوجه الذي يرضيك عنا..أقول ما تسمعون ...
الخطبة الثانية
..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
للزكاة دورٌ عظيم في نشر الدعوة الإسلامية، فكما أن الإسلام ينتشرُ بالإقناع والبيان، فهو كذلك ينتشر بالبذل والعطاء والإحسان،ولهذا جعل الله جلت حكمته نصيبًا من أموال الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وهم من يُرجى تأليف قلوبهم باستمالتهم إلى الإسلام ودخولهم في دين الله عز وجل، أو لتثبيت أقدامهم فيه، أو رجاء نفعهم في الدفاع عن المسلمين، أو كفًا لشرهم عنهم، وعلى كل حال فنفع الزكاة متنوع ومتعدد الفوائد..وكذلك الزكاة في سبيل الله ومن ذلك نشر العلم وقد قرّر العلماء أن تنوّع مَصارف الزكاة لغير الفقراء دلالةٌ على خدمة المجتمع من خلالها وكذلك بذل العلم والدعوة وها نحن أولاء نشاهد أعداء الإسلام قد كرّسوا جهودهم واستنفروا جنودهم وبذلوا أموالهم لإضلال المسلمين مستغلِّين الفقر وحاجة الشعوب للمال، فما أحرانا نحن المسلمين بالقيام بواجب الدعوة الإسلامية المُلقى على عاتقنا في هذه الزكاة الواجبة وأدائها بالطريقة المناسبة لنفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة.ومن أدى زكاة ماله ذهب عنه شرّه، وما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة..نسأل الله أن يتقبل من المزكين زكاواتهم ومن الصائمين صيامهم وقيامهم وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم..وأن يكفيَنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح ذات بيننا وأن يصرف الشقاق والفرقة والتنازع فيما بيننا إنه ولي ذلك والقادر عليه...اللهم ألّف بين قلوب المسلمين ودولهم واكفهم شرّ المؤامرات والخلاف وعليك الله بكل عدوٍّ للإسلام والمسلمين اجعل كيده في نحره واجعل سعيه للخلاف وبالاً عليه وأدم علينا وعلى بلاد المسلمين الأمن والإيمان والسلامة والاطمئنان وانصر جنودنا واحم حدودنا ووفق ولاة أمرنا لكل ما تحب وترضى يارب العالمين ..
نتحدّثُ اليوم عن ثالِثِ أركان الإسلام ومبانِيهِ العِظام، فريضةٌ واجِبة وحقٌ معلوم للسائل والمحروم..إنها الزكاة أوجبها الله على كلِّ من ملَك نصابًا،وِقايةً للمالِ من الآفات،وسَببًا للزيادة والتَّضعيف وحصولِ البركات..هي مواساةٌ للفقراء ومَعونةٌ للبُؤَساء والضعفاء وصِلةٌ بين المحتاجين والأغنياء وعونٌ على مجانبة البخل والشّحِّ عن العطاء، كم فرَّجت عن مُعسِرٍ وفقير،فضائلُها لا تُعَدّ وبَركاتُها لا تُحَدّ والزكاةُ دعامةٌ أساسيةٌ من دعائم الإسلام العظيمة..عبادةٌ مالية اجتماعية قرنها الله سبحانه وتعالى بالصلاةِ في القرآن بلفظ الزكاة أو الصدقة أو الإنفاق.. فرضَها الله تعالى بجميع الشرائع السماوية في وصاياه إلى رسله ولأممهم،فيقول عن إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوب..(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلوٰة وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانُواْ لَنَا عَـٰبِدِينَ)وامتدح بها إسماعيل بقوله..(وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيًّا)وعيسى يقول(وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً )وهي عنوان الدخول في الإسلام((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ))والزكاةُ بُرهانٌ وعنوانٌ على صِدق الإيمان، وفُرقانٌ بين المنافقِ الجَموع المَنوع وبين المؤمن الخاضِعِ للحقِّ الواجِبِ المشروعِ.
الزكاةُ عباد الله تُخرجُ علَى الفَور في مواضِعها ومصارِفها لتصلَ لمستحقِّيها وهم ثمانِيَةُ أصناف ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))ومَن جحَد وجوبَها كفَر، ومن منعها أُخِذَت منه قَهرًا،ولذلك حارب أبو بكر الصديق والصحابةُ معه من منعها وقال كلمته المشهورة [لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عُقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه]ومَن حبسها تهاونًا وأمسَكَها تكاسلاً وكتمَها بُخلاً وغيَّبها شُحًّا أو أنقَصَها أو أخَّرها عن وقت وُجوبها مع إمكانِ أدائها فهو عاصٍ وآثم ومُعتدٍ وظالمٌ،وتوبتُه بإخراجِ ما وجَب في ذمّتِه منها وتعلَّق بماله من حقِّها.ومَن مضَت عليه سنوات لم يؤدِّ زكاتَها لزِمَه إخراجُ الزكاةِ عن جميعِها والتّوبةُ والاستغفار عن تأخيرِها ومن مات ولم يُزكّ فهي دين عليه مع الإثم ويجب على ورثته إخراجها عنه!! والزكاةُ ليست تبرّعًا يتفضّلُ به غنيٌ على فقير،وإنما هي حقٌ في أموال الأغنياء،يُدفعُ للمستحقين إلزاماً.
والإسلامُ حدّدَ الأموالَ التي تجبُ فيها الزكاة،ومتى تجب على المال، ومقدارَ إخراجها فهناك مالٌ يجب فيه العُشر كزروع يُخرجها الله من الأرض بغير جهد للإنسان،فإن كانت تُسقى بالآلات ففيها نصف العُشر.. وأما الأموالُ النقدية ففيها ربعُ العشر..2.5 بالمائة،كالنقدين الذهب والفضة وهي نسبةٌ ضئيلة بحمد الله تُعتبرُ حقاً لله المنعم المتفضل عليك بهذا المال..وهذا النصاب خلافٌ للمبتدعة الذي يرونه خُمس المال أو غيرهم..والزكاةُ تجبُ في المال كلما حال عليه الحول، وهناك زكاةٌ على الحيوانات كالإبلِ والبقر والغنم، وعروض التجارة وغيرها مما وضع لها الإسلام نظامًا خاصًا منضبطًا..ينبغي أن يعرفه ويستَفتي عنه العلماء من يتعامل به ليُخرجَ زكاتَه الواجبة.
فيا مَن جمع المال وأوعَاه ومنَع حقَّ الله فيه اقرأ قولَ الله ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍيَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ))وقال صلى الله عليه وسلم..((من آتَاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه مُثِّل له يومَ القيامة شجاعًا أقرَع له زبيبتان، يُطوّقه يومَ القيامة،ثمّ يأخذ بلهزمَتَيه يعني بشِدقَيه ثم يقول..أنا مالُك أنا كنزك))،ثم تلا..((وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أخرجه البخاري وقال عليه الصلاة والسلام..(ما مِن صاحبِ ذهبٍ ولا فضّة لا يؤدِّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحَت له صفائِحُ من نار فأحمِي عليها في نار جهنَّم، فيُكوَى بها جَنْبُه وجبينُه وظهره، كلَّما رُدَّت أُعيدت له،في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنة،حتى يُقضَى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار،ولا صاحبِ إبل لا يؤدي منها حقَّها،ومن حقِّها،حلبُها يومَ وردها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاعٍ قرقر أوفر ما كانت،لا يفقد منها فصيلاً واحداً،تطؤه بأخفافها،وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولُها، رُدّ عليه آخرها،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،حتى يُقضي بين العباد،فيرى سبيله،إما إلى الجنة وإما إلى النار))أخرجه مسلم فيا لها من عقوبةٍ مغلَّظة ترجُف منها القلوبُ المؤمِنة!! فيا مانِع الزَّكاة،أنسِيتَ أن الأموالَ عارِيَّةٌ عند أربابها وودِيعةٌ عند أصحابها؟!أنَسيتَ أنّ الزّكاة نفعُها عليك وثوابُها راجعٌ إليك؟!فحذارِ أن تكونَ ممّن يراها نقصًا ويعدُّها غُرمًا وخسارًا،فلا ينفِقُ إلاّ كُرهًا،فزكِّ مالَك بإخلاصٍ واحتساب،وبانشراحٍ وطِيب نفسٍ رجاءَ الثّواب!!
فارحموا السائلَ المحروم،وأَعطوا الفقيرَ المعدوم، وتصدَّقوا على المسكين المهموم الذي لا يجِد كفايتَه ولاما يقوم به وابشروا يا أهلَ البَذل والسّخاء والإنفاق والعَطاء،أبشِروا بحسنِ الجزاءِ والخَلَف والبركة والنّماء(وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه ) ويقول صلى الله عليه وسلم ..(( ما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده بل تزده!! ))
عباد الله..الزكاة من أوجب واجبات الإخوة والتكافل في الإسلام..وكما أنها عبوديّة لله فهي تحمي من الفقر الذي هو سببٌ للمشكلات الكبرى على الدول والمجتمعات فهل تعلمون عباد الله أن مبالغَ الزكاة الواجبة للمسلمين في العالم تقدر بحوالي مائة وخمسون مليار ريال لو أخرجت هذه المبالغ وصُرفت بحق لأقامت دولاً ومشاريع جبَّارة ولما أبقت فقيراً لكن التهاون بإخراجها أو منعها أو تشويه صرفها جعل بلدان العالم الإسلامي أفقرَ بلاد العالم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كما يُستحَبّ للمسلِم أن يوزّع زكاتَه بنفسِه،وله أن يَعهَد بتوزيعها إلى مَن يثِق به مِن الأُمَناء الأقوياء،تطوّعاً أو يعطيها جمعيات الفقراء التي تعرفهم وتبحث حالاتهم وتنظم الصرف عليهم ولا يجوز للوكِيلِ التفريط أو التهاون بصرفها وتأجيله فيجب عليه سرعة إخراجه للمستحقين،ولا يجوز له تأخيرُه بلا مَصلَحةٍ معتبرة..كما أن الزكاة إخوتي ليست عادةً كما يُسمِّيها البعض فيأخذها وهو غير مستحقٍ لها فمن أخذها وهو غير مستحق فهو يأخذ حراماً يأثم عليه ويجبُ التحري بدقة عن مستحقي الزكاة واحذروا ممن يستغل عاطفة المُزكِّين فيتسولُ الزكاة وهو غير مستحق أو أخرق التصرّف ممن يُسرف ثم يطلب الزكاة أو ممن يغرقونَ في الديون باستهتار ثم يبحث عن الزكاة وغير ذلك من مظاهر صرنا نراها مؤخراً تنبهنا للتحرّي في دفع الزكاة وإذا كنت غير قادر فالجمعيات الرسمية المتنوعة لديها ضوابط في تنظيم صرفها فادفعها إليهم واختر من المشاريع أحوجها وأنفعها لتحصّل بذلك الأجر العظيم..
أيّها المسلمون،الزّكاةُ أنواع وأقسامٌ ومسائِل وأحكام،وهي من أمور دينكم وركن للإسلام فاسأَلوا أهلَ العلم عمَّا أشكَل،واشكروا الله الذي وهبكم المال وجعلكم تتصدقون وتنفقون وأنتم ترون حال العالم اليوم كيف يئنُّ من الفقرِ والجوع والمسغبة ونحن في خير ونعمة وقد كنا في تاريخنا مثلهم جوع ومسغبة وترد إلينا الزكاة من الهند والعراق والشام بل ومن الصومال فالحمد لله على نعمائه ونسأل الله دوامها وأن يرزقنا شكرها وأداء حقها ويعيذنا من التقصير والبخل في أداء حقّها((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ))اللهم ارزقنا شكر نعمتك والقيام بحقك وعبادتك على الوجه الذي يرضيك عنا..أقول ما تسمعون ...
الخطبة الثانية
..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
للزكاة دورٌ عظيم في نشر الدعوة الإسلامية، فكما أن الإسلام ينتشرُ بالإقناع والبيان، فهو كذلك ينتشر بالبذل والعطاء والإحسان،ولهذا جعل الله جلت حكمته نصيبًا من أموال الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وهم من يُرجى تأليف قلوبهم باستمالتهم إلى الإسلام ودخولهم في دين الله عز وجل، أو لتثبيت أقدامهم فيه، أو رجاء نفعهم في الدفاع عن المسلمين، أو كفًا لشرهم عنهم، وعلى كل حال فنفع الزكاة متنوع ومتعدد الفوائد..وكذلك الزكاة في سبيل الله ومن ذلك نشر العلم وقد قرّر العلماء أن تنوّع مَصارف الزكاة لغير الفقراء دلالةٌ على خدمة المجتمع من خلالها وكذلك بذل العلم والدعوة وها نحن أولاء نشاهد أعداء الإسلام قد كرّسوا جهودهم واستنفروا جنودهم وبذلوا أموالهم لإضلال المسلمين مستغلِّين الفقر وحاجة الشعوب للمال، فما أحرانا نحن المسلمين بالقيام بواجب الدعوة الإسلامية المُلقى على عاتقنا في هذه الزكاة الواجبة وأدائها بالطريقة المناسبة لنفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة.ومن أدى زكاة ماله ذهب عنه شرّه، وما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة..نسأل الله أن يتقبل من المزكين زكاواتهم ومن الصائمين صيامهم وقيامهم وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم..وأن يكفيَنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح ذات بيننا وأن يصرف الشقاق والفرقة والتنازع فيما بيننا إنه ولي ذلك والقادر عليه...اللهم ألّف بين قلوب المسلمين ودولهم واكفهم شرّ المؤامرات والخلاف وعليك الله بكل عدوٍّ للإسلام والمسلمين اجعل كيده في نحره واجعل سعيه للخلاف وبالاً عليه وأدم علينا وعلى بلاد المسلمين الأمن والإيمان والسلامة والاطمئنان وانصر جنودنا واحم حدودنا ووفق ولاة أمرنا لكل ما تحب وترضى يارب العالمين ..